تميَّز المسيح بميلاد إعجازي

 

 وما حدث في ميلاد المسيح لم يكنْ له مثيل في تاريخ البشريَّة، فقد كان مظاهرة سمائيَّة وأرضيَّة، فرحٌ في السماء وبهجةٌ علي الأرض!! فبالرغم من أنَّه وُلِدَ في مزود حقير للبقر، إلاَّ أنَّ ما حدث كان أكبر وأروع من أنْ يحدث مع أيّ من أبناء البشر مهما كانت مكانتهم علي الأرض.

 

(1) تسبحة الجند السماوي:

 
فقد جاء ملاك من السماء ومعه جمهور من الجند السماويّ في احتفال سمائيّ وبشَّر جماعة من الرعاة بميلاد المسيح الذي وصفه بالمخلِّص الربّ

وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ فَخَافُوا خَوْفاً عَظِيماً. فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافُوا. فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ:
أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. وَهَذ
ِهِلَكُمُ الْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطاً مُضْجَعاً فِي مِذْوَدٍ». وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: «
الْمَجْدُ لِلَّهِ فِي الأَعَالِي وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ». وَلَمَّا مَضَتْ عَنْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى السَّمَاءِ قَالَ الرُّعَاةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لِنَذْهَبِ الآنَ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ وَنَنْظُرْ هَذَا الأَمْرَ الْوَاقِعَ الَّذِي أَعْلَمَنَا بِهِ الرَّبُّ». فَجَاءُوا مُسْرِعِينَ وَوَجَدُوا مَرْيَمَ وَيُوسُفَ وَالطِّفْلَ مُضْجَعاً فِي الْمِذْوَدِ. فَلَمَّا رَأَوْهُ أَخْبَرُوا بِالْكَلاَمِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ عَنْ هَذَا الصَّبِيِّ. وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَهُمْ مِنَ الرُّعَاةِ.
وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هَذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا.

” (
لو2/819
).
وهذا ما لم يحدث ولن يحدث مع أيّ كائنٍ ظهر علي الأرض، لم تهتف السماء لميلاد أحدٍ ولم تسبِّح الملائكة لميلاد أحدٍ، سواء كان نبيًا أو رسولاً أو قديسًا، سوي شخص المسيح فقط!! لماذا؟ لأنَّ المسيح هو فوق الكلّ أو كما قال هو في مقارنة بينه وبين كلّ من وُجِدَ علي الأرض “
فَقَالَ لَهُمْ: « أَنْتُمْ مِنْ أَسْفَلُ أَمَّا أَنَا فَمِنْ فَوْقُ. أَنْتُمْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ.
” (
يو8/23
).
وقال القديس يوحنا بالروح “

اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ وَالَّذِي مِنَ الأَرْضِ هُوَ أَرْضِيٌّ وَمِنَ الأَرْضِ يَتَكَلَّمُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ

” (
يو3/31
).

 

(2) سجود المجوس له:

 
ثم جاء مجوسٌ، وهم حكماء من المشرق، يحملون هدايا لهذا المولود الإلهيّ، وكان قد ظهر لهم نجم من السماء ليُبْلغهم بخبر الميلاد ويُرشدهم في الطريق للوصول إلي هذا الطفل الإلهيّ. يقول الكتاب “
وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. قَائِلِينَ: «أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟
فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ»… وَإِذَا النَّجْمُ الَّذِي رَأَوْهُ فِي الْمَشْرِقِ يَتَقَدَّمُهُمْ حَتَّى جَاءَ وَوَقَفَ فَوْقُ حَيْثُ كَانَ الصَّبِيُّ. فَلَمَّا رَأَوُا النَّجْمَ فَرِحُوا فَرَحاً عَظِيماً جِدّاً وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ وَرَأَوُا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ
فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَباً وَلُبَاناً وَمُرّاً.

” (
مت 2/1-12
).

 
ويري علماء اللاهوت أنَّ هذا النجم إمَّا أنْ يكون نجمًا حقيقيًا وقد جعله اللَّه يتحرَّك خارج إطار قانون وناموس الكون ويظهر بصورة إعجازيَّة ليُرشد المجوس إلي ميلاده ومكان ولادته، وإمَّا أنَّه ملاك وقد ظهر في شكل نجم ليقوم بنفس المهمَّة. فإذا كان هو نجمٌ حقيقيٌّ كما يبدو من الكتاب فتكون الأفلاك السمائيَّة أيضًا قد شاركت في الاحتفال بهذا المولود الإلهي!!
فهل حدث مثل هذا عند ميلاد أحد الأنبياء؟! ولماذا حدث ذلك عند ميلاد المسيح؟ والإجابة هي كما قال الملاك أنه هو ” المسيح الرب ” وليس سواه.

 

 
(3) إعلان الروح القدس عن شخصه لسمعان وحنة النبية:

 
وفي وقت ختانه في اليوم الثامن في الهيكل حسب عادة اليهود جاء رجل من أورشليم اسمه سمعان، وهذا الرجل يقول عنه الكتاب أنَّه كان “
بَارّاً تَقِيّاً يَنْتَظِرُ تَعْزِيَةَ إِسْرَائِيلَ وَالرُّوحُ الْقُدُسُ كَانَ عَلَيْهِ.
وَكَانَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ أَنَّهُ لاَ يَرَى الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى مَسِيحَ الرَّبِّ. فَأَتَى بِالرُّوحِ إِلَى الْهَيْكَلِ. وَعِنْدَمَا دَخَلَ بِالصَّبِيِّ يَسُوعَ أَبَوَاهُ لِيَصْنَعَا لَهُ حَسَبَ عَادَةِ النَّامُوسِ أَخَذَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَبَارَكَ اللهَ وَقَالَ: «الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ وَمَجْداً لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ». وَكَانَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ يَتَعَجَّبَانِ مِمَّا قِيلَ فِيهِ. وَبَارَكَهُمَا سِمْعَانُ وَقَالَ لِمَرْيَمَ أُمِّهِ: «هَا إِنَّ هَذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ. وَأَنْتِ أَيْضاً يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ»

.” (
لو2/2536
).

 وكان هناك أيضًا في الهيكل امرأة نبيَّة اسمها حنَّة يقول عنها الكتاب “
وَكَانَتْ نَبِيَّةٌ حَنَّةُ بِنْتُ فَنُوئِيلَ مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ وَهِيَ مُتَقّدِّمَةٌ فِي أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ قَدْ عَاشَتْ مَعَ زَوْجٍ سَبْعَ سِنِينَ بَعْدَ بُكُورِيَّتِهَا. وَهِيَ أَرْمَلَةٌ نَحْوَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً لاَ تُفَارِقُ الْهَيْكَلَ عَابِدَةً بِأَصْوَامٍ وَطِلْبَاتٍ لَيْلاً وَنَهَاراً.
فَهِيَ


فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَقَفَتْ تُسَبِّحُ الرَّبَّ وَتَكَلَّمَتْ عَنْهُ مَعَ جَمِيعِ الْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ


.

” (
لو2/3638
).

 
جاء سمعان إلي الهيكل بالروح وكان الروح القدس قد سبق أنْ وعد أنْ لا يري الموت قبل أنْ يري المسيح الربّ، وتكلَّمت عنه حَنَّة النبيَّة مع جميع الذين كانوا يتوقَّعون ميلاده، بحسب النبوَّات، جميع المنتظرين الفداء الذي كان سيأتي من إسرائيل.
فهل حدث مثل ذلك عند ولادة أي نبيّ أو رئيس أنبياء أو أيّ شخص ظهر علي الأرض مهما كانت أهمِّيَّته؟! بالطبع لم يحدث مثل ذلك إلاَّ في ميلاد الربّ يسوع لأنَّه ليس مجرَّد شخص عاديّ ولا هو مجرَّد نبيّ بلّ هو المسيح الرب الذي ظهر في الجسد. فهو مُرْسِل الأنبياء.

 كما قيل عن المسيح أيضًا أنَّه تكلَّم بمجرَّد ميلاده من بطن أمِّه ودافع عنها! وأعلن وهو في المهد، في لحظة ولادته، أنَّه جاء إلي العالم نبيًا متعلمًا، تعلَّم من اللَّه! وأنَّه جاء بالحكمة ومعه كتابه، الإنجيل، وحافظًا للتوراة! وأنَّه سيكون بارًا بوالدته ولن يكون جبارًا ولا شقيًا، بل وتنبَّأ عن السلام الذي سيسود معه في ولادته وفي موته وفي قيامته حيًا من الأموات! كما قيل أنَّه أجري معجزات عظيمة لحظة ميلاده أيضًا مثل تحويله النهر الجاف إلي نهر مليء بالماء العذب لتشرب منه أمّه ومن معها! وتحويله النخلة غير المثمرة إلي نخلة محمَّلة بالبلح الرطب الشهيّ! فهل قيل مثل ذلك عن غير المسيح؟!


(4)



(4)



جاء في كتاب ” الإنجيل شبيه متى ” المنحول ف 20: ” حينئذ فأن الصبي يسوع بملامح سارة، استراح في حضن أمه، قائلا للنخلة ” يا شجرة، أحني أغصانك، وأنعشي أمي بثمارك. وفي الحال عند تلك الكلمات أحنت النخلة قمتها إلى أسفل عند أقدام القديسة مريم وجمعوا منها ثماراً، انتعشوا بها كلهم. وبعد أن جمعوا كل ثمارها بقيت منحنية لأسفل، منتظرة الأمر لترتفع من الذي أمرها بالانحناء. حينئذ قال لها يسوع: ” ارتفعي بذاتك يا نخلة وكوني قوية ورفيقة أشجاري، التي في فردوس أبي وافتحي من جذورك مجرى من الماء الذي كان مختبئا في الأرض ودعى المياه تنساب حتى نكون راضين عنك. وفي الحال ارتفعت وعند جذورها تدفق نبع من الماء رائقا جدا وباردا ولامعا. فحينما رأوا نبع الماء ابتهجوا بفرح عظيم وكانوا راضين هم ذاتهم وجميع أبقارهم ودوابهم”!!

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي