(ب) المجازاة للساهرين مثل العذارى الحكيمات

1 حِينَئِذٍ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ عَشَرَ عَذَارَى، أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَخَرَجْنَ لِلِقَاءِ الْعَرِيسِ. 2 وَكَانَ خَمْسٌ مِنْهُنَّ حَكِيمَاتٍ، وَخَمْسٌ جَاهِلاتٍ. 3 أَمَّا الْجَاهِلاتُ فَأَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَلَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتاً، 4 وَأَمَّا الْحَكِيمَاتُ فَأَخَذْنَ زَيْتاً فِي آنِيَتِهِنَّ مَعَ مَصَابِيحِهِنَّ. 5 وَفِيمَا أَبْطَأَ الْعَرِيسُ نَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ وَنِمْنَ. 6 فَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ صَارَ صُرَاخٌ: هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ، فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ! 7 فَقَامَتْ جَمِيعُ أُولَئِكَ الْعَذَارَى وَأَصْلَحْنَ مَصَابِيحَهُنَّ. 8 فَقَالَتِ الْجَاهِلاتُ لِلْحَكِيمَاتِ: أَعْطِينَنَا مِنْ زَيْتِكُنَّ فَإِنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئُ. 9 فَأَجَابَتِ الْحَكِيمَاتُ: لَعَلَّهُ لا يَكْفِي لَنَا وَلَكُنَّ، بَلِ اذْهَبْنَ إِلَى الْبَاعَةِ وَابْتَعْنَ لَكُنَّ. 10 وَفِيمَا هُنَّ ذَاهِبَاتٌ لِيَبْتَعْنَ جَاءَ الْعَرِيسُ، وَالْمُسْتَعِدَّاتُ دَخَلْنَ مَعَهُ إِلَى الْعُرْسِ، وَأُغْلِقَ الْبَابُ. 11 أَخِيراً جَاءَتْ بَقِيَّةُ الْعَذَارَى أَيْضاً قَائِلاتٍ: يَا سَيِّدُ، يَا سَيِّدُ، افْتَحْ لَنَا. 12 فَأَجَابَ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ: إِنِّي مَا أَعْرِفُكُنَّ. 13 فَاسْهَرُوا إِذاً لأَنَّكُمْ لا تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلا السَّاعَةَ الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ (متى 25: 1-13).

 

مناسبة رواية المثل:

دخل المسيح مدينة أورشليم يوم أحد السعف (الشعانين) كملك سلامٍ راكباً على حمار، فهتفت له الجماهير: «أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ! (بمعنى: خلِّصنا) مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!» (متى 21: 9). ودخل الهيكل وطهَّره من الباعة والصيارفة، وهو يقول: «مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!» (متى 21: 13).. ثم وبَّخ المسيح نفاق قادة الدين اليهود، وقال لهم سبع مرات: «وَيْلٌ لَكُمْ» (متى 23: 14). وفي اليوم التالي دخل الهيكل وقال عنه: « إِنَّهُ لا يُتْرَكُ ههُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لا يُنْقَضُ!» فسأله التلاميذ: «مَتَى يَكُونُ هذَا، وَمَا هِيَ عَلامَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟» (متى 24: 2، 3). فروى لهم علامات خراب أورشليم، ثم علامات مجيئه ثانية. وضرب لهم مثَلين: مثَل العذارى الحكيمات والجاهلات، ومثل المسافر الذي أعطى عبيده وزنات ليتاجروا بها.

 

وكان أول المثَلين عن حفل عرس، وهو مأخوذ من البيئة والعادات اليهودية، رواه المسيح ليوضح لسامعيه حقائق روحية سامية، فقال إن عشر عذارى كنَّ في بيت صديقة لهنَّ ستتزوَّج، مع كل واحدة منهنَّ مصباح. وحدث أن تأخر العريس فنعسن جميعهن ونمن، وانتهى زيت كل المصابيح. وكانت خمسٌ منهنَّ حكيمات جئن معهن بزيت إضافي يُبقي مصابيحهنَّ مضيئة إن تأخَّر العريس.. بينما اكتفت الخمس الأخريات (ويدعوهنَّ المسيح جاهلات) بما في مصابيحهنَّ من زيت، لأنهن كنَّ يترجَّين أن يأتي العريس مبكراً ومصابيحهن مضيئة. وأخيراً جاء العريس مع أصدقائه وهم يصيحون بابتهاج: «العريس قادم فاخرجن للقائه» فاستيقظت العذارى العشر بسرعة، وأصلحن مصابيحهن لأن تشغيل المصباح كان يحتاج إلى تنظيف، وأضافت الحكيمات زيتاً إلى مصابيحهن. واكتشفت الجاهلات انتهاء زيت مصابيحهنَّ، فحاولن استعارة زيتٍ من الحكيمات، فاعتذرن لأن ما معهنَّ لا يكفي إلا لهنَّ. فذهبت العذارى الخمس إلى الباعة لشراء مزيد من الزيت، فتأخرّن. ووصل موكب العروسين إلى بيت العريس وأُغلق الباب. ولما وصلت العذارى الخمس متأخرات لم تكن لهنَّ فرصة الاشتراك في الاحتفال.

 

وقال المسيح تعليقاً على هذا المثل: «اسهروا إذاً لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان». فلا يعرف أحدٌ موعد مجيء المسيح ثانيةً، ولكن على كل حكيمٍ أن يكون مستعداً لهذا المجيء.

 

كان علماء الدين اليهود يقولون إن لكل يهودي الحق أن يترك درس الشريعة ليشترك في مباهج احتفال عرس، وهناك مَثَل عبري يقول: «على كل يهودي من عمر ست سنين إلى عمر ستين سنة أن يجري وراء الاحتفال بالعرس». وكانت العادة في يوم العرس أن تنتظر العروسُ عريسَها في بيتها مع صديقاتها، وعددهن عشر على الأقل. ويجيء العريس مع أصدقائه إلى بيت العروس في وقت غير محدَّد ليأخذها إلى بيته ومعها أصحابها، ويسير موكبهما أطول مدة ممكنة في شوارع القرية ليحصلا على أكبر قدر من التمنِّيات الطيبة من أهل البلد. وكان هناك قانون يمنع السير ليلاً لمن لا يمتلك مصباحاً منيراً، كما كان قانونٌ آخر يمنع دخول أي شخص مهما كان مقامه إلى بيت العريس بعد دخول موكب العروسين إليه مع أصحابهما فيُغلق الباب. وكل مستعد ساهر يتمتع بالاحتفال، وكل جاهل غافل يحرم نفسه منه.

ونتعلم من مثل العذارى الحكيمات والجاهلات عدة دروس:

 

أولاً – أفراح ملكوت الله

الحياة مع الله احتفالات فرح روحي.. جاء يوحنا المعمدان «لا يأكل ولا يشرب» بمعنى أنه كان ناسكاً متقشِّفاً معتزلاً في الصحراء يقول: «أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: قَوِّمُوا طَرِيقَ الرَّبِّ» (يوحنا 1: 23). أما المسيح فقد عاش وسط الناس، وشاركهم أفراحهم وتحنَّن عليهم، وكان يقبل الخطاة ويأكل معهم، فقيل عنه إنه «أَكُولٌ وَشِرِّيبُ خَمْرٍ مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ» (متى 11: 18، 19). وهو هنا يشبِّه ملكوته بحفل عرس، فالحياة المسيحية حياة بهجة دائمة، وفرح لا يُنطَق به ومجيد.

 

إنه ملكوت القبول: هو دعوة حُبِّية موجَّهة للجميع ليتمتعوا باحتفالات بهيجة مستمرة بالرب، تشبه الاحتفال بالعرس وبدء بيت جديد، كما وصف كاتب الرؤيا السماء بأنها «أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ… مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا» (رؤيا 21: 2). وكل من يقبل دعوة الرب يقبله الرب، ويضمُّه إلى ملكوت أفراحه، ويغفر جميع ذنوبه، فيبارك الرب (مزمور 103: 3). وكل مَن يقبل دعوة المسيح وخلاصه يختبر فرح الغفران، فيُنشِد:

 

ما أبهج اليوم الذي آمنتُ فيه بالمسيح

أضحى سروري كاملاً ورنَّ صوتي بالمديح

حُبّي لفاديَّ المجيد يوماً فيوماً سيزيد

عمرٌ جديد. يومٌ سعيد يوم اختصاصي بالوحيد

 

الإحساس بالذنب يطحن الإنسان فتيبس عظامه، لكن خبر الغفران المفرح يُسمِّنها (أمثال 15: 30)، «فَتَرَوْنَ وَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ وَتَزْهُو عِظَامُكُمْ كَالْعُشْبِ وَتُعْرَفُ يَدُ الرَّبِّ عِنْدَ عَبِيدِهِ» (إشعياء 66: 14)، لأنه «إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ» (1يوحنا 1: 9) فيفرح الخاطئ الذي قبلته نعمة المسيح، وتفرح الملائكة والجار والصديق، وكل نفسٍ سالكة في الحق والطريق، ويفرح الآب السماوي بابنه رب الفدا!.. تصوَّر معي كم سيكون فرح عائلة وجيران خاطئ تاب فنال سعادة الغفران ومباهج الحياة الإيمانية الصحيحة.. الأب القاسي سيصبح رقيقاً، والزوج الخشن سيصير مُحبّاً، والجار المشاكس سيتغيَّر إلى صانع سلام، لأنه «إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً» (2كورنثوس 5: 17).

 

إنه ملكوت أُنسٍ بالله: فهو احتفال الأصحاب بالمناسبة السعيدة وبالصُّحبة المفرحة، كما قال المسيح: «سَأَرَاكُمْ أَيْضاً فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، وَلا يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ… اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً» (يوحنا 16: 22، 24).. في ملكوت الله يسير المؤمن كل اليوم مع أبيه السماوي، ويتأكد من صِدق الوعد «أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ» (متى 28: 20). وهذا الاحتفال نصيب كل من فرح بغفران خطايا الماضي، وأصبح حاضره استمتاعاً دائماً بالرب، لأنه يقوم بخدمة المسيح الذي يقول: «مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضاً، وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا» (يوحنا 14: 12). وهذا الأُنس بمحضر الرب والاستمتاع به يقود إلى ثبوت فرح المسيح الكامل في المؤمن (يوحنا 15: 11).. وفرح المؤمن بالأُنس بربِّه يبدأ بدخوله إلى ملكوت الله ولا ينتهي أبداً، لأنه يبدأ هنا على الأرض ليستمرَّ في السماء بلا نهاية.

 

إنه ملكوت النور: فلا بد أن العذارى يحملن مصابيحهن المضيئة التي تقشع ظلام الليل وتبدد كل خوف وتُظهِر كل حق. قال المسيح: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلا يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ» (يوحنا 8: 12). وصاحب نور الحياة الذي استنار بالمسيح يمسك مصباحه لينير لنفسه ولغيره، فإنهم «لا يُوقِدُونَ سِرَاجاً وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (متى 5: 15، 16). وتعلن مصابيحنا المضيئة الممتلئة بزيت النعمة أننا ساهرون مستعدون لمجيء العريس. «لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً وَسُرُجُكُمْ مُوقَدَةً» (لوقا 12: 35) «لِكَيْ تَكُونُوا بِلا لَوْمٍ، وَبُسَطَاءَ، أَوْلاداً لِلّهِ بِلا عَيْبٍ فِي وَسَطِ جِيلٍ مُعَوَّجٍ وَمُلْتَوٍ، تُضِيئُونَ بَيْنَهُمْ كَأَنْوَارٍ فِي الْعَالَمِ. مُتَمَسِّكِينَ بِكَلِمَةِ الْحَيَاةِ» (فيلبي 2: 15 و16). وخيرٌ للعينين أن تنظرا الشمس، كما قال سليمان الحكيم (جامعة 11: 7).

 

ثانياً – المسيح آتٍ ثانيةً

كانت العذارى العشر ينتظرن مجيء العريس، ولكنهن لم يكنَّ كلهن مستعدات. فلما تأخَّر موكب العريس «نعسن جميعهن ونمن» ولم تتمكن من حضور حفل العرس إلا خمسٌ منهنَّ!

 

كان اليهود (ولا يزالون) يتوقَّعون مجيء المسيح مخلصاً سياسياً، يعيد لهم أمجاد مملكة سليمان. وعندما جاء كان أكثرهم غير مستعدين.

 

واليوم نعلم كلنا أن المسيح آتٍ ثانيةً، ونرجو أن لا يكون حالنا كحال اليهود الذين كان أغلبهم غير مستعدين، لأن المسيح أوصانا: «اِسْهَرُوا إِذاً لأَنَّكُمْ لا تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ… كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لا تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ» (متى 24: 42، 44).. «اسْهَرُوا إِذاً لأَنَّكُمْ لا تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلا السَّاعَةَ الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ» (متى 25: 13).. وأوصانا الرسول بطرس: «لا يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ، لكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لا يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ. وَلكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ، يَوْمُ الرَّبِّ، الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا» (2بطرس 3: 9، 10).

 

انتظر تلاميذ المسيح مجيئه ثانيةً أثناء حياتهم، وأدّوا مهمَّتهم العظيمة التي كلَّفهم بها، لأنه وعدهم: «سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ.. وَلَمَّا قَالَ هذَا ارْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ. وَفِيمَا كَانُوا يَشْخَصُونَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ، إِذَا رَجُلانِ قَدْ وَقَفَا بِهِمْ بِلِبَاسٍ أَبْيَضَ وَقَالا: أَيُّهَا الرِّجَالُ الْجَلِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقاً إِلَى السَّمَاءِ» (أعمال 1: 8-11).

 

علينا أن نتوقَّع مجيء المسيح ثانيةً في كل لحظة، لأن الرائي يقول: «هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ، وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ» (رؤيا 1: 7).. سينوح البعض بدموع الفرح لأنهم مستعدون لمجيئه كما كانت العذارى الحكيمات. وسينوح البعض الآخر حزناً لأنهم غير مستعدين كالعذارى الجاهلات.. وما أعظم مكافأة المستعدين لمجيئه ثانية، فإن «المستعدات دخلن معه إلى العرس» وتمتَّعن ببهاء الوجود معه. فطوبى للساهر وقت مجيء المسيح، فإنه يُدخِله الحفل ويقول له: «نِعِمَّا (اختصار: نِعْم ما فعلت، بمعنى: أحسنْتَ) أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ. كُنْتَ أَمِيناً فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ» (متى 25: 21).

 

دعونا نفحص أنفسنا ونمتحنها. هل نحن مستعدون لمجيء المسيح ثانيةً؟.. كان هناك تشابه ظاهري بين الحكيمات والجاهلات، فكلهن معهن مصابيح. لكن الفرق عميق وداخلي، ولا يظهر إلا في وقت الامتحان.

 

يرمز المصباح إلى عمل الإنسان وشهادته للرب، ويرمز الزيت إلى الروح القدس. فلنسأل أنفسنا: هل نحن مولودون من الله؟ هل نحن شبعانون من نعمته؟ هل امتلأنا بروحه؟ لا يجب أن نغترَّ بمظاهر العبادة الخارجية، فهناك تشابه ظاهري بين الحكيم الذي بنى على الصخر والجاهل الذي بنى على الرمل، ولكن الفرق ظهر يوم الامتحان (متى 7: 24-27) وفي يوم الامتحان يُكرَم المرء أو يُهان!

 

ثالثاً – حاضرنا يحدِّد مستقبلنا

يحدِّد حاضرُنا مستقبلَنا. وقد كشفت صرخة نصف الليل: «هوذا العريس مقبلٌ، فاخرُجنَ للقائه» ما عند كل واحدة من العذارى. وستكشف الصرخة نفسها ما بناه كل واحد منا في الأيام التي تسبق مجيء المسيح ثانيةً. وقتها سنكتشف ثلاثة أمور:

 

هناك أشياء لا يمكن أن نؤجِّل الحصول عليها إلى اللحظات الأخيرة: لم تستطع الجاهلات الحصول على مزيد من الزيت في اللحظات الأخيرة. فاحصل الآن على نعمة الله المخلِّصة، واستمع إلى صوت الله الذي ينبِّهك إلى هذا بطرق متنوِّعة. قد يربت على كتفك بحنان، وقد يضربك بعصا تأديبه. إنه يحذرك بصوت منخفض خفيف أحياناً، وقد يحدثك بالرعد. «قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ» (رومية 13: 12).

 

وعظ نوحٌ قومه مدة مئة وعشرين سنة، وكانت كل دقَّة مسمار في الفُلك دعوةً لمعاصريه ليتوبوا عن شر أفعالهم.. وقبل الطوفان مباشرةً دخل الفُلك كل من صدَّقوا دعوة نوح، أما المستهزئون الذين طالما ضحكوا عليه فقد رفضوا الدخول، لأنه لم يسبق لهم أن رأوا أحداً يبني سفينة على اليابسة، ولا سمعوا في كل التاريخ السابق بحدوث طوفان مثل الطوفان الذي يهدِّدهم نوحٌ به. وأغلق الله باب فلك نوح، وجاء الطوفان، وحدَّد حاضرُ الناجين والمستهزئين مستقبلَهم. فالذين دخلوا نجوا، والذين رفضوا الدخول غرقوا.. ولا بد أن بعضهم حاول أن يدخل الفلك بعد أن رأى الخطر، ولكن الفرصة كانت قد ضاعت. والمسيح هو فُلك نجاتنا، الذي إن احتمينا بكفارته الكريمة ننجو بفضل ذبحه العظيم.

 

هناك أشياء لا نقدر أن نستعيرها من غيرنا: لا يأكل شخصٌ آخر أو يشرب لك بدلاً منك، بل عليك أنت أن تشرب من الماء الحي لنفسك، وأن تأكل من خبز الحياة لتشبع أنت. يمكن أن يكون أبوك قد بنى كنيسة، ولكن هذا لا يعني أنك ستدخل السماء. فيمكن أن تولد في بيتٍ تقي لكن هذا لا يجعل منك ابناً لله، فإن البنوية لله مسألة فردية، وعلاقتك بالرب أمرٌ شخصي.

 

هناك أشياء لا نحصل عليها إلا من مصدرها الصحيح: فمن المسيح وحده تأخذ زيت نعمتك، وليس من عند إخوتك المؤمنين، لأنه لا يوجد من يعطي «الزيت» إلا الذي أرسل الروح القدس ليحل على تلاميذه، بحسب وعده: «أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ، رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لا يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لا يَرَاهُ وَلا يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ» (يوحنا 14: 16، 17). فلنأتِ إلى المسيح لنحصل منه على زيت النعمة.

 

يشبه ملكوت الله حفل عرس، يدعوك الله إليه. فهل تحب أن تحتفل اليوم بخلاص نفسك؟ هل تحب أن تنال غفران خطاياك؟ هل تحب أن يُكتب اسمك في سفر الحياة لأنك تنتمي للمسيح؟.. يمكنك اليوم أن تحصل على زيت النعمة، لأن عند الرب كفايتك من كل شيء، وهو يمنحك الكل مجاناً، وبسخاءٍ، ولا يعيِّر (يعقوب 1: 5).. سيعطيك إن كنت تقول له: الآن أفتح قلبي لك يا سيدي، فادخُل فيه واملك على حياتي لتجعل مني إنساناً حكيماً مستعداً لكل عمل صالح.

 

سؤالان

لماذا يشبه ملكوت الله حفل عرس؟

اذكر بعض الأشياء التي لا يمكن أن تحصل عليها في اللحظة الأخيرة.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي