شعب

Peuple

مقدمة

القسم الأول

شعب العهد القديم

أولاً: تسامي شعب الله

1.
اختيار، دعوة، عهد
:

2.
ألقاب شعب الله ووظائفه
:

ثانياً: المعنى الديني لاختبار أمة

1.
جماعة من حيث الجنس
:

2.
جماعة المؤسسات
:

3.
جماعة متحدة المصير
:

4.
التأصل في وطن
:

5.
وحدة اللغة
:

6.
جماعة العبادة
:

ثالثاً: العهد الأول القديم: قيمته وحدوده

القسم الثاني

الوعد بالشعب الجديد

أولاً: شعب العهد الجديد

1.
تفوّق العهد الجديد
:

2.
الطابع العالمي الشامل للشعب الجديد
:

ثانياً: إشارة رمزية إلى الشعب الجديد

1.
جنس جديد
:

2.
مؤسسات جديدة
:

3.
أحداث الخلاص
:

4.
الأرض المقدسة الجديدة
:

5.
تجميع كل اللغات
:

6.
عبادة الله الجديدة
:

ثالثاً: شعب آخر الأزمنة وإسرائيل التاريخي

القسم الثالث

شعب العهد الجديد

أولاً: الشعب الجديد

ثانياً: إسرائيل والأمم في الشعب الجديد

ثالثاً: الشعب الجديد في مسيرته نحو إكماله

 

 

مقدمة

إن موضوع شعب الله الذي تنتظم وتتجمع فيه كل مظاهر حياة إسرائيل، هو أيضاً موضوع مركزي في العهد القديم، بقدر ما يصبح مركزياً في العهد الجديد موضوع الكنيسة، شعب الله الجديد، هو أيضاً جسد المسيح. وتكون النظرة النبوية لآخر الأزمنة بمثابة حلقة الصلة بين الموضوعين. فهي في العهد القديم، تبشّر بشعب العهد الجديد، وتصفه مقدماً، بأنه هو المنتظر مجيئه في “اكتمال الأزمنة
“.

القسم الأول

شعب العهد القديم

من حيث الدلالة على التجمعات الإنسانية المتسعة إلى حد ما، كان اللفظان العبرانيان “عام” و”جويَ” يشيران في الأصل إلى اثنين من العناصر المكوَنة لهذه التجمعات: جماعة الدم وهيكل النظام الاجتماعي الثابت. إلا أنّ كلا اللفظين قد اتخذ استخدامهما تدريجياً معنى خاصاً في لغة العهد القديم… فأخذ اللفظ “عام” (بالمفرد) يشير بالأكثر إلى إسرائيل شعب الله، بينما خصص لفظ “جوييم” (بالجمع) للدلالة على الأمم الغربية الأجنبية، أي على الوثنيين (عدد 23: 9 وما بعد)، ولكن دخلت على هذا الاستخدام بعض استثناءات. ففي الكتاب المقدس باللغة اليونانية، عبّر لفظ
laos
أيضاً عن شعب الله (وفي النادر جرى لفظ
demos
عند التركيز على تنظيمه السياسي) بينما كام لفظ جوييم (بالجمع) ينطبق على الأمم الوثنية. على أنه وردت هناك بعض استثناءات. وهذه النقطة اللغوية دليل على أنّ الناس قد شعروا بالاحتياج إلى لفظ خاص للتعبير عن الصفة الفريدة لإسرائيل، الشعب الذي يختلف كثيراً عن الشعوب الأخرى بسبب سرّ دعوته، حتى إنّ تجربته الوطنية قد اكتسبت دلالة دينية، وأن وجهاً أساسياً من تدبير الخلاص أخذ يظهر على هذا الشعب
.

أولاً: تسامي شعب الله

1.
اختيار، دعوة، عهد
:

ينتمي إسرائيل، شأنه شأن جميع الشعوب الأخرى، إلى التاريخ البشري. فهو إن وجد، فلأن الله قد اختاره (تثنية 7: 7، إشعيا 41: 8)، ودعاه (إشعيا 48: 12) لامن أجل تعداده أو قوته واستحقاقه (تثنية 807:7: 9017: 4). بل من باب المحبة” له (تثنية 7: 8، هوشع 11: ا). وإذ ميّزه هكذا عن الآخرين، فقد افتداه وخلّصه في زمن الخروج (تثنية 6: 12، 7: 8، 8: 14 …، 9: 26). وقد أنشأه أمة مستقلة، فبنوع ما قد خلقه (راجع إشعيا 43: 15)، وشكّله كطفل في بطن أمه (إشعيا 44: 2 و24). وإن الوعي الحيّ بالتبعية الكلية تجاه الله، يصاحبه إذن في إسرائيل وعي الأمة بذاتيتها كأمة. وبعد ذلك يجيء العهد: فوثيقة التأسيس هذه تؤكد أنّ كلّ شيء أصبح بالنسبة إلى إسرائيل يحدث على مستويين: مستوى التاريخ، ومستوى الإيمان. وهكذا يصير ميثاق مقدس مختوماً بدم ذبيحة (خروج 24: 8)، يشترك فيه الأسباط الإثنا عشر أطرافاً متعاقدة. وبذلك يصبح يهوه إله إسرائيل، وإسرائيل شعب يهوه (راجع تثنية 29: 12، لاويين 26: 12، إرميا 7: 23 الخ…، حزقيال 11: 20 الخ…) وعليه يعقد رباط واحد بين الله وجماعة إنسانية، وكلّ من ينتمي بالختان إلى هذه الجماعة، يصبح مشتركاً في هذا الرباط (راجع تكوين 17: 10
…).

2.
ألقاب شعب الله ووظائفه
:

فإسرائيل هو الشعب القديس، المكرس لله، المفروز له على حدة (تثنية 7: 6، 14: 2)، خاصته (خروج19: 5،إرميا 2: 3)، ميراثه (تثنية 9: 26). هو قطيعه (مزمور 80: 2، 95: 7)، وكرمته، (إشعيا 5: ا، مزمور 80: 9)، وابنه (خروج 4: 22، هوشع 11: ا)، وعروسه (هوشع 2: 4، إرميا 2: 2، حزقيال 16: 8). هو “مملكة أحبار” (خروج 19: 6)، حيث يملك الله على رعايا مكرّسين لخدمته. فتدل هذه الغائية العبادية للعهد، في نفس الوقت، على أية وظيفة يقوم بها إسرائيل بالنسبة إلى بقية الأمم: الشاهد لله الواحد في وسطها (إشعيا 44: 8)، هو الشعب الوسيط الذي به يلتحم الرباط بين الله ومجموع الإنسانية، بحيث يصعد إلى الله تمجيد الأرض (إشعيا 45: 14 15 و 23- 24)، وتشترك كل الأمم في بركة” الله (تكوين 12: 3، إرميا 4: 2، سيراخ 44: 21
).

ثانياً: المعنى الديني لاختبار أمة

بفضل العهد، يحقق إسرائيل لغزاً في قلب تاريخ البشرية: إن شعب الله أساساً جماعة دينية بنوعية، متسامية بذات طبيعتها، وهو أيضاًٍ بُعد من أبعاد هذا العالم، يحمل جميع العناصر الزمنية التي تشكّل حياة الشعوب على الأرض. ونتيجة لذلك، فإن اختياره كأمّة تستطيع خلالها بقية الأمم أن تتبيّن وجهها، سوف تكون له دلالته المضيئة من أجل الإيمان
.

1.
جماعة من حيث الجنس
:

ويتمثل شعب إسرائيل وحدته الداخلية منبثقة من أصله الواحد. فالآباء العبرانيون هم آباء الجنس، وذكريات التاريخ السابق على الخروج تتبلور. في إطار سلالة تقود من إبراهيم، بواسطة إسحق، إلى يعقوب- إسرائيل، أبي الإثني عشر ابنا ًالذين أعطوا أعطوا أسماءهم للأسباط الإثني عشر. وحقيقة أنه خلال الأزمنة قد استوعب الجنس عدة عناصر أخرى متباينة: منذ الخروج من مصر (خروج 12: 38)، في الصحراء (عدد 11: 4، قضاة 4: 11 …)، بعد غزو أرض كنعان (يشوع 9، قضاة 3: 1…). ولكن في الحقبة الأخيرة يلاحظ بالأحرى التشدّد في الاهتمام بطهارة الدم اليهودي: فتحظير الزيجات من الأجانب دفاعاً عن “النسل الطاهر” (عزرا 9: 2) ضد الشعوب الوثنية التي تحمل عبادة الأصنام في دمائها. بل تضفي مثالية على الماضي، فيلحق بسلالة الآباء بعض الغرباء المعتبرون من النظراء من قديم الزمن، مثل عشائر كالب (ا أيام 2: 18، راجع عدد 32: 12 وتكوين 15: 19). ذلك لأن اختيار إسرائيل قد سرى خلال آبائه: أفلا نلاحظ في كل فترة من سلالتهم، كيف استبعدت الشعوب المجاورة بآبائهم من تدبير الخلاص(تكوين 19: 30، 21: 8…، 25: 1…، 36)؟ ولذلك فلا بدّ للاشتراك في الوعود والعهد الإلهي، من الانتماء لأصل إبراهيم خليل الله (إشعيا 41: 8، 51: 2، راجع 63: 16، إرميا 33: 26، مزمور 105: 6، 2 أيام 20: 7). على أنه يظل نوع من العالمية بادياً قي أفق الفكر، حيث ينبغي أن يصبح إبراهيم “أبا جمهور أمم” (تكوين 17: 65). ولكن من الناحية العملية، يلتحق الغرباء المنضمون لليهودية، المهتدون (إشعيا 56: 8). في الواقع بالجنس المختار، لكي يشتركوا في امتيازاته الدينية. فالإيمان المشترك لا يكفي بعد لتكوين شعب الله، الذي أساسه الملموس أنه فرع لعنصر مختار من الله وسط بقية الفروع
.

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم رؤيا سدراخ خ

2.
جماعة المؤسسات
:

إن سلالة الآباء ليست كتلة خاملة، ولكنها تشكَل مجتمعاً منطماً. إنَ خلاياه الأساسية، الأسرة والعشيرة (بالعبرية “مِشْبَحَة”) حيث توجد رابطة الدم، تجتاز الأجيال وتستمر قائمة رغم التمزق بالشتات (عزرا 2، نحميا 7). غير أنه من الوجهة الاقتصادية: هذه الخلايا تضبط تملك القطعان والأراضي وحقوق المرعى، وتسيطر على عادات، مثل ثأر الدم (عدد 35: 19)، وإقامة العقب بتزوج أرملة الأخ المتوفي (تثنية 25: 5…)، وحق الافتداء (راعوث 4: 3). وبواسطة تلك الخلايا، يعي كلّ فرد انتماءه الاجتماعي عي الذي يحميه ويوجب التزامه معاً. إن العشائر نفسها تعود تّتجمع في الأسباط، وهي الوحدات السياسية الأساسية. وأول صورة تتخذها الأمة المنظّمة هي صورة اتحاد الأسباط الإثني عشر المرتبطة معاً بميثاق العهد (خروج 24: 4، يشوع 24). وعندما سيصبح للدولة الإسرائيلية كيان أكثر صلابة. فإن الملكية المركّزة ستغطَي الأسباط دون أن تبطلها (2 صموئيل 2: 4، 5: 3)، لدرجة أنه بعد تدهور النظام الملكي وعندما تتشتت الأمة، سيظل اتحاد الأسباط الوضع المثالي أمام القائمين على إعادة إصلاح الكيان اليهودي، (راجع حزقيال 48). غير أنه إذا كان تطور هذه المؤسسات محكوم بعوامل تاريخية متنوعة، فإنه يتوقف قبل كل شيء على مبدأ يفوق تأثير الأحداث: السريعة التي أرسى موسى أسسها الهامة، والتي تضمَنت مع نموها خلال الأجيال، ثبات الروح نفسها في العادات والتقاليد (راجع نحميا 8). وبالشريعة تتخذ كلَ مؤسسات إسرائيل معنى وقيمة بحسب تدبير الله، فهي “المربّي” من جانب العناية الإلهية لشعب العهد (غلاطية 3: 24
).

3.
جماعة متحدة المصير
:

وفي خط موازٍ للمؤسسات التي تشكل هيكل الأمة. تضفي وحدة المصير على أعضائها روحاً مشتركة، تنعكس في اختبار البداوة، والاضطهاد والتخلص منه: والهيمان في البادية
:
والمعارك من أجل تملك وطن، ووحدة الأمة المكتسبة مقابل ثمن مرتفع، والأوج الإمبراطوري، والانقسام السياسي الممهد لخراب شطري الدولة، والنكبة والشتات… غير أن لهذه التجارب معنى دينياً، فهي نوعاً ما اختبار ملموس لسبل الله. فوجهها المضيء يبدي بوضوح هبات الله لشعبه، وينبئ بنواياه السرية. أما جانبها المعتم فيشعر بغضب الله، الذي يظهر خلال دينونات، رادعة. و بذلك يصبح التاريخ وحياً. ومن هذه التجارب لعدة أجيال، يستخلص شعب الله نماذج تفكير أساسية تتشكّل فيها التجارب التي تعمقها (راجع 1 مكابيين 2: 51…، 2 مكابيين 8: 19)، فيجد الشعب قي ماضيه أساساً يرجع إليها لتصوّر مستقبله الذاتي، وللتعبير عن موضع آماله (راجع إشعيا 63: 8
…).

4.
التأصل في وطن
:

وجّه الله شعبه من الصحراء سكناه الأصلية، إلى أرض كنعان. وهي الأرض التي عاش فيها أجداده، ولا تزال مقابرهم قائمة فيها (تكوين 23: 4، 25: 9 الخ…)، هي أرض الميعاد (تكوين 12: 7، 13: 15)، وقد منحها الله بعدئذ ميراثاً” (خروج 23: 27…، تثنية 9: 1…، إرميا 2: 7، مزمور 77: 54- 55)، وهي الأرض المكتسبة خلال عملية إنسانية كانت تحقق تدبير الله (يشوع 1: 13…، 24: 11…). إنها لم تعد أرض كنعان أي بلداً وثنياً، بل هي أرض إسرائيل، الأرض المقدسة التي اختارها الله لنفسه مسكناً وسط شعبه (1 ملوك 8: 15). وأورشليم ” مسكن الله والعاصمة السياسية، علامة ملموسة لاتحاد وطني وديني معاً (مزمور 122). ولذلك فالشتات الذي يعقب نكبة الأمَة، يوطّد تعلق شعب الله بأرضه. إن الروحانية الخاصة بصهيون قد نشأت منذ أن أصدر كورش مرسومه (عزرا 1: 2)، وبقيت بحيويتها في القرون اللاحقة (عزرا 7). فحتى عندما يقيم اليهود وسط الغرباء، فهم لا يحسون أبداً بأنهم انتزعوا انتزاعاً كلياً، ما دام لم يزل لهم هناك وطن، حيث يرقد الآباء (نحميا 2: 3)، وإليه يتوجهون للصلاة (دانيال 6: 11
).

5.
وحدة اللغة
:

عندما يفتح إسرائيل الأرض المقدسة،يجعل “”لغة كنعان” (إشعيا 19: 18) لغنه الخاصة. وتعتبر اللغة” عنصر اتحاد بالنسبة لأي شعب، فتضمن له قيام عقلية مشركة. وهي تنقل ثقافة ورؤية خاصة عن العالم، فتقوم مقام وطن روحي حقيقي. على أنه اتفق أن كانت العبرية بالنسبة لإسرائيل لغة الوحي الإلهي نفسه الذي تبنى أنماط الفكر التي صاغتها الثقافة الساميّة، واستفاد من طابع العبرية الإيجابي والقوي الحركة. وهكذا من جيل إلى جيل تتشكل حضارة قومية حقيقية، تظهر فيها إسهامات إنسانية شديدة التنوع (كنعانية، أشورية، بابلية، إيرانية، وحتى يونانية). ولكن الوحي يجري فيها غربلة تستبعد العناصر غير القابلة للانسجام، مضفياً على المفردات ومفاهيم الفكر مضمونات جديدة لها علاقة بتدبير الله. وفي النهاية فبينما يتخاطب اليهود بالآرامية أو اليونانية، تبقى اللغة العبرية “اللغة المقدّسة”، أما تداول التراجم والنسخة السبعينية، فأتاح للآرامية واليونانية أن تنقلا بدورهما عقيدة الوحي دون أن يتسرب الزوال إليها. فهكذا يكون تطوّر إسرائيل الثقافي محكوماً “بكلمة الله” الثابتة في الكتاب المقدس، ولكن حتى تكون قابلة للفهم، تسكب “كلمة الله” في قالب يهودي
.

6.
جماعة العبادة
:

في المجتمعات الشرقية القديمة كانت العبادة مظهراً من المظاهر الأساسية للحياة في المدينة. فعند إسرائيل تعَدَ عبادة الله الواحد، طبقاً للعهد أسمى وظائف الأمة. وتحتفظ اللغة العبرية بتعبيرات فنية للدلالة على الشعب المجتمع لأداء هذا الدور العبادي. إنه يكوّن جماعة (بالعبرية “عيداه”). دعوة. مشتركة مقدسة (“ميقرا”). جمعية (“قاهال”)، وعندما انتقلت هذه التعابير إلى اليونانية. أدت إلى نشأة لفظين
:ekklisia
و
synagoge.
وبينما تبحث اليهودية في جماعة البادية المقدسة عن مثاليتها وفق ما تصفه التوراة، فإنها لا تكون قد شكلت كنيسة بعد بالمعنى الأقوىَ للكلمة، ولأنها تظل ملتزمة بهياكل النظم الزمنية لأمة معينة بذاتها. ولكنها تأخذ من وقتها في التطبع بسمات الكنيسة، ما دامت الخصائص المميزة لشعب إسرائيل تبدو في كثير من الوضوح خلال صفته كجماعة عبادة: ” قاهال
” ekklesia .

ثالثاً: العهد الأول القديم: قيمته وحدوده

منذ العهد الأول القديم ظهر هيكل الشكل الاجتماعي لتدبير الخلاص: فالإنسان لن يخلص من قبل الله بابتعاده عن التاريخ، ولن يعثر على الله في عزلة حياة دينية مفصولة عن العالم. بل سيرتبط بالله باقتسامه حياة ومصير الجماعة المختارة من الله لتكون شعبه. وهذا التدبير الإلهي يبدأ تحقيقه في إسرائيل، لأن أعضاء شعب العهد يتمتعون من ثم وفعلياً بحياة إيمان تساندها المؤسسات والتاريخ القومي، كما تساندها “كلمة الله” والمجامع العبادية. وهنا يبدو مع ذلك الطابع غير الكامل لهذا التحقيق التمهيدي والمؤقت. حياة الإيمان باعتبارها اختباراً لعلاقة العهد مع الله. تشكل حقيقة إيجابية، تحمل في طياتها وعد الخلاص النهائي. ولكنها تبقى بعدها مرتبطة بظروف تحدّها من وجهين اثنين. فتطلعاتها لا تتعدَى لا دائرة الشئون الأرضية، ولا أفق أمة بعينها. ومع ذلك في هذا الرباط نفسه بين حقيقة متسامية (“شعب الله”) وحقيقة قومية وزمنية تكون عمـاداً مرئياً لها. قد أصبح جانب من سر حياة الإيمان العميق في متناول عقول البشر: إنه ابتداء من تجارب إسرائيل باعتباره شعباً من هذا العالم الحالي، أخذت المعالم المختلفة للجماعة المقدسة، التي سيتحقق فيها تدبير الخلاص في النهاية، ترتسم تحت ستار الرموز
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ن نافج او نفج ج

القسم الثاني

الوعد بالشعب الجديد

إن الترتيب المؤسس على العهد القديم لم يكن فقط خاضعاً للحدود التي أوردناها تواً، و إنما كان أيضاً عاجزاً عن أن “يبلغ شيئاً إلى الكمال” (عبرانيين 19:7، 9: 9، 10: ا)، ولم يمكنه أن يوجد على الأرض هذا ” الشعب المقدس ” الذي كان إسرائيل. مدعواً لكي يصبح أباه. فقد دلت الوقائع ذاتها على ذلك، حيث إنّ خطايا إسرائيل جلبت عليه العقاب “الجذري بالسبي، بالتشبيه”. ولكن قصد الله لم يسقط من أجل ذلك. وعليه تعلم التعاليم النبوية أنه قي “آخر الأزمنة” يجيء نظام جديد من شأنه أن يجد الله هذا الشعب الكامل الذي يكن الشعب القديم سوى المشروع والنواة بالنسبة إليه
.

أولاً: شعب العهد الجديد

1.
تفوّق العهد الجديد
:

مثل مما حدث فيما مضى بالنسبة إلى إسرائيل، فإنه لا بدّ وأن يولد الشعب الجديد من مبادرة الله. ولكن في هذه المرة سينتصر الله على الخطيئة التي كانت قد عرقلت تدبيره الأول: إنه سيطهّر شعبه، وسيغير قلبه، وسيسكب روحه في أحشائه (حزقيال 36: 26…)، وسوف يحذف منه الخطأة ليحفظ فيه بقية” متواضعة يفيض فيها العدل (إشعيا 20:10- 21، صفنيا 3: 13، أيوب 3: 5). ومع هذا الشعب الذي هو “خلقة” (إشعيا 65: 18)، فسوف يعقد عهداً جديداً (إرميا 31: 31…، حزقيال 37: 26).ويصبح هذا الشعب “الشعب المقدس” (إشعيا 62: 12)، و ا لقطيع (إرميا 31: 10)، وعروس يهوه (هوشع 2: 21). إن الاستقامة الداخلية السابق وصفها، تتعارض مع الحالة الروحية لإسرائيل، الشعب الخاطئ، وهي تعيد إلى الأذهان حالة الإنسانية السابقة لسقوط أبيها الأول في الخطيئة (تكوين 2
).

2.
الطابع العالمي الشامل للشعب الجديد
:

في الوقت نفسه تتسع حدود تدبير الله، لأنّ الأمم سوف تنضم إلى إسرائيل (إشعيا 2: 2…)، وسيكون لها معه نصيب في البركة الموعود بها إبراهيم (إرميا 4: 2، راجع تكوين 12: 3)، وفي العهد الذي سيتوسط فيه عبد يهوه المكتنف بالأسرار (إشعيا 42: 6). إنّ فرز إسرائيل على حدة يبدو هكذا كمرحلة مؤقتة في تسلسل التدبير الإلهي. وفي نهاية الأزمنة سيعود الطابع العالمي الشامل القديم إلى الظهور مجدّداً
.

ثانياً: إشارة رمزية إلى الشعب الجديد

وحتى يشير الأنبياء إلى الشعب الجديد بطريقة إيجابية، ما عليهم إلا أن يطرحوا التساؤل عن الاختبار الماضي لإسرائيل: فإذا استبعدنا عنه النقائص والظلال، فإنه يبدو أمامنا بمثابة رمز مسبق “لآخر الأزمنة
“.

1.
جنس جديد
:

سيدخل إسرائيل في الشعب الجديد باعتباره نسل إبراهيم (إشعيا 41: 8). 8). ولكنّ الأمم أيضاً ستنضم إلى شعب إله إبراهيم (مزمور 47: 10)، لتصبح وكأنها بدورها السلالة الروحية للجدَ. وإلى صهيون الأم “الرمزية للشعب المقدس”، ستقول جميعها “أباه” (مزمور 87). إذن فالجنس البشري بأسره سيعيد اكتشاف وحدته ” الأولى، عندما يتجمع الهاربون من الأمم المشتتة منذ أيام مغامرة بابل (إشعيا 66: 18- 20، راجع تكوين 10، 11، زكريا 14: 17
).

2.
مؤسسات جديدة
:

ويلجأون إلى النظم ذات الصفة الرمزية لوصف الشعب الجديد مقدماً كجماعة منظمة، وذلك مثل: الشريعة المسجلة في الضمائر (إرميا 31: 33، حزقيال 36: 27)، واجتماع الأسباط الإثني عشر (حزقيال 48)، ونقية التنازع بين إسرائيل ويهوذا (حزقيال 37: 15…)، ومملكة بنت داود (إشعيا 9: 11، إرميا 23: 5، حزقيال 34: 23، زكريا 9: 9)، الخ… وهنا أيضاً يلاحظ أن الطابع العالمي الشامل يتعقب على حدود النظم القديمة. ” فالملك، ابن داود، يملك على جميع الأمم (راجع مزمور 2، 72)، وبخاصة تعترف جميعها بالإله الواحد ” ملكاً ” لها” (زكريا 14: 16، مزمور 96: 10). وستتعلم شريعته لتجلب عليها النور (إشعيا 2: 2…، 42: 1 و4). وهكذا، دون أن تفقد شخصيها، سوف تلتحق الأمم بشعب الله بصورة نظامية
.

3.
أحداث الخلاص
:

توفّر في تجربة إسرائيل التاريخية أيضاً الوسيلة لتصوّر أحداث الخلاص: خروج جديد سيكون مثل الحروف الأول، فداء وخلاص (إرميا 31: 11، إشعيا 43: 16…، 44: 23)، ومسيرة جديدة عبر البرية، تجدد العجائب القديمة (هوشع 2: 16، إرميا 31: 2، إشعيا 40: 3، 43: 14، 48: 21، 49: 10)، وعودة إلى أرض الميعاد (هوشع 2: 17، إرميا 31: 12، حزقيال 37: 21)، وانتصار الملك على الأعداء المجاورين لافتتاح عصر سلام (إشعيا 9)… ولكن مرة أخرى يتسع الأفق: فلا تشترك في الإصلاح الموعود به السامرة وحدها، بل سدوم أيضاً (حزقيال 16: 53…)، نموذج المدينة الخاطئة! وهكذا فالسلام العالمي الذي يعود فيقوم في نهاية تاريخ الخلاص (إشعيا 2)، سيرجع الجنس البشري إلى حالة لم يعد يعهدها منذ خطيئة قايين (راجع تكوين 4: 8
).

4.
الأرض المقدسة الجديدة
:

وستصبح الأرض المقدسة بطبيعة الحال نقطة تجمع إسرائيل الجديد (حزقيال 34: 14، إرميا 31: 10…). ولكن ستكون عندئذ لها خصوبة عجيبة تفوق بكثير أشد الأوصاف حماسة في التثنية (حزقيال 47: 12، يوئيل 4: 18). وستكون فعلاً جنة عدن عائدة ثانية (حزقيال 36: 35، إشعيا 51: 3)، وستصبح عاصمتها أورشليم مركزاً للعالم بأسره (إشعيا 2). فهكذا في عالم “مخلوق ثانية” (إشعيا 65: 17)، سوف يحقق الله وحدة جميع الأوطان ليضمن لمختاريه سعادة الفردوس وسلامه (هوشع 2: 20 وإشعيا 65: 17- 25
).

5.
تجميع كل اللغات
:

لم يجعل الله لغة كنعان اللغة المقدسة عبثاً، فعندما تهتدي مصر في آخر الأزمنة، سوف تضرع إلى الرب باللغة المقدسة (اشعيا 19: 18…). ولكنّ النبؤات عن آخر الأزمنة تسير بنا إلى أبعد من ذلك: سيطهر الله شفاه جميع الشوب حتى يستطيع كل شعب أن يمجّده بلغته الخاصة (صفنيا 3: 9). وهكذا سوف يحدث تجمَع الأمم واللغات في عبادة تعود إجماعية (إشعيا 66: 18). وهذه العبادة سوف تضع حداً لتفتّت الجنس البشري، فتكون علامة للوحدة الروحية المكتشفة مجدّداً كما كانت عند بدء تدبير الله (تكوين 11: 10
).

6.
عبادة الله الجديدة
:

إن عبادة آخر الأزمنة قد وصفت بالطبع بحسب ملامح الشعائر الإسرائيلية (راجع حزقيال 40 إلى 48). ولكن العجيب مع ذلك أن الطابع العالمي الشامل يثبت فيها باستمرار. فإنه بالخدمة المشتركة لإله الواحد سوف تكتشف الإنسانية وحدتها مرة أخرى (إشعيا 2: 2…، 56: 6- 7، 66: 20- 21). وإن تجمعها النهائي سيتخذ شكل الحج حيث يتجمع شعب الله من أجل عيد المظالّ (زكريا 14: 16) وعيد مآدب. الوجبات العبادية و بها يدخل الشعب في وحدة اتحاد مع الله (إشعيا 25: 6). ورغم أن اللفظ غير وارد في النصوص، فالفكر يتجه إلى “جماعة مقدسة” جديدة مماثلة للكلمة العبرية “قاهال
“- ekklesia
في البرية حيث سوف تلحق الأمم ببقيَة إسرائيل
.

ثالثاً: شعب آخر الأزمنة وإسرائيل التاريخي

إنه يشار مقدّماً إلى شعب العهد الجديد، انطلاقا من الاختبار التاريخي لإسرائيل، الذي تشاهد هكذا قيمته الرمزية المسبقة بوضوح. إلا أنّ معطيات هذا الاختبار تتسامى في نقطتين: تجاوز الإطار القومي، وانفتاح الشعب الجديد على الإنسانية جمعاء، فالإنسانية والكون ذاته يسيران نحو كمالهما الأصلي بعد أن فقداه نتيجة خطيئة البشر
.

ولكن في هذا المشهد الرمزي، تبقى بعض الإلتباسات التي يسأل عنها جزئيا ًالاعتداد باختبار إسرائيل. فإنّ إعادة الوحدة إلى الإنسانية حول شعب العهد القديم، وملكه، ومدينته المقدسة تظل أحياناً مطبوعة على بعض قصر النظر (راجع إشعيا 52: 1)، أو بعض النزعات القومية المتطرفة (إشعيا 60: 12)، بل بوجه حرببي (مزمور 2، 72) سوف يتجه نحو التوسع في صورة حرب آخر الأزمنة (حزقيال 38، 39
).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد قديم سفر يشوع 17

وذلك خاصة أنه رغم أنّ النعيم الموعود للشعب الجديد يتضمن استبعاد كلّ شر خلقي أو جسدي (العذاب: إشعيا 65: 19، والموت نفسه: إشعيا 25: 8)، يظل الأفق زمنياً في أغلب الأحيان؟ مقصوراً على الأفراح الأرضية. وحتى بالنسبة “لشعب قدّيسي العلي” (دانيال 7: 22 و27) الذي يميل إلى تخطّي هذه الحدود الزمنية ويميل نحو التسامي، فيرى ذاته وقد أسندت إليه سلطة تشبه سلطات أقوياء هذا العالم (دانيال/ 27، راجع 14
).

وحتى يزول اللبس، فلا بد وأن يدخل شعب آخر الأزمنة بدوره. في معية المسيح وكنيسته، في مجال الاختبار الإنساني
.

القسم الثالث

شعب العهد الجديد

ونعثر في النسخة اليونانية للعهد الجديد أكثر منها في النسخة السبعينية عام المعنى التخصيصي لكلمتي
laos
شعب الله
ethne
الأمم الوثنية. ولكن عند تعريف جماعة الخلاص المرتبطة بالله بواسطة العهد الجديد؟ يأخذ موضوع
ekklesia (“
جماعة العبادة”) مكان الصدارة بالنسبة إلى كل المواضيع الأخرى. ولون كنيسة” المسيح التي يُدعي لدخولها شعب العهد القديم، ومن بعده الأمم الأخرى، تظلِ حقيقة شعباً مع كلَ المعاني التي يتسع لها هذا اللفظ، لأن حقيقة آخر الأزمنة التي تحل محلّها هذه الصور الرمزية المسبقة لا تبطل معنى هذا اللفظ بل تكمله
.

أولاً: الشعب الجديد

بمقتضى العهد الجديد المختوم بدم المسيح، قد خلق إذآ. شعب جديد تتحقق من أجله على وجه الكمال، كلمة الكتاب: “فأكون إلههم ويكونون شعبي” (2 كورنتس 6: 16، راجع لاويين 26: 12، عبرانيين 8: 10، راجع إرميا 31: 33، رؤيا 21: 3). وهو الشعب الذي كفر يسوع عن خطاياه (عبرانيين 2: 17)، الشعب الذي قدّسه بدمه (13: 12)، الشعب الذي يدخله البشر بالإيمان ” (غلاطية 3: 7، رومة 4: 3…). ولذلك فإن ألقاب إسرائيل تتحول الآن إليه: شعب الله الخاص (تيطس 2: 14، ر اجع تثنية 7: 6)؟ ذرية مختارة: أمة مقدسة، شعب اصطفاه الله (1 بطرس 2: 9، راجع خروج 19: 5 وإشعيا 43: 20- 21). قطيع (أعمال 20: 28، 1 بطرس 2: 9، يوحنا 10: 16)، وعروس الرب (أفسس 5: 25، رؤيا 19: 7، 21: 2). وما دام شعب العهد القديم قد اختبر دروب الله في أحداث تاريخه، فإنّ اختبار الخلاص الممنوح للشعب الجديد يكون مصبوباً في أنماط فكرية تذكّر- هذه الأحداث ذات الطابع الرمزي: فلا بدَ لهذا الشعب من أن يدخل إلى الراحة الإلهية التي كانت ترمز إليها مسبقاً أرض الميعاد (عبرانيين 4: 9)، ولا بد وأن يخرج من بابل، مدينة الشر (رؤيا 18: 4)، ليجتمّع في أورشليم، بيت الله (رؤيا 21: 3
).

ولكن في هذه المرة يتحقق تجاوز الأمم مستوى الحياة الزمنية التي تتحرّك فيه. ويصبح تسامي شعب الله كاملاً: إنه “كهنوت ملكي” (1 بطرس 2: 9) ليس من هذا العالم (يوحنا 18: 36)، وطنه سماوي (عبرانيين 11: 13…)، حيث يجد أعضاؤه وطنهم (فيلبي 3: 20) لأنهم أولاد أورشليم العليا (غلاطية 4: 26) أورشليم نفسها التي سوف تنزل من السماء على الأرض في نهاية الأزمنة (رؤيا 21: 1- 3). على أنّ هذا الشعب ما زال يسكن هذه العاجلة، وفيه ترتبط الأمور الروحية وشؤون آخر الأزمنة، بالزمنية والتاريخية. و بعد وضع إسرائيل الغريب ها هو وضع الكنيسة الذي لا يخلو من غرابة: ففي حالتها الأرضية تظلّ شعباً مرئياً مدعوّاً للنمو في الزمان
.

ثانياً: إسرائيل والأمم في الشعب الجديد

من الطبيعي أن يكون إسرائيل أول من يدعى ليشكل جزءاً في الشعب الجديد: إنها دعوته منذ العهد الأول. فقد أرسل يسوع “نبياً مثل موسى” (أعمال 3: 23) ليخلص شعبه (متى 1: 21)، ويأتيه نوراً (متى 4: 15- 16)، وفداء (لوقا 1: 68)، ومعرفة بالخلاص (لوقا 1: 77)، وفرحاً (لوقا 2: 10)، ومجداً، (لوقا 2: 32). فهو الوالي الذي يرعى الشعب (متى 6:2)، وفي النهاية يموت فدى الشعب (يوحنا 11: 50
).

ولكن حول يسوع، نم حول البشارة بالإنجيل، تنعقد درامة الشعب ” غليظ الرقبة… ” الذي أعطى العهد القديم أمثلة أخّاذة عنه (متى 13: 15، 15: 8، أعمال 13: 45، 28: 26، رومة 10: 21، 11: 1- 2
).

وعندئذ يبلغ تدبير الخلاص هدفه الكامل. وبالفعل فإنّ موت يسوع الذي به تبلغ خطيئة شعب العهد القديم قمتها (متى 23: 32- 36، راجع أعمال 7: 51- 52)، يضع حداً نهائياً لهذا النظام الأول. فهو يسقط الحاجز الذي كان يفصل إسرائيل فيجعله في عزلة عن بقية الأمم ” (أفسس 2: 14…): فيسوع يموت “ليس فدى أمته فحسب، بل يموت ليجمع شمل أبناء الله المشتّتين” (يوحنا 11: 52). فمن شعب الله الأول ستهتدي بقية”- فتنتقل إلى الشعب الجديد. ولكنّ الله قرّر “أن يختار شعباً لاسمه من بين الوثنيين” (أعمال 15: 14). فأولئك الذين لم يكونوا ضمن شعبه، يريد الآن أن يدعوهم شعبه (رومة 25- 26، 1 بطرس 2: 10) “لينالوا جميعهم نصيبهم من الميراث في عداد القديسين” (أعمال 26: 18
).

وبهذا الرباط بين إسرائيل والأمم يتحقّق إذن اجتماع آخر الأزمنة “للإنسانية الجديدة” (أفسس2: 15)، ذرية مختارة (1 بطرس 2: 9) فهي أيضاً ذرية إبراهيم بالإيمان (رومة 4: 11- 12)، ولكنها تشمل بالفعل الجنة الجنس البشري كله الآن والمسيح آدم الجديد يجمع في ذاته كل سلالة آدم الإنسان الأول (ا كورنتس 15: 45، رومة 5: 12…). ومن ثم فإن الشعب المقدس يتكوّن الآن من البشر “من كل قبيلة، ولسان، وشعب، وأمَة ” (رؤيا 5: 9، 7: 9، 11:9، 13: 7،14: 6) وإسرائيل القديم وارد ضمن هذا السرد. ذلك هو الوجه الأزلي للكنيسة من حيث إنها لم تعد “لا يونانية ولا يهودية” (غلاطية 3: 28) فهي تكوّن “جنساً ثالثاً”، كما كان مسيحيَو القرون الأولى يقولون
.

ثالثاً: الشعب الجديد في مسيرته نحو إكماله

وتبقى الكنيسة بذلك “شعباً” منغرساً في التاريخ، فأعضاؤها شأنهم شأن بني إسرائيل يشكلون وحدة في الأصل، وحدة في المؤسسات والمصير، أي وحدة و وطن يسيرون جميعهم تجاهه (عبرانيين 11: 16)، ووحدة في اللغة تكفلها “كلمة الله”، ووحدة في العبادة التي هي الهدف الأسمى للكنيسة
ekklesia (
راجع 1 بطرس 2: 9، رؤيا 5: 10). إن المصير الأرضي لذلك الشعب الخاص يقدّم أيضاً نقاطاً متوازية مع مصير إسرائيل: الخيانات نفسها من أعضائه الخطأة (راجع عبرانيين3: 7…)، بل حتى الاضطهادات نفسها الموجهة من السلطات الزمنية التي تجسد الوحش التنيني (رؤيا13: 1- 7 راجع دانيال 7: 2…)، ونفس الضرورة الملحّة بمغادرة بابل هرباً من الدرمار المداهم (رؤيا 18: 4…، راجع إشعيا 48: 20). وبذلك يبقى التاريخ المقدس وأسفار العهد القديم كلها مشحونة بالمعاني من أجل الشعب الجديد، ما دام يتابع مسيرته نحو كماله السماوي
.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي