المعجزة العاشرة إقامة ابن أرملة نايين

11 وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي ذَهَبَ إِلَى مَدِينَةٍ تُدْعَى نَايِينَ، وَذَهَبَ مَعَهُ كَثِيرُونَ مِنْ تَلامِيذِهِ وَجَمْعٌ كَثِيرٌ. 12 فَلَمَّا اقْتَرَبَ إِلَى بَابِ الْمَدِينَةِ، إِذَا مَيْتٌ مَحْمُولٌ ابْنٌ وَحِيدٌ لأُمِّهِ، وَهِيَ أَرْمَلَةٌ وَمَعَهَا جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمَدِينَةِ. 13 فَلَمَّا رَآهَا الرَّبُّ تَحَنَّنَ عَلَيْهَا وَقَالَ لَهَا: «لا تَبْكِي». 14 ثُمَّ تَقَدَّمَ وَلَمَسَ النَّعْشَ، فَوَقَفَ الْحَامِلُونَ. فَقَالَ: «أَيُّهَا الشَّابُّ، لَكَ أَقُولُ قُمْ». 15 فَجَلَسَ الْمَيْتُ وَابْتَدَأَ يَتَكَلَّمُ، فَدَفَعَهُ إِلَى أُمِّهِ. 16 فَأَخَذَ الْجَمِيعَ خَوْفٌ، وَمَجَّدُوا اللهَ قَائِلِينَ: «قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ، وَافْتَقَدَ
ا
لّهُ شَعْبَهُ». 17 وَخَرَجَ هذَا الْخَبَرُ عَنْهُ فِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَفِي جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ (لوقا 7: 11-17).

 

ما أعظم المحبة التي تمتدّ لأبأس الناس، في أحقر الأماكن، لتُبدّل الحزن القاتل إلى فرحٍ طاغٍ! جرت هذه المعجزة في قرية نايين الحقيرة القريبة من كفرناحوم، فخلَّدها التاريخ بفضل هذه المعجزة التي جرت فيها، عندما أقام المسيح الشاب الميت، الابن الوحيد لأمه الأرملة.

 

كانت نايين تقع بالقرب من شونم حيث أقام النبي أليشع بإذن الله وقوته ابن الشونمية من الموت، وذلك قبل تسع مئة سنة من إقامة ابن أرملة نايين (2 ملوك 4). وأقام المسيح بسلطان كلمته ابن الأرملة، عندما قال له: «أيها الشاب، لك أقول: قم!».

 

دخل المسيح مع مجموعة من أتباعه قرية نايين في الوقت الذي كان يخرج فيه من بابها موكب آخر يحمل ميتاً، وإذا برب الحياة ورئيسها في مواجهةٍ مباشِرةٍ مع الموت، وكأن إبليس يتحدى المسيح ويقول: «لقد أخذتُ هذا الشاب فريسة، فمن ينقذه من يدي؟ يدفع البشر أجرة خطيتهم، وماذا عساك تفعل؟ أنت نفسك ستقع في قبضتي وتموت وتُدفن في قبر!».

 

وكشفت لنا هذه المواجهة، لا معجزة واحدة من إقامة ابن الأرملة من بين الأموات، ولكن معجزة حياة المسيح كلها. فالمسيح الذي جاءنا إنساناً مولوداً من امرأة تحت الناموس، وعاش بيننا واختبر كل ما اختبرناه (ماعدا الخطية) مات ودُفن. لكنه قام من بين الأموات. وخدمته كلها هي إقامة الموتى الذين قتلتهم الخطية ودمرت حياتهم. وهو يقول: «إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ» (يوحنا 14: 19)، وعندما أقام لعازر قال: «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ» (يوحنا 11: 25، 26). قال هذه الكلمات وبرهنها عندما أقام لعازر، وبرهنها أيضاً عندما قام هو من الأموات، ويقولها اليوم لكل واحدٍ منّا، ويبرهنها إذ يقيمنا من موت الخطية، فيتتحقق قوله: «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلامِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلا يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ، حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللّهِ، وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذلِكَ أَعْطَى الاِبْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً، لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ» (يوحنا 5: 24-27).

 

هذه هي القيامة الأولى من موت خطيتنا: «تأتي ساعة وهي الآن» حين يسمع أموات الخطية صوت ابن الله، والسامعون الذين يفتحون آذانهم وقلوبهم له يحيون، إذ يُجري الرب معهم المعجزة التي أجراها مع ابن أرملة نايين، لأن للمسيح حياةً في ذاته. وتأتي ساعة أخرى في المستقبل، لأن المسيح هو الديّان. «تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ» (يوحنا 5: 28،29).

 

لم يكن أحدٌ قد قام من الأموات منذ تسعمائة سنة (قارن 2 ملوك 4). فلماذا اختار المسيح هذه الأرملة ليقيم ابنها؟ ألم يمت في فلسطين في ذلك اليوم عشرات الشباب؟

 

وللإجابة نقول إننا نجهل أسرار النعمة الإلهية، ولكن في كل مرة تختصّنا العناية الإلهية ببركة، ويلمسنا الله بلمسة شخصية تميّزنا عن كثيرين حولنا، نتذكر قوله الكريم: «لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ» (يوحنا 15: 16). هنا يجب أن نرفع صلاة شكر بكل تواضع، لأن لا حقَّ لنا في شيء، ولكننا نتمتع بنعمة موهبة أعطاها لنا الله من محبته.

 

أولاً – المحتاج والمعجزة

أرملة مات زوجها، والآن مات ولدها الوحيد، محل محبتها، وعائلها. فهي أرملة لا أمل لها في المستقبل (حسب الجسد). كانت صدمتها الأولى (يوم موت زوجها) قاسية، وها هي الصدمة الثانية القاتلة بموت وحيدها! كانت مجرَّبة وحزينة. والله في محبته يدرك وقع مثل هذه التجربة القاسية على البشر، وقد وصفها بقوله: «أُفِيضُ عَلَى بَيْتِ دَاوُدَ وَعَلَى سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ رُوحَ النِّعْمَةِ وَالتَّضَرُّعَاتِ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ، الَّذِي طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ» (زكريا 12: 10). ثم يصف الألم الذي يُتعب النفس التي صلبت المسيح بالقول: «وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ كَنَائِحٍ عَلَى وَحِيدٍ لَهُ، وَيَكُونُونَ فِي مَرَارَةٍ عَلَيْهِ كَمَنْ هُوَ فِي مَرَارَةٍ عَلَى بِكْرِهِ» (زكريا 12: 10). هذا وصف كتابي للألم النفسي العاطفي الذي واجهته تلك الأرملة التي فقدت ابنها الوحيد.

 

مصدومة: هذه السيدة صُدمت الصدمة الأليمة التي هي أقصى نتائج الخطية. «بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ» (رومية 5: 12). لقد كانت تلك جرعة مرارة مركزة قُدِّمت في كأس أرملة نايين، إذ رأت أردأ نتائج الخطية مرتين.

 

متألّمة: أحياناً يكون صوت آلامنا أعلى من صوت صلواتنا. وقلب الرب يتحرك معنا في حزننا، وهو يرى دموعنا وانكسار نفوسنا والمرارة التي تعتصر قلوبنا. وقد يكون هذا بسماحٍ كريم منه، لا ندري سببه. وقد يكون أجرة ما نفعل، أو نتيجة سوء معاملة الآخرين لنا. وفي كل هذه الظروف يقف معنا لأنه يعرف حجم الألم، كما يعرف محدودية قدرتنا على الاحتمال. وهذا ما شعر به المحيطون بالمعجزة، فوصفوا ما فعله المسيح مع الأرملة الحزينة بقولهم: «افْتَقَدَ اللهُ شَعْبَهُ» (لوقا 7: 16). بمعنى أنه جاء يزورنا ويسأل عنا. ونحن دائماً نكتشف أن الله لا يتركنا، بل يفتقدنا ويجيء إلينا ويقف إلى جوارنا يخفِّف ألمنا ويسندنا.

 

ثانياً – المشاهدون والمعجزة

1 – لما لمس المسيح النعش وقفوا:

دعونا نتصوَّر الموقف، فنرى أمّاً تبكي خلف جماعة تحمل نعش ابنها متَّجهة إلى المدافن، ثم نرى مجموعة أخرى من الناس تدخل المدينة والمسيح في وسطها. والعادة أن تنضم المجموعتان لتتّجها معاً إلى المدافن للتعبير عن المشاعر نحو الأرملة. لكن المسيح اعترض الموكب! كان من الطبيعي أن تمنعه المجموعة الأولى لتكمل مسيرتها ومهمتها المقدسة وهي دفن الميت. لكن الكتاب يقول لنا: «فوقف الحاملون». لا بد أن جلال وجه المسيح ونبرة صوته بكل ما فيها من محبة وسلطان جعلتهم يقفون.

 

لقد اختبرنا مرةً ومرات أننا نسير في طريق كنا نظن أننا نؤدي فيه واجباً مهماً، فاعترض المسيح طريقنا بكلمة من الإنجيل، أو بتعامل شخصي، أو بلمسة روحية، فأوقف ما نفعله، وإذا مسار حياتنا قد تغيَّر إلى الأفضل والأحسن. لذا وجب أن تكون لدينا حساسية للمسة يده وتوجيه كلمته، لنغيّر مسارنا حسب توجيهه، انتظاراً لما يقوله لنا.

 

2 – مجَّد الحاملون الله:

لما قام الميت وتكلم، دفعه المسيح إلى أمه «فأخذ الجميع خوفٌ، ومجّدوا الله قائلين: قد قام فينا نبيٌّ عظيم، وافتقد الله شعبه». لا بد أنهم تذكّروا أليشع لما أقام ابن المرأة الشونمية، وتذكّروا إيليا لما أقام ابن الأرملة من الموت. وقولهم إن المسيح «نبي عظيم» يعني أنهم لم يكتشفوا كل نواحي شخصية المسيح. فهناك بُعد آخر للمسيح. صحيح أنه نبي، ولقَّب نفسه بأنه نبي عندما قال: «ليس كرامةٌ لنبي في وطنه». لكنه أعظم من نبي! إنه موضوع النبوة، فقد تحدثت النبوات عنه وشهدت له، حتى قال هو: «فَتِّشُوا الْكُتُبَ.. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لي»(يوحنا 5: 39).

 

ثم أن المسيح صانع النبوة، فقد تنبأ بالكثير الذي تحقق، والكثير الذي سيتحقق. لقد تنبأ بموته مصلوباً لما قال: «ابْنَ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ، وَبَعْدَ أَنْ يُقْتَلَ يَقُومُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ» (مرقس 9: 31). وقد كان. ولا زلنا ننتظر تحقيق نبواته عن مجيئه ثانية إلى أرضنا.

 

ويعمل المسيح بروحه فينا لنكتشف الجانب الأعمق من شخصيته فندرك أنه بالإجماع «عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ» (1 تيموثاوس 3: 16).

 

3 – ثم قالوا: «افتقد الله شعبه»

بمعنى أن الله زار شعبه بتدخُّلٍ إلهي، كما تقول التوراة عن نعمي: «فَقَامَتْ هِيَ وَكَنَّتَاهَا وَرَجَعَتْ مِنْ بِلادِ مُوآبَ، لأَنَّهَا سَمِعَتْ فِي بِلادِ مُوآبَ أَنَّ الرَّبَّ قَدِ افْتَقَدَ شَعْبَهُ لِيُعْطِيَهُمْ خُبْزاً» (راعوث 1: 6). وفي نايين افتقد الله شعبه فأعطاهم حياة.

 

جميل أن يدرك المحيطون بالمسيح أن انتعاشاً روحياً جاء إلى العالم، لأن الله اقترب من البشر، وجاء يزورنا للافتقاد والسؤال عن احتياجنا. وكم من مرات زارنا المسيح ونحن على فراش مرضٍ فشفانا، ونحن في ضيقٍ ففرج كربتنا، ونحن في خوفٍ فأزال خوفنا، فاكتشفنا أننا كنا نخاف من شيء غير موجود، وأن الخوف في داخلنا فقط لكنه ليس من حولنا. يزورنا المسيح في وقت خطرٍ حقيقي وآخر وهمي. إنه يزورنا دائماً وأبداً.

 

ثالثاً – المسيح والمعجزة

1 – المسيح المُغيِّر:

عندما يلتقي بنا ويواجهنا، يتغيّر حالنا كله. عندما التقى بالأرملة التي تبكي لموت ابنها، تحوَّلت إلى أرملة فرحة لعودة ابنها إليها. «إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً» (2 كورنثوس 5: 17). وكلنا نحتاج إلى مجيئه إلينا «تعال بيننا. أقم عندنا. وخُذْ من قلوبنا لك مسكناً». فنسمع قوله: «عَّزُوا عَّزُوا شَعْبِي يَقُولُ إِلَهُكُمْ. طَيِّبُوا قَلْبَ أُورُشَلِيمَ وَنَادُوهَا بِأَنَّ جِهَادَهَا قَدْ كَمِلَ، أَنَّ إِثْمَهَا قَدْ عُفِيَ عَنْهُ، أَنَّهَا قَدْ قَبِلَتْ مِنْ يَدِ الرَّبِّ ضِعْفَيْنِ عَنْ كُلِّ خَطَايَاهَا» (إشعياء 40: 1، 2) ويتم فينا قول الرسول بولس: «مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ، الَّذِي يُعَّزِينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَّزِيَ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِي نَتَعَّزَى نَحْنُ بِهَا مِنَ اللّهِ» (2 كورنثوس 1: 3-5). يعطينا ماءً حياً فيجري من بطننا نهر ماء حي. يعطينا تعزية شخصية، ويعطينا لنعزّي غيرنا.

 

وهذا سيحدث معنا أيضاً في اليوم الأخير عندما نتواجد في محضره نسمع صوتاً عظيماً من السماء قائلاً: «هُوَذَا مَسْكَنُ اللّهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْباً. وَاللّهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلهاً لَهُمْ. وَسَيَمْسَحُ
ا
للّهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لا يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلا يَكُونُ حُزْنٌ وَلا صُرَاخٌ وَلا وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ» (رؤيا 21: 3، 4). تمضي الأمور الأولى عندما يأتي ليفتقد شعبه.

 

2 – المسيح الحنون:

يقول العَيَان: «لا تبكي» بعد مرور الأزمة. لكن الإيمان يقولها أثناء الأزمة. والمسيح يريد أن يحيي في دواخلنا الإيمان إذ يأمرنا بعدم البكاء قبل نوال البركة، لأن إنقاذه آتٍ. لم تستطع الأرملة أن تفهم حكمته، ولكنها فهمتها فيما بعد. «لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ» (يوحنا 13: 7).

 

يضع المسيح يده على كتفنا ليشجعنا والظلام محيط. وكلمة تشجيعه قوية مع أن الظروف المحيطة قد تناقضها تماماً. لكننا ندرك معنى كلمته ونثق فيها، وعلى كلمته «نلقي الشبكة» واثقين.

 

أجرى المسيح معجزاته بناءً على طلب المحتاج نفسه، كما شفى الأبرص (لوقا 5: 12). وأجرى معجزات نتيجة طلب إنسانٍ من أجل آخر، كما حدث في شفاء عبد قائد المئة (لوقا 7: 1)، وأجرى معجزات بناءً على محبته، فالأرملة لم تطلب، ولكنه فعل ذلك بدافع عمق محبته (لوقا 7: 13).

 

مرات ننجو من ضيق لأننا صلَّينا، ومرات لأن غيرنا صلّى من أجلنا، وفي مرات يسمع أنيننا ويرى ضيقنا فيمدّ لنا يد حنانه، لأن العين السماوية ساهرة ومفتوحة علينا.

 

3 – المسيح القوي

أمر المسيح بسلطان ذاته: «لك أقول قم» وهو يعلم أن قوة محبته لا تسقط أبداً. «فيه كانت الحياة والحياة كانت نور للناس، والنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه» (يوحنا 1: 4، 5). فلم تلحقه، ولم تفهمه! هو الذي يحيي الموتى، ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة (رومية 4: 17). سَرَت الحياة ثانية في جسد هذا الشاب، لأن المسيح أرجعها من حيث ذهبت، إلى الجسد الذي خرجت منه «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ» (متى 28: 18). في السماء حيث مضت النفس، وفي الأرض حيث كان الجسد في النعش، فأعطت السماءُ النفس، واستقبلتها الأرض، ليرجع الابنُ لأمه.

 

بذل إيليا وأليشع جهداً في الصلاة ليقيما الموتى بعمل الله، وفشل جيحزي في إقامة ابن الشونمية. أما المسيح رب الحياة فأمر الحياة لتعود لجسد ذلك الشاب بأمره المباشر، فعادت.

 

أقام رب المجد وصاحب كل سلطان ثلاثة من بين الأموات: ابنة يايرس في المنزل قائلاً: «يا صبية قومي» فقامت. وبعضنا يشبه ابنة يايرس في أن خطاياهم داخلية، غير مرئية. والمسيح مستعد أن يقيمنا من موت خطيتنا حتى إذا كانت مختفية عن عيون الناس.

 

ثم أقام ابن الأرملة على باب المدينة. وكثيرون منا خطاياهم على الباب تُرى في أيديهم، وتُسمع من ألسنتهم. والمسيح يريد أن يقيمنا حتى لو كانت خطايانا ظاهرة للجميع.

 

وأقام لعازر بعد أن أنتن في قبره أربعة أيام. وكثيرون بقوا في خطاياهم مدة طويلة حتى أنتنوا، والمسيح مستعد أن يقيمهم من هلاك الموت بقوته ليعطيهم الحياة.

 

مهما كانت حالة موتنا، فإن المسيح يريد أن يقيمنا معه، ويعطينا الحياة الأبدية. فلنطلب منه لأنه رب الحياة.

 

وإن كان قد أحيانا، فلنطلب من أجل شخص آخر ميت في خطاياه حتى يحييه الرب. ولنصلِّ لتحيا كنيسته مشرقة بنورٍ يضيء على كل العالم لمجد اسمه، وليأتِ ملكوته.

 

صلاة

أبانا السماوي، أشكرك لأن رحمة المسيح وصلتني في عمق شقائي، وأدركتني في هوَّة بلائي، فرفعتني وأعادت لي الأمل، ولمستني فبعثت في نفسي الشجاعة. افتَحْ قلبي أكثر ليسع المزيد من سلامك، وتقبَّل مني كل حياتي المعترفة بفضلك. باسم المسيح. آمين.

 

أسئلة

قارن بين إقامة أليشع ابن أرملة شونم، وإقامة المسيح ابن أرملة نايين؟

في يوحنا 5: 24-29 تحدث المسيح عن ساعة «وهي الآن» وساعة تأتي مستقبلاً. ماذا سيحدث في الساعتين؟

لماذا اختار المسيح ابن أرملة نايين ليقيمه؟

كانت صدمة الأرملة مزدوجة – كيف؟

لماذا وقف حاملو النعش لما أمرهم المسيح بالوقوف؟

ما معنى «افتقد الله شعبه»؟

اذكر اختباراً من واقع حياتك افتقدك الله به.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي