هل آمنت الكنيسة الأو


لى بأن


المسيح هو


الله؟


القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير


كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد

 


الفهرس


مقدمة


1- الإيمان المسلَّم مرَّة للقدِّيسين


2- التسليم الرسوليّ للإيمان المسلَّم مرَّة للقدِّيسين


3-


الآباء الرسوليون ومدافعو القرن الثاني ولاهوت المسيح


4-


قوانين إيمان الرسل حتى مجمع نيقية

 


مقدمة:

يتصوَّر بعض الكتاب ونقَّاد المسيحيّضة ويزعمون أنَّ الكنيسة المسيحيَّة الأولي لم تؤمنْ بلاهوت المسيح!! وأنَّ هذه العقيدة، عقيدة لاهوت المسيح، لم تثبتْ في الكنيسة المسيحيَّة إلاَّ بعد مجمع نيقية وبعد أنْ تأثَّر بعض من قادة الكنيسة بالفكر اليونانيّ والفكر الوثنيّ الذي كان منتشرًا في العالم الوثنيّ الذي كرَّزوا فيه بالمسيحيَّة!!

 كما يزعم هؤلاء النقَّاد والكتاب أنَّه كان هناك مسيحيُّون حقيقيُّون يُسَمُّونهم بالموحِّدين مثل الأبيونيِّين


(1)


وبولس السموساطي


(2)


وأريوس ونسطوريوس!! وهؤلاء رفضت الكنيسة فكرهم لأنَّه لا يتَّفق مع فكرها!!
وهذا الكلام الذي يقوله ويزعمه هؤلاء الكتَّاب والنقَّاد ومن يسير علي دروبِهم هو كلامٌ غير حقيقيّ لا يستطيع أنْ يُواجه الدليل المنطقيّ الحقيقيّ الموثَّق، إنَّما هو كلام متأثِّر بفكر المدارس النقديَّة، خاصَّة مدرسة النقد الألمانيَّة، التي لا تؤمنْ أصلاً بوجود اللَّه! والتي تُنكر الوحي الإلهيّ وكل ما له صلة باللَّه! كما أنَّه متأثِّر أيضًا بعقائدهم الخاصَّة التي يؤمنون بها ويتمنُّون ويرجون أنْ تكون هي العقائد الصحيحة، علي حساب المسيحيَّة! ومن ثمَّ راحوا يعملون بكلِّ جهدهم لإلتقاط جملة من هنا وفقرة من هناك، بصرف النظر عن قائلها!! وموقفه من عقائدهم! لمحاولة تصوير العقيدة المسيحيَّة في لاهوت المسيح علي أنَّها ليست أصيلة في المسيحيَّة وأنَّها ذات أصلٍ وثنيٍّ!!

 ونؤكِّد لهم أيضًا، وبالدليل الماديّ العلميّ الموثَّق، أنَّ هذه العقيدة، عقيدة لاهوت المسيح، راسخة في الكتاب المقدَّس بعهدَيه وفي تقليد الكنيسة المسلَّم مرَّة للقدِّيسين من الربِّ يسوع المسيح نفسه مباشرة والتي ثبَّتها لهم بحلول الروح القدس عليهم، وقد سلَّموها، هم، بدورهم، بالروح القدس، لتلاميذهم وخلفائهم الذين تعلَّموا علي أيديهم، وهؤلاء سلَّموها بدورهم لخلفائهم حتَّي مجمع نيقية وما بعده. وأنَّ أولئك الذين زعموا أنَّهم المسيحيُّون الحقيقيُّون، والذين وصفوهم بالموحِّدين لم يكونوا هم أصحاب العقيدة المسيحيَّة الصحيحة، كما زعموا، بل كانوا خارجين عن المسيحيَّة وفكر الكتاب المقدَّس، وأصحاب بدع وهرطقات، وبالرغم من أنَّهم خرجوا عن العقيدة الصحيحة وفكر الكتاب المقدَّس إلاَّ أنَّهم لم يستطيعوا أنْ يُنكروا عقيدة لاهوت المسيح نهائيًا، بل آمنوا بلاهوته بصورٍ مختلفةٍ! فعلي الرغم من إنكار الأبيونيِّين، وكذلك بولس السموساطي لوجود المسيح الأزليّ بلا بداية، فقد آمنوا أنَّه سَمَا وإرتقي وصار أعلي من البشر والملائكة، صار رئيسًا للملائكة وإلهًا بالتبنِّي وإستحقَّ أنْ يكون ديَّان
البشريَّة في يوم الدينونة!! فهل يقبل هؤلاء النقَّاد مثل هذا الفكر، الذي يزعمون أنَّه الفكر المسيحيّ الصحيح، والذي لا يوصلهم لما يهدفون إليه ويسعون من أجله؟!

 كما آمن آريوس بأنَّ المسيح هو الإله الذي خلق الكون ومدبِّره وديَّانه، حيث يقول أنَّ اللَّه الذي يسمو علي كلِّ خليقة وغير المدرك بصورةٍ مطلقةٍ خلق كائنًا وسطًا بينه وبين الخليقة من جوهر شبيه بجوهره، واستخدم تعبير ” شبيه بالآب (الله) في الجوهر “!! هذا الكائن هو إله ولكن ليس هو اللَّه، وقد خلق اللَّه كلّ ما في الكون بواسطته فصار هو الإله الفعليّ الذي خَلق الكون ويدبِّره، بل هو الإله الحقيقيّ المعروف من الخليقة لأنَّ اللَّه غير معروف ولا مُدرك نهائيًا إلاَّ بواسطة هذا الإله المعروف الذي هو المسيح!!

أمَّا نسطوريوس فلم يُنكر لاهوت المسيح ولا أزليَّته كما يتوهَّم هؤلاء الكتَّاب والنقَّاد، بل علي العكس تمامًا، فهو يُؤمن بلاهوت المسيح وأزليَّته وأنَّه هو اللَّه، ولكنَّه أساء التعبير عن سرِّ التجسُّد وكيفية ظهور اللَّه في الجسد، فبدلاَ من أنْ يستخدم تعبير اتحاد اللاهوت بالناسوت الذي يُؤكِّد وحدة شخص المسيح كالإله المتجسِّد، إستخدم تعبير مصاحبة اللاهوت للناسوت الذي يُوحي بوجود مسيحَيْن، المسيح الإله والمسيح الإنسان اللذان اتحدا في بطن مريم العذراء منذ اللحظة الأولي للحبل


(3)


.

 فهل يقبل هؤلاء هذا الفكر أيضًا، سواء الذي نادي به آريوس القسّ الإسكندري أو الذي نادي به نسطوريوس بطريرك القسطنطينيَّة؟ وكلاهما يُؤمن بلاهوت المسيح ولكن بفكرٍ منحرفٍ عن فكر الكتاب المقدَّس؟.

والإجابة هي؛ كلا، لأنَّ هذا الفكر سواء الخاصّ بآريوس والذي يُؤمن بأنَّ المسيح هو إله الكون وخالقه، أو الخاصّ بنسطوريوس والذي يُؤمن بلاهوت المسيح، المسيح الإله، كما جاء في الكتاب المقدَّس، ولكن لم يستطعْ التعبير الصحيح عن عقيدة التجسُّد، لا يُناسب فكر هؤلاء الكتَّاب والنقَّاد ولا يُفسح المجال بأيَّة صورة من الصور لأيَّة عقيدة أخري غير المسيحيَّة!!

 

 


(1) خرجت هذه الفئة بعد خراب الهيكل ودمار أورشليم سنة 70م من جماعة تدعى اليهود المتنصرين، أو كما سماهم بعض العلماء، مثل هيبوليتوس، المسيحيين اليهود، لتمسكهم بالعوائد والتقاليد اليهودية والناموس وحفظهم للسبت على الرغم من احتفالهم بالأحد مع المسيحيين! وقد دعاهم رجال الكنيسة بالابيونيين من كلمة ابيون بالعبرية وجمعها ابيونيم والتي تعني الفقراء لفقر تعاليمهم وحقارتها. يقول عنهم المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري ” وقد كان الأقدمون محقين إذ دعوهم ” ابيونيين ” لأنهم اعتقدوا في المسيح اعتقادات فقيرة ووضيعة ” (يوسابيوس ك 3: 27).


(2) كان بولس السموساطي أسقفا لإنطاكية (في الفترة من 260إلى 268م) وكان له نفوذ سياسي في الإمبراطورية الرومانية، كما كان نائبا للملكة زنوبيا ملكة تدمر (بالميرا) والتي كانت تتبعها إنطاكية في ذلك الوقت. وقد نادى بأن المسيح مجرد بشر وقد صار إلهاً، ولكي يوفق بين قوله هذا وبين آيات الكتاب المقدس التي تؤكد على حقيقة لاهوت المسيح قال أنه صار إلها بالتبني.


ويلخص العلماء أفكاره كالآتي:


1 – أن الله واحد وحدانية مطلقة في أقنوم واحد ومع ذلك يمكن أن نميز فيه الكلمة (اللوجوس) والحكمة، كصفتان أو قوتان مثل العقل والفكر في الإنسان (


Schaff Vol. 2: 581


)، وأن اللوجوس خرج من الله وهو يعمل في الأنبياء وقد حل في المسيح الإنسان منذ ميلاده ولكن بقوة أكبر من الأنبياء، وهو هنا يميز بين الكلمة ويسوع.


2 – أن الابن لم يكن موجوداً دائما وأنه أقل من ال- (


Logos- λογος


) وأن اتحاد الابن مع الكلمة هو اتحاد عن طريق التعليم وليس اتحادا وجوديا


Ontological


، كما أن الابن وجد قبل الأزمنة في علم الله السابق، وأن الآب وحده هو الله أما الابن فإله بالنعمة، وبالتبني لأن الله تبناه(


The Search for p. 70


.).


(3) أنظر كتابنا ” عقيدة المسيح عبر التاريخ”.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي