بداية الصراع بين البابا كيرلس ونسطور

لم يمض زمان طويل على انتشار آراء نسطور من القسطنطينية إلى ولايات أخرى، ومنذ بداية سنة 429م أن كيرلس رئيس أساقفة الإسكندرية [1]، وجد أنه من الضرورى أن يقدم تعبيراً واضحاً وبسيطاً للعقيدة الأرثوذكسية فى عظة عيد القيامة، لكن بدون ذكر نسطور والأحداث التى حدثت فى القسطنطينية، معلناً بأن ليس اللاهوت بذاته، ولكن اللوغوس الذى اتحد مع الطبيعة البشرية، هو الذى وُلد من مريم[2].

 

وقد جرت محاولة خاصة لنشر النسطورية بين رهبان مصر الكثيرين، وتم إرسال مبعوثين لهذا الغرض، نشطاء فى هذا المجهود.

 

(كان نسطور أحياناً كنوع من المراوغة يقول إنه كما أننا نقول عن يسوع أنه الله على سبيل التكريم فقط، فحتى لو قلنا أن العذراء هى والدة الإله فيكون ذلك على سبيل التكريم أيضاً)..

 

وفى خطاب عقائدى متكامل إلى الرهبان[3]، يظهر كيرلس الآن كيف أنه حتى أثناسيوس هذا العظيم قد استخدم التعبير “والدة الإله” وأن الكتب المقدسة ومجمع نيقية قد قالت بالاتحاد التام بين الطبيعتين فى السيد المسيح.. إن اللوغوس بذاته لا يمكن أن يدعى المسيح[4]؛ وأيضاً لا ينبغى أن ندعو السيد المسيح حامل الإله
qeoforoV
متخذاً الناسوت كأداة، ولكن ينبغى أن يُدعى “الله بالحقيقة صار إنساناً”.

 

إن جسد السيد المسيح ليس جسد أى شخص آخر، ولكنه جسد الكلمة؛ أى أن طبيعة المسيح البشرية لا تنتمى لأى شخص بشرى، ولكن الشخصية التى تنتمى إليها هو اللوغوس.. وفى الختام فقد قارن أيضاً بين موت السيد المسيح وموتنا. يقول بخصوصنا نحن، أنه الجسد فقط الذى يموت، ولكننا نقول على الرغم من ذلك أن الإنسان مات.. وهكذا الحال مع المسيح. فاللاهوت بذاته لم يمت، ولكن اللوغوس ينتمى إلى طبيعته البشرية فى المكانة الأولى، وهكذا يمكننا القول “أنه قاسى الموت”. كإنسان قاسى الموت ولكن كإله فقد أبطل الموت مرة أخرى؛ ولم يكن يستطيع أن يكمِّل خلاصنا بطبيعته الإلهية إذا لم يحتمل الموت من أجلنا فى طبيعته البشرية.

 

بلغت رسالة كيرلس هذه إلى القسطنطينية أيضاً، وأثارت نسطور ليستخدم عبارات عنيفة بشأن زميله السكندرى. وقام كيرلس بتوجيه خطاب قصير إلى نسطور قال فيه: لم يكن هو (كيرلس) ورسائله، ولكن نسطور أو صديقه هما السبب فى الفوضى الكنسية السائدة حالياً [5].. وقد بلغ الأمر إلى أبعد من ذلك فى أن البعض لا يدعون المسيح بعد الله، إنما أداة لله وإنسان حامل الله. عند مثل ذلك الانتهاك للإيمان، لم يكن ممكنا له أن يلزم الصمت، ويستطيع نسطور نفسه أن يقول ما يقوله فى الرد على كليستين
Coelestine
الأسقف الرومانى وأساقفة آخرين ممن سألوه عما إذا كان نسطور حقيقة قد كتب وقال الأشياء التى تبلغ عنه حالياً. وعلاوة على ذلك فقد وصلت من كل ولايات الشرق تقارير ليست فى صالح نسطور، ولذلك كان عليه أن يهدئ مرة أخرى جميع الذين أسئ إليهم من استخدام تعبير
qeotokoV. ([a
])

—-
———–

[
a]Cf. Hefele, C.J., p. 19 quoting Mansi, t. iv. p. 883 sq. ; and in the Works of Cyril, l.c. Epist. ii. p.19 sq
.

 

أجاب نسطور على ذلك فى سطور قليلة احتوت، فى مجملها، على مديح فى نفسه[6]..

فى الرسالة الأولى لنسطور لم يتعرض البابا كيرلس للعقيدة لكنه أرسل لنسطور يقول: لم نبدأ نحن بالهجوم بل أنتم عندما قلتم محروم من يقول أن العذراء هى والدة الإله. وعاتب نسطور لأنه كان حاضراً فى الكاتدرائية وقتما قال كاهنه هذا الكلام وهو لم يعترضه أو يوقفه؟ وقال إننا ندافع عن إيمان الآباء. لكنه لم يتعرَّض فى هذه الرسالة لأى شروحات عقائدية. أما رسالة البابا كيرلس الثانية إلى نسطور فتسمى الرسالة العقائدية
epistola dogmatica
(وهى الرسالة الرابعة فى عداد الرسائل التى من القديس كيرلس وإليه) وقد اعتمدها مجمع خلقيدونية نفسه، كما اعتمدت بالإجماع فى الجلسة الأولى من مجمع أفسس 431م.

 

فى خطاب جديد إلى نسطور (مقصود به هذه الرسالة العقائدية)، حدد كيرلس العقيدة الأرثوذكسية قائلاً: [الكلمة لم يصر جسداً بطريقة تجعل طبيعة الله تتغير أو تتحول.. على النقيض من ذلك فإن اللوغوس قد اتحد أقنومياً مع الجسد
sarx
المتحرك المحيا بالنفس العاقلة
yuch Logikh
وهكذا صار إنساناً بطريقة يتعذر تفسيرها.. إن الطبيعتين المتميزتين قد اتحدتا فى اتحاد حقيقى.. ليس كما لو كان الاختلاف فى الطبائع قد اختفى بالاتحاد (بدأ هنا يوضح أن الاختلاف فى الطبائع استمر بعد الاتحاد)، ولكن على العكس، بأنهما قد شكّلا الرب يسوع المسيح الواحد والابن بالاتحاد غير المنطوق به بين اللاهوت والناسوت.. اللوغوس اتحد مع الطبيعة البشرية فى رحم مريم؛ وهكذا وُلد بعد أن أخد جسداً. وهكذا أيضاً تألم الخ.. وحيث أن اللوغوس فى نفسه غير قابل للألم، فقد احتمل هذا فى الجسد الذى اتخذه “[7]. (إذاً آلام جسده تنسب إليه)

 

أجاب نسطور.. إننا لا ينبغى أن نقول أن الله وُلد وتألم أو أن مريم كانت والدة الإله؛ لأن ذلك يعتبر وثنياً وأبولينارياً وأريوسياً..

 

أما كيرلس.. فقد أرسل الشماس بوسيدونيوس
Possidonius
إلى روما، وأعطاه مذكرة خاصة بيَّن فيها الخطأ النسطورى والعقيدة الأرثوذكسية المعارضة لها.

 

عندما أرسل البابا كيرلس عامود الدين إلى البابا كليستين أسقف روما (الذى نعتبره قديس) رسالة يشرح فيها العقيدة، رد البابا كليستين على البابا كيرلس برسالة فى منتهى الروعة، قال فيها: لقد غَسَلَت نقاوة تعاليمك كل الأقذار والأوساخ وظلمة العقل التى جلبتها علينا النسطورية. وفى نفس الرسالة قال له اعقد مجمعاً مسكونياً، ولو لم يرجع نسطور عن أفكاره الخاطئة فى خلال عشرة أيام، وقِّع عليه الحرم عن كنيستك وكنيستى أيضاً.. والمعنى الذى تحمله هذه الرسالة هو أنه لولا تعاليم البابا كيرلس لضاعت الكنيسة، هذا ملخص هذه الرسالة.

 

كما قال البابا كلستين أنه موافق على كل ما سيقوله البابا كيرلس وعلى أن البابا كيرلس يمثِّل كنيسة روما والإسكندرية معاً. وأعطى تعليمات لمندوبيه الذين حضروا مجمع أفسس[8] بأن يوافقوا فى المجمع على كل ما يقوله البابا كيرلس. وفى اتضاعه كتب إلى البابا كيرلس قائلاً إن نهر تعاليمك النقية قد غسل أقذار تعاليم نسطور وأزاح الظلمات عن عقولنا وأذهاننا. وكأنه يعترف أن البابا كيرلس غسل له عقله من ظلمة هرطقة نسطور أو من الضباب الذى أصاب العقول بسببها، فكانت كلمات البابا كيرلس نوراً مضيئاً أزاح الظلمة.

 

كان هذا هو الحال وقت انعقاد مجمع أفسس، ولكن للأسف الشديد أن لاون الأول الذى كان شماس البابا كليستين سلك سلوكاً مغايراً. فأية مفارقة هذه بين ما يقوله كليستين لكيرلس وما عمله شماسه فى خليفة كيرلس (البابا ديسقورس) الذى حافظ على تعاليمه ودافع عنها وضحى بكرسيه (أى منصبه) فى سبيل ألا يتنازل عن حرف واحد من تعاليم البابا كيرلس عامود الدين. فبمقدار وفاء البابا ديسقورس لباباه بمقدار خيانة لاون لباباه، لذلك يستحق ديسقورس أن يلقب بطل الأرثوذكسية.

 

ديسقورس كان يرى فى النسطورية خطر داهم جداً، وقد استغل أوطاخى الموقف وحاول أن يبدو أنه أحد ضحايا التيار النسطورى الموجود فى الشرق، وبذلك بدا فى عينى ديسقورس أنه برئ. ولكن ديسقورس لم يقصد أبداً أن يؤيد تعاليم أوطاخى الخاطئة.

 

أضف إلى ذلك أن البابا ديسقورس قد تخطى تعبيرات القديس كيرلس اللاهوتية بتعبير مذهل (أنا أتعجب كيف أتى به) فى سبيل أن يؤكد أنه ليس أوطاخياً على الإطلاق. ففى أيام البابا كيرلس لم تكن هرطقة أوطاخى قد ظهرت بعد لذلك كانت تعبيراته مسترسلة، سهلة، وليست متخذة حرص ضد الأوطاخية فى كل الأوقات (وإن كان قد اتهم فى بعض الأوقات بأنه يمزج الطبيعتان فدافع عن هذه النقطة، ولكن هذا فى مرحلة متأخرة من رسائله). أما البابا ديسقورس فعندما حضر إلى مجمع خلقيدونية طلبوا منه أن يقول “طبيعتين من بعد الاتحاد”. قال: إن هذا مستحيل ولكن ممكن أن أقبل تعبير “من طبيعتين بعد الاتحاد”.

 

هذا التعبير لم يقله البابا كيرلس أبداً، ولعلكم تستغربون هل معنى هذا أن البابا ديسقورس ترك تعليم كيرلس عامود الدين؟ الإجابة هى: لا بالطبع، ولكن البابا كيرلس قال تعبيرين: “طبيعة واحدة متجسدة بعد الاتحاد” و”أنه من طبيعتين” وأن هذه الطبيعة الواحدة هى طبيعة مركبة
composite nature
وأقنوم مركب
composite hypostasis
. فمن ذكاء البابا ديسقورس أنه جاء بتعبير لم يذكره القديس كيرلس، لكن أكّد به عقيدة القديس كيرلس، فقال: من الممكن أن أعترف أن المسيح “من طبيعتين بعد الاتحاد”. لو أنه قال من طبيعتين فى الاتحاد، لكان من الممكن أن تذوب إحداهما فى الأخرى، لكن “من طبيعتين بعد الاتحاد” أى أن الطبيعتان استمرتا موجودتين فى الاتحاد وكوّنتا معاً طبيعة واحدة.. فقال “أؤمن بطبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة من طبيعتين بعد الاتحاد”
out of two natures after the union
أى ظل الاتحاد مكوّن من طبيعتين، ولم تتلاشى إحدى الطبيعيتن.

 

عندما اتهموا القديس كيرلس بأنه أذاب طبيعة فى الأخرى بقوله “طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة”

Mia fusiV tou Qeou Logou sesarkwmenh

جاوبهم القديس كيرلس بأن كلمة “متجسدة” تثبت استمرار الناسوت أى الطبيعة الإنسانية، بمعنى إن الناسوت لم يذب فى الطبيعة الإلهية، كما أن عبارة “الله الكلمة” تؤكّد استمرار اللاهوت أى الطبيعة الإلهية. لذلك تكلم القديس كيرلس عن الاستمرارية
continuity
وقال:

The two natures persist (to exist) after the union

 

قال القديس ديسقوروس أيضاً فى مجمع خلقيدونية، إنه لو علّم أحد تعليماً ضد تعليم الآباء (إن كان أوطاخى أو غيره)، ليس فقط ينال الحرم، بل يُرسل للجحيم. لئلا تظنوا أنه بعد أن برأ أوطاخى سنة 449م ظل يدافع عنه فى خلقيدونية سنة 451م.

 

وعلى الرغم من قوله هذا، وبعد أن كانوا قد أجلسوا البابا ديسقوروس فى الجلسة الأولى على كرسى رئاسة المجمع، إلا إنه فوجئ بمؤامرة مدبرة، وبدأت الهتافات فى صف لاون بابا روما. وشعر البابا ديسقوروس أن هذا المجمع عبارة عن مؤامرة سياسية لتأييد كسر نذر بولكاريا وزواجها من مركيان.[9] وشعر أن هذا المجمع كان هدفه هو إرضاء لاون الأول بابا روما وتبرئة طومس لاون. وعند تبرئتهم لطومس لاون، قال الأساقفة اليونانيين الذين يجيدون اليونانية أن هذا الطومس هو ضد تعليم البابا كيرلس عمود الدين، ونحن لا نقبل طومس لاون. نحن نقبل فقط تعليم البابا كيرلس عامود الدين، ونحرم أوطاخى.

 

جاء الأساقفة ذوو النية الصادقة إلى مجمع خلقيدونية لكى يحرموا هرطقة جديدة ظهرت، هى هرطقة أوطاخى، التى لم تكن قد انكشفت حقيقتها بعد فى وقت مجمع أفسس الثانى 449م بسبب مخادعة أوطاخى، لذلك اجتمع مجمع خلقيدونية ليحرم الأوطاخية –كما اجتمع مجمع أفسس من قبل ليحرم النسطورية- وبهذا المفهوم ذهب البابا ديسقورس للمجمع ومعه 14 أسقف مصرى ليؤيّد حرم أوطاخى، ففوجئ بمظاهرة لتأييد لاون وطومسه.

 

بدأ الأساقفة اليونانيين يعارضون طومس لاون، فطلب المجمع من هؤلاء الأساقفة أن يدرسوا الطومس لمدة خمسة أيام كلٍ على حِدة، ولكن هذا تم تحت تهديد ضباط الإمبراطور إن لم يوافقوا على الطومس، وبالفعل قبل استكمال الخمسة أيام أعطوا رأيهم بالموافقة على الطومس وقالوا إنه يتفق مع تعاليم البابا كيرلس عامود الدين.

 

وردت فى طومس لاون تعبيرات تحمل معنيين أو تحتمل تفسيرين، أحدهما من الممكن أن يُؤخذ على محمل نسطورى، والآخر من الممكن أن يُقبل بكونه سليم إيمانياً.[10] والبابا ديسقوروس لم يحرم الطومس إلا عندما وجد أن لاون قد حالل أسقفان نسطوريان من كبار أعمدة النسطورية. فتيقظ إلى أن التعبيرات التى تحمل المعنيين متساهلة مع النسطورية. لذلك عندما ضغط ضباط الإمبراطور على الأساقفة اليونانيين، اضطروا لأن يرجّحوا المعنى البرئ بالطومس، وقالوا يُقبل طومس لاون كوثيقة من وثائق المجمع، ولكن ليس هو إيمان مجمع خلقيدونية، ويُقبل فقط على أساس إيمان القديس كيرلس. وقال الأساقفة الحاضرون أنهم يضعون النص العقائدى لمجمع خلقيدونية على أساس طومس الأب المكرم لاون. إلا أن النص العقائدى لمجمع خلقيدونية كان أفضل حالاً من طومس لاون، ولكن كانت به بعض النواقص: لأنه بعد أن وردت عبارة “من طبيعتين” فى النص اليونانى، وردت عبارة “فى طبيعتين” فى النص اللاتينى، وبعد انقضاء المجمع تم تغير النص اليونانى وكتبت عبارة “فى طبيعتين”. كما أن هذا النص ذكر
upostasiV
أقنوم واحد لله الكلمة المتجسد لكن لم يذكر شئ عن الاتحاد الأقنومى. وقد هوجم مبدأ الطبيعة الواحدة بسبب الأوطاخية، وتقرر أن من يمزج الطبيعتين وينادى بالطبيعة الواحدة يكون محروماً.

 

ثم حكموا بعزل البابا ديسقوروس. ولكن رئيس المجمع أناطوليوس بطريرك القسطنطينية الذى تولى رئاسة المجمع بعد البابا ديسقورس (وقد كان للأسف أحد تلاميذ البابا كيرلس عامود الدين) قال فى المجمع عبارات فى صف البابا ديسقوروس وهى: أن البابا ديسقورس لم يُعزل لأسباب عقائدية لكنه قد عُزل لأسباب إدارية وقانونية:

 

+ حيث إنه حرم فلافيانوس بطريرك القسطنطينية ويوسابيوس أسقف دوريليم.

+ وأنه لم يقرأ طومس لاون فى مجمع أفسس الثانى 449م.

+ وخطأه فى إدارته لمجمع أفسس الثانى 449م.

+ وموقفه ضد البابا الرومانى الذى اعترف له مجمع خلقيدونية وأعطاه مكانة لم تكن موجودة أصلاً فى تراث الكنيسة.

 

فقد أصدر مجمع خلقيدونية بعض قرارات أعطت للبابا الرومانى وضع أكبر من حجمه. ومن ذلك التاريخ فصاعداً بدأت الغطرسة الرومانية التى أدّت فى النهاية إلى عصمة بابا روما، وإلى صكوك الغفران، ومحاكم التفتيش، وثورة الإصلاح البروتستانتى، وأدّت أيضاً إلى الانشقاق الحادث بين القسطنطينية وروما سنة 1054م نتيجة بدعة انبثاق الروح القدس.. فبعد أن انفردت روما سنة 1054م عن أى كنيسة أخرى، بدأت تنحرف وظهر منها بدعة المطهر، واستمرت فى بدعة انبثاق الروح القدس، ثم أصدرت بدعة خلاص غير المؤمنين، وبدعة الزواج بغير المؤمنين. ثم كل الهرطقات الكاثوليكية التى حدث بعدها الانشقاق البروتستانتى فى القرن السادس عشر، وثورة الإصلاح، والتى صارت بدورها منبعاً للبدع والهرطقات التى ملأت العالم كله مثل الأدفنتست وشهود يهوه والمورمون و..إلخ

 

بالطبع “قبل الكسر الكبرياء” فكل الهرطقات التى ظهرت فى العالم كانت من الكنيسة الكاثوليكية مباشرة أو من الكنائس التى كانت قبلاً كاثوليكية ثم تحوّلت مثل كنيسة انجلترا التى انشقت سنة 1538م، ومارتن لوثر الذى حُرم سنة 1521م، الذى كان راهباً كاثوليكياً وتزوج براهبة، ومنه خرجت بدعة الأدفنتست وشهود يهوه والمورمون (يؤمن المورمون بأن الله الآب كان رجلاً وقد تزوج وأنجب أطفال، ثم تحوّل إلى إله، وكان يسوع المسيح من ضمن الأطفال الذى أنجبهم الآب!!).

 

لم تخرج أى هرطقة من كرسى الاسكندرية أو كرسى القسطنطينية، لأنهم لم يدَّعوا لأنفسهم أحقية رئاسة الكنيسة فى العالم كله، بمعنى أنه لم تلزم كنيسة الاسكندرية أو كنيسة القسطنطينية كل الكنائس بالخضوع لكرسى الاسكندرية أو كرسى القسطنطينية.

 

وعلى الرغم من أن نسطور كان بطريركاً للقسطنطينية ألا أن النسطورية لم تستمر فى القسطنطينية. وبعد عزل بطريرك القسطنطينية نسطور استمرت النسطورية فى الشرق فى الكنيسة الأشورية النسطورية، بعيداً عن القسطنطينية، فى منطقة ليست تحت سلطان القسطنطينية وذلك نتيجة لانتشار تعليم ثيئودور الموبسويستى. أما القسطنطينة بكاملها فقد رفضت النسطورية إلى يومنا هذا.

 

كما أن الأريوسية قد اندحرت تماماً وإن كانت قد ظهرت فى الاسكندرية. وأيضاً قد صدر حكم ضد مقدونيوس وأبوليناريوس وسابيليوس ونسطور و..ألخ ورفضتهم كنائسهم وتحولت إلى كنيسة أرثوذكسية ترفض التعاليم الخاطئة.

 

أما من جهة الغرب –كنيسة روما- فالهرطقات التى خرجت منها هى من نفس بلادها: مثل كالفن فى سويسرا، لوثر فى ألمانيا. كلها بلاد تحت حكم الكنيسة الكاثوليكية وداخل بلادها. لدرجة إنه قد حدثت حرب داخل ألمانيا واستولى البروتستانت على جزء من ألمانيا، وظل جزء من ألمانيا كاثوليكى إلى يومنا هذا، حتى أن الكنائس البروتستانتية فى ألمانيا حالياً تحتوى ما يخص الكاثوليك من تماثيل وغيرها وحتى طراز البناء كاثوليكى.

—-
———–

[1]
C.J. Hefele, A History of the Councils of the Church, Vol III, p.17-25 , AMS Press 1972, reprinted from the edition of 1883 Edinburgh

[2]
Cyrill. Alex. Opp. t.v. p. ii. p. 222

[3]
Opp. l.c. Epist. I. pp. 1-19; in Mansi, t. iv. pp. 587-618
.

27 كتب القديس كيرلس “إن هذا الاسم (اللوغوس) كان يناسبه حينما صار إنساناً”

[5]
In Mansi, t. iv. P. 883 sq. Works of Cyril, l.c. Epist. ii. p.19 sq
.

[6]
Cyrill. Opp. L.c. iii. p. 21; Mansi, l.c. p. 886

[7]
Cyrill. Opp. L.c. Epist. iv. p. 22; Mansi, l.c. p.887 sqq., t. iv. P. 659; Hardouin, t. i. p.1273, and t. ii. p. 115; in German by Fuchs, l. c. S. 479 ff
.

 

31 لم يحضر بابا روما بنفسه المجمع المسكونى مثلما عمل أسلافه فى المجامع السابقة لأن المجامع المسكونية كانت تعقد بدعوى من إمبراطور الشرق. ولحرص بابا روما على ألا يغضب إمبراطور الغرب إذا حضر المجمع بنفسه، كان يرسل مندوبين عنه على اعتبار أن المجمع لم يعقد فى الإمبراطورية الرومانية الغربية. أما إذا كان المجمع قد عقد فى روما أو أسبانيا كان سيحضره بابا روما مع بطاركة الشرق.

 

32 كسرت بولكاريا نذر رهبنتها وتزوجت بماركيان وأعلنته إمبراطوراً لكى تحتفظ بالملك. فماذا نتوقع من إمبراطورية بدأت بكسر نذور إلا أسوأ مجمع مسكونى فى تاريخ الكنيسة أى مجمع خلقيدونية؟ فلكى تأخذ بولكاريا اعترافاً من إمبراطور روما بأن ماركيان هو الإمبراطور ولكى لا تكون هناك حروب بين الإمبراطورية الشرقية والغربية طلبت من الإمبراطور فى روما الاعتراف بإمبراطوريتهم فاشترط أن ترضى بابا روما.. وكان شرط إرضاء بابا روما هو عقد مجمع لمحاكمة ديسقوروس بابا الاسكندرية الذى تجاسر وحرم طومس لاون.

 

[10] يذكر الطومس “أن كلا الطبيعتين تعمل ما يخصها فى الاتحاد فالكلمة يصنع المعجزات والآخر ملقى للإهانات”. فإذا أخذنا كلمة “الكلمة” بمعنى شخص الكلمة فإن كلمة “الآخر” سوف تعنى الشخص الآخر. أما إذا أخذنا كلمة “الكلمة” بمعنى الطبيعة الإلهية، فستعنى كلمة “الأخرى” الطبيعة الإنسانية، أى أنه تألم بالجسد. فكلمة “الكلمة” ليست كلمة محددة، لأنها قد تعنى الطبيعة الإلهية أو الأقنوم الثانى. حينما قمنا بالحوار فى شامبيزى درسنا النص اللاتينى واليونانى والإنجليزى للعبارة دراسة عميقة، فوجدنا أنه كان من الممكن قبول العبارة لأنه ذكر فى نفس الطومس أن الذى صلب على الصليب والذى ولد من العذراء هو الله الكلمة. فهناك عبارت ذكرت فى الطومس لا يمكن أن يقبلها النساطرة فكان من الممكن أن تشفع فى هذه العبارة. ولذلك لم يشأ البابا ديسقورس أن يحرم لاون فى رئاسته لمجمع أفسس الثانى عام 449م الذى يسميه الخلقيدونيون مجمع اللصوص، مع أن هذا يعتبر المجمع المسكونى الرابع. لكن بسبب مخادعة أوطاخى، أعاده البابا ديسقوروس إلى الشركة فى هذا المجمع، لذلك لم نشأ أن نعتبر هذا المجمع مجمعاً مسكونياً لئلا يعتبر أوطاخى محاللاً. أما باقى قرارات هذا المجمع فقد تم الاحتفاظ بها. لذلك فى سعيهم لمصالحتنا فى مجمع القسطنطينية الخامس 553م حرمت كتابات ثيؤدوريت أسقف قورش وإيباس أسقف الرها وشخص ثيئودور الموبسويستى وقد كانت هذه جزء من قرارات مجمع أفسس الثانى 449م واعتبروها قرارات لمجمعهم. أما نحن فقد حرمنا أوطاخى بعد ذلك فى مجمع أفسس الثالث 475م الذى رأسه البابا تيموثاوس الثانى
Timothy Aurelus
بحضور 500 أسقف حيث حرم تعليم أوطاخى ومن يقول بذوبان الطبيعتان دون ذكر اسم أوطاخى. لكن هناك مجامع أخرى فى كنائسنا اللاخلقيدونية حرمت أوطاخى بالاسم. وقد حرم مجمع أفسس الثالث 475م أيضاً مجمع خلقيدونية.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي