الفصل السادس والعشرون
أسباب قيامته في اليوم الثالث. لم تتم قبل ذلك لئلا يشك في أنه مات موتًا حقيقيًا، ولا بعد ذلك (أولاً) لكى يحتفظ بسلامة جسده، (ثانيًا) لكى لا يعلق نفوس التلاميذ طويلاً، (ثالثًا) لكى لا ينتظر حتى يتشتت الذين شهدوا موته أو تتلاشى من الذاكرة حادثة الموت.
1 إذًا فقد كان الموت من أجلنا على الصليب
لائقًا وملائمًا. وقد اتضح أن سببه كان معقولاً من جميع الوجوه، ومن الحق
أن يقال إنه لم تكن هناك طريقة أخرى يتحقق بها خلاص الجميع سوى الصليب
[1]
. لأنه حتى على الصليب فإنه لم يجعل نفسه مختفيًا بل بالحرى فإنه جعل الطبيعة
تشهد لحضور خالقها
[2]
، وبعد ذلك لم يَدَع هيكل جسده يظل وقتًا طويلا ميتًا، إلاّ بالقدر الذى أظهر فيه أن الجسد
مات باحتكاك الموت به، ثم أقامه حالا فى اليوم الثالث، حاملا عدم الفساد وعدم التألم اللذين حصلا لجسده، كعلامة للظفر والانتصار على الموت
[3]
.
2 ولقد كان يستطيع أن يقيم جسده بعد الموت مباشرة، ويظهره حيًا، ولكن المخلّص
بحِكمَة وبُعد نظر لم يفعل هذا لأنه لو كان قد أظهر القيامة فى الحال لكان من المحتمل أن يقول أحدهم إنه لم يمت بالمرة أو إن الموت لم يلمسه بشكل كامل.
3 وربما لو كانت القيامة قد حدثت فى اليوم التالي للموت مباشرة لما ظهر مجد عدم فساد جسده. ولذلك فلكي يتأكد موت الجسد
فإن
الكلمةأبقاه يومًا آخر، وفى اليوم الثالث أظهره عديمَ الفساد أمام الجميع.
4 إذًا فلكى يتأكد موت الجسد
لذلك أقامه في اليوم الثالث
[4]
.
5 ولكن لو أنه أقام الجسد
بعد أن بقى فترة طويلة، وبعد أن يكون قد فسد تمامًا، فقد يُشَك فيه كأنه قد استبدل جسده بجسد أخر. لأن الإنسان بمرور الزمن قد يشك فيما سبق أن رآه، وينسى ما قد حدث فعلاً. لهذا السبب فإن الرب لم ينتظر أكثر من ثلاثة أيام، كما أنه لم يترك الذين سبق فأخبرهم عن القيامة معلقين لفترة طويلة.
6 ولكن بينما كانت أقواله لا تزال ترن فى آذانهم، وكانت عيونهم لا تزال في حالة توقع وعقولهم معلّقة حائرة، وإذ كان الذين قتلوه لا يزالون أحياءً على الأرض
وفى نفس المكان، ويمكن أن يشهدوا بموت جسد الرب؛ فإن ابن الله
نفسه بعد فترة ثلاثة أيام أظهر جسده الذى كان قد مات غير مائت
وعديم الفساد. وقد اتضح للجميع أن الجسد
قد مات ليس بسبب أي ضعف
فى طبيعة
الكلمةالذى اتحد بالجسد، بل لكى يُباد الموت فيه (في الجسد) بقوة المخلّص
[5]
.
1
يمكن مقارنة الفقرات 2ـ4 بما جاء في الفصل 16 فقرة 4 ” ولهذا السبب أيضًا فإنه لم يتمم ذبيحته عن الكل بمجرد مجيئه مباشرةً بتقديم جسده للموت ثم إقامته ثانية لأنه لو فعل ذلك لجعل ذاته غير ظاهر ولكنه صيّر نفسه ظاهرًا جدًا بتلك الأعمال التي عملها وهو في الجسد
والمعجزات التي أظهرها وبذلك صار معروفًا أنه ليس بعد مجرد إنسان فقط بل هو الله
الكلمة. أى أن السيد المسيح
لم يتمم ذبيحته عن الكل ” في الحال ” كما أنه لم يُظهر قيامته ” في الحال ” بعد موته، وفي كلتا الحالتين أراد أن يتيقن الجميع أنه الله ”
الكلمة” الذي ظهر في الجسد.