طاعة

Obeissance

مقدمة

أوّلاً: الخليقة تطيع الله

ثانياً: درامة العصيان

ثالثاً: المسيح، عنوان طاعتنا

رابعاً : طاعة المسيحي

 

 

مقدمة

إنّ الطاعة هي أبعد ما تكون إكراهاً يُقاسى وخضوعاً سلبياً، فهي انضمام إلى القصد الإلهي الذي ما يزال محاطاً بالسرّ لكنّ الكلمة تحيله إلى الإيمان فالطاعة تسمح للإنسان بأن يجعل من حياته خدمة وأن يدخل في فرحه
.

أوّلاً: الخليقة تطيع الله

في الخليقة نفسها، دون الإنسان، يظهر ما يشبه الشعور المسبق بهذه الطاعة وبهذا الفرح. فإن جعل الرب أَسَلَةً في أنف لويا ثان (أيّوب 40: 20)، أو سحق رَهَب (مزمور 89: 11)، فهذا دليل على سيادته المطلقة. وإن هدّأ يسوع العاصفة أو طرد الشياطين، فهذا دليل على أن “الرياح والبحر تطيعه ” (متى 8: 27، مر قس 1: 27) مثل الشياطين، كما أن هذه الأعمال القديرة تثير الخوف الديني. ولكن ما يدهش الكتاب المقدس ويضعه في موقف الشكر، أكثر من صمت الكون الذي يعترف بربّه، هو الاندفاع الفَرِح الذي نجده عند الخلائق التي تهرع عند سماعها صوت الله
:


إن النجوم أشرقت في محارسها وتهلّلت. دعاها فقالت: نحن لديك، وأشرقت متهلّلة للّذي صنعها” (باروك 3: 34 /، راجع مزمور 104 : 4، سيراخ 42: 23، 43: 13- 26). وأمام حماس الخلائق الأشدّ جمالاً لكي تقوم بالمهمّة التي يحدّدها لها الله في كونه، تستعيد الإنسانية ” التي أٌغلِقَ عليها في العصيان “، بصورة غافلة وفي الألم، ما استوجب أن تكون طاعتها. أما الله فهو يجعلها تتبيّن وترجو ما يمكن أن تكون الطاعة العفويّة والشاملة لخليقةٍ حُرّرت بواسطة طاعة الابن (رومة 8: 19- 22
).

ثانياً: درامة العصيان

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر يشوع بن سيراخ 12

1.
منذ البدء، عصى آدم الله، مما دفع ذريّته بدورها إلى التمرّد (رومة 5: 19)، ووضع الخليقة تحت رِبقة الغرور (8:.2). فتمرّد آدم يظهر، بصورة عكسيّة، ما هي الطاعة وما ينتظر الله منها: فهي خضوع لإرادة الله، والعمل بوصيّة لا نرى معناه أو ثمنه، مع أننا نستشفّ فيه طابع الأمر الإلهي. فإذا كان الله يطلب طاعتنا، فهذا يعني أن لديه مخطّطاً للإنجاز وكوناً للبناء، وأن مشاركتنا في ذلك واجبة، وقبولنا ذلك بالإيمان. فالإيمان ليس الطاعة، بل هو سرّها. الطاعة هي علامة الإيمان وثمرته. فإذا كان آدم قد وقع في العصيان فمردّ ذلك إلى أنه، عند نسيانه كلمة الله، سمع صوت حواء وصوت المجرب (تكوين 3 : 4
//).

2.
لقد أثار الله إيمان ابراهيم، لكي يخلّص البشريّة. ولكي يتأكّد من ذلك الإيمان، امتحنه بالطاعة “أترك بلادك ” (تكوين 12: 1)، و” اسلك أمامي وكن كاملاً” (17: 1) ط و”خذ ابنك وحيدك الذي تحبّه إسحق… وأَصعِدهُ هناك محرقة” (22: 2). فحياة ابرهيم بمجملها تعتمد على كلمة الله، لكن هذه الكلمة تفرض عليه دوماً أن يتقدّم كالأعمى، وأن يحقق أعمالاً يخفى معناها عليه. وهكذا تغدو الطاعة اختباراً له وتجربة من الله (22: 1) وبالنسبة للّه تصبح شهادةً لا ثمن لها: “لم تَذخَرِ ابنك وحيدك ” (22: 16
).

3.
أما العهد فإنه يفترض بالضبط الطريقة نفسها. “كلُّ ما تكلّم الربّ به نفعلُهُ ونأتمر به “، وهو جواب إسرائيل عند انضمامه إلى العهد الذي يعرضه الله عليه (خروج 24: 7). فالعهد يتضمّن شرعة وشريعة ومجموعة من الوصايا والقوانين الأساسية التي تحيط بوجود اسرائيل وتهدف إلى أن تجعله يحيا كشعب الله. فالعديد من الإجراءات تفرض على البشر واجب الطاعة نحو الأهل (تثنية الاشتراع 21: 18- 21)، والملوك، والأنبياء، والكهنة (17: 14 إلى 18: 22). وكثيراً ما كان الإنسان مطبوعاً على تلك الواجبات، لكن كلمة الله، إذ أدخلت الطاعة في إطار العهد، جعلته من خضوع الإنسان طاعةً في الإيمان. و بما أنَ الأمانة للشريعة لا تكون صادقة إلا في الانتماء إلى الكلمة وإلى عهد الله، فإن الطاعة لوصاياها ليست خضوع عبد بل خطوة حبّ “. وفي حينه، ربطت الصيغة الأولى للوصايا العشر بالربط بين ” محبّي وحافظي وصاياي ” (خروج 20: 6). أما سفر تثنية الإشتراع فيستعيد هذه الصلة ويطوّرها (تثنية الاشتراع 11: 13- 22)، بينما تكرّم المزامير في الشريعة عطيّة الحبّ الكبرى التي منحها الله للبشر، وكذلك نبع الطاعة المُحِبّة
.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 12

ثالثاً: المسيح، عنوان طاعتنا

لكن من يقوم بواجب الطاعة للّه؟ فإسرائيل هي “بيت العصاة” (حزقيال 2: 5)، وبيت “الأبناء المتمرّدين” (إشعيا 1: 2). “أتفخر بالشريعة وتهينُ اللّه بمخالفتك الشريعة” (رومة 2: 23). فهو لا يستطيع أن يدعي تفوّقه على الوثني، فإنه أُغلِق عليه معه في العصيان (3: 10، 11: 32). فالإنسان كعبد للخطيئة لا يستطيع إظهار طاعته للّه (7: 14)، مع أنه يتوق إلى ذلك توقاً شديداً. ولكي يصل إلى ذلك، ويجد “الشريعة في عمق كيانه ” (إرميا 31: 33)، فإن على الله، أن يرسل عبده، وأن ” ينبّه أذن(يه)صباحاً فصباحاً ” (إشعيا 50: 4)، لكي يستطيع أن يقول: “حينئذ قلت هاءَنَذا آتٍ … لأعمل بمشيئتك يا اللّه”(مزمور 40: 8//) “وكما أنّه بمعصية إنسانٍ واحدٍ جُعِلَت جماعة كثيرة خاطئة، فكذلك بطاعة واحدٍ تُجعَل جماعة كثيرة خاطئة، فكذلك بطاعة واحدٍ تُجعَل جماعة كثيرة بارّة” (رومة 5: 19). فطاعة يسوع المسيح هي خلاصنا وتمنحنا الفرصة لكي نستعيد طاعتنا للّه. وحياة يسوع المسيح… ” منذ دخوله العالم ” (عبرانيين 10: ه)، و”حتى موت الصليب ” (فيلي 2: 8)، كانت طاعةً، أي انتماءً إلى الله من خلال سلسلة من الوسطاء كالأشخاص والأحداث والمؤسسات. وكتب شعبه والسلطات الإنسانية. ولأنّ يسوع أتى “لكي يعمل بمشيئة الذي أرسل(ه)، لا بمشيئتـ[ـه] ” (يوحنا 6: 38، راجع متى 26: 39)، أمضى حياته كلّها في إتمام واجب الطاعة العادي نحر أهله (لوقا 2: 51)، ونحو السلطات الشرعية (متى 17: 27). ويوم آلامه، أعطى الطاعة معناها الأسمى، إذ سلّم نفسه إلى أيدي سلطات لا إنسانية وظالمة، فـ ” تعلّم الطاعة… بما لَقِيَ من الألم ” (عبرانيين 5: 8)، جاعلاً من موته ذبيحة للّه، هي الأسمى، ذبيحة الطاعة
.

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم وصايا الآباء وصية زبولون 09

رابعاً : طاعة المسيحي

استحقّ يسوع المسيح طاعة كل خليقة، بعد أن صار، بطاعته ،” الرب ” (فيلبي 2: 11)، وتولّى “كل سلطان في السماء وعلى الأرض ” (متى 28: 18). فبواسطته وبواسطة الطاعة لإنجيله وكلمة كنيسته (2 تسالونيكي 3: 14، متى 10: 40)، يصل الإنسان إلى الله في الإيمان (أعمال 6: 7، رومة 1: 5، 10: 3، 2 تسالونيكي 1: 8)، ويفلت من يد العصيان الأصلي، ويدخل في سر الخلاص: فيسوع المسيح هو شريعة المسيحي الوحيدة (1 قورنتس 9: 1 2). وهذه الشريعة تتضمن أيضا ًالطاعة للسلطات البشريّة الشرعية، كالأهل (كولسي 3: 20) والمهذّبين (3: 22) والأزواج (3: 18)، والسلطات العامة، فيرى المسيحي فيها ” سلطة الله ” (رومة 13: 1- 7). ولكن المسيحي يستطيع، إن لزم الأمر، أن يتحدّى نظاماً ظالماً وأن يفضل طاعة الله على طاعة البشر (أعمال 4: 19)، لأنّه لا يطيع مطلقاً إلا لكي يخدم الله
.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي