انشقاق الكنيسة البروتستانتية عن كنيسة رومية

تطورت الأمور في الكنيسة الكاثوليكية بسبب فساد البابوية حتى انشقت عنها الكنائس البروتستانتية (أي المعارِضة).

من يقرأ التاريخ يجد أن كنيسة روما وجهت كل مجهوداتها نحو السياسة والسيطرة على الأباطرة وإخضاعهم تحت سلطانها، فأدى هذا إلى نزاع شديد بين السلطتين الدينية والحاكمة -كان نتيجته ضعف البابوية وانحلالها.. وساعد على هذا الضعف اعتلاء كرسي البابوية أشخاص ممن لا أخلاق لهم فساءت أحوال كنيسة رومية ودب فيها الفساد، وتطرّق هذا الفساد إلى جميع الميادين الدينية في أوروبا وفسدت أيضاً الرهبنة وساءت الأحوال الدينية في الكنيسة إكليروساً وشعباً.

 

وقد قامت عدة محاولات تدعو إلى إصلاح حالة الكنيسة الكاثوليكية، ولكن بكل أسف نرى أن بعض هذه المحاولات قد حادت هي الأخرى عن جادة الصواب.

 

ويمكننا أن نلخّص هنا المحاولات التي قامت في ثلاثة فئات:

 

1- بعض المصلحين رأوا أن خير وسيلة للإصلاح هي البدء بحياتهم الشخصية حتى يصبحوا مثالاً صالحاً فيرى الناس أعمالهم الصالحة فيمجدوا الله في السماء فعاهدوا أنفسهم أن يحيوا حياة التضحية والتأثير في الآخرين بمثلهم الصالح، ومن هذه الفئة “توما الكمبيسي” الذي وضع كتاب (الإقتداء بالمسيح).

 

2- وهناك فريق آخر أراد الإصلاح بأن شهَّر بمساوئ العصر، ولكنه ظل خاضعاً لسلطة البابا ولنظم الكنيسة.

 

3- أما الفريق الثالث فقد انحرف في تعاليمه فأنكر سلطة البابوية، وأنكر العقائد والتقاليد، واعتبر الكتاب المقدس هو المرجع الوحيد لكل العقائد والتعاليم الكنسية ومنهم “جون ويكلف” في إنجلترا و”جون هوس” في بوهيميا، وقد ظهر هذان الاثنان في القرن الرابع عشر.. وقد نسج على منوالهما “مارتن لوثر” الراهب الألماني في القرن السادس عشر، وهو الذي انشق عن الكنيسة الكاثوليكية وكوّن الكنيسة البروتستانتية.

 

عندما ساءت أحوال الكنيسة الكاثوليكية أصبح الرهبان طبقة ممقوتة فتحولت مثلهم من ترك العالم بما فيه من أجل عشرة الرب الصافية إلى أن أصبح كل من يئس من الحياة أو أراد الهروب من المسئولية لجأ إلى الأديرة – على أنه لم تُحرم الأديرة من وجود من هو متمسك بالبر والصلاح.. وفي وسط هذا الجو وجد الراهب لوثر وكان قد أحس بثقل الناموس الإلهي على ضميره وضاق ذراعه بالجهاد الروحي فكان ذلك مدعاة أن يقنع نفسه بأن الإنسان لا يتبرر بالجهاد الروحي ولا بترك العالم بل بالإيمان فقط وقد نسى أو تناسى ما قاله بطرس الرسول: “إن كان البار بالجهد يخلُص فالفاجر والخاطئ أين يظهران”) 1بط18: 4)، أما السبب المباشر الذي دعا مارتن لوثر على ترك الرهبنة وشق عصا الطاعة والخروج عن الكنيسة الكاثوليكية ليؤسس الكنيسة البروتستانتية فكان هو “صكوك الغفران” (فقد اعتقد الكاثوليك أن الإنسان لابد أن ينال جزاء ما فعله من شر في حياته، فإما أن يكون هذا الجزاء في الدنيا أو بعد الموت حيث يُطهَّر الإنسان من شره بعد الموت بعقابه فترة من الزمان -وتُعرف عندهم (بالمطهَر)، وهي بدعة يرفضها الأرثوذكس- ثم بعدها يذهب الإنسان للحياة الأبدية)، ثم أعطى باباوات روما لأنفسهم الحق في منح الناس صكوك غفران لتقصير مدة المطهر مقابل مبالغ من المال)، فأعلن لوثر -الذي كان في هذه الأثناء أستاذاً لعلوم الدين في جامعة ويتنبرج بألمانيا وراعياً لكنيستها- معارضته للبابا وأن البابوية ليست ذات مصدر إلهي.. وقد حرمت الكنيسة الكاثوليكية مارتن لوثر عام 1521م.

 

وقد عضد الناس لوثر وانضموا إلى صفوفه مدفوعين بعوامل مختلفة منها: كراهيتهم وتذمرهم من الضرائب التي فرضها عليهم البابا، وتوقع الفلاحون أن هذه الحرية المسيحية التي نادى بها لوثر قد تكون وسيلة لإعتاقهم من أغلال العبودية، والتحمس لهدم كل الأشياء في النظم القديمة وخلق عالم جديد يتمشّى مع عصر النهضة الحديثة..

 

واتخذ مارتن لوثر ثلاثة وسائل لجذب الناس إلى معتقده: أولها نشر كتاب حرّض فيه الأمراء على اختلاس أوقاف الأديرة وتحويل الأديرة إلى مدارس ومستشفيات عقلية، وبهذا جذب الأمراء إلى جانبه.. وثانيها التصريح لحاكم “هيش” بالزواج من إحدى النساء التي هام بها رغم أن زوجته حية، فصارت له زوجتان معاً وبهذا كسب وده فصرح له بإقامة شعائره الجديدة.. وثالثها أنه لكي يستميل الكهنة والرهبان -الذين ضاقوا ذرعاً بالرهبنة- جعل نفسه نموذجاً لهم فأفسد بكورية راهبة تدعى “كاثرين” ثم تزوجها وهو الراهب!! فأهان الإسكيم الملائكي وتزوج، كما أساء إلى أبوة الكهنوت حيث كان كاهنا، ثم عاش مع زوجته في البناء الذي كان قبلاً ديراً له!! حتى مرض بالفالج وتوفى عام 1546م.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي