تميَّز المسيح عن الأنبياء في أسلوب الوحي

 

تكلَّم الله قديمًا وأعلن عن ذاته عن طريق الأنبياء بأنواعٍ وطرقٍ كثيرةٍ مثل؛ الرؤى والأحلام وحلول الروح القدس علي الأنبياء والتكلُّم بلسانهم وعلي أفواههم، أو عن طريق إرسال ملائكة،
وقد تميَّز موسي النبيّ علي كلِّ الأنبياء بأنَّ اللَّه تكلَّم معه فمًا إلي فم كقول الله لهارون ومريم أخته “
إِنْ كَانَ مِنْكُمْ نَبِيٌّ لِلرَّبِّ فَبِالرُّؤْيَا أَسْتَعْلِنُ لهُ. فِي الحُلمِ أُكَلِّمُهُ. وَأَمَّا عَبْدِي مُوسَى فَليْسَ هَكَذَا بَل هُوَ أَمِينٌ فِي كُلِّ بَيْتِي. فَماً إِلى فَمٍ وَعَيَاناً أَتَكَلمُ مَعَهُ لا بِالأَلغَازِ. وَشِبْهَ الرَّبِّ يُعَايِنُ. فَلِمَاذَا لا تَخْشَيَانِ أَنْ تَتَكَلمَا عَلى عَبْدِي مُوسَى؟
” (
عدد12/6-8
). كان موسي النبيّ كليم اللّه، أمَّا المسيح فكان هو كلمة اللَّه ذاته الذي من ذات اللَّه وفي ذات اللَّه “
فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ
وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ

” (
يو1/1


ابن اللَّه الوحيد الذي في حضنه والذي هو وحده دون سواه يستطيع أنْ يكشف عن ذات اللَّه؛ “

اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ.

” (
يو1/18

أو كما قال هو نفسه “

كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الاِبْنَ إِلاَّ الآبُ وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الاِبْنُ وَمَنْ أَرَادَ الاِبْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ

” (
مت11/27
).
فهو وحده كلمة اللَّه الذاتيّ وابن اللَّه الذي من ذاته وفي ذاته وعندما ظهر علي الأرض كان هو اللَّه الذي ظهر في الجسد.

 
إذًا فالفرق بين المسيح والأنبياء هو الفرق بين رُسل اللَّه وبين كلمة اللَّه الذاتيّ الذي هو اللَّه ناطقًا، اللَّه متكلمًا،
اللَّه الذي ظهر في الجسد. كان جميع الأنبياء مجرَّد رُسل ما عليهم إلا الإبلاغ برسالة اللَّه، أمَّا المسيح فجاء برسالته هو وتعليمه هو كالربِّ المعطي الوصايا
فيقول: “

قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ
: لاَ تَقْتُلْوَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ….
‏ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ.

وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ
لَكُمْ: ‏ إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى إمْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ…. ‏
وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ إمْرَأَتَهُ
فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَقٍ.
وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ
: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ إمْرَأَتَهُ إِلاَّ لِعِلَّةِ اَلْزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي….
قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَحْنَثْ
بَلْ أَوْفِ لِلرَّبِّ أَقْسَامَكَ.‏
وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ
: لاَ تَحْلِفُوا الْبَتَّةَ….
سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ
: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ.‏
وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ
: لاَ تُقَاوِمُوا اَلشَّرَّ
سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ
: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ.
وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ
: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ
” (
مت5/27-44
).

وهو هنا يتكلَّم كصاحبِ السلطان علي الشريعة والإله الذي أعطاها وصاحبها.

 لم يكنْ إنجيله هو وحيٌ نزل عليه من السماء بوسيلةٍ ما مثل بقيَّة الأنبياء وإنَّما كان هو ذاته كلمة اللَّه النازل من السماء وتعليمه نابعٌ من ذاته لأنَّه كلمة اللَّه، وكانت أعماله أيضًا نابعةٌ من ذاته، لأنَّ الآب يعمل به “
أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ… لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهَذَا
(الآب)
يَعْمَلُهُ الاِبْنُ كَذَلِكَ فهذا يعمله الابن كذلك. لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الاِبْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ
” (
يو5/16-20
).

 
لم يكن الإنجيل مجرَّد رسالة نزلت عليه ودُوِّنَت في كتاب ليقرأُه فئة من الناس، كما هو الحال بالنسبة لأسفار موسي الخمسة أو بقيَّة أسفار العهد القديم، وإنَّما الإنجيل هو الخبر السار والبشارة المفرحة المقدَّم للعالم أجمع والذي يتلخَّص فيما قاله الكتاب بالروح وهو “
جَمِيعِ مَا ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَفْعَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ارْتَفَعَ فِيهِ
” (
أع2/1-2


هو الدعوة والكرازة بالمسيح في كلِّ المسكونة، هو الإيمان بالمسيح ابن اللَّه لنوال الحياة الأبديَّة “
وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ

يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ

وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ
.” (
يو20/

31
)، هو الشهادة “
أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَ الاِبْنَ مُخَلِّصاً لِلْعَالَمِ.
” (
1يو4/14
).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي