ضد الآريوسيين الشهادة لألوهية المسيح


القديس


أثناسيوس


الكبير

 

المقالة الأولى

الفصل الأول: مقدمة

 

سبب الكتابة:

1- بقدر ما نأت وابتعدت الهرطقات عن الحقيقة، بقدر ذلك ابتدعت واستنبطت لنفسها جنونا وخبلاً بات جلياً واضحاً. وصار كفر وتجديف هؤلاء الناس ظاهراً بينا للجميع منذ القدم. لأن خروج الذين ابتدعوا أمور الخداع هذه، عنا – من الممكن أن نثبته وتوضحه كما كتب المغبوط يوحنا (1يو19: 2)، فان فكر مثل هؤلاء القوم لم يكن له وجود قط قبل ذلك، كما أنه لا يتفق مع ما نعتقده نحن الآن ونؤمن به. ولذلك أيضاً فكما يقول المخلص، فإن الذين لا يجمعون معنا هم يفرقون مع الشيطان (لو23: 11)، متعقبين النائمين، حتى إذا نفثوا فيهم سمهم المهلك يضمنون أنه يشركونهم معهم فى الموت.

 

وحيث أن واحد من الهرطقات، وهى الهرطقة الأخيرة – التى ظهرت الآن كتمهيد لضد المسيح (المسيح الدجال) – وهى التى – تسمى الآريوسية، وإذ هى باطلة وخبيثة وماكرة، فقد لاحظت أن أخواتها من الهراطقات الأخرى الأقدم منها، قد فضحت جهاراً، ولذلك فأنها – مثل أبيها – الشيطان – تظاهرت بلبس كلمات الكتاب المقدس، لتحاول الدخول مرة أخرى إلى فردوس الكنيسة لكى تظهر كأنها مسيحية بغير وجه حق، وأن تخدع البعض لكى يفكروا ضد المسيح، معتمدة على أباطيلها الزائفة. إذ ليس فيها شئ من الصواب. وها هى قد أغرت بعض الحمقى من هؤلاء الذين لم يهلكوا فقط بالسماع بل أيضاً – مثل حواء – أخذوا وتذوقوا، حتى أنهم – بسبب جهلهم وعدم درايتهم صاروا يعتبرون المرحلوا (أش2: 5) وأخذوا يطلقون على هرطقتهم الشنيعة أنها حسنة. ولهذا أعتقدت – بعد أن طلبتم منى – أنه صار ضرورياً أن أفتت قوة درع هذه الهرطقة الدنسة، وأن اكشف عن نتانة حماقتها، وعفن وقاحتها، لكى يتجنبها الذين ما زالوا بعيدين عن هذه البدعة، وأيضاً لكى يندم الذين خدعوا بها، فيتوبوا. ولكى يدركوا بعيون قلوبهم المفتوحة أنه كما أن الظلام ليس نورا، والكذب ليس حقيقة، هكذا فليست الآريوسية بدعة حسنة، لكن بعض هؤلاء أيضاً الذين يسمون مسيحيين، كثيراً ما يخدعون لأنهم لا يقرأون الكتب المقدسة، ولا يعرفون المسيحية قط، ولا يدركون الإيمان بها.

 

الآريوسية مختلفة تماماً عن الإيمان الحقيقى:

2- أى شبه رآه هؤلاء إذن، بين هذه البدعة وبين الإيمان الحقيقى. حتى أنهم يقولون بأنه لا يوجد شئ ردئ فيما يعلمه أولئك (المبتدعون)؟ ومعنى هذا فى الحقيقة، أنهم يعتبرون قيافا مسيحياً. وأيضاً لا يزالون يحسبون يهوذا الخائن بين الرسل، ويقولون عن أولئك الذين طالبوا بإطلاق سراح باراباس بدلاً من المخلص، أنهم ما اقترفوا أى أثم، وهم يمدحون هيمينايس والاسكندر(1) على أعتقادهما القويم، ويعتبرون أن الرسول يكذب بخصوصهما.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر الخروج القمص تادرس يعقوب 10

 

إلا أن هذه الأشياء لا يستطيع أن يحتمل المسيحى سماعها، كما أن ذلك الذى يجرؤ أن يتحدث بمثل هذه الأقوال، لا يمكن إعتباره سليم العقل والإدراك.

 

فبالنسبة للآريوسيين يعتبر أريوس لديهم بدلاً من المسيح، مثل مانى عند المانويين، وفى مقابل موسى والقديسين الأخرين عندهم سوتيادس(2) الذى كان يهزأ بالامميين (الوثنيين). وكذلك ابنة هيروديا(3). لأن آريوس وهو يكتب الثاليا(4). كان يقلد الأسلوب النسائى المنسوب إلى سوتيادس. وكما أبهرت أبنة هيروديا هيرودس برقصها، كذلك أريوس سخر الرقص واللهو فى التشهير والافتراء على المخلص.. وهو قد فعل هذا. من ناحية لكى يموء ويضلل عقول هؤلاء الذين انغمسوا فى الهرطقة لدرجة الجنون. ومن ناحية أخرى لكى يبدل اسم رب المجد إلى شبه صورة إنسان زائل (رو23: 1). وهكذا يتخذ مشايعوه اسم الآريوسيين بدلاً من المسيحيين ويكون هذا دليلاً قاطعاً على كفرهم.

 

الأريوسيون ليسو مسيحيين:

فلا تدعهم أذن يجدون لأنفسهم عذراً. ولا تدعهم يتهكمون مفترين على هؤلاء الذين هم ليسوا فى الحقيقى مثلهم. فيسمون المسيحيين بأسماء معلميهم، لكى يظهروا هم أيضاً بهذه الطريقة أنهم مسيحيون(5). ومرة أخرى لا تدعهم يمزحون، وهم يستحون من اسمهم الذى جلب عليهم مثل هذا العار والخزى، فلو كانوا حقاً يخجلون فليغطوا عريهم. أو فليتنحوا عن ضلالهم. لأنه لم يحدث قط فى أى وقت. أن أتخذ الشعب المسيح أسماء أساقفتهم ليكونوا تابعين لهم. بل أتخذوا اسم الرب وحده الذى به نؤمن ولذلك فنحن أيضاً الذين أتخذنا تعاليمنا من الرسل المغبوطين الذين خدموا انجيل المخلص. فإننا لم ننتسب إلى أسمهم ولم ندع به. بل نسمى فقد باسم المسيح ولذلك فنحن مسيحيون وهذا هو لقبنا.

 

أما أولئك الذين ينتمون إلى أخرين يأخذون منهم العقيدة التى يعترفون بها. فأنهم من الطبيعى بالنسبة لهم أن يحملوا اسماءهم أيضاً. لأنهم قد صاروا ملكاً لهؤلاء المعلمين.

 

3- وحيث أننا جميعاً من المسيح يقينا. لذلك فأننا ندعى مسيحيين. وقديماً عندما طرد ماركيون وألقى بعيداً لأنه ابتدع الهرطقة، فإن هؤلاء الذين كانوا معه ورفضوه عندما حرم من الكنيسة ظلوا مسيحيين، فى حين أن الذين تبعوا مركيون وشايعوه لم يسموا بعد مسيحيين بل لقبوا ماركيونيين. وهكذا أيضاً فالنتينوس وباسيليدس ومانى وسيمون الساحر، فأنهم نقلوا وأعطوا لأتباعهم أسماءهم الخاصة، ولذلك صار البعض يلقبون فالنتينيين والبعض الآخر باسيليديين وآخرين سيمونيين. والبعض الآخر الذين هم من فريجيا لقبوا فريجيين، والذين من نوفاتيس نوفاتيين.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر نشيد الأنشاد متى بهنام 08

 

وهكذا أيضاً ميليتيوس عندما طره وحرمه بطرس الأسقف والشهيد، لم يعد يطلق على أتباعه اسم مسيحيين بل ميليتيين. وهكذا فقد حدث نفس الشئ أيضاً حينما حرم ألكسندروس المطوب الذكر آريوس، فإن الذين ظلوا مع الكسندروس بقوا مسيحيين أما الذين خرجوا منشقين مع أريوس، فأنهم تخلوا عن اسم المخلص لنا نحن الذين بقينا مع الكسندروس، ومن م أطلق على أولئك اسم الآريوسيين. وها هو الآن بعد موت الكسندروس، فإن الذين لهم شركة مع خليفته أثناسيوس، وأولئك الذين ارتبط أثناسيوس نفسه معهم فى الشركة الكنسية لهم نفس الميزة. فإن أحداً من أولئك لم يطلق عليه اسم أثناسيوس. كما أن أثناسيوس لم يطلق عليه اسم أى واحد من أولئك المرتبطين، ولكنهم – وفقاً للوضع المألوف – يسمون جميعاً مسيحيين. لأنه وان كان لدينا سلسلة متتابعة من خلفاء المعلمين… وقد صرنا نحن تلاميذ هؤلاء، ولكن حيث أننا نتعلم منهم أمور المسيح وكل ما يختص به. لذلك فمما لا شك فيه، فأننا مسيحيون وهكذا ندعى. أما أولئك الذين يتبعون الهراطقة، فحتى لو كان لديهم آلاف الخلفاء، فأنهم حتماً يتخذون لهم اسم من ابتدع الهرطقة، وهكذا فأنه حتى بعد أن مات أريوس. رغم أن عدداً كبيراً خلفه فى هرطقته، إلا أن هؤلاء الذين اعتقدوا بتعاليم ذلك الرجل والمعروفين بمشايعتهم لآريوس، فأنهم يسمون أريوسيون.

 

والبرهان العجيب على هذا، أن أولئك الوثنيين الذين دخلوا الى الكنيسة – ولا يزالون يدخلون فيها حتى الآن، فإذ يهجرون ضلالة الأوثان، فأنهم لا يدعون بأسماء الذين علموهم أصول الإيمان. بل يدعون باسم المخلص، وصاروا يدعون باسم المخلص، وصاروا مسيحيين بدلاً من وثنيين، بينما أولئك الذين ينضمون إلى الهراطقة. والذين يتحولون من الكنيسة الى الهرطقة، فأنهم يهجرون اسم المسيح، وتبعاً لذلك يتخذون أسم الآريوسيين، إذ لم يعد لهم إيمان بالمسيح قد، بل صاروا خلفاء لجنون أريوس وخبله.

 

4- كيف يمكن إذن أن يكونوا مسيحيين أولئك الذين هم ليسوا بمسيحيين بل هم مجانين الآريوسية؟. أو كيف ينتمى هؤلاء الى الكنيسة الجامعة، وهم قد انفضوا عن الإيمان الرسولى ونبذوه وصاروا مبتدعين شروراً جديدة، وبعد أن نبذوا أقوال الكتابات الالهية، فأنهم يسمون ثاليا أريوس حمة جديدة؟ وما يقولونه يثبت حقاً أنهم يبشرون بهرطقة جديدة. ولهذا السبب أيضاً فقان الانسان ليدهش، أنه فى حين أن كثيرين كتبوا مؤلفات كثيرة وعظات أكثر عدداً حول العهدين القديم والجديد، فليس فى أى منها شئ مما ابتدعته ثاليا، بل حتى لا يوجد شئ منها عند كبار الأمميين وعظمائهم… ولكنها موجودة فقط بين أولئك الذين ينشدون ويتغنون وهم ثمالى وسكارى بين قرقعة الكؤوس والصخب والسخرية أثناء عبثهم ولهوهم ليثيروا ضحك الآخرين.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد سفر أعمال الرسل عبد المسيح 19

 

أن أريوس الغريب، فى الواقع لم يقلد أحداً وقوراً، وإذ كان يجهل كتابات الرجال الوقورين من عظماء القوم، فإنه كان يختلس كثيراً من الهرطقات الأخرى. ولا يوجد له منافس فى مجال الهزل والسخرية غير سوتيادس وحده. لأنه ماذا كان فى وسعه أن يعمل سوى أن يرغب فى التحول ضد المخلص. بأناشيده الراقصة، معبراً بثرثرته المموقتة وطنطنته البغيضة عن كفره وإلحاده، مستخدماً فى ذلك رخامة ألحانه المنحرفة الفاسقة؟ وهذا كى يتأكد ويتضح فساد ما كتبه. من تلك الأقوال التى تتضح بعد نضح الروح وفساد الذهن، وذلك كما تقول الحكمة تماماً “يعرف المرء من الكلمة الصادرة عنه” (أنظر ابن سيراخ 29: 19) ولأن الضلال لم يكن سهوا، بل هو متعدد الوجوه، ومتعمد أيضاً، فهو مثل الثعبان الذى يلتف حول نفسه صاعداً هابطاً، ولكنه – (أى أريوس) قد سقط فى ضلال الفريسيين عندما أرادوا مخالفة الشريعة، فأنهم تظاهروا بأنهم غيورون على أقوال الناموس. وعندما أرادوا أنكار الرب المنتظر، بينما كان هو نفسه حاضراً بينهم… فأنهم أدعوا بأنهم يستشهدون بالله. ولكنه أثبتوا بذلك أنهم يجدفون بقولهم: “لماذا وأنت إنسان تجعل نفسك ألهاً” (يو33: 10)، وتقول “أنا والآب معا واحد”. هكذا أيضاً أريوس المزيف والذى حذا حذو سوتيادس، فأنه يزعم أنه يتحدث عن الله، مستخدماً كلمات الكتاب المقدس، ولكنه أثبت من كل النواحى أنه كافر وذلك بإنكاره الابن، معتبراً أياه من بين المخلوقات.

 

(1) قارن 1 تيمو20: 1 و 2 تيمو 17: 2 هيمينايس والاسكندر هما اثنان من المعلمين المبتدعين فى المسيحية الأولى، اللذين حرمهما بولس الرسول من الخدمة فى الكنيسة لأنهما آمنا وعلما بأن القيامة قد صارت.

(2) سوتيادس شاعر يونانى قديم من مارونيا، ذاع صيته أيام حكم بطليموس فيلاديفوس. وكان موضوع أشعاره من الميثولوجيا اليونانية ذات الأسلوب الفاضح الوقح، ولذلك سمى بالشاعر الداعر.

(3) ابنة هيروديا، كانت قد ابهجت صدر هيرودس برقصاتها المغرية لدرجة أنها أخبرته أن يقدم لها رأس يوحنا السابق على طبق أنظر متى 1: 14 – 12، مر17: 6 – 29.

(4) الثاليا هى أشعار وقصائد ألفها أريوس بهدف نشر هرطقته بما فيها من تعاليم خاصة.

(5) يبدو أن القديس أثناسيوس يشير إلى أن البعض كان يطلق على المؤمنين المستقيمى الرأى اسم أثناسيوس، لكى يجدوا بهذا مبرراً لأنفسهم وهم يسمون أتباعهم، وأن يعتبروا أنفسهم مسيحيين.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي