المجمع


المسكونى الثانى

المجمع المسكونى الثانى (المنعقد بالقسطنطينية سنة 381 م)

بعد إنتهاء أعمال مجمع نيقية المسكونى، ظهرت بعض التعاليم الغريبة، فقام الآباء بقرائتها وإظهار فسادها، غير أن المبتدعين لم يذنعوا للحق بل تمادوا فى عصيانهم وضلالهم محاولين نفث سموم تعاليمهم بين البسطاء من جماعة المؤمنين، فكان ذلك سببا فى الدعوة إلى عقد مجمع مسكونى ثانى للفصل فى هذة البدع قبل إستفحال أمرها.

ولقد كان على المجمع المسكونى الثانى هذا، أن يبحث ويحكم فى ثلاث بدع غريبة، عرضت علية، نرى أن ندون عجالة منها وعمن قام بها:

 

+ بدعة ابوليناريوس:

سيم أسقفا على مدينة اللاذقية بالشام بعدأن أكمل دراستة الفلسفية. وأشتهر بمناضلتة للأريوسيين وبشدة دفاعة عن لاهوت السيد المسيح لة المجد، غير أن فلسفتة دفعتة إلى السقوط فى بدعة شنيعة، إذ كان يعلم بأن لاهوت السيد المسيح قد قام مقام الروح الجسدية، وتحمل الآلام والصلب والموت مع الجسد، وكان يعتقد أيضا بوجود تفاوت بين الأقانيم الثلاثة، مناديا بأن الروح عظيم والإبن أعظم أما الآب فهو الآعظم!!

وفى عام 362م عقد القديس أثناسيوس الرسولى مجمعا مكانيا بمدينة الأسكندرية لبحث هذا التعليم الغريب، وبعد أن أظهر فسادة، قرر تثبيت التعليم الصحيح.

 

+ بدعة اوسابيوس:

جدد هذا المبتدع تعاليم سابليوس، فكان يعتقد بأن الثالوث الأقدس أقنوما واحدا. ظهر فى العهد القديم كأب, وصار إنسانا فى العهد الجديد بصفة، وحل على الرسل فى علية صهيون بصفة الروح القدس!

 

+ بدعة مكدونيوس:

كان مكدونيوس أحد أتباع أريوس، وبواسطة نفوذ الأريوسيين وتاثيرهم لدى الملك قسطنس أقيم أسقفا على القسطنطينية سنة 343 م. وعندما وصل إليها حدث هياج شديد بين المؤمنين و الأريوسيين، قتل فية عدد كبير.

غير أن الملك قسطنس عاد فحنق علية بعد قليل عندما رآة وقد نقل جثة والدة الإمبراطور قسطنطين الكبير من مدفن إلى أخر دون علمة، فأمر بعزلة عن كرسية وطردة، فتم ذلك عام 360 م ويبدو أن هذا المبتدع كان يعلم التعاليم الأريوسية عندما كان أسقفا، ولكنة بعد أن عزل وطرد بدأ يعلن عن بدعة أخرى مؤداها: (أن الروح القدس عمل إلهى منتشر فى الكون وليس بأقنوم متميز عن الآب والإبن، بل هو مخلوق يشبة الملائكة ولكنة ذو رتبة أسمى منهم).

وقد فند القديس أثناسيوس الرسولى حامى الإيمان، هذة البدعة فى المجمع الذى عقدة بالإسكندرية بعد عودتة من منفاة عام 362م. وأبان فساد رأى مكدونيوس. ولما سمع الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير بإنتشار هذة البدعة وافق على عقد مجمع مسكونى فى مدينة القسطنطينية للقضاء عليها.

وإنعقد المجمع المسكونى الثانى فى مدينة القسطنطينية (وهى المدينة التى إختارها الإمبراطور لتكون مقرا للمجمع المسكونى الثانى، وهى المدينة التى بناها الإمبراطور قسطنطين فى المكان الذى كانت فية بيزنطة على شاطى البوسفور). سنة 382م فىعهد الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير، وحضرة 150 أسقفا يتقدمهم تيموثاوس البابا الأسكندرى (الذى تتلمذ على يد القديس أثناسيوس الرسولى وكان يلقب بالفقير لأنة جمع ما يمتلكة من حطام الدنيا ووزعة على جماعة الفقراء والمساكين……. وهو الذى فضح مكيدة الأريوسيين فى مجمع صور عام 334 م عندما أحضروا المرأة العاهرة لتدعى على أثناسيوس الرسولى أنة إرتكب الدنس معها، إذ قام الانبا تيموثاوس الذى كان كاهنا فى ذلك الوقت وكان مرافقا للبابا أثناسيوس وبدأ يخاطبها كأنة القديس أثناسيوس نفسة، ولأن المرآة الشريرة لم تكن تعرف أحدهما وقالت أمام الجميع مخاطبة تيموثاوس: (حقا أنت يا أثناسيوس الذى فعلت بى هذا الشر!).

وبهذا ظهر كذبها وأفتضحت مؤامرة الأريوسيين! كما ظهرت حكمة وذكاء البابا تيموثاوس وقوة دفاعة عن أستاذة العظيم القديس أثناسيوس.

وقد حضر إلى المجمع أيضا كيرلس أسقف أورشليم وملاتيوس أسقف أنطاكية ونكتاريوس وغريغوريوس الثيؤلوغس أسقف القسطنطينية وغريغوريوس أسقف نيصص، وأمفيلوس أسقف أيقونية وبيلاجيوس أسقف اللاذيقية وثيؤذورس أسقف طرسوس وأكاكيوس أسقف حلب.

 

+ مجمع شرقى:

ويتبين لنا من مراجعة أسماء الأساقفة الموقعين على قرارات هذا المجمع المسكونى ومن المستندات التاريخية أيضا، أننا أمام مجمع شرقى إذ لم يحضر من أساقفة الغرب أحدا، رغم توجية الدعوة إليهم، كما وجهت إلى غيرهم من الشرقيين وحتى داماسوس أسقف روما لم يحضر كما أنة لم يرسل نوابا عنة (كما حدث فى مجمع نيقية) غير أنة خضع للقوانين التى أصدرها المجمع وإحترم قراراتة.

 

+ الجلسة الاولى للمجمع:

وبدأ المجمع أولى جلساتة فى أحد أيام شهر مايو سنه 381م برئاسة القديس ملاتيوس بطريرك أنطاكية، غير أن هذا الأب مرض قبل إنتهاء المجمع من أعمالة. ثم رقد فى الرب، فرشح الآباء القديس غريغوريوس الثيؤلوغوس ليخلفه فى الرئاسة، ولكن البابا الأسكندرى وأساقفة مصر عارضوا فى هذا الترشيح فلما رأى غريغوريوس أن رئاسة المجمع ستحدث إنقساماً، تنازل عنها لصديقة نكتاريوس الذى حاز رضاء الجميع.

وبعد أن تلبت المراسم الخاصة بإنعقاد المجمع دعى مكدونيوس ليعرض إعتقادة على مسامع الآباء فبدأ يقول إن الروح القدس مخلوق مستنداً على الآية القائلة “كل شئ بة كان وبغيرة لم يكن شئ مما كان” (يو 1: 3). فأجبوة قائلين “أنة لايوجد لدينا إلا روح واحد هو روح الله، ومن المعلوم أن روح الله ليس شئ غير حياتة، وإذا قلنا أن حياتة مخلوقة فعلى زعمك أنة غير حى، وإذا كان غير حى، فهذا هو الكفر الفظيع والرأى الشنيع”.

ثم حاول الأساقفة إقناع مكدونيوس بخطأ عقيدتة طالبين منة تركها كى يعود إلى الإيمان المستقيم. ولكنة رفض وأصر على التمسك ببدعته الشنيعه!.

 

+ قرار المجمع:

وإزاء إصرار مكدونيوس على التمسك بأرائة لم يجد المجمع بدا من النطق بالحكم عليه. فقضى بجرمة وفرزة كما حكم الإمبراطور بنفيه.

وقرر الآباء أن الروح القدس هو الإقنوم الثالث من الثالوث الأقدس، وأنة مساو للآب والإبن.

ثم أكملوا قانون إيمان مجمع نيقية كالآتى: (نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحيى المنبثق من الآب نسجد لة ونمجدة مع الآب والإبن الناطق فى الأنبياء وكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الأتى أمين).

 

+ الحكم فى قضيتى اوسابيوس وابوليناريوس:

ولقد ذكر فى السنكسار القبطى تحت يوم أول أمشير عما دار بين هذين المبتدعين وبين البابا تيموثاوس الأسكندرى، فى إحدى جلسات المجمع، ما يأتى: (سأل الأنبا تيموثاوس أوسابيوس قائلا: (وأنت ما هو إعتقادك؟) فأجابة: (إن الثالوث ذاتا واحدة وإقنوما فقال اة الآب تيموثاوس. إذ كان الثالوث أقنوما واحدا كما زعمت فقد بطل ذكر الثالوث وبطلت أيضا معموديتك لأنها باسم الآب والإبن والروح القدس، ويكون على زعمك الثالوث قد تألم ومات وبطل قول الإنجيل القائل: (إن الإبن كان قائما فى الأردن والروح القدس نازلا علية شبة حمامة والآب ينادية من السماء). ثم نصحة أن يرجع عن كفرة فلم يرجع فقطعة وأنزلة من رتبتة).

وسأل الآب تيموثاوس أبوليناريوس قائلا: (وأنت ماهو إعتقادك؟) فأجابة بقولة: (إن تجسد الإبن كان باتحاد الروح القدس مع الجسد البشرى وبدون النفس الناطقة، لأن لاهوتة قام مقام النفس والعقل). فقال لة الأنبا تيموثاوس: (إن الله الكلمة إنما إتحد بطبيعتنا لكى يخلصنا، فإن كان إتحادة بالجسد الحيوانى فقط فهو إذن لم يخلص البشر، بل الحيوانات، لأن البشر يقومون فى يوم البعث بالنفس الناطقة العاقلة، التى معها يكون الخطاب والحساب وبها ينالون النعيم والعذاب، وعلى ذلك تكون قد بطلت منفعة التجسد، وإذا كان هكذا، فكيف يقول هو عن ذاتة: أنة انسان، إذ كان لم يتحد بالنفس الناطقة العاقلة؟ ثم نصحة كثيرا ليرجع عن كفرة فلم يرجع فقطعة.

ولما عرض على المجمع القيام بتعين أسقف لأنطاكية خلفا للقديس ملاتيوس الذى إنتقل وقت انعقاد المجمع، وافق على تعيين فلابيانوس، وأثبت ذلك ضمن قرارتة عن الكنائس فقال: (أما بالنسبة لكنيسة القسطنطينية المرتبة حديثا، فنحن قد أجرينا رسامة نكتاريوس الجليل أسقفا بإجماع وإتفاق المجمع وإشراف الإمبراطور التقى ثيؤدوسيوس، ورضا عموما الإكليروس والشعب.

ولقد جاء فى دائرة المعارف الجزء الثالث، عن هذا المبتدع أبوليناريوس (أنة لما شاخ أودع الكتاب المتضمن تعاليمة عند إحدى تلميذاتة فى انطاكية ولما علم بذلك مارآفرام السريانى وهو فى تلك المدينة، إستعار هذا الكتاب من المرآة، والصق أوراقة بغراء، ثم ردة إليها. ولما لقية أخذ مارآفرام السريانى يجادلة عن المواد التى أدرجها فى كتابة أمام جمهور غفير وإذ كانت الشيخوخة قد أضعفت ذهنة قال لمارآفرام السريانى إن فى كتابة ردا على كل مقترحاتة ولما إستحضر الكتاب وجدة كقطعة خشب لاسبيل إلى فتحة إستشاط غيظا وداسة برجلية، وإعتزل من هناك، فتبعة الشعب وأوسعوة تعييرا وشتما حتى غاب عن أبصارهم، ويقال أنة إغتاظ جدا من تلك المعاملة حتى مرض ومات عمدا سنة 390م.

ويبدو أن البعض كانوا قد إعتنقوا تعاليم أبوليناريوس المبتدع، غير أنهم زادوا عليها كثيرا بعد وفاتة. فقام القديس أبيفانيوس أسقف قبرص بكتابة رسالة مستفيضة، دحض فيها كل هذة التعاليم الغريبة، وبعث بها إلى جميع المؤمنين الذين انتشرت بينهم هذة البدع، لاسيما فى بلاد العرب.

 

+ قوانين المجمع:

وقبيل إنفضاض المجمع، سن الآباء سبعة قوانين لسياسة الكنيسة وهى:

1- إن الآباء القديسين الملتئمين فى القسطنطينية قد قرروا أن لا يتجاوز أحد إيمان الآباء الثلاث مائة والثمانية عشر الملتئمين فى نيقية البيثينية، بل تبقى تلك الآمانة ثابتة مؤيدة حقيقية، وأن تلعن كل هرطقة سيئة.

2- لا يسمح للأساقفة أن يسوسوا الكنائس التى هى خارج إدارتهم.

3- ليكن لأسقف القسطنطينية الكرامة الأولى بعد أسقف رومية لكونها رومية الجديدة.

4- أما مكسيموس السينيكى فلأجل التشويش الذى صار بسببة فى القسطنطينية لا يعتبر أسقفا، كما أن من تشرطن منة تسقط درجتة، ولا يعتبر من الاكليروس إذ أن كل ما أحدثة قد أصبح باطلا.

5- بخصوص ماتم فى الشرق، نقبل أيضا أولئك الذين فى أنطاكية المعترفين بلاهوت واحد للأب والإبن والروح القدس.

6- بما أن الكثيرين يفكرون أن يشوشوا النظام الكنسى و ينقضوة، فيختلقون تهما باطلة على الأساقفة الأرثذوكسيين القائمين بشئون الكنائس. غير قاصدين شيئا أخر سوى أن يدنسوا شرف الكهنة، ويقلقوا سلامة الشعوب. فلذا قد رأى مناسبا، المجمع المقدس، مجمع الأساقفة الملتئمين فى القسطنطينية إلا تقبل شهادة المتهمين دون فحص.

7- أننا نقبل المبتدعين الأتيين إلى الأرثذوكسية، المخلصين والطائعين لقوانين الكنيسة.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي