تميَّز في الحبل به من أمٍ عذراءٍ هي أعظم نساء


العالمين

 

(1)

وُلِدَ المسيح من أم وُصفت في جميع الكتب

التي كتبت عنها بأنَّها الإنسانة الوحيدة، بل المخلوقة الوحيدة، التي فاقت الملائكة والبشر! فقد قيل عنها أنَّها:

1.
أنَّها كانت مختارة، مصطفاة، علي نساء العالمين، أي في هذا العالم والعالم الآخر! وأنَّها كانت نذيرة للَّه من قَبْل الحبل بها في بطن أمِّها، كانت مميَّزة علي سائر البشر من آدم وحتي يوم الدين.

2.
وأنَّها الوحيدة التي كانت مطهَّرة، طاهرة، بحسب هذا المفهوم، من الذنوب حتي من قَبْل أنْ تُوْلَد، وأنَّ الشيطان لم يمسَّها منذ لحظة ولادتها من بطن أمِّها إلي لحظة وفاتها، كانت معصومة من مسِّ الشيطان، خاصَّة في فترة حملها بالمسيح وولادته!! جاء في الحديث
” مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ، فَيَسْتَهِلُ صَارِخاً مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ، إِلاَّ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ
“.

3.
كما أنَّها نشأت نشأة متميِّزة علي سائر البشر في العالمين، فيُقال أنَّها تربَّت في الهيكل بمُجَرِّدِ بلوغها سنّ الثالثة، وعاشت في الهيكل حتي خُطِبَت ليوسف النجار، أي عاشت كلّ حياتها منذ الطفولة منقطعة للعبادة ولا تعرف شيئًا غير العبادة.

4.
وأنَّ اللَّه تقبلها قبولاً حسنًا وأنبتها نباتًا حسنًا، أي تربَّت ونمت ونشأت تحت رعاية اللَّه المباشرة، وأنَّ اللَّه كان يعتني بها وقد حفظها من مسِّ الشيطان كما بيَّنا أعلاه.

5.
وأنَّها الإنسانة الوحيدة في العالمين التي أطعمها اللَّه من طعام الجنَّة، فيُقال أنَّ الملائكة كانوا يكلِّمونها ويأتون لها بطعام من السماء (الجنَّة)


(*)


.

6.
وأنَّ اللَّه جعلها مع اِبنها آية للعالمين.



(



*

) جاء في


الكتاب
الأبوكريفي

المسمى بإنجيل يعقوب الأولي ف 8: ” وكانت مريم في هيكل الرب كأنما كانت يمامة تقطن هناك وتتناول طعامها من يدي ملاك “، وجاء في ف 15 ” وتلقت طعام
اً

من يد ملاك “، وجاء في كتاب يسمى بشبيه متى ف 10 ” يوميا يتحدث ملاك الله لها، يوميا تتسلم طعام
اً

من أيدي الرب “، ويقول كتاب ميلاد مريم ف 9 ” فالعذراء التي كانت معتادة على الوجوه الملائكية”.


 

(2)


الأم العذراء

: وُلد جميع الأنبياء من آباء وأمّهات عاديِّين، مثل سائر البشر، وقد تفاوتوا في البرِّ والقداسة ولكنَّهم كانوا في النهاية مجرَّد بشر، وقد وُلِدُوا بحسب ناموس الخليقة، بالزواج، والعلاقات الزوجيَّة وبحسب ناموس، قانون، الوراثة الذي وضعه اللَّه، مع ملاحظة طهارة الزواج والعلاقات الزوجيَّة كقول الكتاب “
لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّماً عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ.
” (
عب13/4
)، وحتي الآباء والأنبياء الذين وُلدوا بمعجزات مثل اِسحق ويوحنا المعمدان (
تك17/19؛لو1/13
)، فقد وُلدوا أيضًا مثل سائر البشر، بالزواج وبحسب ناموس الوراثة. ولكن الربّ يسوع المسيح فقد وُلد بعيدًا عن ناموس الوراثة والزواج والعلاقات الزوجيَّة. فقد وُلِدَ من أمٍ ولكن بدون أبّ بشريّ، وُلِدَ بقوَّة اللَّه وحلول الروح القدس مباشرة.

 وقد قصد الكتاب المقدس ب ” العذراء “، العذراء إلي الأبد! فكلِّ فتاة عذراء قبل الزواج تُدْعَي ب ” عذراء ” لأنَّها عادة ما تكون عذراء إلي حين، أمَّا القدِّيسة مريم فقد دعيت ب “
الْعَذْرَاءُ
“، فهي الوحيدة العذراء قبل الحبل بالمسيح وأثناء الحبل به وبعد ولادته! لأنَّ مولودها هو “
عِمَّانُوئِيلَ
“،
اَللَّهُ مَعَنَا
. لذا فقد وُصف حبلها بأنَّه ”
آَيَة “


؛ “
وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ»
.” (
اش7/14
)، “
هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ، الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا
” (
مت1/23
).

 

(3)


الممتلئة نعمة:

كما وصفها الكتاب بالمُنْعم عليها، الممتلئة نعمة، والمتميِّزة عن سائر النساء ببركة لم تنلها ولن تنالها واحدة منهن “
فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ». فَلَمَّا رَأَتْهُ اضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ وَفَكَّرَتْ مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ التَّحِيَّةُ! فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ.
” (
لو1/2830
). وعندما ذهبت لزيارة أليصابات، صرخت أليصابات عند رؤيتها وقالت بالروح القدس الذي حلَّ عليها في تلك اللحظة “

مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هَذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟

” (
لو1/42- 43
).

 
والسؤال هنا هل نالت أيّ أمّ من أمِّهات جميع الأنبياء وتميَّزت بما تميَّزت به ونالته العذراء؟! والإجابة: كلا! والسؤال الطبيعيّ هنا هو ؛ لماذا وُصفت العذراء القدِّيسة مريم بهذه الأوصاف التي وضعتها فوق مستوي جميع النساء، بلّ وفوق مستوي جميع البشر بما فيهم الأنبياء، في الوجود كلّه؟! والإجابة المنطقيَّة هي: لأنَّ الذي حُبِلَت به وولدته هو فوق مستوي جميع البشر! هذه الإجابة المنطقيَّة أجابتها أليصابات في بساطة، بالروح القدس عندما وصفت العذراء ب “

أُمُّ رَبِّي

” ؛ “

مِنْ أَيْنَ لِي هَذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟

“!!

 
تميَّز المسيح عن سائر الأنبياء بأنَّه قد وُلد من أمٍّ عذراء بدون أبّ، وُلِدَ بدون زرع بشر، حبلت به العذراء علي عكس ناموس الطبيعة وقانون الوراثة اللَّذان وضعهما اللَّه للحبل والولادة، حبلت به بالروح القدس. وقد وُلِدَ جميع الأنبياء، دون استثناء، ولادة طبيعيَّة، بحسب ناموس الطبيعة وقانون الوراثة من آباء وأمِّهات. قال الملاك للعذراء عندما بشَّرها بالحبل بالمسيح “
وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هَذَا يَكُونُ عَظِيماً وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ
” (
لو1/3133
). ذُهِلَت العذراء عند سماعها هذا الكلام وقالت للملاك متسائلة “
كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟
“. فهي لم تتصوَّر أبدًا أنَّها يمكن أنْ تحبل بدون زواج، وسؤالها هذا يدلّ ويُؤكِّد أنَّ الزواج لم يكنْ في نيَّتها مطلقًا!! ولكن أشعياء النبي كان قد سبق وتنبَّأ قبل ذلك بحوالي 700 سنة بهذا الحبل الآية “
يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ»
” (
اش7/14
).

إذًا كيف حَبَلَت العذراء؟ ولماذا كان عليها أنْ تحبل وتلد بدون زرع بشر وبعيدًا عن ناموس الحبل والولادة الذي وضعه اللَّه؟ وقد جاءت الإجابة علي فم الملاك “
فَأَجَابَ الْمَلاَكُ: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ.
” (
لو1/35
). إذًا فالمولود هو:

(أ)
المولود بقوة اللَّه التي ظلَّلت العذراء وحلول الروح القدس عليها “
تجسَّد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنَّس

،
أي أنَّ الأبّ الحقيقيّ له هو اللَّه! ومن ثمَّ يُدْعَي بالحقيقة ابن اللَّه، سواء قبل التجسُّد أو بعد التجسُّد، فهو المولود من الآب قبل كل الدهور بلاهوته، والمولود من العذراء القدِّيسة مريم بالروح القدس عند تجسُّده! لذا يُدْعَي بالحقيقة “
ابْنَ اللهِ
“،

ابْنَ الْعَلِيِّ
“.

(ب)

وهو القدُّوس، كما قال الملاك “
الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ
“،
والقدُّوس لقب من ألقاب اللَّه!
فهل حُبِلَ بأحدٍ ما، سواء من الأنبياء أو غيرهم، بهذه الطريقة؟! وهل دُعِي أحدٌ منهم بالقدُّوس وابن العلي وابن اللَّه؟!! والإجابة؛ كلا! فلماذا وُلِدَ المسيح بهذه الطريقة ولماذا لُقِّبَ بهذه الألقاب الخاصَّة باللَّه؟
!!



(*)



(*) يزعم البعض ويقولون أنَّ الله خلق آدم بدون أب ولا أم، وأنه خلق حواء من أب ولكن بدون أم، وهكذا وُلد المسيح من أم بلا أب مثلما ولدت حواء من أب بلا أم!!! ونقول لهؤلاء أن آدم خُلق من الله مباشرة ولم يُولد من أب وأم لأنه لم يكن هناك قبله رجل أو امرأة ليولد منهما، فقد كان هو الإنسان الأول، ومن ثم فقد خلقه الله من التراب مباشرة بدون أب أو أم. كما خلقت حواء من ضلع أخذه الله من أضلاع آدم، دون أن يكون لها أب أو أم، ولم يكن آدم أباً لها لأنه لم يتزوج بامرأة أخرى لينجبها، ولا حتى حبل بها وولدها!! فكيف يكون أبوها وهي مخلوقة مثله من الله مباشرة وأن كانت منه؟! “




فأوقع الرب الإله سباتا على آدم فنام. فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحما. وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة




وأحضرها إلى آدم. ” فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي. هذه تدعى امرأة لأنها من امرأ أُخذت




” (




تك2



/21

23





). كانت الضرورة وحدها هي التي جعلت آدم وحواء يوجدان بهذه الطريقة التي وجدا بها، أي بواسطة الله مباشرة وبعيد



ً

ا عن ناموس الولادة والوراثة، لأن
َّ

هذه تتطلب وجود أب وأم وبالتالي خلقهما بواسطة الله مباشرة!! ولم يكن هناك حاجة بعد ذلك ليوجد أحد من أم بلا أب!! وهنا لا توجد مقارنة بين ولادتين وإنما بين ولادة خارقة لناموس الولادة والوراثة الطبيعي وخلق مباشر من الله. فقد خلق آدم من تراب وخلقت حواء من ضلع من أحد أضلاع آدم، أم المسيح فقد وُلد بطريقة إعجازية خارقة للناموس الطبيعي، وهذه الولادة الإعجازية
إ

نفرد بها وتميز بها وحده ولم تحدث لأحد من فبل ولن تحدث لأحد من بعد!! لماذا؟ لأنه القدوس ابن الله العلي الذي فوق جميع البشر، الأعظم.


مشاركة عبر التواصل الاجتماعي