2 – تشبيهات لملكوت الله

(أ) أراضي الملكوت – مثل الزارع (متى 13: 3-9 و18-23)

(ب) أعداء الملكوت – مثلا الزوان وسط الحنطة، والشبكة في البحر (متى 13: 24-30 و47-50)

(ج) نمو الملكوت – مثل البذور التي تنمو سرا (مرقس 4: 26-29)

(د) قوة الملكوت – مثلا حبة الخردل والخميرة (متى 13: 31-33)

(ه) عظمة قيمة الملكوت – مثلا الكنز المخفى، واللؤلؤة الثمينة (متى 13: 44-46)

 

(أ) أراضي الملكوت مثل الزارع

3فَكَلَّمَهُمْ كَثِيراً بِأَمْثَالٍ قَائِلاً: هُوَذَا الزَّارِعُ قَدْ خَرَجَ لِيَزْرَعَ، 4وَفِيمَا هُوَ يَزْرَعُ سَقَطَ بَعْضٌ عَلَى الطَّرِيقِ، فَجَاءَتِ الطُّيُورُ وَأَكَلَتْهُ. 5وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ، حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لَهُ تُرْبَةٌ كَثِيرَةٌ، فَنَبَتَ حَالاً إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُمْقُ أَرْضٍ. 6وَلكِنْ لَمَّا أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ احْتَرَقَ، وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ جَفَّ. 7وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الشَّوْكِ، فَطَلَعَ الشَّوْكُ وَخَنَقَهُ. 8وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ فَأَعْطَى ثَمَراً، بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاَثِينَ. 9مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ

 

18فَاسْمَعُوا أَنْتُمْ مَثَلَ الزَّارِعِ: 19كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ كَلِمَةَ الْمَلَكُوتِ وَلاَ يَفْهَمُ، فَيَأْتِي الشِّرِّيرُ وَيَخْطَفُ مَا قَدْ زُرِعَ فِي قَلْبِهِ. هذَا هُوَ الْمَزْرُوعُ عَلَى الطَّرِيقِ. 20وَالْمَزْرُوعُ عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ، وَحَالاً يَقْبَلُهَا بِفَرَحٍ، 21وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي ذَاتِهِ، بَلْ هُوَ إِلَى حِينٍ. فَإِذَا حَدَثَ ضِيقٌ أَوِ اضْطِهَادٌ مِنْ أَجْلِ الْكَلِمَةِ فَحَالاً يَعْثُرُ. 22وَالْمَزْرُوعُ بَيْنَ الشَّوْكِ هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ، وَهَمُّ هذَا الْعَالَمِ وَغُرُورُ الْغِنَى يَخْنُقَانِ الْكَلِمَةَ فَيَصِيرُ بِلاَ ثَمَرٍ. 23وَأَمَّا الْمَزْرُوعُ عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ فَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ وَيَفْهَمُ. وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي بِثَمَرٍ، فَيَصْنَعُ بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاَثِينَ (متى 13: 3-9 و18-23).

(ورد هذا المثل أيضاً في مرقس 4: 2-9 و14-20 ولوقا 8: 4-8 و11-15)

رأينا في الأمثال الثلاثة السابقة أن الحياة المسيحية حياة جديدة، كالثوب الجديد، ورأينا أن كل كاتب متعلم في ملكوت السماوات يعظ عن هذه الحياة الجديدة. ثم رأينا أن للوعظ أساليب مختلفة، كما أن استجابة السامعين للوعظ تختلف. وفي «مثل الزارع» يشبِّه المسيح الكاتب المتعلم بفلاح يلقي بذوره على الأرض، فيجد أن مستمعيه أربعة أنواع: الذين يشبهون الطريق، والأرض المحجرة، والأرض الشائكة، والأرض الجيدة. ولا تنمو البذور إلا في الأرض الجيدة.. والبذور هي كلمة الله التي إن دخلت القلب تمنحه حياة روحية جديدة تتجدَّد فيه باستمرار، وتجعل القلب يعطي ثمراً صالحاً ووفيراً، وتحفظه من الخطإ، فيقول المؤمن: «خَبَّأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ» (مزمور 119: 11).

 

«خرج الزارع ليزرع». لكن بعض البذور لم تثمر ليس لخطإٍ في الزارع لأن يده مدرَّبة وحكيمة.. وليس بسبب عيب في البذور بدليل أن بعضها نما وأثمر، وكلمة الله فعّالة فهي «سَيْفُ الرُّوح»، وهي «أَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ» (أفسس 6: 17 وهي كنارٍ وكمطرقة تحطم الصخر (إرميا 23: 29). ويأمرنا الوحي: «اقْبَلُوا بِوَدَاعَةٍ الْكَلِمَةَ الْمَغْرُوسَةَ الْقَادِرَةَ أَنْ تُخَلِّصَ نُفُوسَكُمْ» (يعقوب 1: 21) فنصبح «مَوْلُودِينَ ثَانِيَةً، لاَ مِنْ زَرْعٍ يَفْنَى، بَلْ مِمَّا لاَ يَفْنَى، بِكَلِمَةِ اللّهِ الْحَيَّةِ الْبَاقِيَةِ إِلَى الأَبَدِ» (1بطرس 1: 23)

 

إذاً لا بد أن يكون العيب في التربة، لأن البذور هي نفس البذور في كل حالة، والزارع هو نفسه لم يتغيَّر. كما يعود العيب على إبليس الذي يخطف البذور، وإلى القلب البشري الذي يرفضها.

 

ومع أن الزارع يعلم أن التربة أنواع، وأن جزءاً من بذوره سيضيع بدون فائدة، إلا أنه يستمر يلقيها بسخاء، وينتظر منها أن تثمر، لأنه يريد أن يبارك الأرض ويجعلها تثمر، ولأن الثمر يُفرح قلبه، ولأنه يريد أن يَشبع بالنفوس الراجعة إلى الله، ولأنه يريد أن تجد تلك النفوس شِبعها. والزارع يرجو أن تتغيَّر بعض أنواع التربة نتيجة العناية والرعاية، فقد تُشَقُّ الطريق فتقبل البذور بعد أن رفضتها، وقد تُزال الأحجار فتجد البذور عمق أرض، وقد تُقلَع الأشواك فلا تعود تخنق النبات الصالح.

 

أولاً – البذور التي سقطت على الطريق البذور المسروقة

خرج الزارع ليزرع، هذا فضل نعمة الله الواضحة في أنه يلقي البذور حتى على الطريق، الذي هو قلب الإنسان المهمل الذي يعطي إبليس فرصة خطف الكلمة فلا تثمر فيه. وكم سرق إبليس البذور الصالحة، حتى من الفريسيين المتديِّنين، ومن أهل كورزين وبيت صيدا، البلدتين اللتين رأتا معجزات المسيح، فقال لهما: «وَيْلٌ لَكِ يَا كُورَزِينُ! وَيْلٌ لَكِ يَا بَيْتَ صَيْدَا! لأَنَّهُ لَوْ صُنِعَتْ فِي صُورَ وَصَيْدَاءَ الْقُوَّاتُ الْمَصْنُوعَةُ فِيكُمَا، لَتَابَتَا قَدِيماً فِي الْمُسُوحِ وَالرَّمَادِ» (متى 11: 21)

 

ويقول المسيح إن صاحب «الأرض الطريق» «لا يفهم» قيمة الكلمة ولا معناها (متى 13: 19) ولا يقدِّر قيمة البذور، ولا يبالي إلا بأن يحيا لدنياه. كل شيء عنده خارجي لا يترك في داخله تأثيراً. يسمع بأذنه لا بقلبه، فلا ينتبه لما يسمعه ولا يدرك معناه الروحي، ولا يعتبر أنه هو المخاطب. إنه كالطريق المكشوف للطير وللرياح، اللذين يسرقان البذور، فلا يبقى منها شيء في الأرض.

 

تُرى لماذا صارت تلك الأرض طريقاً؟.. لا بد أنها كانت يوماً أرضاً صالحة، ولكن دَوْس أقدام الإنسان والحيوان حجَّرها. ويتقسى قلب الإنسان بسبب التعوُّد على الخطية. لقد خلق الله الإنسان مستقيماً «أَمَّا هُمْ فَطَلَبُوا اخْتِرَاعَاتٍ كَثِيرَةً» (جامعة 7: 29). إنهم مثل المدعوّين إلى عُرس ابن الملك «لكِنَّهُمْ تَهَاوَنُوا وَمَضَوْا، وَاحِدٌ إِلَى حَقْلِهِ، وَآخَرُ إِلَى تِجَارَتِهِ» (متى 22: 5) لأنهم أحسوا أن الحقل والتجارة أكثر أهمية من التعبير عن مشاعر الاحترام للملك، أو الاشتراك مع ابن الملك في حفل عرسه. كان تقييمهم خاطئاً، فقيَّموا المؤقَّت على أنه أهم من الدائم، وقيَّموا الرخيص على أنه أهم من الثمين، وقيَّموا المصلحة الذاتية الحاضرة أكثر من المصلحة الأبدية الباقية، لأن «إِلهَ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ» (2كورنثوس 4: 4)

 

ليحفظك الرب من أن يكون قلبك كالطريق، فلا تبالي بالمهم، ولا تقدِّر قيمة الأشياء الثمينة، لأن اللامبالي يشبه الذي لا يرى في الأهرام العظيمة إلا كومة أحجار، ولا يسمع في السيمفونية الرائعة إلا أصواتاً مختلطة.

 

ثانياً – البذور التي سقطت على الحجر البذور العطشانة

الأرض المحجرة طبقةٌ رقيقة من التربة فوق أرض كلها حجرية، ليس لها عمق أرض، فتنمو فيها البذرة وتصبح نبتة، ولكن مصيرها مثل يقطينة يونان التي «بِنْتَ لَيْلَةٍ كَانَتْ وَبِنْتَ لَيْلَةٍ هَلَكَتْ» (يونان 4: 10)

 

وأصحاب الأرض المحجرة أفضل من الأرض «الطريق» لأنهم قبلوا البذور فنمَت، ولكن الحجر لا يسمح للجذور أن تمتد لتحصل على الغذاء والماء، فتموت النبتة المبتدئة. إن ميولهم دينية، ربما بسبب التأثير العائلي، أو بسبب تربيتهم الأولى، أو بسبب التأثير الحضاري للدين، فيسمعون الكلمة ويقبلونها بسرور. لكن ما أن تلفحهم حرارة شمس الصعوبات حتى يحترق فيهم النبات الغض ويذبل ويموت. إنهم يشبهون الكاتب الذي لم يكن بعيداً عن ملكوت الله، ولكنه لم يكن قريباً منه، ولا دخله، فقال له المسيح: «لَسْتَ بَعِيداً عَنْ مَلَكُوتِ اللّهِ» (مرقس 12: 34). إذاً لم يكن تجديد هؤلاء كاذباً، لكنه لم يكن عميقاً، بل كان سطحياً ومؤقتاً. لم يتأصَّل الحق في ذاكرتهم وضميرهم، فانتهى بسبب الصعوبة والاضطهاد، وتغلَّبت الإغراءات الوقتية على المجد غير المنظور.

 

صاحب الأرض المحجرة إذاً يعجب بالكلمة ويحبها ويريد أن يتمسَّك بها، لكنه غير مستعد أن يدفع تكلفة اتِّباع المسيح. إنه مثل الشاب الذي قال للمسيح: «يَا سَيِّدُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ» (لوقا 9: 57، 58)، فهناك مَن يحسبون تكلفة الاتِّباع ويستكثرونها، ويرتدّون. إنهم مثل يهوذا الإسخريوطي الذي ربما حسب أنه سيكون وزيراً في مملكة أرضية. ولكن عندما اكتشف أن المسيح يقيم ملكوتاً روحياً، وأن اتِّباعه يعني التضحية، باع سيده بثلاثين قطعة فضة (متى 26: 15). وقد قال الرب للنبي حزقيال إن رسالته ستكون لبعض الناس «كَشِعْرِ أَشْوَاقٍ لِجَمِيلِ الصَّوْتِ يُحْسِنُ الْعَزْفَ، فَيَسْمَعُونَ كَلاَمَكَ وَلاَ يَعْمَلُونَ بِهِ» (حزقيال 33: 32).

 

ومن أصحاب القلوب المحجرة جماعة أشبعهم المسيح من خمس خبزات وسمكتين، فآمنوا به. ولكن لما بدأ يتكلم عن أن جسده مأكل حق وأن دمه مشرب حق رجعوا إلى الوراء، لأنهم رأوا الكلام صعباً ومُبهَماً، ولم يريدوا أن يفكروا في المعنى الروحي الكامن وراءه (يوحنا 6: 53-66). لقد قبلوا تعليم المسيح بسرعة، لكن صعوبة المعاني جعلتهم يرتدّون. فلم يكن سماعهم الكلمة كافياً لخلاص نفوسهم، إذ كان يجب أن يستمروا في سيرهم مع المسيح. «وَكَانَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ سَائِرِينَ مَعَهُ، فَالْتَفَتَ وَقَالَ لَهُمْ: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ، حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضاً، فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذاً. وَمَنْ لاَ يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَأْتِي وَرَائِي فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذاً» (لوقا 14: 25-27).

 

لقد كلَّف خلاصنا غالياً، لأن المسيح تجسَّد وصُلب ليتمِّمه. ومهما كلفنا اتِّباع المسيح فهو ليس شيئاً بالمقارنة بالثمن الذي دفعه المسيح، فنقول: «مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ. وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ، وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللّهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا» (رومية 8: 35-39).

 

ليحفظك الرب من الأحجار التي تقتل نمو كلمة الله فيك.

 

ثالثاً – البذور التي سقطت على الشوك البذور المخنوقة

سقطت البذور على أرض فيها شوك، فنمت، لأنها أرض صالحة ينمو فيها الشوك كما تنمو فيها البذور الجيدة. وكانت هناك إمكانية حصاد، لولا أن الشوك خنق النبات الجيد.. والشوك موجود بالتربة، ويستمد غذاءه منها، وهو ينمو بسرعة أكبر من سرعة نمو البذور، فيلتهم غذاءها، ويعلو فوقها فيحجب عنها أشعة الشمس، فيموت الزرع الجيد مختنقاً.

 

ويرمز الشوك إلى الطبيعة القديمة فينا، والتي تهدد الطبيعة الجديدة، «لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ» (غلاطية 5: 17). ولذلك قال المسيح: «اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ» (متى 26: 41).

 

قال شابٌّ للمسيح: «أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ، وَلكِنِ ائْذِنْ لِي أَوَّلاً أَنْ أُوَدِّعَ الَّذِينَ فِي بَيْتِي». فأجابه: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللّهِ» (لوقا 9: 61 و62). إنه «رَجُلٌ ذُو رَأْيَيْنِ هُوَ مُتَقَلْقِلٌ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ» (يعقوب 1: 8)، وهو مثل الشاب الغني الذي رفض أن يتبع المسيح «وَمَضَى حَزِيناً، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ» (مرقس 10: 22)، وهو مثل ديماس الذي قال الرسول بولس عنه: «تَرَكَنِي إِذْ أَحَبَّ الْعَالَمَ الْحَاضِرَ» (2تيموثاوس 4: 10). صحيحٌ أنه «لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللّهَ وَالْمَالَ. لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللّهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ» (متى 6: 24، 33).

 

وما أكثر الشوك الذي ينافس البذور الجيدة. هناك أشواك هموم هذا العالم ومتاعبه عند الفقراء، مع أن المسيح يقول لهم: «لاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ، أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ، أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ فَإِنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ. لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هذِهِ كُلِّهَا» (متى 6: 31 و32).. وهناك أشواك غرور الغِنى الذي يجتذب عيون الأغنياء، مع أن الوحي يقول لهم: «لأَنَّنَا لَمْ نَدْخُلِ الْعَالَمَ بِشَيْءٍ، وَوَاضِحٌ أَنَّنَا لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَخْرُجَ مِنْهُ بِشَيْءٍ» (1تيموثاوس 6: 7)، و «مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ» (لوقا 12: 5).. وهناك أشواك غرور المركز الاجتماعي أو العلمي، وغرور الصحة والشباب.. وهناك أشواك شهوات سائر الأشياء، مع أن الوحي يقول: «وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللّهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ» (1يوحنا 2: 17).

 

ليحفظك الرب من الأشواك التي تخنق كلمة الله فيك.

 

رابعاً – البذور التي سقطت على الأرض الجيدة البذور المثمرة

أصحاب «الأرض الجيدة» هم الذي «يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ فَيَحْفَظُونَهَا فِي قَلْبٍ جَيِّدٍ صَالِحٍ وَيُثْمِرُونَ بِالصَّبْرِ» (لوقا 8: 15). والقلب الصالح «يسمع» ويقبل.. ثم «يحفظ» بمعنى أنه يفكر ويتأمل ويسترجع الكلمة مرة ومرات، ويلهج بها، فتنمو وتثمر بالصبر سلوكاً صالحاً لنفسه وللآخرين. والقلب الجيد يقبل البذور فتنمو فيه.. ثم «يثمر بالصبر» والمثابرة، فتتغيَّر الحياة تماماً، طاعة للوصية «بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ» (لوقا 21: 19)، وعندما تُقتنى النفس يضيء نورها أمام الناس، وتُرى أعمالها الحسنة فيتمجَّد الآب السماوي (متى 5: 16) ويصبح المؤمن «كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ جَدَاوِلِ الْمِيَاهِ، الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ، وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ» (مزمور 1: 3)

 

صاحب الأرض الجيدة هو المستعد المُخْلص، مثل تيموثاوس الذي قال له الرسول بولس: «مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإِيمَانِ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (2تيموثاوس 3: 15)

 

وكم نشكر الله من أجل الأرض الجيدة، فقد قال المسيح: « الْحُقُولَ قَدِ ابْيَضَّتْ لِلْحَصَادِ» (يوحنا 4: 35). «لأَنَّهُ كَمَا يَنْزِلُ الْمَطَرُ وَالثَّلْجُ مِنَ السَّمَاءِ وَلاَ يَرْجِعَانِ إِلَى هُنَاكَ، بَلْ يُرْوِيَانِ الأَرْضَ وَيَجْعَلاَنِهَا تَلِدُ وَتُنْبِتُ وَتُعْطِي زَرْعاً لِلزَّارِعِ وَخُبْزاً لِلآكِلِ، هَكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لاَ تَرْجِعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ» (إشعياء 55: 10، 11).

 

والأراضي الجيدة أنواع متعددة، فبعضها يثمر ثلاثين ضعفاً، وبعضها ستين، وبعضها مئة ضعف. وعندما ألقى المسيح هذا المثل كانت الأرض تعطي عادةً ما بين ثمانية أضعاف إلى خمسة عشر ضعفاً، فيكون أن الرب ينتظر من المؤمنين ثمراً أكثر، عملاً بالوصية: «إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ» (متى 5: 20).

 

لكن لماذا يعطي مؤمن ثلاثين ضعفاً بينما يعطي غيره ستين أو مئة ضعف؟.. الفرق بينهم هو مدى استعداد كلٍّ منهم لطاعة الرب. فصاحب المئة ضعف هو الذي يقول مع إشعياء: «هَئَنَذَا أَرْسِلْنِي» (إشعياء 6: 8). وكلما كنا مستعدين أن نطيع الله أكثر يجعلنا نثمر أكثر.. ويعود الفرق أيضاً إلى مقدار الوقت الذي نصرفه في الصلاة، إذ يكون شعارنا: «أَمَّا أَنَا فَصَلاَةً» (مزمور 109: 4) لأنه بمقدار صلاتنا يكون ثمرنا، ونصبح عاملين بالكلمة، لا سامعين فقط خادعين نفوسنا (يعقوب 1: 22).

 

وختم المسيح هذا المثل بالقول: «مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ» (متى 13: 9). وهذا يعني أن الحق مُعلَنٌ للجميع، ولكل مستمع الحرية أن يقبل الحق إن هو أراد، كما أن له مطلق الحرية أن يرفضه. قال المسيح: «هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا 3: 20). لا يجبر الله أحداً، لكنه أعطى لكل إنسان أذنين، ثم يوجِّه الدعوة ويُعيد توجيهها. فلنقل: «مَرَّةً وَاحِدَةً تَكَلَّمَ الرَّبُّ، وَهَاتَيْنِ الاثْنَتَيْنِ سَمِعْتُ» (مزمور 62: 11).

 

فأي نوع من التربة قلبك؟ إن كان كالطريق فإن الله يمكن أن يحرثه بمحراث نعمته، بالرقَّة أو بالتأديب، كما قال: «وَأُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ لِكَيْ يَشْعُرُوا» (إرميا 10: 18). وقد ينفتح قلبك بعد نور مبهر يُعمي العيون كما حدث مع شاول الطرسوسي (أعمال 9: 3، 4)، وقد ينفتح بسرعة وهدوء كما حدث مع ليديا (أعمال 16: 14) وقد ينفتح بعد زلزلة كما حدث مع سجان فيلبي (أعمال 16: 26-34).. فإن كان قلبك حجرياً فالرب قادر أن ينزع منك قلب الحجر ويعطيك قلب لحم (حزقيال 11: 19).. وإن كان يحوي الشوك الذي يخنق البذور الصالحة فهو قادر أن يقتلع الشوك من داخلك. وإن كنت تثمر ثلاثين ضعفاً يجعلك تثمر مئة ضعف.

 

سؤالان

اشرح هذه العبارة: «لم تثمر البذور، ليس بسبب خطإ في الزارع، وليس بسبب عيب في البذور، بل بسبب عيب في التربة».

كيف تُصلح القلب الذي يشبه الطريق، والذي يشبه الأرض المحجرة، والذي يشبه الأرض التي ينمو بها الشوك؟

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي