قانون الأنطاكيين وخطاباتهم المتتالية إزاء مجمع أفسس

من ناحية أخرى، فقد بذل الأنطاكيون كل ما فى وسعهم من جهد لكسب الإمبراطور إلى جانبهم. فقد أرسلوا إليه بواسطة الكونت يوحنا وثيقة (†*) لازالت باقية باللغة اللاتينية فقط، هى خطاب مهذب، يُعظِّم فوق كل قياس، المرسوم الإمبراطورى الذى صدر أخيراً (الخاص بعزل كيرلس الخ.)، لأنه سالم العالم كله، الذى تسبب ذلك المصرى (كيرلس) فى بلبلته بحسب عادته. وبعد وصول هذا المرسوم تعجلوا على التو، فى إدانة عروض كيرلس (حروماته) غير المطابقة (المضادة) للبشائر وغير الرسولية، حيث تجرأ كيرلس إلى النطق بحروم ضد كل قديسى الماضى، وكسب لحرومه بالخداع موافقة المجمع، فقط عن طريق إساءة استخدام جهل البعض ومرض البعض الآخر، علاوة على عناده ودهائه. فكما كتب الأب القديس أكاكيوس أسقف برويا
Beroea
للمجمع أنها حرومات أبوليناريه، وأكاكيوس هو الأسقف الذى بلغ من العمر مائة وعشر سنة وعرف الأبولينارية جيداً، هكذا فإنهم يلتمسون مع الكونت يوحنا من الأساقفة الذين ضللهم كيرلس والذين وقعوا على هذه العروض (الحرومات) أن يعلنوا الآن نفس الخطأ، وأن يوقعوا على النص النيقاوى مع الأنطاكيين. لكن أولئك قد رفضوا ذلك، فبقى لهم (الأنطاكيين) ببساطة أن يعترفوا من جانبهم بالإيمان الصحيح ويرفضوا الحرومات الخاطئة فى لائحة مكتوبة. فإن القانون النيقاوى لا يحتاج إلى أية إضافات، لكن، حيث أن الأباطرة طلبا إيضاحاً بخصوص القديسة العذراء والدة الإله، كما أوعز بذلك الكونت يوحنا، فإنهم رغم أن هذه الأمور تتجاوز قدرات البشر، إلا أنهم مع التضرع إلى المعونة الإلهية، ومن أجل دحض أعدائهم سوف يعبرون عن إيمانهم: “نحن نعترف بأن ربنا يسوع المسيح ابن الله الوحيد الجنس، هو إله حقيقى وإنسان حقيقى، من روح عاقلة وجسد. وأنه ولد قبل كل الأزمان من الآب بحسب لاهوته، وفى آخر الأيام من أجلنا ومن أجل خلاصنا ولد من العذراء بحسب ناسوته، من جوهر واحد مع الآب فيما يخص لاهوته، ومن جوهر واحد معنا فيما يخص ناسوته. لأن الطبيعتين اتحدتا معاً
unio facter est
ولذلك فإننا نعترف بمسيح واحد، ورب واحد، وابن واحد. وفقاً لهذا الاتحاد المنزه عن الاختلاط
in confusa unio
نحن نعترف أيضاً أن العذراء القديسة هى والدة الإله لأن الله الكلمة تأنس، وبالتجسد منذ أن حبل به وحد الخيمة (الناسوت) التى اتخذها منها (العذراء) بنفسه”. ([1]) وأنهم يضيفون طلباً إلى الإمبراطور، أنه بحسب عادته، سوف يضع الديانة المهددة بواسطة الحروم المصرية تحت ظل حمايته، وسوف يطلب من كل الأساقفة رفض حروم كيرلس وقبول القانون النيقاوى الثابت (غير المتغير)، لأنه بدون رفض هذه الحروم ليس هناك احتمال لوجود السلام فى الكنيسة. ([2])

 

أساء هذا الخطاب إلى كيرلس وأتهمه بالأبولينارية رغم نقاوته منها، كما أنه من ناحية أخرى، أضعف لوم كيرلس وأصدقائه من أن الأنطاكيين نساطرة فى مفاهيمهم، لأن النص الذى صاغوه يحمل مفهوماً أرثوذكسياً دقيقاً، وبالتالى فقد وافق عليه كيرلس نفسه.(†) لكن الأنطاكيون أخفوا فى هذا الخطاب حقيقة أنه لم يوافق كل أعضاء فريقهم على هذا الشكل للإيمان، كما نعلم من خطاب الأسقف ألكسندر أسقف هيرابوليس، الذى يصف نفسه بأنه بالتأكيد لنسطور، وأنه ضد
qeotokoV
(ثيئوتوكوس) وهذا النص الخاص بالأنطاكيين، ويتهم النص الأنطاكى بالبهتان والخبث، لأنه على الرغم من أن الإمبراطور لم يطلب هذا الإيضاح، فإن هذا النص يخون النسطورية المستقيمة. ([3]) نحن نرى إذن أن كيرلس يمكنه بعدل أن يتهم على الأقل بعض الأنطاكيين بالنسطورية، وأن تأكيده الذى أكده من قبل، من أن الخلاف بخصوص الثيئوتوكوس
qeotokoV
ظهر بين الأنطاكيين أنفسهم، كان يتفق مع الحق بالصواب.

 

يشير الأنطاكيون فى هذا الخطاب الذى ذكرناه أنه قد تم توجيهه إلى الأباطرة، فى وثيقة أصدروها بعد وصول الكونت يوحنا، فيها يجددون القانون النيقاوى من جانب، ومن جانب آخر يرفضون حروم كيرلس الإثنى عشر بإعلان مكتوب. هذا المستند لازال باقياً فى وثيقة نسبت عن طريق الخطأ إلى حقبة زمنية أسبق، ولكنها بالتأكيد لا يمكن أن تكون قد صدرت قبل وصول الكونت يوحنا لأنها تتكلم عن ثلاثة مراسيم موجهة من الإمبراطور إلى المجمع. هذه هى الإيضاحات المجمعية التى تم ذكرها سابقاً والتى وقَّع عليها يوحنا الأنطاكى وكل أتباعه وعنوانها
De Schismaticis. ([4
])

 

فى ذلك الوقت تم إرسال خطاب ثالث (†) من المجمع الأنطاكى
concilicabulum
فى أفسس إلى الكهنة والرهبان والشعب الأنطاكى، حيث يقصون بمدح كبير فى أنفسهم، كل ما تم عمله حتى الوقت الحاضر، ثم يعقبون بأن كيرلس وممنون حتى فى حبسهما المغلق، لم يصلا إلى فكر أفضل، وأنهما لازالا يلقيان الجميع فى البلبلة بصورة واضحة، نتيجة ليأسهما. حيث قالا إنهما لم يضطربا بخصوص الحرم من الشركة الذى تم نطقه، وإنهما استمرا فى مهامهما الروحية. وبالتالى، فإنه وفقاً للقوانين الكنسية (قانون 4 لمجمع أنطاكية 341)، لا يمكن إرجاعهما، ولأنهما يعرفان ذلك جيداً، فإنهما يسعيان إلى أن يجعلا الاضطراب يستمر فى الكنيسة. ثم يضيفون أنه قد يكون لهم رجاء صالح فى أنطاكية، وهم يشكرون الله على ما تم عمله، ويتضرعون من أجل الزلة، ويلقون عظات ضد العقيدة الكافرة التى لكيرلس، ويقودون للقضاء كل من يحاول نشرها بأية طريقة. ([5])

 

فى نفس الوقت التجأ المجمع الزائف (†*) إلى الأسقف المسن القديس أكاكيوس أسقف بيرويا وأكدوا له حماسهم ضد الأبولينارية، وأعلنوا أنه حتى فى الوقت الحاضر فإن الذين ضلوا بسبب كيرلس سوف لا يطيعون الأمر الإمبراطورى أو سوف يرفضون هذه الحروم الزائفة. وقد أصدر الأنطاكيون بصعوبة تفنيداً كاملاً لهذه الحروم (الخاصة بكيرلس)، ودعوا خصومهم إلى مناظرة عليها؛ هؤلاء الخصوم (الموالون لكيرلس) لم يحضروا بل استمروا يبلبلون كل شئ، وكانوا يرسلون إلى كل المدن والأقاليم رسائل كاذبة مليئة بالاتهامات ضد الأنطاكيين. لكنهم لم يستطيعوا تضليل أحد سوى البسطاء، لأن الجميع كانوا يعرفون أن ما يصدر عن رجال مخلوعين ليس له سلطة على الإطلاق. وسيظلوا مخلوعين للأبد، لأنهم حتى بعد حرمهم من الشركة كانوا يتممون مهامهم الروحية. وقد كان حبس كيرلس وممنون حبساً دقيقاً مراقباً بواسطة جنود ليلاً ونهاراً. وأكاكيوس يشكر الله ويتضرع من أجل الأنطاكيين كما يتضرع من أجل من زلوا حتى يعودوا إلى الإيمان القديم. ([6])

—-
———–

†* وهذه الوثيقة توضح الرياء والخداع الذى مارسه الطرف المضاد للقديس كيرلس والإيمان الصحيح فى سبيل الوصول إلى أغراضهم.

[1]
Hefele, C.J., Cf. 155
.

[2]
Hefele, C.J., quoting Mansi, t. v. p. 781sqq.; Hardouin, t.i. p. 1557
.

 

† وافق القديس كيرلس على النص حتى عبارة “التى اتخذها منها بنفسه” والتى وضعنا عندها رقم (182) فى الهامش. ولكن العبارات التالية لم يعترف بها القديس كيرلس لأنها كانت إضافة فى رسالة الأنطاكيين إلى الإمبراطور.

[3]
Hefele, C.J., quoting Mansi, t. v. p. 874
.

[4]
Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. p. 1375; Hardouin, t.i. p. 1535
.

 

† يضيفون فيه افتراءات جديدة ضد القديس كيرلس، لكن كل هذا يبين عظمة القديس كيرلس الذى من أجل وحدة الإيمان صفح ونسى الإساءة وكتب بكل الحب رسالة المصالحة إلى يوحنا الأنطاكى بعد أن كتب هو رسالة أعلن فيها الإيمان الصحيح. والرسالتين مرفقتين فى ملحق رقم 2 وملحق رقم 3 من هذا الكتاب.

 

[5]
Hefele, C.J., quoting Mansi, t. v. p. 784; Hardouin, t.i. p. 1559
.

 

†* هذه الفقرة كلها للمجمع الأنطاكى وهى تحمل كثير من الاتهامات الظالمة والكاذبة ضد القديس كيرلس كما تبين كم تآمروا ضده بطرق خبيثة.

 

[6]
Hefele, C.J., quoting Mansi, t. v. p. 785; Hardouin, t.i. p. 1560
.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي