المعجزة التاسعة عشرة شفاء أعمى تدريجياً

22 وَجَاءَ إِلَى بَيْتِ صَيْدَا، فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَعْمَى وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسَهُ، 23 فَأَخَذَ بِيَدِ الأَعْمَى وَأَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجِ الْقَرْيَةِ، وَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ هَلْ أَبْصَرَ شَيْئاً؟ 24 فَتَطَلَّعَ وَقَالَ: «أُبْصِرُ النَّاسَ كَأَشْجَارٍ يَمْشُونَ». 25 ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ أَيْضاً عَلَى عَيْنَيْهِ، وَجَعَلَهُ يَتَطَلَّعُ. فَعَادَ صَحِيحاً وَأَبْصَرَ كُلَّ إِنْسَانٍ جَلِيّاً. 26 فَأَرْسَلَهُ إِلَى بَيْتِهِ قَائِلاً: «لا تَدْخُلِ الْقَرْيَةَ، وَلا تَقُلْ لأَحَدٍ فِي الْقَرْيَةِ» (مرقس 8: 22-26).

 

عوَّدنا المسيح أن ينال المريض منه شفاءً فورياً وكاملاً. ولكن هذه هي المعجزة الوحيدة التي تمَّ فيها الشفاء على مرحلتين. فعندما وضع المسيح يده على عيني أعمى بيت صيدا «تطلَّع وقال: أُبصر الناس كأشجارٍ يمشون» (آية 24). فعاد المسيح ووضع يده مرة أخرى وجعله يتطلَّع مرة ثانية، فعاد صحيحاً، وأبصر كل إنسان جلياً.

 

رأت بيتُ صيدا الكثيرَ من معجزات المسيح، انفتحت فيها عيونٌ روحية فعرفت المخلِّص، وعيونٌ جسدية فرأت هذا العالم. وبيت صيدا قرية تقوم مبانيها على جانبي بحيرة طبرية حيث يصبّ نهر الأردن، وهي قرية أندراوس الذي وجد المسيح، وبطرس الذي قاده أخوه أندراوس إلى المسيح، وفيلبس تلميذ المسيح الذي رآه وعرفه، فدعا نثنائيل ليقول له: «تعال وانظر».

 

لم يجئ الأعمى إلى المسيح بنفسه، لكن أصدقاءه قادوه، وحدّدوا للمسيح طريقة الشفاء: بأن يلمسه، فأكرم المسيح إيمانهم ولكن بغير الطريق الذي رسموه له، لأنه أخذ بيد الأعمى وأخرجه خارج القرية وانفرد به، وهناك تفل في عينيه ووضع يديه عليهما مرتين، فإذا به يبصر ويرى كل إنسان جلياً.

 

أولاً – المحتاج والمعجزة

لم يحضر الأعمى للمسيح من تلقاء نفسه، بل آخرون «قدَّموه إليه» (آية 22).والناس يجيئون إلى المسيح بطرق كثيرة. بعضهم يجيئون من تلقاء أنفسهم لأنهم يحسون بالجوع والعطش الروحي، فيبغون الشبع والارتواء. لكن بعضهم لا يدركون احتياجهم فيقدّمهم آخرون كما حدث مع هذا الأعمى.

 

رأينا معجزات وجد فيها المسيح المريض، كما حدث مع مريض بركة بيت حسدا (يوحنا 5). وهناك معجزات حُمل فيها المريض للمسيح، كما جرى مع المفلوج (مرقس 2). وهناك معجزات اقتيد فيها المريض للمسيح، كما نرى هنا.

 

الوحيد الذي ورد أنه نال الشفاء تدريجياً:

 

بسبب نقص حماسه. فأصدقاؤه هم الذين أحضروه. ونلاحظ أن كلامه مع المسيح كان إجابةً بقدر السؤال، فلم ينشئ هو حديثاً مع المسيح. وعندما وضع المسيح يده على عينيه لأول مرة سأله: هل أبصر شيئاً؟ لم تزد إجابته عن قوله: «أُبْصِرُ النَّاسَ كَأَشْجَارٍ يَمْشُونَ» (آية 24) فلم يكن له الحماس للحصول على بركة أكبر. لقد كان مختلفاً عن الأعمى الذي صرخ: «يا ابن داود ارحمني».

 

وعندما وضع المسيح يديه على عيني هذا الأعمى مرة ثانية «أَبْصَرَ كُلَّ إِنْسَانٍ جَلِيّاً» (آية 25) ولكنه لم يُظهر فرحته بالقدر الكافي، ولا أسرع يتكلم عن المعجزة التي عملها المسيح معه. لم ينبهر بشيء، ولم يتحمس لشيء! كثيراً ما نأخذ نحن أكثر مما نطلب أو نفتكر من يدي المسيح، ولكننا لا نملك قوة الشكر ودفعة الحماس لنتحدث عن كم صنع الرب بنا ورحمنا، وكأن ما أنعم به علينا وأعطانا إياه فرضٌ وواجب عليه!

 

بسبب نقص معرفته: أجرى المسيح معجزات كثيرة من قبل في بيت صيدا، ولكن يبدو أن هذا الأعمى لم يسمع عنها. سمع أصدقاؤه فأخذوه وقدّموه للمخلِّص الذي لم يسمع عنه هو. ولكن هذا الجهل لم يعطل المسيح المحب عن مدّ يده مرتين لهذا الأعمى الجاهل، ليهبه البصر الكامل. وكم من خاطئ مسكين «هَلَكَ مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ»!(هوشع 4: 6).

 

بسبب نقص الإيمان: نَقْص حماسه جعله لا يُقبل على المعرفة. ونَقْص معرفته جعله لا يؤمن، فإن الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله (رومية 10: 17).

 

وشفاء الرجل التدريجي نقله إلى حالةٍ أفضل، فعندما رأى الناس كأشجارٍ يمشون كان محتاجاً إلى رؤية أوضح. ولم يتركه المسيح حتى حصل عليها.

 

يأخذ بعضنا بركة قليلة ويَقْنع بها، لكن الرب يريد أن يعطينا أكثر. عندما جاء أحد فقهاء الدين اليهود للمسيح يسأله عن أول الوصايا، أخبره المسيح أنها محبة الله والآخرين، فأجاب: «جيداً يا معلم. محبته ومحبة القريب أفضل من جميع المحرقات والذبائح» (مرقس 12: 32 و33). ومن إجابته نرى أنه تعلَّم درساً روحياً جديداً، فقد كان اليهود يعتبرون الذبائح والمحرقات أهم من كل شيء. ولكن ما تعلَّمه لم يكن كافياً لخلاصه، فقال له المسيح: «لست بعيداً عن ملكوت الله». ولست بعيداً تشبه: «أبصر الناس كأشجار يمشون». هذا يعني أن الفقيه ليس بعيداً، ولكنه ليس داخل الملكوت. إنه يحتاج لخطوة أخرى تُدخله ملكوت الله وتعطيه البركة الكاملة. وشوق قلب المسيح أن يمنحك البركة الكاملة، فلا تتوقَّف عند ما حصلت عليه.

 

ثانياً – الأصدقاء والمعجزة

1 – أحضر الأصدقاء الأعمى إلى المسيح. وهذا يُظهر:

رحمةً بالأعمى. فقد أشفقوا على من لا يرى ولا يعرف، وتحوَّلت شفقتهم من مشاعر إلى عمل. و «طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ» (متى 5: 7).

 

يُظهر إيماناً بقوة المسيح، الذي قال: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلا يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ» (يوحنا 8: 12). فجاءوا بالأعمى ثقةً في قدرته على شفائه.

 

يُظهر الحكمة، فإن رابح النفوس حكيم (أمثال 11: 30). أعظم ما تفعله أن تصل إلى رأس الحكمة التي هي مخافة الله، ثم تقود غيرك إلى مخافة الله. السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب (لوقا 15: 7، 10) فإن من ردّ خاطئاً عن ضلال طريقه يخلّص نفساً من الموت ويستر كثرةً من الخطايا (يعقوب 5: 20).

 

وعندما انفتحت عينا الأعمى، وأصبحت رؤيته واضحة، تحققت فرحتهم الكاملة!

 

2 -طلب الأصدقاء شفاء الأعمى بطريقة معيَّنة حدَّدوها للمسيح «أن يلمسه».

مرات كثيرة لكثرة حماستنا ومحبتنا للشخص نأمر الرب أن يفعل معه شيئاً نحدّده، كما فعل الأصدقاء بطلبهم أن يلتزم المسيح بطريقة خاصة عند شفائه للأعمى. لكننا نحتاج أن نتعلم صلاة المسيح في بستان جثسيماني: «لِتَكُنْ لا إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ» (لوقا 22: 42). فلا يجب علينا أن نُملي على الرب طريقة عمله وعنايته. ولكن الرب تغاضى عن إملائهم وتحديدهم، وأكرم إيمانهم، وشفى الأعمى بطريقته هو.

 

لقد أخذ الأعمى بعيداً عن أصدقائه إلى خارج القرية، وهناك أجرى معجزة الشفاء.

 

ولمسَه مرتين لا مرة واحدة. باركه مرتين، وأنعم عليه إنعاماً مضاعفاً، فالرب أكثر حباً للنفس العاجزة من حب الإنسان الذي يوصّلها له، وعطاء الرب للنفس أكبر من توقُّعات الإنسان الذي يطلب لأجلها منه!

 

ثالثاً – المسيح والمعجزة

«أخذ بيد الأعمى وأخرجه إلى خارج القرية» (مرقس 8: 23) لأنه أراد أن يختلي به ويقضي معه وقتاً أكبر. أحياناً يأخذنا الرب من وسط أصدقائنا واهتماماتنا ويفصلنا عن الذين نعرفهم، لأنه يريدنا أن نصرف وقتاً أكبر معه. وهذا ما فعله مع الأعمى. لقد عزله عن المجموعة، وعن ماضيه، وعن وثنيّته!

 

عندما ظهر الرب لشاول الطرسوسي في طريقه إلى دمشق، أوقعه على الأرض، فاقتادوه إلى حيث التقى بمن صلَّى من أجله وفتح عينيه وقلبه. ثم اختلى ثلاث سنوات بالرب في الصحراء ليعيد تقييم كل ما سبق أن تعلّمه، وليدرس التوراة في نور جديد، بعد أن عرف أن نبوّاتها قد تحققت في يسوع الناصري، وليتعمق في معرفة المسيح الذي سيصبح شاهداً له. والذي يتكلم عن الله يحتاج أولاً أن يتكلم مع الله، ويتمتع ويتلذذ به قبل أن ينطلق ليشهد له.

 

«تفل في عينيه ووضع يده عليه» (مرقس 8: 23). أخذ الرب شيئاً عادياً وصنع به شيئاً فوق عادي! ألبس المسيح الشيء الطبيعي رداء ما فوق الطبيعة! سبق أن أخذ قوس قزحٍ طالما ظهر بعد المطر، وجعل منه علامة عهدٍ مع البشر أن لا يُغرِق الأرض مرة أخرى بالطوفان. وأخذ الختان الذي كانت تمارسه بعض بلاد الشرق الأوسط، وجعل منه علامة عهدٍ مع إبراهيم ونسله. وأخذ الخبز والكأس وجعل منهما علامة عهدٍ جديد. وأخذ خمس خبزات وسمكتين ليُشبع بها خمسة آلاف. لذلك يجب أن نقدم كل ما معنا له، وأول ثمر عملنا، ليجعل من هذه الأشياء العادية بركات فوق عادية.

 

شفى المسيح الأعمى تدريجيا: لم يتركه حتى أكمل شفاءه، وهو لا يتركنا حتى يكمل خلاصنا، فهو رئيس إيماننا ومكمّله، فنقول مع بولس الرسول: «لَمَّا كُنْتُ طِفْلاً كَطِفْلٍ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ، وَكَطِفْلٍ كُنْتُ أَفْطَنُ، وَكَطِفْلٍ كُنْتُ أَفْتَكِرُ. وَلكِنْ لَمَّا صِرْتُ رَجُلاً أَبْطَلْتُ مَا لِلطِّفْلِ. فَإِنَّنَا نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ فِي لُغْزٍ، لكِنْ حِينَئِذٍ وَجْهاً لِوَجْهٍ. الآنَ أَعْرِفُ بَعْضَ الْمَعْرِفَةِ، لكِنْ حِينَئِذٍ سَأَعْرِفُ كَمَا عُرِفْتُ» (1كورنثوس 13: 11، 12). فإن محبة الرب تُدخِلنا إلى أعماقٍ أعمق في معرفته المباركة التي تخلّصنا وتحرّرنا إلى الأبد.

 

أمر المسيح الأعمى بعدم دخول القرية: كان إيمان الأعمى ضعيفاً، وكانت حماسته في الحضيض. فماذا عساه يقول لمواطنيه، وماذا يحكي لهم؟

 

أليس الأفضل أن يبقى بعض الوقت خارج القرية يفكر في كم صنع الرب به ورحمه، قبل أن يعلن ذلك، أو قبل أن يسأله مواطنوه عنه؟ أليس من الأفضل أن تزيد معرفته بالمسيح قبل أن يتحدث عنه؟

 

كم نحتاج أن نعرف المسيح أكثر، ونحبه أكثر، لنتكلم عنه أفضل!

 

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لأجل المسيح الذي فتح عيني الأعمى، وأطال أناته عليه حتى أبصر كل إنسان بوضوح. أنت تصبر علينا حتى تنفتح بصيرتنا فنرى شخصك الكريم، ونبصر طريقك المستقيم، فنتبعك مُعلنين فضل الذي نقلنا من الظلمة إلى نوره العجيب. باسم المسيح. آمين.

 

أسئلة

اذكر واحداً انفتح قلبه للمسيح في بيت صيدا، وواحداً انفتحت عيناه فيها.

اذكر معجزة شفاءٍ ذهب فيها المسيح للمريض، واذكر الشاهد.

لماذا لم يكن أعمى بيت صيدا متحمِّساً لشيء؟

ما هو وجه الشبه بين الفقيه المذكور في مرقس 12 وأعمى بيت صيدا؟

أظهر أصدقاء الأعمى ثلاثة أمور بما عملوه. اذكرها.

اذكر ثلاثة أشياء عادية جعل منها المسيح أشياء فوق عادية.

لماذا أمر المسيح الأعمى بعد أن شفاه بعدم دخول القرية؟

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي