الإمبراطور يجمع إليه مندوبين من طرفيّ مجمع أفسس

كانت لجهود دلماتيوس والأساقفة الموجودين فى القسطنطينية نتائجها المرجوة، وقد علق الأساقفة فى خطابهم إلى مجمع أفسس الذى سبق ذكره، أنه قد شاع عن الإمبراطور أنه قد اقتنى نظرة أكثر صدقاً للقضية([1]). ([2]) أما كيف جاء هذا التغيير التدريجى فهذا غير معروف، لكننا نعرف فقط أن ثيئودوسيوس قد عزم الآن على أن يذعن لمطلب المجمع، ويستمع بنفسه إلى مندوبين من الطرفين. يظن بارونيوس
Baronius
أن هزيمة الجنرال أسبار
Aspar
فى حربه ضد الوندال
Vandals
فى أفريقيا هو الذى صدم الإمبراطور وغيَّره، لكن تلمونت
Tillemont
يشير إلى ما هو ضد ذلك، وهو محق، لأنه من جانب، فإن الإمبراطور ثيئودوسيوس كان قد اتخذ الخطوات الخاطئة السابقة لمجرد الجهل، وليس نتيجة لمشيئة شريرة، وبالتالى فإنه لم يكن يعتبر أن سوء الحظ هذا هو عقوبة من الله. ومن جانب آخر فإن هذه الواقعة الحربية الفاشلة لم تحدث قبل أغسطس 431م، وبالتالى فإن النتيجة لم تكن قد عرفت بعد فى القسطنطينية. ([3])

 

إن المرسوم الذى جمع الإمبراطور بواسطته ثمانية ممثلين لكل من الطرفين للمثول أمامه، ليس باقياً إلى الوقت الحاضر، لكننا (†) نتعرف عليه من نتائجه فقط ومن كتابات الطرفين. فقد عرَّف الكونت يوحنا كلا الطرفين به وأسرع الطرفان فى انتخاب وإرسال أعضاءهم المفوضين. من جانب المجمع تم انتخاب الكاهن الرومانى والنائب الباباوى فيليب والأسقف أركاديوس (أيضاً نائب باباوى) وجوفينال (أسقف أورشليم) وفلافيان (أسقف فيلبى) وفيرمس
Firmus
(أسقف قيصرية كبادوكيا) وثيؤدوتس (أسقف انقرا) وأكاكيوس (أسقف مليتين) ويوبيتوس (أسقف بتولمايس فى أفريقيا). ([4]) أما كيرلس فقد كان يسره أن يكون ضمن هؤلاء المندوبين، لكنه كان مضطراً هو وممنون إلى البقاء فى الحبس. من الجانب الأنطاكى عُهد بالتمثيل إلى كل من يوحنا الأنطاكى ويوحنا الدمشقى وهيمريوس النيقوميدى وباولس أسقف اميصا
Emisa
ومكاريوس أسقف لاودكية وابرنجويس أسقف خالكيس
Apringuis of Chalcis
وثيئودوريث أسقف قورش وهيلاديوس أسقف بتلتمايس (فى فينيقية). ([5])

 

نص التفويض الذى عهد به المجمع الأرثوذكسى إلى ممثليه هو كالآتى (مع بعض التصرف فى الترجمة): “حيث أن الأباطرة محبى الله قد أعطونا الإذن باسم العالم كله، الذى يمثله المجمع، وهو يناضل من أجل الإيمان الصحيح، بإرسال سفارة إلى القسطنطينية لصالح الأرثوذكسية والأساقفة القديسين كيرلس وممنون، فقد اخترناكم لهذا الغرض ونعطيكم التوجيهات التالية: قبل كل شئ يجب ألا توافقوا على أية شركة مع يوحنا الأنطاكى ومجمعه المارد (المرتد) لأنهم رفضوا أن يشتركوا معنا فى إبعاد نسطور، لأنهم كانوا عملاءه حتى وقت مغادرتكم، ولأنهم تجرأوا على إدانة كيرلس وممنون وفى هذا مخالفة لجميع القوانين، ولكن بالأخص لأنهم إلى اليوم يدافعون عن عقائد نسطور، علاوة على ذلك فإن كثير منهم بيلاجيون ولهذا السبب تم عزلهم. وأخيراً لأنهم لم يرتعدوا من الافتراء على أعضاء مجمع العالم كله بأنهم هراطقة. أما إذا طلب الإمبراطور ذلك على عجل (ولأننا يجب أن نطيعه دائماً حينما يكون فى إمكاننا) فسوف تهبون الأنطاكيين الشركة بشرط توقيعهم على عزل نسطور، وطلب غفران المجمع تحريرياً. وبخصوص كيرلس وممنون، فى الدرجة الأولى، أن يقوموا بحرم الهرطقات الخاصة بنسطور ورفض أتباعه، واتخاذ تحركات مشتركة مع المجمع لإعادة كيرلس وممنون. علاوة على ذلك، يجب أن تكونوا على اتصال بالمجمع فى كل نقطة، حيث إن العودة الكاملة للسلام مع الأنطاكيين تحتاج إلى موافقة المجمع. ويجب ألا تسمحوا بالشركة للأنطاكيين حتى يعود إلى المجمع رؤساؤه (كيرلس وممنون)”. وقع على هذه الوثيقة برينيانوس أسقف برجة
Berinianus of Perge
الذى قد يكون هو أكبر المطارنة سناً فى ذلك الوقت (كما كان جوفينال وسط الممثلين) لذلك رأس المجمع. ([6])

 

وقد ائتمن أعضاء المجمع مندوبيهم بتوصيل الخطاب التالى للأباطرة، قالوا: “إنهما قد استجابا أخيراً لتضرعات المجمع وسمحا أن ينقل إليهما الأمر بإرسال ممثلين عن طريق الكونت يوحنا. وقد شكرهما أعضاء المجمع على ذلك وأرسلوا أركاديوس إلخ. (الكاهن الرومانى فيليب يدعى هنا
ultimo loco
) كممثلين لهم، وإنهم يترجون الإمبراطور من جانبهم من أجل قبول خيِّر وسماع متفضل. وفى نفس الوقت يذكرون فى هذا الخطاب الأمر الذى يثقل عليهم كثيراً. ثم يقصون كيف استدعى نسطور إلى المحاكمة بعد فوات المدة المحددة بستة عشر يوماً، ولم يحضر، وكيف سلك يوحنا الأنطاكى وأتباعه، وكيف عزلوا كيرلس وممنون، وكيف خدعوا الإمبراطور بدهاء، وما تم عمله من جانب المجمع. وأنهم الآن بواسطة خطابهم وممثليهم يقبِّلون ركب الأباطرة ويتضرعون أن يبطل الحكم الذى صدر ضد كيرلس وممنون بواسطة الخداع، وأن يعاد إلى المجمع رؤساؤه، لأنهما ذوى إيمان قويم، وقد شاركهما المجمع كله فى إيمانهما كما أعلنوا كتابةً. وفى هذين الرأسين يعتبر كل المجمع أنفسهم سجناء وهم الآن يطالبون الأباطرة بإطلاقهما من القيود”. ([7])

 

لم يفشل الأنطاكيون أيضاً فى أن يعهدوا لممثليهم الذين سبق ذكرهم، بتفويض مكتوب ينعكف فقط على عبارات عامة خاصة بالحقوق والواجبات لمن يتم انتخابهم، ويشترط التصديق على كل إجراءات المجمع الأنطاكى. إن ما سوف يرضى الكل، هو رفض الحرومات الهرطوقية الخاصة بكيرلس فقط. وقد وقع كل الانطاكيين وعلى رأسهم ألكسندر أسقف هيرابوليس ودوروثيئوس أسقف ماركينوبوليس على هذا التفويض. ([8])

—-
———–

[1]
Hefele, C.J., pp. 96-104
.

[2]
Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. p. 1450; Hardouin, t.i. p. 1603
.

[3]
Hefele, C.J., quoting Baron. ad ann. 431, n. 137 sqq.; Tillemont, Memoires, t.xiv. note 61, Sur St. Cyrille
.

† نذكر القارئ أن المتكلم هنا هو المؤرخ هيفيلى.

[4]
Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. p. 1458; Hardouin, t.i. p. 1610; Tillemont Memoires t.xiv. p. 471
.

[5]
Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. p. 1399; Hardouin, t.i. p. 1582
.

[6]
Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. p. 1457sqq.; Hardouin, t.i. p. 1609sqq
.

[7]
Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. p. 1462, t.v.p.651; Hardouin, t.i. p. 1611
.

[8]
Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. p. 1399, t.v.p.791; Hardouin, t.i. p. 1562
.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي