خطاب الأرثوذكس بمجمع أفسس: الجلسة الثانية 10 يوليو 431

من ناحيةٍ أخرى، وجه كيرلس ومجمعه خطاباً إلى الأباطرة بواسطة بلاديوس
Palladius
بتاريخ 1 يوليو عام 431م، موضحاً أن كل ما هو ضرورى بشأن موضوع نسطور وهرطقته قد تم ذكره فى تقارير ودقائق الجلسة الأولى، التى سبق إرسالها. ولكن الكونت كانديديان فضّل صداقة نسطور (†) على التقوى، ولذلك فقد شغل آذان الأباطرة، وزودهم بتقارير من جانب واحد. ومع ذلك، فإنه يبدو من قرارات ودقائق الجلسات أنهم تصرفوا ضد نسطور دون أى محاباة، وقد ناقشوا الموضوع كله بعناية. لذلك لا ينبغى أن يصغى الأباطرة إلى يوحنا الأنطاكى، الذى اهتم بصديقه أكثر من الإيمان، وسمح للمجمع أن ينتظر مدة 21 يوماً، وفور وصوله أعلن أنه منحاز لنسطور، وذلك، إما بسبب الصداقة أو لأنه كان مشاركاً له فى خطئه. وحيث أن كانديديان قد منع المجمع من إرسال تقرير دقيق عن الأحداث إلى الإمبراطور، يمكن إذن أن يدعوه الإمبراطور إلى المثول أمامه هو وخمسة من أعضاء المجمع، لكى يحصل منهم على فهم الأمور مشافهة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من الأساقفة الذين كانوا حتى ذلك الحين منحازين إلى جانب نسطور، قد تبصروا فى الأمر بطريقة أفضل فى عهد قريب ورجعوا إلى المجمع، حتى أنه لم يبق مع نسطور ويوحنا الآن سوى حوالى 37 أسقفاً. وهؤلاء استمروا فى الغالب، إما خوفاً من العقاب بسبب الإساءات التى ارتكبوها، أو بسبب كونهم هراطقة أى بيلاجيين. وقد كان الأسقف كليستين أسقف روما وكل أسقفية أفريقيا منحازين للمجمع وضد المجمع الأنطاكى، بالرغم من عدم حضورهم شخصياً. بالإضافة إلى ذلك، ذكر باختصار أعمال العنف التى سمح إيرينيئوس لنفسه أن يقوم بها ضد أعضاء المجمع، كما أعلن كيرلس أن هناك أكثر من 200 أسقفاً فى صفهم، ولكن كان من المستحيل تقديم تقرير وافى بسبب رجوع بلاديوس السريع. ([1])

 

بعد حوالى ثمانية أيام- وفى 10 يوليو- رتب كيرلس الجلسة الثانية للمجمع فى مقر أسقفية ممنون.. ([2]) وكان عدد الحاضرين هو نفس عدد الذين حضروا الجلسة الأولى. وقد أعلن السبب فى انعقاد هذه الجلسة الثانية بوصول المندوبين الذين أرسلهم البابا كليستين إلى المجمع وهم الأسقف أركاديوس والأسقف بروجيكتوس والقس فيليب، الذين كان عليهم أن يوصلوا خطاب البابا الذى سبق ذكره. تمت قراءة هذا الخطاب أولاً بالنص اللاتينى الأصلى، ثم فى ترجمته باللغة اليونانية، وقد تضمن أسلوب إطراء شديد للمجمع وحث على ألا يتساهلوا مع أى عقائد خاطئة تخص شخص المسيح؛ وأنهم ينبغى أن يجعلوا فكر القديس يوحنا البشير، الذى يكرَّم رفاته فى أفسس، هو فكرهم الخاص؛ وأن يناضلوا من أجل الإيمان الصحيح، ويصونوا سلام الكنيسة. وفى الختام قال البابا إنه أرسل ثلاثة مندوبين لحضور الجلسات وتنفيذ ما قرره بشأن نسطور، وإنه لا يشك فى أن الأساقفة المجتمعين سوف يوافقون على نفس الشئ. ومع أن الطلب البابوى تم التعبير عنه بقوة فى العبارة الأخيرة، فقد ابتهج أعضاء المجمع بخطاب البابا كله وقالوا: “إن هذا هو الحكم الصحيح؛ شكراً لكليستين بولس الجديد، ولكيرلس بولس الجديد، ولكليستين حارس الإيمان”. (†)

 

ثم وجه المندوب البابوى بروجيكتوس الانتباه إلى محتويات الخطاب البابوى، وخصوصاً إلى النقطة الخاصة بأن الحكم الذى أصدره البابا ينبغى أن يُنفَّذ من أجل منفعة الكنيسة الجامعة، ووفقاً لقانون الإيمان الجامع؛ أى أن جميع الأساقفة يجب أن يقبلوا الحكم البابوى ويرتقوا به ليصير حكم الكنيسة كلها. وفى هذا الأمر، وفقاً لرأى البابا، ليس على المجمع أن يفحص ما إذا كان تعليم نسطور خاطئاً بعد؛ فقد تم تسوية ذلك بواسطة الحكم الرومانى، لكن على المجمع فقط أن يؤكد ذلك بالموافقة. (†) لكن المجمع المقدس عملياً كان قد اتخذ فى جلسته الأولى رأياً مختلفاً، فقدم فحصاً جديداً بشأن أرثوذكسية نسطور؛ (†*) ومع ذلك فقد أعلنوا الموالاة لرأى البابا الآن إما عن طريق الصمت أو بالتعبير الواضح، بينما أعلن فيرموس
Firmus
رئيس أساقفة قيصرية كبادوكية أن “خطاب الكرسى الرسولى السابق لكيرلس، قد احتوى على الحكم والتوجيه (
yh’fon kaiv tuvpon
) بشأن موضوع نسطور..” ([3])

 

شكر أحد مندوبى البابا المجمع على ذلك، وهو القس فيليب الذى كان بارزاً أكثر من زملائه،.. وطلب أن تعرض عليهم القرارات التى اتخذها المجمع حتى الوقت الحاضر، ليتم تصديقها بواسطة المندوبين (
bebaiwvswmen
) طبقاً لما كلفهم به البابا. وقد تمت الموافقة على ذلك، ثم انتهت الجلسة. ([4])

—-
———–

† هكذا تتضافر قوى الشر لكن لابد أن الحق ينتصر لأن الله هو “الحق”.

[1]
Hefele, C.J., quoting Mansi, t.iv.p.1422 sqq. ; Hardouin, t.i.p. 1582 sqq. Fuchs, L.c. Bd. iv. S. 107
.

[2]
Hefele, C.J., quoting Mansi, t.iv.p. 1279 sqq.; Hardouin, t.i.p.1465 sqq
.

† واضح هنا أنه ليس هناك لقب أو مكانة لبابا روما تميزه عن بابا الأسكندرية.

† هنا أيضاً تتضح الرغبة فى تعظيم بابا روما من نوابه أو من المؤرخ هيفيلى.

†* أى أن المجمع لم يصدِّق على قرار بابا روما أو المجمع الرومانى دون فحص، وهذا يؤكد أن المبدأ السابق ذكره فى هذه الفقرة لم يكن معمولاً به إنما هو فقط ما يريد الكاثوليك إثباته. كما أن موافقة المجمع بعد ذلك على ما كان البابا الرومانى قد قرره بشأن نسطور كان بسبب أن الأساقفة الحاضرين بعد دراسة الأمر اتفق رأيهم مع رأى البابا كليستين والبابا كيرلس الكبير.

[3]
Hefele, C.J., quoting Mansi, t.iv. p. 1287 sq.; Hardouin, t.i.p.1471
.

[4]
Hefele, C.J., quoting Mansi, t.iv.p.1290; Hardouin, t.i.p.1474
.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي