حمل الله


(يو 29: 1)

 
Ð ¢mnÕj toà qeoà


لقب ذبائحي:

+
“وفي الغد نظر يوحنا (المعمدان) يسوع مُقْبِلاً إليه، فقال: هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم.” (يو 29: 1)

لو ألقينا نظرة خاطفة على ألقاب المسيح الكثيرة، نجد أن كل لقب يتجه للإعلان عن صفة أو رسالة أو علاقة خاصة بالله من جهة، وبالبشرية من جهة أخرى، أو بالخليقة كلها ككل. فلقب “ابن الله” يكشف الصلة الذاتية بالله، و“ابن الإنسان” يُعلن عن علاقة شديدة بالإنسان اتخذه المسيح ليخفي به حقيقة “المسيَّا” الآتي إلى العالم
وبآن واحد
يستعلن العلاقة الداخلية التي تربطه بالإنسان. و“الكرمة” لقب يكشف عن واقع محبوب جداً للمسيح، وهو اتحاده اتحاداً سريًّا بالأخصاء: “أنا الكرمة، وأنتم الأغصان

” (يو 5: 15)، بحيث يصعب عليك أن تميِّز الحد الفاصل الذي يفصل الكرمة عن الأغصان، فالاتحاد وثيق ومتبادل. كذلك لقب “أنا هو
خبز الحياة” (يو 48: 6)، وهو أيضاً من الألقاب السريَّة التي يحبها المسيح جداً، وهو يهدف إلى إمكانية إعطاء جسده للبشرية لتأكل منه وتحيا. هكذا أيضاً لقب
“حمل الله”.

فهنا يتَّجه لقب المسيح اتجاهاً شديداً ومباشراً نحو الصليب. فلا وظيفة للحَمَل في تدبير الله إلا أن يكون ذبيحة، وأساس الذبيحة في العهد القديم
على وجه عام
هو
تغطيةالخطية. لذلك حرص المعمدان أن يعطيه صفة تحدِّد قوة عمل الذبيحة في العهد الجديد، فقال: “هوذا حمل الله الذي
يرفعخطية العالم” (يو 29: 1)

وفي الوقت الذي كان يُقدَّم فيه الحمل كل يوم صباحاً ومساءً، ومئات بل وألوف الحملان في الذبائح للمناسبات المتعددة، مما يشير إلى عدم كفاية حَمَل العهد القديم؛ نجد المعمدان هنا يشير إشارة واضحة إلى المسيح أنه حملٌ واحدٌ قادرٌ أن يرفع كل الخطايا لكل الشعوب في العالم. كيف؟ هنا أعطى المعمدان للحمل قوته وسلطانه الإلهي الفائق بقوله: “هوذا حمل
“الله”الذي يرفع خطية العالم

” كان في العهد القديم يُقدَّم حَمَلُ الناس لله، ولكن المذهل للعقل أن هنا في العهد الجديد يُقدَّم “حَمَلُ الله” للناس!!! أو من أجل الناس!!

وإذ نحن بصدد الذبيحة، والذبائح، يتحتم علينا أن نُعطي للقارئ صورة مختصرة للغاية عن ما هي الذبائح في العهد القديم، وما هو عملها؟ ونلقي ضوءاً خاصاً على ذبيحة الحمل الذي كان يسمَّى الخروف.


الحمل في الذبائح اليهودية:

1. أول وأهم ذبيحة في العهد القديم: “وهذا ما تقدِّمه على المذبح: خروفان حوليَّان
(







[1]







)

كل يوم دائماً. الخروف الواحد تقدِّمه صباحاً، والخروف الثاني تقدِّمه في العشية..
محرقة دائمة في أجيالكم..حيث أجتمع بكم لأُكلِّمك هناك، وأجتمع هناك ببني إسرائيل، فيُقدَّس (الشعب) بمجدي” (خر 38: 29
43)

(لينتبه القارئ على وضعنا الآن فنحن نقيم الذبيحة الإلهية في قداس الصباح، حيث نجتمع بالله ونسمع كلمته ونتقدَّس).

على أن في يوم السبت كانت تُضاعف ذبيحة المحرقة (عدد 9: 28و10)

ونقول إن هذه المحرقة اليومية كانت أهم وأخطر ذبيحة عند اليهود. فإذا توقفت هذه الذبيحة لسبب ما فإن هذه تكون أعظم مأساة في حياة اليهود؛ كما حدث في أيام أنطيوخس إبيفانس حينما خرَّب لهم الهيكل، حيث قوبل هذا بالبكاء والنحيب من كافة الشعب إذ كان هذا معناه غضب الله. ولكن الضربة القاضية والغضب الشامل الذي لم يُرفع حتى الآن حدث لما توقفت الذبيحة وإلى الأبد في 17 من شهر يوليو (تموز) سنة 70م، حينما حوصرت أورشليم وأُحرق الهيكل وتشتت الشعب.

2. ”
في رؤوس شهوركمتقرِّبون محرقة للرب.. وكبشاً واحداً وسبعة خراف حولية” (عدد 11: 28)

3.
ذبيحة النذير:“وهذه شريعة النذير.. يقرِّب قربانه للرب خروفاً واحداً حوليًّا صحيحاً..” (عدد 13: 6و14)

4.
ذبيحة التطهير:خروف حولي محرقة (لا 6: 12
8).

5.
ذبيحة تدشين المذبح:“.. وخروف واحد حَوْليٌّ لمحرقة.. ولذبيحة السلامة ثوران وخمسة كباش وخمسة تيوس وخمسة خراف حَوْليَّة” (عدد 1: 7
83)

6
.

ذبيحة الأعيادالخاصة بمواسم الزراعة: يُقدَّم خروف يوم ترديد حزمة الحصاد (لا 12: 23).

7.

ذبيحة يوم الخمسينوفي
عيد البكورات وعيد الأبواق:يُقدَّم سبعة خراف محرقة وخروفان حوليان ذبيحة سلامة (لا 18: 23
21).

8.

ذبيحة المناسبات الخاصة باللهمثل الإعداد لبناء الهيكل بيد داود: ألف ثور وألف كبش وألف خروف (1أي 21: 29).

9. وفي أيام حزقيا الملك بعد تطهير الهيكل: قدَّم سبعة خراف حولية ذبيحة خطية ومئتيْ خروف حولي ذبيحة شكر (2أي 21: 29
32).

10
.
ذبيحة التجديدفي أيام يوشيَّا: أعطى ثلاثين ألف خروف للفصح (2أي 7: 35).

11
. ذبيحة رجوع الشعب من السبي في أيام عزرا الكاهن: 96 كبشاً و77خروفاً (عز 35: 8).

وقصدنا من هذا السرد، إعطاء ضوء واضح على أهمية ذبيحة الحَمَل في حياة الشعب تجاه الله، ومن هنا تظهر خطورة مناداة المعمدان مشيراً إلى المسيح أن هذا هو: ”
حَمَلُالله الذي يرفع خطية العالم

” إذ يكون هذا معناه المناداة بعهد جديد قد أشرق بذبيحة واحدة يمثِّلها المسيح الواقف أمامه، تقوم عِوَض جميع ذبائح العهد القديم التي لم تستطع أكثر من أن تغطي أو تحجب مؤقتاً خطية مُقدِّمها أمام الله. أما هذا الحمل فهو بذبيحة نفسه سيرفع خطايا العالم مرة وإلى الأبد.


العنصر الأساسي في ذبائح العهد القديم:

تأسيس نظام الذبائح وضرورته للعبادة هو من وضع إلهي، ويقوم بالأساس على حقيقة واحدة هي أن
“الدم هو الحياة”:“غير أن لحماً بحياته دمه لا تأكلوه

” (تك 4: 9)، “لأن نفس الجسد هي في الدم، فأنا أعطيتكم إيَّاه على المذبح للتكفير عن نفوسكم،
لأن الدم يكفِّر عن النفس

” (لا 11: 17)، “لكن احترز أن لا تأكل الدم، لأن الدم هو النفس، فلا تأكل النفس مع اللحم. لا تأكله، على الأرض تسفكه كالماء” (تث 23: 12و24)

ويلاحظ القارئ، أن اهتمامنا بشرح هذه الأمور هو بسبب أن اصطلاحات ومفردات الذبائح دخلت العهد الجديد كما هي وبكل قيمتها، مع رفع معناها إلى المستوى الإلهي، لأن الذبيحة في العهد الجديد إلهية بكل معنى. فدخل
“الدم”بمفهومه أنه الحياة أو فيه النفس الحية؛ وكلمة
“الكفَّارة”التي هي فعل الدم؛ و
“الفدية”وهي كالكفَّارة؛ و
“دم العهد”؛وكلمة
“الذبيحة”ذاتها. هذه الاصطلاحات دخلت اللاهوت المسيحي.


القيمة الإلهية في ذبائح العهد القديم:

أ
الذبيحة على وجه العموم في الطقس اليهودي أعطت للإنسان فرصة أن يتقابل مع الله،

ب
كذلك في الذبيحة يشترك الله مع مقدِّمها، ففي الذبيحة يتلاقى الإنسان مع الله، ويشترك الله أيضاً في ذبيحته. فبذلك تصبح الذبيحة فرصة تصالحية وسلامية للإنسان مع الله، يحس الإنسان أثناءها أنه في موقف شرفي، حيث الإله والإنسان يشتركان معاً في لحم ودم الذبيحة. فالطقس ينصُّ على أن يُقدَّم من اللحم محرقة لله (الساق الرفيعة)، والباقي يأكله مقدِّم الذبيحة والكاهن. أما الدم فيؤخذ كله ويُصَب على مذبح الله.

ج
والقيمة الروحية للذبيحة، هي إعطاء الإنسان فرصة عملية يتقدَّم بها أو من خلالها إلى الله. ففي مفهوم العهد القديم الإنسان لا يقدِّم ذبيحة إلى الله، بل
يتقدَّم إلى الله بذبيحته، فهي واسطة دخول إليه.

د
التقابل المستمر مع الله بواسطة الذبيحة يوقِظ ضمير الإنسان، وبهذا يتعدَّل سلوكه.

ه
التأكيد على خطأ الخطية، وحفر الاحتراس والخوف منها في الضمير واعتبارها عقبة في سبيل إرضاء الله.

و
الالتجاء إلى الله دائماً بواسطة الذبيحة يوقِظ روح التوبة في الإنسان، فلا يُترك الإنسان يجاهد وحده مع نفسه ويتحمل مسئولية خطئه، فالالتجاء إلى الله بالذبيحة يعطيه فرصة للتعبير عن نفسه فترتاح روحه فيه.

ز
الحصول بواسطة الذبيحة على سلام داخلي، ولو أنه بثمن مادي لذلك فهو مؤقت.

ح
في تقديم الذبيحة يُعطَى الإنسان فرصة للإحساس بأنه صار مقبولاً عند الله، وقد اغتسل من خطيته وتطهَّر من نجاساته بالدم، ولكن إذ يتكرر الخطأ يتحتم أن تتكرر الذبيحة لذلك أصبحت كل الطقوس وقتية ومحدودة التأثير.

ط
بالذبائح الجماعية يتكون إحساس بالجماعة والانتماء إليها، وبالتالي يتكون الإحساس بالأمان الجماعي والرضى والافتخار بالجماعة، وهذا عامل تهذيبي إجتماعي فائق القدر لتهذيب النفس والجماعة للانتهاء بها أخيراً إلى وحدة الإيمان والحياة.

ي
الذي يقدِّم الذبيحة من ماله وصُلب حاله يشعر بإحساس البذل، وذلك تمهيدٌ ناجحٌ ليرتقي بعد ذلك إلى بذل النفس.

ك
أهم الذبائح:


فصح مصر والعبور من الموت إلى الحياة “بالدم”


ومن العبودية إلى الحرية

لا يوجد في الذبائح ما يشبه ذبيحة الفصح في مصر، والذي كان أول فصح الذي ذُبح عند خروج شعب إسرائيل من مصر، فكان أول ذبيحة افتتح الله بها عهده مع شعب إسرائيل. وقصة الفصح في مصر شيقة، إذ كانت ختاماً للضربات العشر التي صنعها موسى بأرض مصر وتأذَّت منها البلاد جداً كما أحطَّت من كبرياء فرعون. وأخيراً، تدخل الله بنفسه ليُخرِج الشعب المذلول بالعبودية من مصر وليعطيه الحرية والنجاة. فأمر الله بأنه في العشاء يذبح كل بيت خروفاً ويمسح بدمه العتبة العُليا للأبواب والقائمتين: “فإني أجتاز في أرض مصر هذه الليلة وأضرب كل بِكْر في أرض مصر من الناس والبهائم، وأصنع أحكاماً بكل آلهة المصريين، أنا الرب
” (خر 12: 12). أما البيوت التي عليها علامة الدم
فيُعبرعنها
عبوراً،وهذا هو معنى الفصح. وكان الشهر هو شهر أبيب والرابع عشر منه، فأمرهم أن يكون هذا الشهر هو أول شهور السنة: “.. ويكون لكم هذا اليوم تذكاراً فتُعيِّدونه عيداً للرب، في أجيالكم تُعيِّدونه فريضة أبدية” (خر 6: 12و14)

هذا هو أصل خروف الفصح لعيد الفصح، واسمه “بيساخ” أو “البصخة” أي العبور، بمعنى عبور الشعب من الهلاك إلى الحياة ومن العبودية إلى الحرية، بواسطة دم الخروف.

لذلك لما قال المعمدان مشيراً إلى المسيح، أن: “هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم
” فقد كان قوله إشارة إلى الفصح العتيد أن يكون من أجل خلاص العالم، من الموت إلى الحياة، ومن العبودية للخطية والشيطان إلى حرية مجد أولاد الله في المسيح.


الأخطاء التي وقع فيها الشعب ورؤساؤه


في فهم الذبائح وإساءة استخدامها:

الآن وقد قدَّمنا ملخَّصاً لكل الذبائح، ثم قيمتها الإلهية التي قصدها الله في فرضها على الشعب، علينا أيضاً أن نعبر على أنواع إساءة فهم هذه الذبائح وسوء استخدامها، الأمور التي استحق الشعب عليها توبيخاً عنيفاً من الله بفم الأنبياء:

1. تدهور قيمة الذبائح بمرور الزمن، وتحوُّلها إلى فرائض تأتي نتائجها من تلقاء ذاتها. بمعنى أن الذبيحة تقدَّم عِوَض النفس وكأنها ضريبة أو كأن الله محتاج إليها أو أنها كفيلة بإرضائه، مع أن فلسفتها الروحية
كما سبق وقلنا
هي أن الإنسان لا يقدِّمها لله، بل
يتقدَّم بها إلى الله،فهي واسطة وليست غاية. فإذا قدَّمها الإنسان عن نفسه وحسب، فإنه يخرج من أمام الله صفر اليدين؛ ولكن إنْ هو تقدَّم بها إلى الله، فإنه يدخل مع الله في دالة ويخرج من لَدُنه فرحاً مبتهجاً وسعيداً.

2. هكذا انتهى الشعب إلى فهم أن الذبيحة هي لاسترضاء الله وحسب، مع أنها لا تخص الله بل تخص علاقة الإنسان بالله.

3. كذلك فإن الشعب فَهِمَ أن قيمة الذبيحة هي في ذبحها وموتها وحسب، الأمر الذي تسحَّب في العهد الجديد على ذهن كثير من الناس وحتى اللاهوتيين بخصوص ذبيحة المسيح، مع أنه
كما سبق وقلنا

يتقدَّم الإنسان إلى الله بالذبيحة،لأن الله أمَرَ بها
ليشترك فيها مع مقدِّمهالتكون وسيلة للشركة مع الإنسان. هذا هو الفهم اللاهوتي الصحيح فيما يخص ذبيحة المسيح بالدرجة الأولى. فنحن بالمسيح صرنا
فيهشركاء مع الله وورثة.

4. صار في اعتقاد الشعب أن دم الذبيحة يغفر الخطية من تلقاء ذاته طالما وُضِع على المذبح، مع أن المنصوص عنه في لاهوت العهد القديم أنه عندما ينضح رئيس الكهنة دم الذبيحة على غطاء التابوت “الإيلاستيريون”، يكفِّر عن الخطية. بمعنى
تغطيتها فقط،أي تغطية الخطية الواحدة التي اقترفها الخاطئ، تغطيتها من أمام وجه الله. ولكن لا يتعدَّى فعل دم الذبيحة إلى خطية أخرى لاحقة. ومن هنا جاءت كثرة الذبائح بلا عدد وهذا راجع لضعف قدرة دم الحيوان على رفع الخطية بأي حال: “لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا

” (عب 4: 10). لهذا فإن نداء المعمدان واصفاً المسيح: “هوذا حمل الله الذي
يرفعخطية العالم

” كان حدثاً جديداً فائق القوة لم يكن طقس العهد القديم يعرف معناه بعد.

5. وأخيراً، فقدت الذبائح قيمتها الإلهية، إذ أصبح الشعب يستهين بها ويتشكك في معناها وقوتها، وذلك بسبب ابتعاد الكهنة والمعلِّمين جميعاً عن روح العهد القديم وصدق عبادة الله. وهكذا دخلت الذبائح ومعها التديُّن كله في مأزق وطريق مسدود انتهى بالضياع والبُعْد عن الله. وصارت الذبائح أفيونة الضمير وبديل البرِّ الحقيقي.


رفض الله للذبائح في وضعها القديم

أمام انزلاق الشعب مع رؤسائه إلى مستوى الحضيض وعجزهم عن بلوغ قصد الله الحقيقي من قيمة الذبائح وأصول العبادة، انبرى الأنبياء يُعلنون عدم رضى الله بأقوال شديدة للغاية وذلك منذ بدء القرن السابع والسادس قبل الميلاد هكذا:


عاموس

: (21: 5
27):

+ “بغضتُ، كَرِهتُ أعيادكم.. إني إذا قدَّمتم لي محرقاتكم وتقدماتكم لا أرتضي، وذبائح السلامة من مُسمَّناتكم لا ألتفت إليها. أبْعِدْ عني ضجة أغانيك ونغمة ربابك لا أسمع.. هل قدَّمتم لي ذبائح وتقدمات في البرية أربعين سنة يا بيت إسرائيل؟ بل حملتم خيمة “مَلْكُومِكم” وتمثال أصنامكم، نجم إلهكم الذي صنعتم لنفوسكم. فأسبيكم إلى ما وراء دمشق، قال الرب..”


هوشع:

(6: 6و7):

+ “إني أُريد رحمة لا ذبيحة ومعرفة الله أكثر من محرقات، ولكنهم كآدم تعدَّوا العهد، هناك غدروا بي


إشعياء:

(11: 1
15):

+ “لماذا لي كثرة ذبائحكم، يقول الرب. اتَّخَمْتُ من محرقات كباش وشحم مُسمَّنات، وبدم عجول وخرفان وتيوس ما أُسرُّ. حينما تأتون لتظهروا أمامي، مَنْ طلب هذا من أيديكم أن تدوسوا دُورِي. لا تعودوا تأتون بتقدمة باطلة، البخور هو مكرهة لي، رأس الشهر والسبت ونداء المحفل. لست أُطيق الإثم والاعتكاف. رؤوس شهوركم وأعيادكم بغضتها نفسي، صارت عليَّ ثِقَلاً، مللتُ حملها. فحين تَبسطون أيديكم أستُر عينيَّ عنكم، وإن أكثرتم الصلاة لا أسمع، أيديكم ملآنة دماً


ميخا:

(7: 6و8):

+ “هل يُسَرُّ الرب بألوف الكباش، بربوات أنهار زيت.. قد أخْبَرَك أيها الإنسان ما هو صالح؟ وماذا يطلبه منك الرب؟ إلاَّ أن تصنع الحق وتُحبَّ الرحمة وتسلك متواضعاً مع إلهك


إرميا:

(9: 7
11و21):

+ “أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذباً وتبخِّرون للبعل.. ثم تأتون وتقفون أمامي في هذا البيت الذي دُعِيَ باسمي عليه وتقولون قد أُنْقِذنا، حتى تعملوا كل هذه الرجاسات. هل صار هذا البيت الذي دُعِيَ باسمي عليه مغارة لصوص في أعينكم؟.. ضُمُّوا محرقاتكم إلى ذبائحكم وكلوا لحماً

هكذا ألغى إرميا العبادة مع الذبائح تمهيداً للجديد.


إرميا:

(31: 31
34):

+ “ها أيام تأتي، يقول الرب، وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا
عهداً جديداً،ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأُخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي، فرفضتهم يقول الرب. بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام، يقول الرب، أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم، وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً.. لأنهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم، يقول الرب، لأني أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد


الإعلان عن بدء العهد الجديد


“هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم”

الحَمَل الذي يذكره المعمدان هنا
بصفته حَمَل الله
هو بحسب الكنيسة حمل الفصح، كما أعلنها بولس الرسول بالصوت العالي: “لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذُبح لأجلنا

” (1كو 7: 5). فلا شك أن المعمدان رآه بالعين المفتوحة مذبوحاً على خشبة الصليب وحاملاً في جسده خطايا العالم، وكما يقول الكتاب: إن “أرواح الأنبياء خاضعة للأنبياء
” (1كو 32: 14). لهذا تكلَّم المعمدان عن المسيح كحمل، ولا أحد من الأنبياء رآه وتكلَّم عنه كحمل الله المذبوح إلاَّ إشعياء، فقد رآه وديعاً يُساق إلى الذبح والرب وضع عليه إثم جميعنا. ولما قال إشعياء إن الرب سُرَّ أن يسحقه بالحزن (إش 10: 53)، أدرك المعمدان أنه حمل الله لا محالة.

أما بطرس الرسول الذي فتح المسيح ذهنه ليفهم المكتوب، فقد رأى الحمل مذبوحاً قبل تأسيس العالم في تدبير الآب وبحسب خطة الخلاص العظمى وعمل الفداء المعدّ: “أنكم افتُديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلَّدتموها من الآباء، بل بدم كريم كما من حملٍ بلا عيب ولا دنس، دمِ المسيح، معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم، ولكن قد أُظْهِرَ في الأزمنة الأخيرة من أجلكم..” (1بط 18: 1
20)

وحمل إشعياء حقَّقته الكنيسة بالروح أنه المسيح على يد فيلُبُّس الشماس لما سأله الخصي وزير كنداكة ملكة الحبشة، حينما كان يقرأ سفر إشعياء ووقف عند نقطة: ”
مثل شاةٍ سِيقَ إلى الذبح
(







[2]







)


، ومثل خروف


(2)


صامت أمام الذي يجُزُّههكذا لم يفتح فاه

” (أع 32: 8)، “أطلب إليك عن مَنْ يقول النبي هذا، عن نفسه أم عن واحد آخر؟ ففتح فيلُبُّس فاهُ وابتدأ من هذا الكتاب،
فبشَّره بيسوع” (أع 34: 8و35)

أما إنجيل يوحنا، فترك المجال للمسيح يتكلم عن نفسه كخروف الفصح الأبدي على مستوى الاستعلان: “مَنْ يأكل جسدي ويشرب دمي، فله حياة أبدية
” (يو 54: 6)، “مَنْ يأكل جسدي ويشرب دمي، يثبت فيَّ وأنا فيه
” (يو 56: 6). بهذا أثبت المسيح أنه حقاً فصح الحياة الأبدية.

واضح هنا ما سبق وألمحنا إليه، أن الخاطئ لا يقدِّم ذبيحته إلى الله، بل يتقدَّم إلى الله بالذبيحة، حيث التطابق هنا في ذبيحة المسيح على أعلى مستوى. كذلك “فبدم المسيح” انتقلنا من موت الخطية (الملاك المُهلك) إلى حياة البرِّ بالمسيح، ومن عبودية الشيطان (فرعون) إلى حرية مجد أولاد الله، التي هي الفدية بعينها. فالمسيح اشترانا بدمه لنكون له خاصة.

بهذا يثبت حقاً أن المسيح هو: “حمل الله الذي يرفع خطية العالم”.


“الحمل والكنيسة”

أعلى وضع سرِّي لحمل الله، وهو علاقة الحمل بالمؤمنين (الكنيسة)

فالكنيسة بحسب سفر الرؤيا هي امرأة الخروف

وبهذا يصحُّ قول بولس الرسول: “فإني أَغارُ عليكم غَيْرَة الله، لأني خطبتكم لرجل واحد (الحَمَل) لأُقدِّم عذراء عفيفة للمسيح (الحَمَل)
” (2كو 2: 11). وهذا هو الوضع الاستعلاني النهائي لعلاقة المسيح (الحَمَل) بالمؤمنين (الكنيسة)، حيث بالنهاية تُزَفُّ للمسيح كما تزفُّ العذراء لعريس، في معنى القداسة المنزَّهة عن الجنس. فهو المُعبَّر عنه بالاتحاد: “أنتم فيَّ وأنا فيكم”، ولكنه اتحاد متبادَل برباط المحبة الإلهية: “أيها الرجال أحبُّوا نساءكم كما أحب المسيح أيضاً الكنيسة، وأسلم نفسه لأجلها، لكي يُقدِّسها مُطهِّراً إيَّاها بغسل الماء (المعمودية) بالكلمة (الإنجيل)، لكي يُحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها.. مقدَّسة وبلا عيب
” (أف 25: 5
27). ثم يرفع بولس الرسول معنى الاتحاد، المسيح مع المؤمنين، إلى مستوى “الجسد الواحد”: “من أجل هذا يترك الرجل أباه وأُمَّه ويلتصق بامرأته،
ويكون الاثنان جسداً واحداً.هذا السر عظيم، ولكني أنا أقول
من نحو المسيح والكنيسة” (أف 31: 5و32)

ولكن في موضع آخر يصف وضع الكنيسة بالنسبة لله أيضاً، أنه اقتناها لنفسه: “احترزوا إذاً لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا
كنيسة الله التي اقتناها بدمه

” (أع 28: 20). وعلى القارئ أن يلاحظ هنا أن الهاء في “دمه” ضمير متصل واقع على الله!! فالكنيسة، عروس المسيح، اقتناها الله لابنه لتدخل بيته.


الكنيسة امرأة الخروف في سفر الرؤيا:

حينما يتم استعلان مُلك المسيح النهائي، يُستعلن في الحال موضع المؤمنين من المسيح، الذين هم الكنيسة:

+ “وسمعت كصوت
جمع كثير وكصوت مياه كثيرة وكصوت رعود شديدة
(







[3]







)


قائلة: هلِّلويا،

فإنه قد ملك الرب الإله القادر على كل شيء، لنفرح ونتهلَّل ونُعْطِهِ المجد، لأن عُرْس
(







[4]







)

الخروف قد جاء وامرأته هيَّأت نفسها، وأُعطِيَتْ أن تلبس بَزًّا (حريراً) نقيًّا بهيًّا، لأن البزَّ هو تبرُّرات القديسين. وقال لي: اكتب طوبى للمدعوين إلى عشاء عُرْس الخروف، وقال: هذه هي أقوال الله الصادقة” (رؤ 6: 19
9)

أيها القارئ السعيد هذه الطوبى في انتظارك.


إيماننا ورجاؤنا في ذبيحة الحمل




بعد أن أعطيت وصاياك بطولها وعرضها وارتفاعها، مَنْ ذا يقوى على التكميل.




أنت أنت قدَّمتَ ذاتك ذبيحة، لتكون عوناً لنا وقوة وتكميلاً.

+ فمَنْ أخفق في حبِّ الأخ والعدو، تسعفه ذبيحتك لتكون له بديلاً.

+ والذي علت القداسة عن قامته، تتلقفه ذبيحتك لتملأه تقديساً.

+ والذي غُلِبَ من شهوته، توقفه ذبيحتك بلا لوم أمام أبيك مقبولاً.

+ والذي تعذَّرت توبته، ألا تكفي ذبيحتك أن تكون له توبةً وأنت ضمينٌ.

+ فدمك الذي أقامنا من الموت، أليس بالأحرى يرفعنا فوق نقائصنا.

+ أو لماذا اختارنا الله فيك قبل تأسيس العالم، لنكون قديسين أمامه وبلا لوم ومحبوبين.

+ يا حمل الله، هبني وداعتك واتضاعك،

+ هبني صمتك تحت يد الذي يجزُّني،

+ هبني سكوتك تحت سكين مَنْ يذبحني، حتى يكون لي نصيب في عشاء عُرسك الإلهي:

ف “طوبى للمدعوين إلى عشاء عُرْس الخروف
“!


(نوفمبر 1994)





(



[1])

الحَوْل هو السنة، والخروف الحَوْلي هو الذي عمره سنة.




(



[2])

“الشاة والخروف” عند إشعياء، هي في الترجمة السبعينية التي نقلها أيضاً سفر أعمال الرسل: “خروف..
وحمل

¢mnÒj – prÒbaton
.




(



[3])

الخليقة تتهلل، فقد جاء زمان عتقها.




(



[4])

متى يتحـقق هــذا الأمـل

ويـأتي أوان الــزفاف

                                           وتنظـر عيناي مجد الحمـل

وأسمـع صوت الهتاف

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي