الفصل الحادى عشر


هل المسيح “أبن الله” حقيقة أم مجازاً؟

 

تكلم السيد المسيح عن الله الآب بأعتباره آب الجميع وعلم تلاميذه أن يخاطبوه فى الصلاة قائلين “أبانا الذى فى السموات”(1) ودعاه ب “أباكم”(2) و “أبيكم”(3) و “أبوكم”(4) و “أبوك”(5) و “صل إلى أبيك”(6) و “أبى وأبيكم وإلهى وإلهكم”(7). وقد زعم أحدهم أن المسيح قال هذه العبارات فى أنجيل متى وحده ثلاث عشرة مرة وذلك قبل المرة الأولى التى قال فيها “أبى”. ويكرر قائلاً فى مغالطة واضحة “أنها ثلاث عشرة مرة مقابل مرة واحدة. أى الكفتين أرجح؟”. ولكن المسيح كرر عبارت “أبى” و “الآب” عن علاقته هو بالآب فى أنجيل متى عشرين مرة”(8)، وليست مرة واحدة فقط كما يزعم، كما تكررت فى الأناجيل الثلاثة الأخرى 96 مرة(9)، أى أنها تكررت فى الأناجيل الأربعة حوالى مئة وست عشرة مرة
!!

كما تحدث الكتاب المقدس بعهديه عن ملائكة وبشر دعوا أبناء الله فما حقيقة ذلك؟ وهل بنوة المسيح لله بنوة حقيقية أم بنوة مجازية؟ وهل هى مثل بنوة البشر والمخلوقات أم هى بنوة جوهرية حقيقية؟

أ- أبناء الله فى العهد القديم
:

أستخدم العهد القديم تعبيرات “أبناء الله” و “بنو الله” و “بنى الله” عن الكائنات الروحية فى العالم السمائى، الملائكة. وفى جميعها أستخدم التعبيرات العبرية “بنى ها إيلوهيم” و “بنى إيلوهيم” و “بنى إيلوهيم” والتى تعنى “بنى الآلهة” و “بنو الآلهة” و “المقتدرون”، أى الكائنات السمائية.فإيلوهيم أسم جمع؛ خاصة عندما يتبعه فعل جمع أو ضمير جمع، كما فى هذه التعبيرات، وإيليم هو جمع إيل، والترجمة الحرفية لجميعها هى أبناء الآلهة المقتدرون، الكائنات الروحية السمائية القديرة
.

 C “
وكان ذات يوم أنه جاء بنو الله (بنى ها إيلوهيم) ليمثلوا أمام يهوه”(10).

 C “
وكان ذات يوم أنه جاء بنو الله (بنى إيلوهيم) ليمثلوا أمام يهوه”(11).

 C “
وعندما ترنمت كواكب الصبح معاً وهتف جميع بنى الله (بنى إيلوهيم)”(12).

والفكرة العامة فى العهد القديم هى أن هذه الكائنات الروحية السمائية تكون مجمع عظماء تحت سلطان الله وحكمه وسيادته، بأعتباره القاضى الأعظم فى المجلس السمائى “الله قائم فى المجمع العظيم بين الآلهة (إيلوهيم) يقضى”(13).

ولم يدعوا أبداً أبناء يهوه، كما لم يدعى أحدهم أبداً أبن يهوه، أنما هو كائنات سمائية روحية خاضعة لإرادة الله وسيادته “قدموا للرب (يهوه) يا أبناء الله (بنى إيليم – المقتدرون
– mighty ones)
قدموا للرب (يهوه) مجداً وعزاً”(14).

ب- وخاطب الله داود الملك والنبى وأبنه سليمان الحكيم على أساس سلطتهما الملوكية الممنوحة لهما من الله لحكم شعبه كأبناء الله “أنت أبنى أنا اليوم ولدتك”(15) داود، هو يكون لى أبناً وأنا أكون له أباً”(16) سليمان. وذلك بمعنى مجازى على أساس شرعية الحكم المعطى لهما من الله مباشرة، وعلى أساس الملك الآتى النازل من السماء أبن داود الذى سيجلس على كرسيه إلى الأبد. فقد تم قول الله لداود وسليمان فى الآيتين السابقتين جزئياً، ولكن المقصود بهما فعلاً كان هو النسل الآتى الذى قال عنه الله لداود “مرة حلفت بقدسى أنى لا أكذب لداود. نسله إلى الدهر يكون وكرسيه كالشمس أمامى. مثل القمر يثبت إلى الدهر”(17) والذى تنبأ عنه أشعياء النبى قائلاً “لنمو رياسته وللسلام لا نهاسة على كرسى داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن وإلى الأبد”(18).

هذا الملك الآتى من نسل داود هو، كما تنبأ أشعياء “الإله القدير الآب الأبدى رئيس السلام”(19)، والذى قال عنه الملاك للعذراء مريم “هذا يكون عظيماً وأبن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسى داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية… القدوس المولود (ملك) يدعى أبن الله”(20).

ومن ثم فقد أكد السيد المسيح أنه هو نفسه أبن داود وربه(21) “أصل وذرية داود”(22)، وأكد الرسل بالروح القدس أن البنوة المقصودة فى الآيتين، أعلاه، هى بنوة المسيح لله، يقول الرسول بالروح فى مقارنة بين المسيح، أبن الله، وبين الملائكة “لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت أبنى أنا اليوم ولدتك. وأيضاً أنا أكون له أباً وهو يكون لى أبناً”(23).

ج- ودعى إسرائيل ب “أبنى البكر”(24) و “أفرايم أبن عزيز لدىّ”(25)، كما دعى بنو إسرائيل ب “أولاد الرب”(26)، ووصفت إسرائيل بزرجة الرب(27)، وكذلك وصفت أورشليم”(28)، التى ولدتهم؛ وهكذا كان بإمكانهم دعوة الله “أبونا”(29).

وفى كل الأحوال فقد دعى اسرائيل “ابنى”(30) على اساس أنه الشعب الوحيد فى ذلك الوقت الذى كان يعبد الله الواحد، والذى كان يقوده الله بنفسه “لما كان اسرائيل غلاماً أحببته ومن مصر دعوت ابنى”. ونظراً لعلاقة هذا العشب الله وعبادته له وحده فقد وصفه الله مجازاً بالزوجة المخلصة لزوجها، وعندما كان ينحرف الشعب ويعبد الأوثان كان الله يصفهم بصورة أدبيه مجازيه رمزية، بالزوجة الخائنة(31). وكان الله يؤدبهم كما يؤدب الآب أبنه “فأعلم فى قلبك أنه كما يؤدب الإنسان أبنه قد أدبك الرب إلهك”(32)، “الأبن يكرم أباه والعبد يكرم سيده. فإن كنت أباً فأين كرامتة وإن كنت سيداً فأين هيبتى قال لكم رب الجنود أيها الكهنة المحتقرون أسمى”(33). وكانت هذه الصلة بالله، العلاقة الروحية، تستمر بأستمرار الشعب فى طاعة الله وعبادته وأتباعه وتنتهى بعصيانه وعبادة الأوثان. فالعلاقة التى دعى على أساسها الشعب بأبناء الله، أولاد الرب، ودعى على أساسها أسرائيل بالزوجة والأبن، هى علاقة روحية بين الله وشعبه الذى أحبه ورأفُه والذى كان له عليه حق الطاعة والأستجابة لعنايته الإلهية وعبادته، هذه العلاقة صورت بصورة أدبية مجازية رمزية
.

د- كما دعى القضاه فى العهد القديم بالآلهه “إيلوهيم” بأعتبار أنهم كانوا يمثلون الله، القاضى والديان الأعظم، على الأرض، كانوا يمثلون الله القاضى العادل. لذا قال لهم “أنا قلت أنكم الهه (إيلوهيم) وبنو العلى كلكم”(34).

وفى كل الأحوال السابقة تختلف بنوة هذه المخلوقات ويختلف تلقيبهم بالآلهة عن بنوة المسيح ولاهوته على أساس أن المسيح هو أبن الله الوحيد والواحد مع الآب فى الجوهر وفى كل الكمالات اللاهوتية، فله كل ما للآب من أسماء وألقاب وصفات ويعمل كل أعمال الله وعلى رأسها الخلق وتدبير الكون وحمله. لذا فهو الأعظم، الأعظم من الملائكة بأعتبارهم خليقته التى تسجد له، والأعظم من البسر باعتبارهم أيضاً خلائقه الذين يقدمون له العبادة والسجود
.

 C “
صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث أسماً أفضل منهم… وأيضاً متى أدخل الكر إلى العالم يقول ولتسجد له كل ملائكة الله. وعن الملائكة يقول الصانع ملائكته رياحاً وخدامه لهيب نار. وأما عن الأبن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور”(35).

 C “
لذلك رفعه الله وأعطاه أسماً فوق كل أسم لكى تجثوا بإسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض”(36).

وقد برهن السيد المسيح نفسه على هذا الفارق الذى بينه وبين المخلوقات بقوله “أنا والآب واحد… أجابهم يسوع أليس مكتوباً فى ناموسكم أنا قلت أنكم إلهه. أن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله. ولا يمكن أن ينقض المكتوب. فالذى قدسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له أنك تجدف لأنىقلت أنى أين الله. أن كنت لست أعمل أعمال أبى فلا تؤمنوا بى. ولكن أن كنت أعمل فأن لم تؤمنوا بى فآمنوا بالأعمال لكى تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فى وأنا فيه”(37).

البشر دعوا آلهه لأن كلمة الله قد صارت إليهم أما هو عمن ذات الله ويعمل نفس أعمال الله التى هى برهان لاهوته وهو الواحد مع الآب فلى الجوهر والمساوى له الذى له كل ما للآب من أسماء وألقاب وصفات
.

ب- أبناء الله فى العهد الجديد
:

يدعى كل البشر فى العهد الجديد أبناء الله على أساس أن الكل خليقته “لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد… لأننا أيضاً ذرية الله”(38)، “أليس آب واحد لكلنا. إله واحد خلقنا”(39)، وعلى هذا الأساس دعى “آدم أبن الله”(40). ويدعى الأبرار بصفة خاصة “أبناء الله”، “أحبوا أعدائكم” وأحسنوا وأقرضوا وأنتم لا ترجون شيئاً فيكون أجركم عظيماً وتكونوا بنى العلى”(41)، “طوبى لصانعى السلام لأنهم أبناء الله يدعون”(42).

ويدعى المؤمنون بالمسيح أولاد الله “أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أى المؤمنون بأسمه”(43). المسيح نفسه هو الذى منحهم هذا اللقب، فهو الذى جاء بهم إلى الله الآب وقدسهم بدمه ودعاهم أخوه له “الذى من أجله الكل وبه الكل وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام.؟ لأن المقدس والمقدسين جميعهم من واحد فلهذا لا يستحى أن يدعوهم أخوه”(44)، فهو المقدس الذى قدسهم وهم المقدسين بدمه، ومن ثم دعاهم أخوه، أصبحوا أبناء الله لأن المسيح ابن الله دعاهم أخوه له، فقد نزل من السماء وأقتداهم ووهبهم هبة التبنى “ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله أبنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس ليفتدى الذين تحت الناموس لننال التبنى. ثم بما أنكم أبناء الله روح أبنه إلى قلوبكم صارخاً يا أبا الآب. اذ لست بعد عبداً بل أبناً ووارث مع المسيح”(45). نال المؤمنون روح التبنى بالمسيح “روح التبنى الذى نصرخ به يا اب الآب. الروح نفسه يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله. فأن كنا أولاداً فأننا ورثة أيضاً الله ووارثون مع المسيح”(46).

ويدعى المؤمنون أيضاً بأبناء الله الحى لأنهم خلقوا على صورة ابن الله، المسيح، هو صورة الله الذاتية، صورة جوهره، وهم خلقوا على شبه صورته “لأن الذى سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة أبنه ليكون هو بكر بين أخوة كثيرين”(47). صاروا على شبه صورة ابن الله بالخليقة الجديدة. وعلى هذا الأساس يخاطبون الله فى الصلاة “أبانا” ويقول لهم المسيح عن الله “أبوكم”، “أباكم”، “أبيكم” و “أبى وأبيكم”، “لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع”(48).

وهذه البنوة التى لأبناء الله بالمسيح تتم بصورة أخروية بالمجىء الثانى والقيامة من الأموات “لأن أنتظار الخليقة يتوقع أستعلان أبناء الله”(49)، حيث يصير أبناء الله بالقيامة، كما يقول المسيح، كائنات روحية مثل الملائكة لن ترى الموت والفساد “الذين حسبوا أهلاً للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الأموات لا يُزوجون ولا يتزوجون. اذ لا يستطيعون أن يموتوا أيضاً لأنهم مثل الملائكة وهم أبناء الله إذ هم أبناء القيامة”(50).

دعى المؤمنون أبناء الله بالتبنى بدم المسيح ولأن المسيح نفسه هو الذى قدسهم ومنحهم السلطان أن يصيروا أولاد الله. أما المسيح قهو الواحد مع الآب فى الجوهر والذى فى الآب والآب فيه. وقد ميز القديس يوحنا، لغوياً بين المسيح كالأبن الوحيد الذى من ذات الله وفى ذات الله وأحتفظ له بلقب “الأبن
– huios”
لكونه الأبن الحقيقى والوحيد، وبين “أولاد الله

،
“tekna Theou”(51)
، مستخدماً كلمة
“tekna”
بمعنى “أطفال” جمع
“tekenon”
أى طفل
.

ج- بنوة المسيح لله – لاهوته
:

دعى الرب يسوع المسيح، كلمة الله الذى كان عند الله وهو الله، ب “أبن الله

،
“huios Theou”
بالمعنى الحقيقى والكامل للإلوهية، اللاهوت، كأبن الله الذى هو كلمة الله وهو الله، اللله ناطقاً، الله معلناً، صورة الله غير المنظور. فهو الواحد مع الآب والمساوى له فى الجوهر والذى من نفس طبيعته وجوهره. وقد لقب نفسه ولقبه القديس يوحنا بالروح القدس ب “وحيد من الآب”، “الأبن الوحيد الذى فى حضن الآب”، “أبنه الوحيد”، “أبن الله الوحيد
“:

 C
هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوجيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه لم يرسل الله أبنه ليدين العالم بل ليخلص به العالم. الذى يؤمن له لا يدان والذى لا يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن بأسم ابن الله الوحيد”(52).

 C “
فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله… والكلمة صار جسداً وجل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقاً… الله لم يره أحد قط الأبن الوحيد الذى فى حضن الآب هو أخبر عنه”(53).

 C “
بهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل أبنه الوحيد إلى العالم لكى نحيا به”(54).

وكلمة “وحيد” فى هذه الآيات هى فى اليونانية “مونوجينيس
– monogene’s”
، وتعنى حرفياً؛ واحد فى النوع، واحد فقط، فريد(55)، وتركز على حقيقة أن المسيح، كلمة الله، هو الإبن الوحيد لله، والذى لا يوجد ابن الله غيره أو سواه أو مثله، لا يوجد أبن لله فى نوعه ونفرده كالأبن من الآب ومن طبيعته وجوهره. هو وحده الذى من ذات الله الآب ومن طبيعته وجوهره والمساوى له فى كل ماله. هو وحده صورة الله، صورة طبق الأصل، والملن له، كلمة الله، الله ناطقاً
.

كما تركز هذه الكلمة “الوحيد” على الكيان الشخصى لكلمة الله، المسيح، بأعتباره كلمة الله وصورته وأشعاع مجده ورسم جوهره، فهو أبن الله الوحيد، الفريد والمتفرد، الذى هنو الله ناطقاً الله ذاته معلناً
.

ويعبر لنا الوحى الإلهى عن اللاقة الذابنة الفريدة بين الآب والأبن فى آيتين “كما لوحيد من الآب” و “الأبن الوحيد الذى هو فى حضن الآب
“:

1-
تعبر الأولى “وحيد من الآب
– monoenous Para Patros”
عن وحدة الأبن مع الآب فى الجوهر، اذ أن قوله “من الآب” يميز الابن الوحيد تمييزاً مطلقاً عن الخلائق لأنه “مع الآب”، من ذات جوهره وطبيعته وفى ذاته. أنه أبن الله الوحيد الذى من ذاته وفى ذاته، الواحد مع الآب والمساوى له فى الجوهر. هو الأبن الوحيد الذى كان
– en”
فى البدء مع الله الآب بلا بداية، والذى كان هو الله
.

2-
والآية الثانية “الأبن الوحيد الذى هو فى حضن الآب”، والعبارة الأخيرة حرفياً “الكائن فى حضن الآب
– ho on eis ton Kolpon Tou Theou”
، وتعنى الموجود مع الآب، “وكان الكلمة عند الله”، بلا زمن، بلا بداية ولا نهاية، كما تعبر عن العلاقة الأبدية بين الآب والأبن فى الذات الإلهية، ويعبر حرف الجر “فى
– eis”
عن حقيقة الوجود الأزلى الأبدى للأبن مع الآب وعودته لمجد الله الآب بعد التجسد، فهو يعطى فى قوله “فى حضن الآب” معنى “الذى دخل فى وهو هناك
“.

وهذه الآية تقدم الوصف المطلق لطبيعة الأبن الإلهية والوجود الأبدى مع الآب بلا بداية ولا نهاية. وقد جاءت عبارة “الأبن الوحيد” فى هذه الآية فى أقدم المخطوطات وأدقها(56
) “monogenes Theos –
الإله الوحيد
– God the One and Only”
وترجمت هكذا فى أحدث الترجمات العالمية(57). مؤكدة أن الأبن الوحيد هو “الإله الوحيد الكائن فى حضن الآب”.، فهو إله من إله، نور من نور، كلمة الله، صورة الله، بهاء مجد الله والصورة الدقيقة لجوهره، ابن الله، الله ناطقاً، الله معلناً
.

وقد أكد المسيح، ابن الله، على حقيقة مساواته لله الآب وكونه إله، الإله، بأقوال كثيرة مقدماً الدليل والبرهان على صحة أقواله
:

 C “
فأجابهم يسوع أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل. فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه. لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أن الله أبوه مساوياً نفسه بالله”(58) وكانت أجابته لهم أنه كإبن الله يعمل جميع أعمال أبيه، الله “لأنه مهما عمل ذلك فهذا يعمله الأبن كذلك لأن الآب يحل الأبن ويريهجميع ما هو يعمله… لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحى كذلك الآبن أيضاً يحى من يشاء. لأن الآب لا يدين أحد بل قد أعطى كل الدينونة للابن. لكى يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب
.

من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذى أرسله… لأنه كما أن الآب له حياه فى ذاته كذلك أعطى الابن أيضاً أن تكون له حياه فى ذاته… فأنه تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين فى القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحساة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة”(59).

وفى هذه الآيات يؤكد المساواة الكاملة بين الآب والأبن، فهو يعمل جميع أعمال الله مهما كانت اذ يقيم الموتى ويحيى من يشاء، ويحيى الموتى الذين فى القبور يوم الدينونة ويدين كل البشرية كل واحد بحسب أعماله(60)، وهو الذى له الحياة فى ذاته، والذى له كرامة متساوية مع الله الآب وهو يؤكد على أنه الخالق المستمر فى عمله الخلاق الذى هو عمل الآب، اذ أنه هو كلمة الله الخالق والمنفذ للارادة الإلهية، والمعلن للذات الإلهية والطبيعة الإلهية. أنه الخالق خلق الكون وما يزال مستمر فى تجديد الخليقة، هو الحى، الذى فيه الحياة ومعطى الحياة الأبدية. ابن الله الواحد مع الآب والمساوى له فى الجوهر، والواحد معه فى الارادة والمساوى له فى الكرامة
.

 C “
أنا والآب واحد. فتناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه… قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف. فأنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً… أن كنت لست أعمل أعمال أبى فلا تؤمنوا بى. ولكن أن كنت أعمل فأن لم تؤمنوا بى فآمنوا بالأعمال لكى تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فى وأنا فيه”(61).

وقوله “أنا والآب واحد” هنا يعبر عن وحدة الآب والأبن الجوهرية بأستخدام الذات الإلهية، وحدة ومساواة فى الجوهر والطبيعة. ويعبر عن هذه الوحدة الجوهرية بأستخدام كلمة “واحد
– hen”
وهى ضمير حيادى
(neuter)
، ليس مذكر ولا مؤنث، ليؤكد على الوحدة فى الجوهر والطبيعة، وليس مجرد وحدة فى الأرادة والقوة، وبالتالى يؤكد المساواة الكاملة والتامة فى الذات الإلهية. وقد أدرك اليهود على الفور أنه يقصد المساواة الكاملة مع الله، كما أدركوا ذلك فى قوله السابق وقالوا “قال أيضاً أن الله أبوه معادلاً (مساوياً) نفسه بالله”، وقالوا هنا “لأنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً”. فلا يساوى الله إلا الله وبالتالى بكون هو إلهاً، الإله المساوى للآله والحد معه فى الجوهر. لذلك طلبوا فى المرة الأولى “أن يقتلوه” وفى الثانية تناولوا “حجارة لكى يرجموه” بتهمة التجديف. ولكن المسيح، أبن الله، برهن لهم على حقيقة كونه ابن الله المساوى لله والواحد مع الآب فى الجوهر بأعمخاله الإلهية التى هى أعمال الله “أن كنت أعمل فأن لم تؤمنوا بى فآمنوا بالأعمال لكى تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فى وأنا فيه”(62).

يقول المسيح، كلمة الله، ابن الله، تأكيداً للوحدة والمساواة فى الذت الإلهية بين الآب والأبن “كل ما للآب هو لى”(63)، “أنا أعرفه لأنى منه”(64)، “خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم وأيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب”(65)، ويخاطب الآب بقوله “أنى خرجت من عندك… كل ما هو لى فهو لك. وما هو لك فهو لى… أنت أيها الآب فى وأنا فيك… أننا نحن واحد”(66). وهذه المساواة أكدها القديس بولس بالروح القدس، كما بينا، فى قوله “الذى اذ كان فى صورة اله لم يحسب ماساواته لله أختلاساً”(67). أنه الذى من الآب وفى الآب والواحد معه فى الجوهر والمساوى له فى الجوهر والطبيعة، فهو كلمة الله الذى كان عند الله وكان هو الله، صورة الله غير المنظور، بهاء مجده، إشعاع مجده، ورسم جوهره، الابن الوحيد الذى فى حضن الآب هو أخبر عنه، ابن الله، صورة الله، اشعاع مجده، صورة جوهره، الله ناطقاً، الله معلناً
.

د- المسيح ابن الله فى الإنجيل بأوجهه الأربعة
:

يتصور البعض أن المسيح لم يتكلم عن نفسه كإبن الله المساوى لله الآب والواحد معه فى الجوهر، بصورة كافية، وأن كتاب الانجيل الأربعة لم يذكروا ذلك بما يكفى. ولكن الواقع غير ذلك تماماً، فقج ركز كل واحد من الإنجيلين الأربعة على جانب معين من جوانب السيد المسيح دون أن يغفل أبداً حقيقة لاهوته وكونه ابن الله المساوى للآب والواحد معه فى الجوهر
.

أولاً: الأناجيل الثلاثة الأولى
:

نقل القديس متى الأقوال التالية للمسيح وشاركه القديس لوقا فى القولين الثانى والثالث
:

 C “
دفع إلى كل سلطان فى السماء وعلى الأرض. فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم بأسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى أنقضاء الدهر”(68).

 C “
كل شىء قد دفع إلى من أبى. وليس أحد يعرف الأبن إلا الآب. ولا أحد يعرف الآب إلا الابن. ومن أراد الابن أن يعلن له”(69).

 C “
فأجاب رئيس الكهنة وقال له أستحلفك بالله الحى أن تقول لنا هل أنت المسيح أبن الله. قال له يسوع أنت قلت. وأيضاً أقول لكم: من الأن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة “عن يمين قوة الله”(70) “وآتياً على سحاب السماء”(71)، “فمزق رئيس الكهنة ثيابه قائلاً قد جدف… ها قد سمعتم تجديفه”(72).

وأبتدأ القديس مرقس الانجيل الثالث بقوله “بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله”(73)، وختمه بجلوس الابن عن يمين أبيه ووجوده فى نفس الوقت مع تلاميذه يعمل معهم وبهم ومن خلالهم “ثم أن الرب بعدما كلمهم أرتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله. وأما هم فخرجوا وكرزوا فى كل مكان والرب يعمل معهم ويثبت الكلام بالآيات التابعة”(74).

وفى هذه الآيات، أعلاه، يؤكد المسيح، ابن الله، على مساواته المطلقة مع الآب والروح القدس، ووحدة الذات الإلهية فى قوله “وعمدوهم بأسم” وليس “بأسماء”، كما يؤكد وحدته مع الآب ومساواته له وتميزه عن المخلوقات بإعلانه أنه لا أحد يعرق حقيقة الابن فى جوهره، إلا الآب، “ليس أحد يعرق الابن إلا الآب” لأنه من جوهره، وهو وحده الذى يعرف الآب ويعلنه كقوله “أنا أعرفه لأنى منه”. وكلمة “يعرف
– epiginoskei”
هنا، هى فعل مركب ويمكن أن يترجم حرفياً “يعرف معرفة كاملة
– Fully Knows”
، ويشرح المعرفة الكاملة التى لا يمكن أن تكون لغير الله، كما يعنى المعرفة الكلية التى لأبن الله، كل المعرفة الإلهية. هو وحده الذى يعرف الآب، والآب فقط هو الذى يعرف الابن، وبالتالى فمعرفة الآب تؤدى لمعرفة الابن، ومعرفة الابن تؤدى لمعرفة الآب، وهذا ما عبر عنه بقوله “لو كنتم عرفتمونى لعرفتم أبى أيضاً”(75).

ولأنه ابن الله الذى هو الله متكلماً، الله معلناً، الواحد مع الآب، فهو الذى له السلطان على كل الخليقة فى السماء والأرض، له السلطان والسيادة وله المعرفة الكلية. وهو أبن الله الموجود فى السماء والجالس على عرش الله، عن يمين الله، والموجود مع تلاميذه ورسله على الأرض فى آن واحد. هو ابن الله الجالس عن يمين القوة والذى سيأتى على السحاب
.

وقد مزق رئيس الكهنة ثيابه عند سماعه أعلان ابن الله هذا معتقداص أنه يجدف لأنه يعلن أنه الله الجالس عن يمين الله والمساوى له
.

وتنقل الأناجيل الثلاثة إعلان الآب من السماء عن كون المسيح هو “ابن الله الحبيب” وذلك فى حادثتى العماد والتجلى؛ فلما أعتمد يسوع صعد للوقت من الماء. واذ السموات قد أنفتحت له فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه وصوت من السماء قائلاً “هذا هو أبنى الحبيب الذى به سررت”(76)، أو كما نقلها القديسان مرقس ولوقا “أنت أبنى الحبيب الذى به سررت”(77). وفى حادثة التجلى تكرر نفس الأعلان السمائى “هذا هو أبنى الحبيب الذى به سررت”(78).

وأرتبط هذا الأعلان السمائى فى الحادثة الأولى بأنفتاح السماء ونزول الروح القدس بهيئة جسمية عليه، وإعلان يوحنا المعمدان أنه غير مستحق أن يحل سيور حذاء المسيح أو يحمل حذاءه(79). وفى الثانية، التجلى، يعلن السيد المسيح عن شىء من مجده ولاهوته فقد “تغيرت هيئته قدامهم (تلاميذه) وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور”(80)، “صارت هيئة وجهه متغيرة”(81)، “وصارت ثيابه بيضاء كالثلج”(82). هذه الظاهر الإلهية جعلت يوحنا المعمدان يقول عنه “وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله”(83)، وجعلت التلاميذ الثلاثة الذين هذا التجلى الإلهى يسقطون على وجوههم وخافوا جداً”(84) و “كانوا مرتعبين”(85)، صاروا فى غيبوبة روحية لما شاهدوه
.

وينقل القديس متى أعتراف بطرس الرسول “أنت المسيح أبن الله الحى”(86)، هذا الأعتراف السمائى عن الأبن من خلال القديس بطرس “طوبى لك يا سمعان بن يونا. أن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبى الذى فى السموات”(87)، وهذا تأكيد لما سبق أن قاله الرب “ليس أحد يعرف الأبن إلا الآب”. أعلنت بنوة المسيح لله من الآب مباشرة لأنه لا أحد يعرف حقيقة الابن فى جوهره كإبن الله، سوى الآب ذاته، لأن الآب والأبن واحد
.

وهناك الكثير من الآيات فى الأناجيل الثلاثة التى تعلن أن المسيح هو أبن الله(88).

ثانياً: الانجيل للقديس يوحنا
:

ركز الانجيل للقديس يوحنا بدرجة كبيرة على تأكيد لاهوت المسيح وكونه الابن الوحيد الذى هو الإله الوحيد الذى فى حصن الآب والواحد معه والمساوى له فى الجوهر. وقد بدأ الإنجيل بإعلان أزلية الأبن، كلمة الله، ووحدته مع الآب وكونه الخالق لكل شىء وكونه مصدر الحياة ونبعها “فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان فى البدء عند الله كل شىء به كان وبغيره لم يكن شىء مما كان فيه كانت الحياة”(89)، ثم يعلن عن تجسد الكلمة، أبن الله، وينقل الكثير من أقوال المسيح عن كونه الأبن المساوى للآب والواحد معه فى الجوهر والذى من ذات الآب، والذى له كل ما للآب. كما ينقل أعترافات التلاميذ كنثنائيل ومرثا وغيرهم عن كون المسيح “ابن الله”(90)، ويؤكد على حقيقة التهمة التى صلب بسببها المسيح وهو قوله وإعلانه أنه “ابن الله”(91). ويختم انجيله بقوله بالروح القدس “وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكى تكون لكم اذا آمنتم حياة بأسمه”(92).

 

 

(1) متى 9: 6.

(2) متى 6: 5.

(3) متى 1: 6.

(4) متى 26: 6.

(5) متى 6: 6.

(6) متى 6: 6.

(7) يو 17: 20.

(8) متى 21: 7؛32: 10؛25: 11،26،27؛50: 12؛13: 15؛17: 16،27؛10: 18،19، 35؛23: 20؛ 31: 21؛36: 24؛34: 25؛29: 26،39،42،53؛19: 28.

(9) أنظر مر 38: 8؛32: 13؛36: 14؛ لو 49: 2؛26: 9؛31: 10؛ يو 16: 2؛27: 6،32… الخ.

(10) اى 6: 1.

(11) اى 1: 2.

(12) اى 7: 38.

(13) مز 1: 82.

(14) مز 1: 29.

(15) مز 7: 2.

(16) 2صم 13: 17.

(17) مز 35: 89-37.

(18) اش 7: 9.

(19) اش 6: 9.

(20) لو 31: 1-35.

(21) متى 43: 22،44.

(22) رؤ 16: 22.

(23) عب 5: 1 (أنظر أع 33: 13؛عب 5: 5).

(24) حز 22: 4.

(25) ار 20: 31.

(26) تث 1: 14.

(27) هو 4: 2.

(28) حز 20: 16.

(29) اش 16: 63.

(30) هو 1: 11.

(31) هو ص 2.

(32) تث 5: 8.

(33) ملا 6: 1.

(34) مز 6: 82.

(35) عب 4: 1-6.

(36) فى 10: 2.

(37) يو 33: 10-38.

(38) أع 28: 17.

(39) ملا 10: 2.

(40) لو 38: 3.

(41) لو 35: 6.

(42) متى 9: 5.

(43) يو 12: 1.

(44) عب 10: 2،11.

(45) غل 4: 4-6.

(46) رو 15: 8-17.

(47) رو 29: 8.

(48) غل 26: 3.

(49) رو 19: 8.

(50) لو 35: 20،36.

(51) يو 12: 1؛52: 11؛ 1يو 1: 3.

(52) يو 16: 3-18.

(53) يو 1: 1،14.

(54) 1يو 9: 4.

(55) وردت كلمة مونوجينيس أربع مرات لغير المسيح عن ابن وحيد لأمه (لو 2: 7) وبنت وحيده لأبيها (لو 42: 8) وأبن وحيد لأبيه (لو 38: 9)، واسحق كوحيد أبيه من زوجته الشرعية سارة (عب 17: 11).

(56)
Geek NT
.

(57) الترجمة الدولية الحديثة.

(58) يو 17: 5،18.

(59) يو 19: 5-29.

(60) رو 6: 2.

(61) يو 30: 10-38.

(62) يو 38: 10.

(63) يو 15: 16.

(64) يو 29: 7.

(65) يو 28: 16.

(66) يو 8: 17،10،20-22.

(67) فى 5: 2.

(68) متى 18: 28-20.

(69) متى 27: 11؛ لو 22: 10.

(70) لو 69: 22.

(71) متى 63: 26،64.

(72) متى 65: 26.

(73) مر 1: 1.

(74) مر 19: 16،20.

(75) يو 19: 8.

(76) متى 16: 3،17.

(77) مر 11: 1؛ لو 22: 3.

(78) متى 5: 17؛ مر 7: 9؛ لو 35: 9.

(79) متى 11: 3؛ مر 7: 1؛ لو 16: 3.

(80) متى 2: 17.

(81) لو 29: 9.

(82) مر 3: 9.

(83) يو 34: 1.

(84) متى 6: 17.

(85) مر 6: 9.

(86) متى 16: 16.

(87) متى 17: 16.

(88) أنظر متى 3: 4؛29: 8؛24: 14-32؛ مر 11: 3؛ لو 9: 4،41.

(89) يو 1: 1-4.

(90) يو 49: 1؛27: 11.

(91) يو 7: 19.

(92) يو 31: 20.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي