الإيمان السليم

أما الايمان الحقيقى فقد عبّر عنه معلمنا بولس الرسول بقوله “يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد” (عب13: 8). والإيمان الحقيقى يفهم أن الفادى هو الله الكلمة المتجسد والذى هو وحده القادر أن يكفِّر عن خطايا جميع البشر فى جميع العصور، الذين يؤمنون بذبيحته الخلاصية على الصليب، ويصيرون أعضاءً فى كنيسته المقدسة. وأن إنساناً عادياً لا يستطيع أن يكفِّر عن خطايا البشر حتى ولو سكن فيه الله الكلمة.

 

فالمولود من الآب قبل كل الدهور قد أتى وحل فى الحشا البتول غير الدنس وتجسد من مريم العذراء بواسطة الروح القدس وصار إنساناً. بمعنى أن الله قد ظهر فى الجسد أو أن الإله قد تأنس “عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد” (1تى3: 16). فنحن نؤمن أن الإله قد تأنس وليس أن إنساناً قد تأله، وصار إلهاً أو صار مساوياً لله فى الكرامة.

 

والإله المتأنس حينما مات على الصليب، لم يمت بحسب لاهوته بل مات بحسب الجسد، كما نصلى ونقول “يا من ذاق الموت بالجسد” (قطع صلاة الساعة التاسعة). أما عن ولادته فنقول: “أشرق جسدياً من العذراء بغير زرع بشر حتى خلصنا” (ثيئوطوكية يوم الاثنين). وبهذا نرى أن الكنيسة تتغنى بالعقيدة الأرثوذكسية وترددها فى تسابيحها فى شتى الصور مثلما نقول فى الثيئوطوكيات: “لم يزل إلهاً، أتى وصار ابن بشر، لكنه هو الإله الحقيقى، أتى وخلّصنا” (ثيئوطوكية يوم الخميس).

 

ولا يتسع الوقت لسرد كل ما ورد فى التسبحة وصلوات الكنيسة وقدّاساتها وصلواتها من العقائد الراسخة التى تعيش فى فكر الأجيال خارج معاهد اللاهوت وليس داخلها فقط. فالتسبحة هى كلية إكليريكية ومعهد لاهوت لا تدرّس كمادة تمتحن بل تعيش فى فكر وقلب كل مسيحى أرثوذكسى.

 

ومعلوماً طبعاً أن الشهيد مثلاً حينما يُقتَل فإن جسده هو الذى يقتل وليس روحه. كما قال السيد المسيح “لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها” (مت10: 28). فمن باب أولى حينما صلب السيد المسيح، فالذى مات على الصليب ليس هو لاهوته، وليس هو روحه الإنسانى، بل الذى مات على الصليب هو جسده، أما روحه الإنسانى فلم يمت. لذلك قال بطرس الرسول عن السيد المسيح “مماتاً فى الجسد، ولكن محييً فى الروح. الذى فيه أيضاً ذهب فكرز للأرواح التى فى السجن” (1بط3: 18، 19). ولذلك نصلى فى القداس ونقول {نزل إلى الجحيم من قبل الصليب}. أى أن روحه الذى سلمه فى يدى الآب حينما قال “فى يديك أستودع روحى” (لو 23: 46) قد ذهب متحداً باللاهوت ليحرر الذين فى السجن بعد أن يكرز لهم بإتمام الفداء، وجسده المتحد باللاهوت قد وُضع فى القبر ولم ير فسادًا. وعندما عاد روحه واتحد مع جسده قام من الأموات فى اليوم الثالث بقوة لاهوته.

 

فما الداعى لهذا التهور النسطورى فى إنكار أن الله هو المخلص؟! بينما قال الرب فى سفر اشعياء ” أنتم شهودى يقول الرب.. قبلى لم يصور إله، وبعدى لا يكون. أنا أنا الرب وليس غيرى مخلص.. أنتم شهودى يقول الرب وأنا الله” (اش43: 10-12). ألم يكن هذا ما قاله السيد المسيح لتلاميذه بعد قيامته “وتكونون لى شهوداً فى أورشليم وفى كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض” (أع1: 8). لهذا قال الله المخلص فى سفر أشعياء “أنتم شهودى” (أش43: 10،12).

 

“قبلى لم يصور إله، وبعدى لا يكون. أنا أنا الرب وليس غيرى مخلص.. أنتم شهودى يقول الرب وأنا الله” (اش43: 10-13). من هو المتكلم هنا أليس هو الرب؟ أليس هو المخلص؟ أليس هو الإله الوحيد الذى قال عن نفسه: “أنا هو الأول والآخر. والحى وكنت ميتاً وها أنا حى إلى أبد الآبدين آمين. ولى مفاتيح الهاوية والموت” (رؤ1: 17، 18). وقال أيضاً: “أنا هو الألف والياء، الأول والآخر” (رؤ1: 11، قارن أش43: 10-12). “وها أنا آتى سريعاً وأجرتى معى لأجازى كل واحد كما يكون عمله. أنا الألف والياء. البداية والنهاية. الأول والآخر” (رؤ22: 12، 13). ” أنا الألف والياء. البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذى كان والذى يأتى القادر على كل شئ” (رؤ1: 8). هذا الكلام كله عن الإله الحقيقى الرب المخلص ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح ابن الله الحى الذى له المجد الدائم إلى الأبد آمين.

 

إن السيد المسيح قد وُلد من العذراء بحسب الجسد، ولم يتخذ لاهوته منها، ولكنه “هو هو أمساً (أى قبل كل الدهور) واليوم وإلى الأبد” (عب13: 8). هو هو الذى ولد من الآب بحسب لاهوته قبل كل الدهور. هو هو نفسه الذى تجسد وولد من العذراء بحسب ناسوته فى ملء الزمان. ولذلك هو هو الذى قال عن نفسه لليهود “الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن” (يو8: 58). فكيف يقال عن السيد المسيح إنه من شخصين. ومن هو هذا الذى يقول عن نفسه “أنا” هل هو الشخص الأول؟ أم الشخص الثانى؟!

 

إنه من المستحيلات أن يتحد شخصان لتكوين شخص واحد. لأن الشخص هو من يتجه نحو الآخر، أى يشخص نحوه. فحينما يحب رجل زوجته، هما شخصان يصيران جسداً واحداً باتحادهما فى سر الزيجة المقدس. وهو يتجه نحوها بالحب المقدس. ولكنه لا يستطيع أن يقول لها أنا بحبنى، بل يقول لها أنا أحبك. لأن مفهوم الحب ليس هو الأنانية، أى الاتجاه نحو “الأنا”، بل الانطلاق نحو “الآخر”.

 

هل توجد وحدة فى الوجود كله أقوى من وحدة الأقانيم الثلاثة فى الجوهر الإلهى الواحد؟ ومع ذلك فإن الكنيسة تحرم من يقول أن هذه الوحدة تؤدى إلى امتزاج الأقانيم الثلاثة فى أقنوم واحد، أو أن شخص الآب هو شخص الابن هو شخص الروح القدس، لأن هذه هى: هرطقة سابيليوس.

 

فكيف يدَّعى هذا المبتدع الخطير (نسطور) أن المسيح فى شخصين: شخص إلهى، وشخص بشرى، وقد كوّنا معاً بالاتحاد البروسوبونى
prosopic union
(أى الاتحاد الشخصانى) شخص الاتحاد الواحد الذى اخترعه ديودور وثيئودور ونسطور.

 

ديودور الطرسوسى، وثيئودور المبسويستى، ونسطور بطريرك القسطنطينية، اعتقدوا وعلّموا بما يسمى اتحاد الأشخاص
prosopic union
لتكوين ما يسمى بشخص الاتحاد
prosopon of union
ورفضوا الاتحاد الطبيعى
natural union
والاتحاد الأقنومى
hypostatic union
.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي