الطبيعة والشخص

نعطى مثلاً عن الطبيعة والشخص الذى يحملها: إذا ملأنا كوباً فارغاً بالماء، فإننا نسميه كوب ماء، وإذا ملأناه بالزيت فإننا نسميه كوب زيت. فإذا حمل شخص الطبيعة البشرية، نسميه إنساناً، وإذا حمل نفس الشخص الطبيعة الملائكية نسميه ملاكاً، وإذا حمل نفس الشخص الطبيعة الإلهية، نسميه إلهاً. فالشخص يلقب وينسب إلى الطبيعة التى يحملها. وهو يعمل بمقتضى قدرات هذه الطبيعة. أى إنه إذا ملك الطبيعة الإنسانية، فإنه يملك مقوماتها. وإذا حمل الطبيعة الإلهية فإنه يملك مقوماتها. وإذا حمل نفس الشخص الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية، أى إذا اتحدت فيه الطبيعتان، فإنه يملك مقومات الطبيعتين فى آنٍ واحد.

وحينما اتحد اللاهوت بالناسوت فى السيد المسيح فى شخصه الواحد
one single person
اتحاداً حقيقياً تاماً كاملاً بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا انفصال ولا تقسيم، فإن شخص السيد المسيح صار يملك خصائص ومقومات وقدرات الطبيعتين فى طبيعته الواحدة المركبة، فصار يملك أن يجوع بحسب إنسانيته، وألا يجوع بحسب ألوهيته فى آنٍ واحد. وأن يتألم بحسب إنسانيته وأن لا يتألم بحسب ألوهيته فى آنٍ واحد.

 

ولكى يؤكّد السيد المسيح وحدة الشخص فيه قال لنيقوديموس “ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء ابن الإنسان الذى هو فى السماء” (يو3: 13). فكيف يقول السيد المسيح لنيقوديموس وهو جالس أمامه، أن ابن الإنسان هو فى السماء. إن هذا لا يمكن أن يفهم إلا إذا كان ابن الإنسان هو نفسه ابن الله المالئ الوجود كله بحسب لاهوته. فهو أمام نيقوديموس بحسب الجسد وهو فى حضن الآب كل حين بحسب لاهوته. “وحيد الجنس (بالولادة) الإله الذى هو فى حضن الآب هو خبّر” (يو1: 18). هو ابن الإنسان وهو ابن الله فى آنٍ واحد. فليس ابن الله شخص آخر غير ابن الإنسان. ولكنه بحسب الجسد هو على الأرض، أما بحسب لاهوته فهو مالئ الوجود كله، لذلك قال لنيقوديموس “الذى هو فى السماء” وذلك عن ابن الإنسان أى عن نفسه.

 

وحينما تكلم مع اليهود وقال لهم “الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن” (يو8: 58). كان ذلك رداً على تعجبهم من إنه قال لهم “أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومى فرأى وفرح” (يو8: 56). فقالوا له: “ليس لك خمسون سنة بعد. أفرأيت إبراهيم؟!” (يو8: 57). إذن كانوا يتكلمون عن السيد المسيح الواقف أمامهم، أى عن ابن الإنسان، ولكنه أكّد إنه هو نفسه الذى يكلّمهم وبنفس فمه الذى نطق بهذه الكلمات قال عن نفسه “قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن”. فهو شخص واحد كائن بحسب لاهوته قبل أن يكون إبراهيم، وليس له خمسون سنة بعد بحسب ناسوته. فهو يملك الأزلية بولادته من الآب قبل كل الدهور، وقد دخل إلى الزمان بولادته من العذراء فى ملء الزمان. كما قال معلمنا بولس الرسول “ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس. ليفتدى الذين تحت الناموس لننال التبنى” (غل4: 4،5).

 

فمن ضمن صفات الطبيعة ما يلى:

+ طبيعة حية (مثل النبات والحيوان والإنسان)، أو طبيعة غير حية (مثل الجماد).

+ طبيعة قابلة للموت أو غير قابلة للموت.

+ طبيعة عاقلة أو غير عاقلة.

+ طبيعة لها صفة التغيير أو عدم التغيير.

+ طبيعة لها صفة المحدودية أو اللامحدودية.

+ طبيعة لها صفة القداسة أو عدم القداسة.

+ طبيعة زمنية أو غير زمنية.

+ طبيعة لها صفة الحب أو الكراهية.

+ طبيعة لها صفة الحكمة أو عدم الحكمة.

+ طبيعة لها صفة القوة أو الضعف، الشجاعة أو الجبن.

+ طبيعة لها صفة الكبرياء أو التواضع (فى مقارنة طبائع الملائكة).

 

فكما أن القوة صفة من صفات الطبيعة، هكذا العقل صفة من صفات الطبيعة. هكذا أيضاً الحياة صفة من صفات الطبيعة لأن هناك مخلوقات حية مثل النبات والحيوان والإنسان فى الطبيعة، كما أن هناك أشياء غير حية مثل الجماد. هكذا هناك طبيعة متغيرة وطبيعة غير متغيرة، فالله بطبيعته غير متغير والذهب إلى حد ما يعتبر غير متغير لذلك استخدم فى الإشارة إلى اللاهوت فى تابوت العهد مثلاً.

 

الخلاصة فى هذا الأمر: أن العقل هو صفة من صفات الطبيعة. وبذلك حينما اتخذ السيد المسيح روحاً بشرياً عاقلاً، حينما أخذ ناسوته الكامل أى الجسد والروح من العذراء مريم بفعل الروح القدس، فإن هذا الروح العاقل قد وجد شخصه فى ابن الله المتجسد. أى أن ابن الله قد أعطى شخصه الخاص للطبيعة البشرية التى اتخذها، أى إنها وجدت شخصها فيه وهو ما نعبّر عنه أحياناً بأنها تشخصنت فى شخص الله الكلمة.

 

فإجابة السؤال المطروح وهو: كيف يكون السيد المسيح إنساناً دون أن يأخذ شخصاً بشرياً؟ هو إنه صار إنساناً لأن شخصه الخاص قد اتخذ الطبيعة البشرية الخاصة به وجعلها طبيعته الخاصة. فشخص ابن الله الحامل للطبيعة البشرية هو إنسان، لأنها ليست طبيعة بلا شخص، وقد وجدت الطبيعة البشرية شخصها فيه كمالِك وحامل لهذه الطبيعة.

 

فالسيد المسيح ليس مجرد إنسان عادى، بل هو نفسه بشخصه الإلهى المولود من الآب قبل كل الدهور قد “أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً فى شبه الناس. وإذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب” (فى2: 7،8).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي