المجامع المسكونية


الأنبا بيشوى

 

أولاً: مجمع نيقية سنة 325 م

تم انعقاده:

1- لمقاومة البدعة الأريوسية.

2- وضع قانون الإيمان النيقاوى الذى انتهى بعبارة “نعم نؤمن بالروح القدس”. واكتفى بهذه العبارة عن الروح القدس لأن التركيز فى هذا المجمع كان على الدفاع عن ألوهية المسيح.

 

ثانياً: مجمع القسطنطينية سنة 381م

1- لمقاومة بدعة مقدونيوس، وبدعة أبوليناريوس، وبدعة سابيليوس.

2- استكمال قانون الإيمان إلى آخره الذى انتهى بعبارة “وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى آمين”.

3- وأصبح اسمه القانون النيقاوى-القسطنطينى.

 

ثالثاً: مجمع أفسس سنة 431م

1- لمقاومة البدعة النسطورية (نسطور بطريرك القسطنطينية). وتم حرم نسطور وتعليمه وعزله من منصبه الكهنوتى.

2- وضع فيه مقدمة قانون الإيمان “نعظمك يا أم النور الحقيقى، ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله…”.

 

ما بين قانون الإيمان النيقاوى والقسطنطينى:

حدثت بعض تعديلات محدودة فى قانون الإيمان ما بين قانون نيقية وقانون القسطنطينية.

مثلاً: حذف عبارة [مولود من جوهر الآب] وكان المقصود بها أن الابن عندما وُلد من الآب، أخذ نفس الجوهر الذى للآب، والاكتفاء بعبارة [له نفس الجوهر مع الآب] التى تفى بالمعنى المقصود إلى جوار عبارة [المولود من الآب قبل كل الدهور].

من الممكن فهم عبارة أن الابن “مولود من جوهر الآب”، الأولى خطأ وهى أن الثالوث ولد الابن، بالرغم من أن العبارة تقول “مولود من جوهر الآب” وليس من الثالوث. فيتساءل البعض: هل الجوهر هو الذى يلد أَم الأقنوم؟

 

أما الثانية فهى صواب وتعنى أنه عندما وُلد الابن من الآب أخذ الجوهر كله الذى للآب، أى أن الابن من نفس جوهر الآب. كما نقول عن أى ابن يشابه أباه أنه من نفس معدنه أى من نفس جوهره، ومن المفهوم أن الأب هو الذى يلد وليس المعدن. أما فى المفهوم الثالوثى فالولادة هى نور من نور، مثل ولادة الشعاع من النور، وولادة الفكر من العقل، فالآب هو الذى يلِد وليس الجوهر، وهذه الولادة هى ولادة روحية طبيعية.

 

الآب يلِد ابن يحمل كل جوهره، فالجوهر غير منقسم وغير متجزئ. وحينما وُلد الابن من الآب وُلد بكل جوهر الآب وليس بجزء من هذا الجوهر.

 

لذلك تم تعديل القانون بالاكتفاء بعبارة
Homoousion tou Patri
له نفس الجوهر مع الآب (هوموأوسيون تو باترى. وهذه العبارة أحياناً تترجم “مساوى للآب فى الجوهر” أو “واحد مع الآب فى الجوهر”، وهى فى الحقيقة تعنى لاهوتياً “مساوى للآب فى الجوهر الواحد”.

 

وقد قدَّم مجموعة من اللاهوتيين فى مجلس كنائس الشرق الأوسط اقتراحاً بتوحيد نص قانون الإيمان. وكان هؤلاء اللاهوتيين قد قاموا بدراسة الأمر لعدة سنوات ومنهم خبراء فى اللغة اليونانية وخبراء فى اللغة العربية وهم من ممثلى الأربعة طوائف المشتركون فى مجلس كنائس الشرق الأوسط، (وكنت عضواً بهذه الاجتماعات). وبعد مباحثات كثيرة جداً اتفق رأى اللاهوتيين على ترجمة موحّدة باللغة العربية لقانون الإيمان (النص اليونانى واحد). كانت هذه محاولة على مستوى منطقة الشرق الأوسط أى البلاد المتكلمة باللغة العربية للوصول إلى ترجمة موحدة، وقد تم التوصل فعلاً إلى ذلك وتم إرسال هذه الترجمة إلى الكنائس كاقتراح تتبناه الكنائس. وصار هذا النص يستخدم فى اجتماعات مجلس كنائس الشرق الأوسط.

 

لكن بعض الكنائس بالرغم من أنها ترى أن الترجمة جميلة وتستخدمها بالفعل فى لقاءات المجلس، إلا أنها ترى أن الشعب اعتاد على بعض الأمور وتربى عليها وحفظها فليس من السهل تغييرها، لذلك نحتاج إلى وقت لكى يتأقلم عامة الشعب على هذه الترجمة “له نفس الجوهر مع الآب” ونستطيع أن نقولها.

 

كما أن هذا الأمر يتطلب موافقة المجمع المقدس لأن قانون الإيمان ليس شئ عادى حتى أن كل من يستحسن ترجمة معينة له يطبقها. كما حدث فى بعض الأوقات أن البعض أوصوا باستخدام عبارة “واحد مع الآب فى الجوهر” وظل البعض الآخر يرددون “مساوى للآب فى الجوهر”.

 

إن ما عمله مجلس كنائس الشرق الأوسط هو عمل أكاديمى يناسب كليات اللاهوت لذلك فإننا نشرح هذا الأمر فى دراستنا اللاهوتية، لكن على المستوى الشعبى الأمر يحتاج إلى تدرج.

 

إن عبارة “له نفس الجوهر مع الآب” تعنى “واحد” و”مساوى” فى نفس الوقت بل أن هذه هى الحقيقة. فمن الناحية اللغوية (هومو باتير) تعنى من هم من أب واحد (هومو بوليس) تعنى من هم من مدينة واحدة. فأى مجموعة من الناس ينتمون إلى شئ واحد تستخدم لهم كلمة
o`mo
. أما بخصوص عبارة (هومو أوسيون) فقد شرح القديس أثناسيوس فى وثيقة الإيمان (
Expositio Fidei
): إنه لم يرد أن يكتب (مونو أوسيون) التى تعنى “جوهر واحد” لئلا يفرح بها السابليون الذين يؤمنون بالأقنوم الواحد ويستخدمونها لصالحهم، لذلك استحسن عبارة أى “الذى له نفس الجوهر مع الآب”. فمع أن القديس أثناسيوس قال كثيراً فى شروحاته ويؤمن أن الجوهر الإلهى واحد إلا أنه أوضح لماذا لم يستحسن استخدام عبارة مونو أوسيون فى نص قانون الإيمان.

 

السبب فى انعقاد مجمع مسكونى:

بعض الهرطقات عاشت فى الكنيسة فترة ولكن الظروف لم تتهيأ لعقد مجمع مسكونى لإدانتها رسمياً. فالآباء من هنا وهناك كانوا يردّون على تلك الهرطقات ويدينونها، لكن لم يكن يعقد مجمع إلا إذا بدأت بدعة ما تؤدى إلى انقسام فى الكنيسة. فعلى سبيل المثال انعقد المجمع المسكونى الأول ليس لأن بدعة أريوس هى أول هرطقة ظهرت فى الكنيسة ولكن لأن الامبراطور قسطنطين، وقد بدأ يؤمن بالمسيحية (ولكنه لم يكن قد تم عماده بعد)، شعر أن أريوس بعد أن حُكم عليه وعلى تعليمه بالحرم بواسطة مجمع الإسكندرية عام 318م برئاسة البابا ألكسندروس (يرجِّح المؤرخ هيفيلى أن مجمع الإسكندرية انعقد عام 320م)، قد يتسبب فى انقسام فى الامبراطورية، إذ أنه بعد حرمه ترك الإسكندرية وذهب إلى نيقوميدية (والبلاد الواقعة على الساحل الغربى من البحر المتوسط أى شرق مصر) وهناك بدأ فى نشر أفكاره واستطاع أن يؤثر على أسقفين هما يوسابيوس النيقوميدى ويوسابيوس القيصرى.

 

كان الصراع الأريوسى محتدم فى الإسكندرية بين أريوس وأتباعه وبين البابا ألكسندروس ومن معه، أما بخروج تأثيره خارج نطاق الإسكندرية فقد كاد أن يتسبب فى انقسام الإمبراطورية الرومانية وهذا ما أدى إلى عقد المجمع المسكونى الأول فى نيقية. لكن هذه لم تكن أول هرطقة تظهر فى الكنيسة.

 

هناك هرطقات كثيرة لم تعقد بسببها مجامع مسكونية، واكتفت الكنيسة بإدانتها أو أخذ موقف من مبتدعها، ربما فى مجمع مكانى أو بصورة أخرى، وقد تنوعت الصور على مر السنين.

 

كما أنه حدث فى بعض الأحيان أن حرمت الكنيسة البدعة بعد أن يكون صاحبها نفسه قد مات. فربما لم تكن البدعة فى أثناء حياته قد بلغت ذروتها، أما بعد أن روَّج لها تلاميذه بعد مماته أكثر مما كان الحال أثناء حياته، صارت تمثل خطورة اضطرت الكنيسة للتصدى لها. ولذلك أدين مقدونيوس فى مجمع القسطنطينية وعزل من كرسيه كبطريرك للقسطنطينية، كما أدينت بدعتين قديمتين سابقتين لزمان انعقاد المجمع وهما هرطقتى سابيليوس وأبوليناريوس. أى أن المجمع قد عُقد أساساً من أجل هرطقة مقدونيوس لكن الآباء انتهزوا الفرصة لتطهير الأذهان من هرطقات أخرى لم تعقد بسببها مجامع. لذلك تم الحكم على سابيليوس وأبوليناريوس وهرطقتيهما.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي