بدعة أبوليناريوس والرد عليها

العجيب أن أبوليناريوس مع أنه قد علّم بالطبيعة الواحدة للسيد المسيح، عكس عقيدة نسطور الذى فصل المسيح إلى طبيعتين منفصلتين، ولكن العجيب أنه بالرغم من أن كلاً منهما (نسطور وأبوليناريوس) قد وصل إلى عقيدة ضد عقيدة الآخر تماماً إلا أن السبب فى هرطقة أبوليناريوس هو أحد أسباب هرطقة نسطور، أو ربما يكون السبب الرئيسى. بمعنى أنهما قد سقطا فى خطأ واحد. وقد حاول كل منهما أن يعالج إحدى الهرطقات أو المعضلات العقائدية، فوقع فى هرطقة ضد هرطقة الآخر.

 

كان الخطأ الذى وقع فيه كل من نسطور وأبوليناريوس إنهما اعتقدا أن الروح الإنسانى العاقل فى المسيح لابد أن يكون شخصاً إنسانياً، وإلا كيف يُنسب إلى هذا الروح الإنسانى العاقل الفكر وحرية الإرادة.. الخ. فأراد أبوليناريوس أن يعالج هذه المشكلة التى أوقع فيها نفسه، بأن يلغى وجود الروح الإنسانى العاقل فى المسيح، لكى لا يكون فى المسيح شخص إلهى وشخص آخر إنسانى. فراودته فكرة منظومة التكوين الثلاثى
Trichotomy
للإنسان فقال كما أن الإنسان مكوّن من جسد ونفس وروح عاقل، كذلك فإن الله الكلمة المتجسد يكون مكوناً من جسد ونفس وروح عاقل: هو أقنوم الكلمة أى لاهوته.

 

فبحسب فكر أبوليناريوس: حيث أن الله روح واللوغوس هو العقل الإلهى منطوق به فلا شك أن هذا الروح الإلهى الذى هو الله الكلمة يتصف بصفة العقل، وحيث أن الله روح ويتصف بالعقل فما الداعى لوجود روح عاقل للمسيح؟ وبهذا جعل لاهوت الابن الكلمة عوضاً عن الروح الإنسانى العاقل فى المسيح. وكان هدفه حل مشكلة وجود شخصين للكلمة المتجسد. الشخص الأول هو: شخص أقنوم الكلمة، والشخص الثانى هو: الروح الانسانى العاقل ليسوع، حسب تصوره للفكرة، وكان تصوره خاطئاً. وتصور هو بذلك إنه قد تحاشى فكرة وجود شخصين فى المسيح. لأن ذلك فى نظره يجعل الفادى المخلص ليس هو الله ولكن هو شخص الإنسان يسوع الناصرى.

 

بالرغم من أننا نتفق مع أبوليناريوس فى رفض فكرة شخصين فى المسيح، إذ نعتقد أن المخلص هو يسوع وهو هو نفسه الله الكلمة. أى أن الله الكلمة هو نفسه صار إنساناً وخلصنا بموته المحيى. إلا أننا لا نتفق مع أبوليناريوس فى إلغائه لعقيدة وجود روح إنسانى عاقل للمسيح، وبالتالى إلغائه لكمال ناسوته.

 

ولقد أكّد الآباء القديسون على وجود شخص واحد للمسيح هو شخص الله الكلمة. فقال القديس أثناسيوس الرسولى “لقد جاء كلمة الله فى شخصه الخاص”[1]
The Word of God (Logos) came in His own person
. كما قال القديس كيرلس الكبير: إن الله الكلمة لم يتخذ شخصاً من البشر بل هو نفسه اتخذ طبيعة بشرية كاملة جسداً محيياً بروح عاقل، وجعل هذا الناسوت خاصاً به جداً [2] أى جعله فى اتحاد طبيعى مع لاهوته.

 

وبالرغم من إننا سوف ندرس فى دراستنا لمجمع أفسس هرطقة نسطور ورد القديس كيرلس عليها، إلا إننا لن ندع الفرصة تفوت الآن لكى نوضّح كيف وقع نسطور فى هرطقته منطلقاً من نفس الخطأ الذى وقع فيه أبوليناريوس.

—-
———–

[1]
P. Schaff & H. Wace, Nicene & Post Nicene Fathers, series 2, Vol. IV St. Athanasius, On the Incarnation, chap. III, par.13, Eerdmans Pub, 1978 p.43
.

[2]
The Fathers of the Church, St. Cyril of Alexandria, Letters (1987) – translated by John I. McEnerney, The Catholic University of America Press, Washington, D.C., Volumes 76, Letter 50, To Valerain of Iconium, par.3. p. 213
.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي