رب المجد


عبد الفادي القاهرانى


1923


الفهرس


0      مقدمة


1      حقائق تمهيدية


2      لاهوت المسيح في العهد القديم أسفار التوراة والتاريخية


3      في إشارات ورموز ونبوات الأسفار الشعرية


4      في نبوات اشعياء وإتمامها والتعليق عليها بيان تمهيدي لا بد منه


5      تمام نبوات الأنبياء الآخرين والتعليق عليها


6      البشائر الثلاث الأولى وأعمال الرسل


7      بشارة يوحنا مع رسائله ورؤياه


8      الرسائل البولسية والبطرسية


9      بحث في معنى البنوّة


10    في نسبة جميع الألقاب الإلهية إلى المسيح كدليل على صفاته ومقامه


11    فى نسب الصفات والأعمال الإلهية إلى الآب والإبن على السواء


12    بحث في التجسد والولادة من عذراء


13    بحث في القيامة والصعود وعلاقتهما بإثبات لاهوت المسيح


14    وإلاّ.. أي لو لم يكن المسيح هو الله

 


مقدمة:

دعاء

اللهم الحميد المجيد، لا اله إلا أنت المبدىءُ المعيد، المنشئ المبيد لا بداية لأيامك، ولا نهاية لأحكامك. أنت أنت لا تتغير في وجودك، وحكمتك، وقدرتك، وقداستك، وعدلك، وجودتك، وحقك.

من يصعد إلى مقدسك؟ ومن يتجاسر أن يصف جوهرك وكنهك؟ أنت المحيط فمن يحيط بك؟ أنت العليم فمن يعلم بك؟ أنت السميع فمن يسمع صوتك؟ أنت البصير فمن يبصرك، ما رآك أحد. وليس لك مثيلا أحد. فكيف السبيل إلى معرفتك؟ نعم: كنت كنزاً مخفياً لم تعرف وأحببت أن تعرف، فخلقتنا خلقاً وتعرّفت إلينا فبك عرفناك. ولولاك لجهلناك، ولقد أظهرت نفسك لنا بمظهر بارئ المبروءات. فسبحانك يا فاطر السموات. ثم أرسلت إلينا كلمتك فشكرناك يا فادي النسمات، ونفخت في تلاميذك من روحك يا حافظ الكائنات، إلا أنك لم تتغير في وجودك، وقدرتك وجودك.

فاسمع اللهم نداءنا، واستجب يا رب دعاءنا، وانعم علينا بروحك المنير لينير عقولنا، وليزد لنا إيماننا، انك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، آمين اللهم آمين.

 

بسم الله الحقيقي الحي الناطق

فاتحة الكتاب

الحمد لله الواحد الأحد الحكيم، الأزلي القديم، الخالق الكريم والرحمن الرحيم، الذي له الملك وهو بكل شيء عليم. وبعد

فانه لا يخفى على محبي اقتناء الكتب العلمية والتاريخية والدينية القيّمة أننا قد أصدرنا في الماضي القريب سيرة حياة القديس الرسولي مار اثناسيوس بابا الإسكندرية والبطريرك العشرين، وأسمينا هذه السيرة “حامي الإيمان” وأننا أشرنا في خلال سطوره إلى الحقيقة الكبرى التي أقرّ بها الإيمان الخاص والعام، ألا وهي أن أثناسيوس أتى في أثناء محاماته عن الإيمان الصحيح، على كل برهان قوي وصريح، فأغلق بقوة بيانه، وصدق إيمانه، أبواب المناقشة في لاهوت سيدنا يسوع المسيح، ورفع الله به منار الإيمان، وجعل حقيقة اللاهوت ظاهرة للعيان. إلا أن ذاتية المسيح كانت وما زالت موضوع بحث من ذلك العهد إلى الآن، لان المسيحية هي شخصية المسيح بمعنى انه لا مسيحية إلا في الاعتقاد بذاتية المسيح. فان كان الاعتقاد فاسداً كانت مسيحية ذلك المعتقد فاسدة. وإذا كان الاعتقاد بذاتية المسيح صحيحاً كانت مسيحية ذلك المعتقد صحيحة. فهذا هو معنى قولي أن المسيحية ما هي إلا شخص المسيح.

ولقد قام في أيامنا الأخيرة قوم متحذلقون من المصطبغين بألوان الفلسفة العصرية وتنازلوا فعبّروا عن معتقداتهم بقولهم انهم قد عزموا على التمسك بألوهية المسيح وان أنكروا لاهوته فأقاموا بقولهم هذا جمهور المسيحيين المخلصين الأمناء الذين زاد الله إيمانهم الديني عن تهذيبهم العلمي وأقعدوهم فصاروا يبحثون ويتباحثون، ويسألون ويتساءلون: هل يوجد فرق بين الألوهية واللاهوت؟ ولذلك فقد أجبناهم بأنه يوجد فرق كبير جداً بين الألوهية واللاهوت، وضربنا لهم الأمثال لعلّهم يتذكّرون.

أن من يسير سيراً حميداً ويسلك سلوكاً حسناً ويحيا حية مقدسة طيبة من الناس نقول عنه انه “قديس” ولكن لا يجوز أن نقول انه ” قدّوس” لان القديس هو من اكتسب القداسة بنعمة الله، ولان القدوس هو معدن القداسة ومانحها منذ الأزل والى الأبد. فالقديس مخلوق ضعيف وأما القدوس فهو الخالق القوي – وعلى هذا القياس فان الفرق كبير بين الألوهية واللاهوت كما بين القديس والقدوس. فالألوهية هي الشيء الإلهي فقط وأما اللاهوت فهو الله. وحاشا أن يكون الإلهي هو الله. وعلى هذا فألوهيتي هي صلتي بالله لكوني إنساناً مؤمنا. ولا يجوز لي أن أقول ” لاهوتي ” لان هذا القول خاص بالله. فإذا علمتم هذا فقد علمتم قيمة زيغ أولئك الذي انتفخوا بروح الفلسفة العصرية، ذلك الزيغ الذي صبغوه بطلاء الألفاظ التي توهم الإيمان حال كونها بعيدة عن الحقيقة.

أن أهم غرض من نشر هذا الكتاب ” رَبّ الْمَجْد ” إنما هو أن نعلم بني جنسنا ما هو معنى ” لاهوت المسيح ” وكيف نقول بذلك اللاهوت الكريم وما هي براهيننا التي نستند إليها عند اصطدامنا مع أولئك المقاومين.

ان أهم غرض من نشر هذا الكتاب (رَبّ الْمَجْد) انما هو ان نعلم بني جنسنا ما هو معنى (لاهوت المسيح) وكيف نقول بذلك الاهوت الكريم وما هي براهيننا التي نستند غليها عند اصطدامنا مع أولئك المقاومين

في أثناء السنة الماضية (سنة 1922 م) أدرجت سلسلة مقالات في مجلتي (الريد المصري) تحت عنوان (هل من دليل على أن يسوع هو الله؟) وأبنا فيها اننا لا نعتقد بألوهية المسيح لان المسيح ليس منسوباً إلى الله فقط بل كما قلنا انه هو الله الذي كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق مختلفة ثم كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه المسيح يسوع – أي انه هو الله الذي تجسّد لخلاصنا.

ولقد استنتجنا من الكتاب المقدس أن الله سبحانه وتعالى لم يظهر في كل الأجيال بمظهر واحد لان كل اقنوم من الاقانيم اللاهوتية الثلاثة يمتاز اسماً ورتبة وعملا إلا أن الاقانيم الثلاثة واحد في الجوهر، فالمظاهر متنوعة وأقانيم الله ثلاثة ولكن ذاته تعالى واحد وجوهره واحد لا اكثر. هذا مع العلم أن غرضنا في هذا المؤلف ليس استيعاب البحث في ماهية الثالوث الأقدس – (وإن كان الغرض ليس البحث في الثالوث الأقدس إلا أن البحث في بنوة المسيح والثالوث وما يتعلق بهما يأتي صدفة في سياق الكلام لتثبيت حقيقته. وحينئذ يكون الكلام فيه طريقاً مؤدياً إلى غاية وهذه الغاية هي إقامة الدليل على أن المسح هو الله.) _ بل الاقتصار على إقامة أنواع الأدلة على أن يسوع هو الله. ولربما يقول القارئ اللبيب: ” هاتوا برهانكم أن كنتم صادقين ” فها نحن نقول له: لبيك لبيك أنا مستعدون أتم استعداد لتقديم براهيننا، لا برهاننا فقط.

وها نحن نتحف القراء الكرام بكلامنا عن الأساس التمهيدي للبحث والمباحثات أي المقدمات التي بدونها لا يمكن أن نصل إلى نتيجة ما. ثم أخذنا كتاب العهد القديم وبحثنا في التلميحات والتصريحات والنبوات سفراً فسفراً من التكوين إلى آخر الأنبياء وعلقنا على كل نص بما يعزّز وجهة نظرنا ويقيم البراهين المقنعة التي طالما تعطشت إليها نفوس الباحثين، ثم اننا وضعنا عدداً من الأبواب المفيدة القوية الحجة التي لها مساس جوهري بالموضوع الأصلي أوضحنا فيها معنى البنوة وعلاقة عصمة المسيح بتجسده من العذراء. وكذلك بحثنا في القيامة والصعود بصفة كونهما برهاناً قاطعاً على لاهوت المسيح.

ومما يجب لفت النظر إليه أن هذا الكتاب مفيد لكل قارئ من كل طائفة ومن كل مذهب ومن كل دين لان غرضنا الأول إنما هو تمجيد الله بإعلان لاهوت الفادي المجيد.

(الاستاذ عبد الفادي القاهراني، والقس جبري تاوضروس والشيخ اسكندر عبد المسيح الباجوري الذين قاموا باعمال البحث والجمع والترجمة والتأليف وقد استعانوا بكتب كثيرة من التراث المسيحي الكتابي وقام بالمراجعة القس عبد الشهيد حنا والقس تادرس حنا 1923

وتمت مراجعته من جديد من قبل خادم المسيح الأخ جوزيف سلوم 2003

وغرضنا هو تمجيد الله بإعلان لاهوت الفادي المجيد أمام كل بشر ودين ومذهب وبدعة

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي