مجمع خلقيدونية المشبوه

الجلسة الاولى

لما عُقدت الجلسة الاولى كانت اولى طلبات نواب لاون اخراج البابا ديسقورس من المجمع. ولما لم يقبل رئيس المجمع ذلك اصر النوبا على طلبهم معترضين بلسان يوسابيوس عدو اوطاخى بان ديسقورس عقد مجمعا بدون استئذان الكرسى الرسولى الرومانى واضافوا بان ديسقورس الذى أتى ليدان لا ينبغى له الجلوس معنا لأن ذلك يجلب علينا احتقارا. فأزدرى نواب الحكومة بكلام هؤلاء الاشرار وقر برأيهم على بقاء ديسقورس فى المجمع. واجاب هذا البابا على تهمتهم بثبات قائلا: “انى لم اكن فى حاجة الى استئذان اسقف روما فى عقد المجامع التى صدر امر الامبراطور بتشكيلها” ثم طلب قراءة القرارات التى صدرت فى المجمع الاخير مما يخص الايمان فاجابه الرئيس “ينبغى ان تصبر الى قراءة الاعمال”.

 

و كان لاون قد اعاد ثاوذوريتوس اسقف كورش الى كرسيه فسمح له بالدخول الى المجمع حينئذ فأحدث دخوله ضجة عظيمة سمع فيها صوت اساقفة مصر وايليريا وفلسطين يقولون: “ارحمونا يا قوم. قد اضمحل الايمان. اعلموا ان القوانين توجب طرد هذا خارجا فأطردوه انتم عنا”. فأجاب اساقف الشرق النساطرة: “لقد ارغمنا ديسقورس فوقعنا على اوراق بيضاء , اطردوا اتباع مانى وابوليناريوس مُضادى الايمان , اطردوا ديسقورس”. وقال المصريون “ان ثاوذوريتوس شتم المسيح ولعن كيرلس فان قبلناه اهنا المسيح ورفضنا كيرلس”. واخذ الفريقان يتحاوران معا بمثل هذا الكلام وشرع كل حزب فى ان يوجه الى الاخر شديد المطاعن حتى اشرف المجمع على ان يكون ميداناً للمحاربة لولا ان مندوبى الحكومة استعملوا نفوذهم فى اعادة النظام والسكينة ووقف واحد منهم وخطب فى المجمع قائلا: “انه لا يجدر بالاساقفة وائمة الدين ان ياتوا مثل هذه الاعمال المشينة من صياح وصراخ بل يجب عليهم ان يكونوا قدوة للشعب فى الهدوء والسكينة. ونحن نرجوكم ان تستعملوا البرهان بدل البهتان والدليل عوضا عن القول واميلوا اّذانكم لسماع ما يُتلى عليكم”.

 

ثم اخذ الكاتب يتلوا قرارات مجمع افسس الثانى وكان اعضاء الحزبين يقاطعونه بضجيج الاستحسان والاستهجان. وكان البابا ديسقورس فى وسط ذلك الهيجان ساكناً هادئاً مستعملاً الحكمة مجرداً سيف البرهان عوضا عن الثرثرة الفارغة التى كانت سلاح نواب روما الوحيد. وكان مما فاه به فى هذا المجمع قوله: “قد علمتم ان القيصر لم يجعل لى وحدى الامر بل ليوبيناليوس وتلاسيوس ايضا , ومنح لهما التدبير , فنحن بما حكم به اذعن لنا المجمع بأسره فلماذا ينسبون الى وحدى تدبير هذه الامور حال كون سلطان الثلاثة متساويا وقد استصوب المجمع ما حكم به فأقروا بأصواتهم ووضعوا خطوطهم بأيديهم واخبرنا الامبراطور بذلك وهو ثبت بأمر عال كل ما حكم به المجمع المقدس”.

 

فأجاب اساقفة الشرق ما معناه “انهم لم يشتركوا فى حرم فلابيانوس الا تحت تأثير الارهابات والخوف” وكان معظم المتكلمين شمامسة. فأعترض الاساقفة المصريون على تداخلهم الغير قانونى طالبين اخراج كل من ليس له حق الكلام فى المجمع فلم يسمع لهم ولم يُجب طلبهم. وبعد ذلك سأل رئيس المجمع المشتكين على ديسقورس: “من الذى ارغمكم على الامضاء؟” اجابوه “ديسقورس ورهبان اوطاخى الذين عددهم 300 راهب” فأجباهم اساقفة مصر “لو كنتم مسيحيون حقا لما ارهبكم التهديد , لأن الارثوذكسى لا يخاف. ها نحن الان مستعدون للموت دون ان نحيد قيد شعرة عن ايماننا فلو كنتم مؤمنين حقا لما وقعتم على الاوراق حسب ادعائكم , لأن المسألة تختص بجلالة الايمان الذى ينبغى للمؤمن الحقيقى ان يسفك اّخر نقطة فى دمه فى سبيل تأييده”. ولما استأنفوا قراءة بقية الاعمال كثر الهياج واللغط فأظهر نواب الحكومة الاستياء الشديد مرة اخرى فقال ثاوذوريتوس: “ان كتبة ديسقورس هم علة هذا الضجيج” فأجاب البابا ديسقورس بهدوء: “لا يوجد معى سوى كاتبين فقط وهما لا يقويان على احدث مثل هذا الهياج”. ثم سئل البابا ديوسقورس لماذا لم تقرا رسالة لاون فى المجمع؟ فأجاب: “امرت بقرائتها مرتين” فسألوا يونبيناليوس شريكه فقال: “أجلنا قراءتها حتى ننتهى من قراءة رسائل الامبراطور وبعد ذلك لم يطلب احد منا قراءتها”. وبينما كانت تُقرأ الاعمال كان اساقفة الشرق يعترضون اعتراضات سقيمة , فتارة ينكرون ما قالوه او حتى كتبوه حتى قال لهم ديسقورس: “لقد تجاسرتم على نكران كل شىء فالافضل ان يقولوا اننا لم نكن حاضرين بالمرة”. وتارةاخرى يعترضون على البابا ديسقورس بما أملته عليه اهوائهم. فمن ذلك انهم اخذوا عليه قوله فى مجمع افسس الثانى: “انى افحص قوانين الاباء الذين اجتمعوا فى نيقية وافسس” ولما اعترض يوسابيوس على لفظة “افحص” اجاب البابا ديسقورس: “ان الفحص لازم لأن مخلصنا قال (فتشوا الكتب) ولكن كان لكم وجه الاعتراض لو قلت اجدد”

 

و لما قرىء ايمان اوطاخى قال البابا ديسقورس: ” ان كان اوطاخى يذهب بخلاف مذهب البيعة فهو لا يستحق العقاب فقط بل النار ايضا , اما انا فمهتم بالايمان ولست بشأن احد من الناس , بل فكرى شاخص الى اللاهوت فلا ابالى بأحد سوى بنفسى وبالايمان المستقيم الصحيح”. وبعد ذلك انكر باسيليوس خطابه المُحرر فى دفتر الاعمال فقال رئيس المجمع: “اذن لماذا وقعت على القرار بجرم فلابيانوس؟” فأجاب: “انى التزمت ان اطاوع 130 اسقفا” فقال له ديسقورس: “الان من فمك تتبرر ومن فمك تدان لقد استحيت من الناس واهنت الايمان خوفا منهم”. واذ رأى الاساقفة الشرقيون ان قولهم “اُجبرنا على التوقيع” يوجب عليهم شديد اللوم قالوا اخيرا: “اخطأنا كلنا ونطلب الغفران” ولأجل ذلك قبلوا وانتقلوا الى الجهة الاخرى التى كان فيها الاساقفة النساطرة فقالوا لهم: “مبارك قدومكم”.

 

ثم سالوا البابا ديسقورس لماذا حكم على فلابيانوس بالحرم والنفى , اجاب: “ان الاسباب التى بنى عليها الحكم على فلابيانوس واضحة صريحة هى انه كان يعتقد بوجود طبيعتين للمسيح بعد التجسد. اما انا فلى شهادات من اقوال الاباء , اثناسيوس وغريغوريوس وكيرلس تؤيد انهم كانوا يعتقدون بعدم وجود طبيعتين للمسيح بعد التجسد , بل ان الكلمة المتجسد اتخذ طبيعة واحدة فقط. فاذا كان فى اعتقادى خطأ فيكون اصله من خطأ هؤلاء الاباء المحترمين الذين اقول انا بقولهم ولا اتحول عن مبدأهم. وحتى يكون المجمع على ثقة من قولى اخبره اننى نقلت اقوالهم هذه بالحرف الواحد واعتنيت كثيرا فى ضبطها على الاصل والتحقق من صحتها”. وكان نواب لاون يتذمرون من ترك الحرية لديسقورس ليبدى افكاره , فأجابهم الرئيس: ” ان هذا المجمع يقتفى اّثار العدل والحق فى اعماله فهو يمنح حرية الافكار الصحيحة لجميع الاعضاء على السواء”. وبذلك انتهت الجلسة الاولى وعينوا موعدا لأنعقاده بعد خمسة ايام.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي