أفكار نسطور الهرطوقية

وأراد نسطور أن يحارب الأريوسية التى تنكر لاهوت الابن ومساواته للآب فى المجد والكرامة والربوبية، فاستمر يدافع عن اللوغوس ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور. فقال أن اللوغوس مثل الآب تماماً لا يموت ولا يتألم ومنزه عن الاتحاد بالمادة (حسب مفهومه الخاص). ولذلك فقد اختار إنساناً من بطن أمه وحل وسكن فيه وجعله وسيلة لخلاص البشرية.

 

ولذلك اعتبر أنه قد انتصر على الأريوسيين بتأكيد ألوهية الابن الوحيد وفصل طبيعة لاهوت اللوغوس عن طبيعة الإنسان يسوع المسيح، فقال إن الابن الوحيد الجنس (المونوجينيس)، لم يمت ولم يولد من امرأة بل أن الذى ولد منها هو الإنسان يسوع الناصرى الذى سكن فيه اللوغوس منذ لحظة تكوينه فى بطن أمه بفعل الروح القدس وبدون زرع بشر.

 

واعتبر أن المسيح قد ورث الخطية الأصلية كإنسان وأنه قدَّم نفسه ذبيحة عن نفسه وعن العالم كله. وأن اللوغوس قد سكن فيه ورافقه من البطن وأعطاه كرامته وألقابه وسلطانه وصورته ومشيئته. وبذلك أعطاه سلطاناً أن يصنع كل ما صنع من المعجزات وأن يأخذ لقب ابن الله على سبيل التكريم وأنه ليس إلهاً حقيقياً.

 

فقال أن الذى يولد من الإنسان هو إنسان وليس إله، وأن كل طبيعة تلد ما يناظرها وقال أن اللوغوس قد رافق يسوع الناصرى فى آلامه وقواه ليحتمل الصلب واتخذه كأداة لخلاص البشرية.

 

وفسر عبارة “مسحك الله إلهك” (عب 1: 9) بأن الابن الوحيد الجنس هو الذى مسح يسوع الناصرى لأنه هو إله يسوع. وأن يسوع هو عبد لله الكلمة وقد مسحه الله الكلمة بالروح القدس. وقال “أنا لا أستطيع أن أقول عن طفل عمره شهرين أو ثلاثة شهور أنه هو الله”[1]

 

ورفض أن يدعو العذراء والدة الإله وإذ تلقن من أستاذيه ديودور الطرسوسى وثيئودور الموبسويستى إنها والدة الإنسان (أنثروبو طوكوس) فقد حاول المراوغة وتغطية فداحة هرطقته بحيلة جديدة حينما وجد الصراع يحتدم بين أنصار الثيئوطوكوس والأنثروبوطوكوس، فقال أنه ينبغى أن ندعو العذراء والدة المسيح خريستوطوكوس وقال أن لقب ثيئوطوكوس يخص الآب السماوى وحده فى ولادته للابن قبل كل الدهور. فهو يدعو الآب ثيئوطوكوس.

 

وقد اقتبس نسطور من هرطقة أوريجانوس فكرة أن الروح الإنسانى هو الواسطة أو الوسيط بين اللاهوت والجسد، لأن الله منزه عن الاتصال بالمادة. وفى ذلك يكون -فى نظر نسطور- أن الله الكلمة قد اتصل بالإنسان يسوع بدون اتحاد بين الطبيعتين بل باتحاد الصورة والهيئة الخارجية. واتصل به عن طريق روح يسوع الإنسانى. وعندما سلم يسوع روحه على الصليب يكون الله الكلمة قد فارق جسد يسوع مفارقة تامة؛ لا اتحاد ولا حتى اتصال بل مجرد جسد لا علاقة له باللاهوت على أى مستوى.

 

واعتبر نسطور مثل معلميه أن الله الكلمة قد سكن فى شخص إنسان وبذلك يكون المسيح من شخصين. ولقَّب الاتحاد الحادث بينهما بالاتحاد البروسوبونى
prosopic union[2
] أى اتحاد أشخاص فى الصورة وفى الكرامة وفى السلطة. وقال أنا أوّحد الكرامة والعبادة ولكنى أفصل الطبائع. وقال من أجل كرامة الإله الحال فى الإنسان يعبد الإنسان مع الإله.

 

وزاد الطين بلة لأنه لم يحل مشكلة الأريوسية التى أنكرت ألوهية الرب يسوع المسيح بل زاد على إنكار ألوهية يسوع المسيح أنه أشرك بالله فى العبادة، فقدَّم يسوع كنبى، وطالب بعبادته مثل الله. وبهذا قدَّم صورة مشوهة للمسيحية يسهل إتهامها بالشرك.

 

وفى هجومه على الإيمان الأرثوذكسى قال فى خطابه الرابع إلى بروكلس: “إنهم يدعون اللاهوت معطى الحياة قابلاً للموت، ويتجاسرون على إنزال اللوغوس إلى مستوى خرافات المسرح، كما لو كان طفلاً ملفوفاً بخرق ثم بعد ذلك يموت.. لم يقتل بيلاطس اللاهوت – بل حُلَّة اللاهوت. ولم يكن اللوغوس هو الذى لف بثوب كتانى بواسطة يوسف الرامى.. لم يمت واهب الحياة لأنه من الذى سوف يقيمه إذن إذا مات.. ولكى يصنع مرضاة البشر اتخذ المسيح شخص الطبيعة الخاطئة (يقصد البشرية- أى أن الشخص الذى أخذه هو خاطئ).. أنا أعبد هذا الإنسان مع اللاهوت ومثل آلات صلاح الرب.. والثوب الأرجوانى الحى (يقصد يسوع) الذى للملك (يقصد الله).. ذاك الذى تشكل فى رحم مريم ليس الله نفسه.. لكن لأن الله سكن فى ذاك الذى اتَخَذ، إذن فإن هذا الذى اتُخِذ أيضاً يدعى الله بسبب ذاك الذى اتخذ.. ليس الله هو الذى تألم لكن الله اتصل بالجسد المصلوب.. سوف ندعو العذراء مريم ثيئوذوخوس (وعاء الله) وليس ثيئوطوكوس (والدة الإله) لأن الله الآب وحده هو الثيئوطوكوس، ولكننا سوف نوّقر هذه الطبيعة التى هى حُلّة الله مع ذاك الذى استخدم هذه الحلة. سوف نفرق الطبائع ونوحد الكرامة، سوف نعترف بشخص مزدوج[3] ونعبده كواحد”.[4]

—-
———–

[1]
Socrates, l.c; Schrockh in his Kirchengesh (Bd. 18, S. 235), quoted by C.J. Hefele, A History of the Councils of the Church, Vol. III, p.44, AMS Press 1972, reprinted from the edition of 1883 Edinburgh
.

 

3 كلمة بروسوبون
proswpon
اليونانية تعنى شخص وهى تتكون من
proV
بمعنى “نحو” و
wy
بمعنى “وجه” أى نحو وجه فحينما نقول “يشخص نحو” نعنى “ينظر إلى”، فعلاقة الشخص بالآخر أنه يتجه نحو الآخر ويقيم علاقات معه مثل علاقة الابن بالآب والروح القدس.

 

4 وبعبارة شخص مزدوج يعنى شخصين: شخص الله الكلمة وشخص الطبيعة البشرية الخاطئة وهو يسوع. ولكل شخص إرادة خاصة به بل كل شخص منهما مستقل بجوهره عن الآخر تماماً، وبذلك لا يصير الله هو المخلص.

 

[4]
In Marius Merc. l.c. pp. 789-801, quoted by C.J. Hefele, A History of the Councils of the Church, AMS Press 1972, reprinted from the edition of 1883 Edinburgh, Vol. III, p16
.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي