2- التسليم الرسوليّ للإيمان المسلَّم مرَّة للقدِّيسين

 

آمن الآباء الرسوليُّون، تلاميذ الرسل وخلفاؤهم، ومن بعدهم تلاميذهم وأيضًا خلفاؤهم الذين لُقِّبوا بآباء الكنيسة، خاصَّة المدافعين عن الإيمان القويم (الأرثوذكسي) والعقيدة المسلَّمة مرَّة، بنفس ما آمن به وسلَّمه لهم الرسل، سواء من خلال الكلمة المكتوبة بالروح القدس، العهد الجديد إلي جانب العهد القديم، أو ما سلَّموه لهم شفاهةً، أيّ بالتقليد المسلَّم مرّضة للقدِّيسين كما يقول القدِّيس يهوذا أخو يعقوب بن حلفي بالروح القدس “
الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ
” (
يه3
)، والذي سلَّمه الرسل لتلاميذهم وخلفائهم بكلِّ دقةٍ وأمانةٍ.


 فقد كان تلاميذ المسيح ورسله يسلِّمون الإيمان المسيحيّ لتلاميذهم بكلِّ حرصٍ وأمانةٍ وبكلِّ دقّةٍ، بالروح القدس، ويطلبوا من هؤلاء التلاميذ أنْ يعلِّموا هم أيضًا ويسلِّموا ما تعلَّموه وتسلَّموه لأناسٍ آخرين، أمناء ولهم الكفاءة لتسليمه لآخرين:





يقول القدِّيس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس بالروح “

وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاساً أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضاً
” (
2تي2/2
)، ويحذِّره من الفكر الهرطوقيّ الذي “
يُقَاوِمُ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، حَسَبَ إِنْجِيلِ مَجْدِ اللهِ الْمُبَارَكِ الَّذِي اؤْتُمِنْتُ أَنَا عَلَيْهِ
” (
1تي1/10-11
)، ويقول له “
إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيماً آخَرَ، وَلاَ يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الصَّحِيحَةَ، وَالتَّعْلِيمَ الَّذِي هُوَ حَسَبَ التَّقْوَى فَقَدْ تَصَلَّفَ
” (
1تي6/3-4
)، “
لأَنَّهُ سَيَكُونُ وَقْتٌ لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ الْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ
(يَقُولُونَ لَهُمْ كَلاَماً يُدَاعِبُ الآذَانَ) ” (
2تي 4/3
). ويقول له أيضًا، مشدِّدًا “
يَا تِيمُوثَاوُسُ، احْفَظِ الْوَدِيعَةَ، مُعْرِضاً عَنِ الْكَلاَمِ الْبَاطِلِ الدَّنِسِ، وَمُخَالَفَاتِ الْعِلْمِ الْكَاذِبِ الاِسْمِ
” (
1تي6/20
)، ” اِحْفَظِ الْوَدِيعَةَ الصَّالِحَةَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ السَّاكِنِ فِينَا. ” (
2تي 1/14
).




ويقول لأهل كورنثوس: “
فَأَمْدَحُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ عَلَى أَنَّكُمْ تَذْكُرُونَنِي فِي كُلِّ شَيْءٍ وَتَحْفَظُونَ التَّعَالِيمَ كَمَا سَلَّمْتُهَا إِلَيْكُمْ
” (
1كو11/2
).




ويقول لأهل فيلبي: “
وَمَا تَعَلَّمْتُمُوهُ، وَتَسَلَّمْتُمُوهُ، وَسَمِعْتُمُوهُ، وَرَأَيْتُمُوهُ فِيَّ، فَهَذَا افْعَلُوا، وَإِلَهُ السَّلاَمِ يَكُونُ مَعَكُمْ
” (في4/9).




ويقول لتلميذه تيطس أنَّه يجب أنْ يكون الأسقف “
مُلاَزِماً لِلْكَلِمَةِ الصَّادِقَةِ الَّتِي بِحَسَبِ التَّعْلِيمِ، لِكَيْ يَكُونَ قَادِراً أَنْ يَعِظَ بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ وَيُوَبِّخَ الْمُنَاقِضِينَ
“(
تي1/9
). ويقول له “
وَأَمَّا أَنْتَ فَتَكَلَّمْ بِمَا يَلِيقُ بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ
” (
تي2/1
). ثمَّ يُحذِّره من الهراطقة قائلاً “
اَلرَّجُلُ الْمُبْتَدِعُ بَعْدَ الإِنْذَارِ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ أَعْرِضْ عَنْهُ. عَالِماً أَنَّ مِثْلَ هَذَا قَدِ انْحَرَفَ، وَهُوَ يُخْطِئُ مَحْكُوماً عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ
” (
تي3/10-11
).


 كما يًحذِّر من قبول أي تعليم آخر غير الذي استلموه من تلاميذ المسيح ورسله ويقول لهم “

وَلَكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا».
(محرومًا)
” (
غل1/8
).


 وهكذا سلَّم الرسل ما تسلَّموه من المسيح لتلاميذهم وخلفائهم وسلَّمه تلاميذهم وخلفاؤهم أيضًا للأجيال التالية لهم بكلِّ دقَّةٍ.




يقول بابياس أسقف هيرابوليس بفرجية في آسيا الصغرى
(60 – 130م) والذي يقول عنه القديس أريناؤس أسقف ليون


(5)


، وكذلك القديس جيروم


(6)


، أنَّه كان تلميذًا للقدِّيس يوحنَّا ورفيقًا لبوليكاربوس، ويقول يوسابيوس القيصريّ، نقلاً عن إريناؤس ” هو أحد الأقدمين، أستمع ليوحنَّا، وكان زميلاً لبوليكاربوس … وأنَّه تلقَّي تعاليم الإيمان عن أصدقائهم (أي أصدقاء الرسل)، عن كيفيَّة استلامه للتقليد “
ولكنني لا أتردَّد أيضًا عن أنْ أضع أمامكم مع تفسيري كلّ ما تعلمته بحرصٍ من الشيوخ (أي آباء الكنيسة) … وكلَّما أتي أحدٌ ممن كان يتبع المشايخ سألته عن أقوالهم، عمَّا قاله إندراوس أو بطرس، عمَّا قاله فيلبُّس أو توما أو يعقوب أو يوحنَّا أو متَّي، أو أي أحدٍ آخر من تلاميذ الربِّ أو عمَّا قاله أريستون أو القسّ يوحنَّا أو تلاميذ الربِّ. لأنني أعتقد أنَّ ما تحصل عليه من الكتب يُفيدني بقدر ما يصلْ إليّ من الصوت الحيّ الدائم



(7)


.




ويقول أريناؤس أسقف ليون (120 – 202م)؛

المعرفة الحقيقيَّة قائمة في تعليم الرُسل وقيام الكنيسة في العالم كلّه، وفي امتياز استعلان جسد المسيح بواسطة تتابع الأساقفة الذين أعطوا الكنيسة القائمة في كلِّ مكان أنْ تكون محروسة ومُصانة دون أي تزييف أو ابتداع في الأسفار بسبب طريقة التعليم الكاملة والمتقنة التي لم تُستهدف لأيّ إضافه أو حذف، وذلك بقراءتها بغير تزوير مع مواظبة شرحها باجتهاد بطريقة قانونيَّة تلتزم بالأسفار دون أيّ خطورة من جهة التجديف، وبواسطة المحبَّة الفائقة التي هي أكثر قيمة من المعرفة وأعظم من النبوّة والتي تفوق كلّ ما عداها من المواهب



(8)


.




كما يسجِّل ذلك القدِّيس إكليمندس الإسكندري
(150- 215م)، الذي كان مديرًا لمدرسة الإسكندريَّة اللاهوتيَّة والذي كان، كما يصفه المؤرِّخ الكنسيّ يوسابيوس القيصري (264- 340م) والمعاصر لمجمع نيقية سنة 325م، “
متمرسًا في الأسفار المقدَّسة



(9)


. وينقل يوسابيوس عن كتابه “وصف المناظر” أنَّه إستلم التقليد بكلِّ دقَّةٍ من الذين تسلَّموه من الرسل “
التقاليد التي سمعها من الشيوخ الأقدمين
“، فقد كان هو نفسه خليفة تلاميذ الرسل أو كما يقول هو عن نفسه إنَّه “
التالي لخلفاء الرسل



(10)


، “
ويعترف بأنَّ أصدقاءه قد طلبوا منه بإلحاح أنْ يكتب من أجل – الأجيال المتعاقبة – التقاليد التي سمعها من الشيوخ الأقدمين



(11)


، وذلك باعتباره أحد خلفائهم. ومن ثمَّ فقد سجَّل التقليد الشفويّ الذي سمعه ورآه وتعلَّمه وعاشه وحوَّله إلي تقليدٍ مكتوبٍ، كما شرحه ودافع عنه. وينقل عنه يوسابيوس، أيضًا، قوله عن معلِّميه الذين إستلم منهم التقليد
” وقد حافظ هؤلاء الأشخاص علي التقليد الحقيقيّ للتعليم المبارك، المسلَّم مباشرة من الرسل القدِّيسين بطرس ويعقوب ويوحنَّا وبولس، إذ كان الابن يتسلَّمه عن أبيه … حتَّي وصل إلينا بإرادة اللَّه لنحافظ علي هذه البذار الرسوليَّة



(12)


.


 




(5) Adv. Hear.
B 5; 33
.




(6)



مشاهير الرجال ف 18.



(7)



يوسابيوس ك3: 39.


(8) Adv. Hear.
B 5; 33.


(9) يوسابيوس ك 5 ف1.


(10) يوسابيوس ك 6 ف 13.


(11) ك 6 ف 13: 8.


(12) ك 5 ف 11: 5.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي