3-


الآباء الرسوليون ومدافعو القرن الثاني ولاهوت المسيح

 

هؤلاء الآباء آمنوا بنفس إيمان الرسل، والذي تسلَّموه منهم، وتكلَّموا عن الربِّ يسوع المسيح، عن لاهوته وكيفيَّة تجسُّده، بنفس أسلوب الرسل وبساطته. وقاموا بدورٍ حاسمٍ في الردّ علي الأبيونيِّين، الذين قالوا أنَّ المسيح إنسان فقط ولكنَّه ارتقي وسما وصار إلهًا بالتبنِّي!! والغنوسيِّين


(13)


الذين ركَّزوا علي لاهوته فقط وقالوا أنَّ المسيح إله وقد نزل من السماء وظهر علي الأرض
فيشبه وهيئة وشكل الإنسان في الظاهر فقط
!!

وقد كان أولئك وهؤلاء من خارج دائرة الكنيسة، والإعلان الإلهي
، ولم يتعلَّموا علي أيدي تلاميذ المسيح ورسله ولم يتسلَّموا التعليم الصحيح منهم، ولم يُشكِّلوا خطورة تُذكر علي إيمان الكنيسة في المسيح. ومن ثمَّ فقد شرح هؤلاء الآباء لاهوت المسيح وناسوته بدقَّةٍ وبساطةٍ، كالإله المتجسِّد، مؤكِّدين علي أنَّه هو الإله الذي لا بداية له ولا نهاية، والذي كان غير مرئي ولكنَّه ظهر في الجسد الذي إتَّخذه من مريم العذراء.


لقد كان الفكر اللاهوتيّ – في فترة ما قبل نيقية – مركَّزًا علي التعليم بأنَّ المسيح هو اللَّه المتجسِّد، والفادي للعالم. وكان هذا التعليم هو الأساس لكلِّ العقائد المتعلِّقة بالتجديد بالمعموديَّة، بل وكان مطبوعًا علي الحياة العامَّة، فكان دستور عبادة الكنيسة الأولي. فلم يكنْ الأمر مجرَّد تأكيد الآباء علي لاهوت المسيح في مواجهة الهراطقة، ولكن كما يقول ” شاف ” المؤرِّخ الكنسيّ كان هذا الإيمان يُعلن في العبادة اليوميَّة والأسبوعيَّة وفي الاحتفال بالعماد، وفي العشاء الربَّانيّ، وفي الأعياد السنويَّة، ولا سيِّما في عيد القيامة. وقد وجد هذا الإيمان مكانه في الصلوات والتسابيح … وكانت الترانيم التي يكتبها الإخوة تشهد بأنَّ المسيح هو ” كلمة اللَّه “، وكانوا يؤكِّدون علي ألوهيَّته، وقد دفع كثيرون من المؤمنين حياتهم ثمنًا لشهادتهم بأنَّ المسيح هو اِبن اللَّه … فهم يرون أنَّ المسيح سابق للوجود، فقد كان هو فكر الآب أو عقله الناطق



(14)


.

 

(1) فقد سجلوا في كتاب الدياديكية أو تعاليم الرسل الأثني عشر
(كتب حوالي سنة 100م) أنَّ المسيح هو اِبن اللَّه وهو الربُّ الذي سيأتي علي السحاب ومعه الملائكة القدِّيسون (7: 16)، وكانوا يُعمِّدون المؤمنين الجدد علي اسم الثالوث الأقدس “وبعد أنْ تعلّموا كلّ ما سبق عمَّدوا كما يأتي “
باسم الآب والابن والروح القدس بماء جارٍ
(1: 7)، كما قال الرب يسوع المسيح لتلاميذه “
وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ
” (
مت28/19
).

 

(2) وجاء في رسالة برنابا (من 90 – 100م تقريبا)،
قوله “
يا إخوتي إذا كان السيِّد قد احتمل أنْ يتألَّم من أجل نفوسنا وهو ربّ المسكونة وله قال الربّ ” لنصنعن الإنسان علي صورتنا ومثالنا ” فكيف قبل أنْ يتألَّم علي أيدي الناس، فتعلَّموا أنَّ الأنبياء بالنعمة التي أعطوها من عنده تنبأوا عنه. ولكي يُبطل الموت ويُبرهن القيامة من الأموات ظهر بالجسد وإحتمل الآلام
” (5: 4،6)، ثم يضيف الكاتب “
لو لم يأتِ بالجسد لما استطاع البشر أنْ ينظروا خلاصهم. إذا كانوا لا يستطيعون أنْ ينظروا إلي الشمس التي هي من أعمال يديه فهل يمكنهم أنْ يحدِّقوا إليه لو كان قد جاءهم بغير الجسد. إذا كان اِبن اللَّه قد أتي بالجسد فلأنَّه أراد أنْ يضع حدًا لخطيئة أولئك الذين اضطهدوا أنبياءه
” (10: 4،11).


 ثم يشرح التجسُّد بأكثر دقَّةٍ وتفصيلٍ فيقول “

للمرَّة الثانية يظهر يسوع لا كاِبن للبشر بل كاِبن للَّه ظهر بشكل جسديّ وبما أنَّه سيُقال أنَّ المسيح هو اِبن داود فإنَّ داود يُسرع ويتنبَّأ قائلاً ” قال الربُّ لربِّي إجلس عن يميني حتَّي أجعل أعداءك موطئا لقدميك
“. خوفًا من أنْ يسيء الخطاة فهم بنوَّة يسوع … فهل رأيتم كيف يعطيه داود اسم الربّ لا اسم الابن؟ ” (10: 12،11)


(15)


.

 

(3) ويتكلم القديس إكليمندس الرومانيّ،
والذي كان أسقفًا لروما (من سنة92 إلى 100م)


(16)


، كما كان أحد مساعدي القدِّيس بولس الرسول والذي قال عنه أنَّه جاهد معه في نشر الإنجيل (
في4/3
)، كما تعرَّف علي الكثيرين من رسل المسيح واستمع إليهم، ويقول عنه القدِّيس إيريناؤس واحد تلاميذ الآباء الرسوليِّين وحلقة الوصل بينهم وبين من جاء بعده من آباء الكنيسة، أنَّه “
رأى الرسل الطوباويِّين، وتحدَّث معهم وكانت كرازتهم لا تزال تدوي في أذنَيه وتقليدهم ماثل أمامه



(17)


، في رسالته إلي كورنثوس حوالي سنة 96م، عن لاهوت المسيح بنفس أسلوب وطريقة القدِّيس بولس:




فيتكلم عن المسيح الذي أخفي عظمته الإلهيَّة وجاء متضعًا “
أنَّ صولجان جلال اللَّه، الربّ يسوع المسيح، لم يأتِ متسربلاً بجلال عظمته – كما كان في استطاعته – بل جاء متواضعًا كما تنبَّأ عنه الروح القدس
” (ف 16).




وأيضًا يكتب نفس ما جاء في بداية الرسالة إلي العبرانيِّين “
الذي هو بهاء مجده، صار أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث أفضل منهم. فقد كتب
” الصانع ملائكته أرواحًا وخدَّامه لهيب نار. ويقول الربّ عن ابنه “
أنت ابني أنا اليوم ولدتك … ويقول له أيضا ” اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك تحت قدميك
” (ف36).





كما يُشير إلي ملكوته السماويّ فيقول “

كلُّ الأجيال من آدم إلي يومنا هذا قد عبرت، أمَّا المتكلِّمون في الحبِّ بالنعمة الإلهيَّة فيجلسون في مجالس القدِّيسين ويظهرون عند إعلان ملكوت المسيح
” (ف50).




وأشار إلي عقيدة الثالوث، الآب والابن والروح القدس بأسلوب الرسل دون أنْ يقصد أيّ شرح، لأنَّ هذا الموضوع لم يكنْ قد أُثير بعد، فيقول “
أليس لنا إلهٌ واحدٌ، ومسيحٌ واحدٌ، وروحُ نعمةٍ واحدٍ سُكب علينا
” (ف46)، “
حيّ هو اللَّه، حيّ هو يسوع المسيح ربنا، وحيّ هو الروح القدس
” (ف58).




ويصف المسيح باِبن اللَّه الحبيب والوحيد “
ابنه الحبيب يسوع المسيح … بيسوع المسيح ابنك الوحيد … أنَّك أنت هو اللَّه ويسوع المسيح هو اِبنك
“(ف59).




ويختم رسالته بنفس أسلوب الرسل “
نعمة ربنا يسوع المسيح تكون معكم ومع جميع الذين دعاهم لله في كل موضع بالمسيح الذي له ومعه المجد والكرامة والسلطان والعظمة والعرش الأبدي من جبل إلى جيل، آمين
“.

 

(4) ويشرح القديس أغناطيوس (35 – 107م)،
الذي كان أسقفًا لأنطاكية وتلميذًا للقدِّيس بطرس الرسول، وقال عنه المؤرِّخ الكنسي يوسابيوس القيصريّ “
أغناطيوس الذي اختير أسقفاً خلفاً لبطرس، والذي لا تزال شهرته ذائعة بين الكثيرين



(18)


، إيمان الكنيسة في عصره، فيُوضِّح كيف أنَّ الربّ يسوع المسيح هو اللَّه ولكنَّه، ظهر في الجسد، تجسد وصار إنسانًا حقيقيًا، هو الإله المتجسِّد “
إنَّه المسيح المصلوب هو الإله المتجسِّد
“:




فيقول في مقدِّمة رسالته إلي الرومان “
تحيَّة لا شائبة فيها في يسوع المسيح إلهنا
“. ويقول في نفس الرسالة أيضًا “
وإلهنا يسوع المسيح عاد إلي حضن أبيه وبذلك صار يتجلَّي لنا بمزيد من الوضوح
” (ف 30: 3). ويقول في رسالته إلي أفسس “
أنَّه حالٌّ فينا ونحن هياكله وهو إلهنا الساكن فينا
” (أفسس 15: 3).





وفي رسالته إلي روما “

وإلهنا كلنا يسوع المسيح
” (روما53: 3)، وفي رسالته إلي سميرنا “
المسيح إلهنا
” (سميرنا 1: 107). ويختم رسالته إلي بوليكاربوس بقوله “
وداعًا في إلهنا يسوع المسيح
” (بوليكاربوس1: 1).




ويقول أيضًا أنَّه اللَّه الذي تجسَّد وصار إنسانًا “
لقد صار اللَّه إنسانًا لتجديد الحياة الأبديَّة
” (أفسس3: 19). ووصفه بالإله المتجسِّد فيقول “
لأنَّ إلهنا يسوع المسيح قد حبلت به مريم حسب تدبير اللَّه
” (أفسس2: 18). كما يصف الدم الذي سفكه المسيح بأنَّه دم اللَّه فيقول “
وقد أكملت عمل الإخوة حتى النهاية بدم اللَّه
” (أفسس1: 1). وأنَّ آلامه هي الآم اللَّه “
دعوني أفتدي بآلام إلهي
” (روما 6: 3).




ويؤكِّد علي حقيقة تجسُّده وكمال ناسوته حيث إتَّخذ جسدًا حقيقيًا، فيقول “
المسيح يسوع الذي من نسل داود والمولود من مريم، الذي وُلد حقًا وأكل حقًا وشرب حقًا، وصُلب حقًا علي عهد بيلاطس البنطي، ومات حقًا أمام السمائيِّين والأرضيِّين
” (ترالس 9)، “
أشكر يسوع المسيح الإله … الذي وُلد حقًا من نسل داود حسب الجسد
” (ازمير1).




ويؤكِّد علي حقيقة كونه إلهًا وإنسانًا في آنٍ واحدٍ “
يُوجد طبيبٌ واحدٌ هو في الوقت نفسه جسدٌ وروحٌ (إنسانٌ وإلهٌ)، مولود وغير
مولود، الله صار جسدًا، حياة حقيقيَّة في الموت، من مريم ومن اللَّه، في البدء كان قابلاً للألم وأصبح الآن غير قابلٍ للألم، هو يسوع المسيح ربُّنا
” (أفسس8: 2)، وأيضًا “
إيمانٌ واحدٌ بيسوع المسيح الذي من نسل داود حسب الجسد؛ ابن الإنسان وابن اللَّه
” (أفسس20: 2)، وأيضًا “
يسوع المسيح الكائن قبل الدهور مع الآب وقد ظهر في ملء الزمان
” (مغنيسيا 6: 1). وأيضًا “
وليكن نظرك علي من لا يتغيَّر أي ذاك الذي يعلو الزمان ولا يُريى وقد صار مرئيًا لأجلنا، لا يلمس ولا يتألَّم ولكنه قد صار ملموسًا ومتألمًا وإحتمل كلّ شيء لأجلنا
” (بوليكاربوس 3: 2).


 وهكذا قدَّم لنا يسوع المسيح في لاهوته وناسوته، كالإله المتجسِّد، بصورةٍ دقيقةٍ ومتطابقةٍ مع الكتاب المقدَّس تمامًا. وكان في أقواله هذه الردّ الكافي والحاسم علي كلٍّ من الأبيونيِّين والغنوسيِّين.

 

(5) ويقول القديس بوليكاربوس أسقف أزمير (65- 155م)،
والذي كان تلميذًا للقدِّيس يوحنَّا الرسول وبعض الرسل الذين أقاموه أسقفًا علي أزمير بآسيا الصغري، كما يقول إريناؤس أسقف ليون والمؤرِّخ الكنسي يوسابيوس القيصري


(19)


والقديس جيروم


(20)


، والذي استلم التقليد الرسولّى من الرسل. في رسالته القصيرة التي كتبها (فيما بين 108 – 110م)، ” من لا يعترف بأنَّ يسوع قد جاء في الجسد فهو ضد المسيح ” (ف 7: 7). وهذا نفس ما قاله القدِّيس يوحنَّا والذي ردَّ به، بالروح، على الأبيونيَّة والغنوسيَّة معًا.


 وكان هذا هو نفس إيمان رسل المسيح وتلاميذه والذي كان معروفًا عنهم في القرن الأوَّل الميلاديّّ سواء من الوثنيِّين أو اليهود. فقد كتب بلِّيني في رسالة له للإمبراطور تراجان “

أن المسيحيين يعبدون المسيح كاللَّه أو اِبن اللَّه



(21)


. وأيضًا “
عادة يجتمع المسيحيُّون قبيل الفجر في يوم محدَّد لإكرام المسيح إلههم بالترانيم



(22)


. ويذكر المؤرِّخ الكنسي يوسابيوس القيصريّ أنَّه جاء في رسالة لأبجر ملك اديسا موجهًا للربِّ يسوع المسيح قوله “
وإذ سمعت عنك كل هذه الأمور استنتجت أنَّه لابد أنْ يكون أحد هذَين الأمرَين صحيحًا، إمَّا أنْ تكون أنت اللَّه وقد نزلت من السماء تصنع هذه الأمور، أو تكون أنت اِبن اللَّه وصنعت هذه الأمور



(23)


.

 

6- يوستينوس الشهيد (100 إلى 165م):
عاش يوستينوس الشهيد في بداية القرن الثاني، وكرَّس حياته للدفاع عن المسيحيَّة وكان أوَّل المدافعين عنها،
وقد بقى لنا من كتاباته دفاعان عن المسيحيَّة وجَّههما للإمبراطور الرومانيّ أنطونيوس بيوس (138 – 161م) والسانتوس الروماني


(24)


، وحوار مع الفيلسوف اليهوديّ فيلو والذي شرح فيه التسليم الرسوليّ، المسلَّم من رسل المسيح للكنيسة، فيقول “
لأنَّه كما آمن إبراهيم بصوت اللَّه وحُسب له ذلك برًا، ونحن بنفس الطريقة آمنا بصوت اللَّه الذي تحدَّث لنا بواسطة رسل المسيح وأُعلن لنا بواسطة الأنبياء حتَّي الموت لأنَّ إيماننا تبرَّأ بكلِّ ما في العالم



(25)


، ويقول عنه الدارسون أنَّه يصف تكرارًا التقليد كما تسلَّمه عن المسيح


(26).


 وقد تكلَّم عن المسيح باعتباره كلمة اللَّه الذي كان موجودًا قبل كلِّ خليقة وهو نفسه اللَّه الذي ظهر للآباء البطاركة في العهد القديم وكلَّمهم بإعتباره إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، وأنَّه ابن اللَّه الوحيد الذي من ذات اللَّه وغير المنفصل عنه مثلما لا ينفصل نور الشمس عن الشمس، والذي صار إنسانا بولادته من عذراء وتألَّم في عهد بيلاطس البنطي لأجل خلاصنا. ومن أقواله، علي سبيل المثال:





مكتوب في مذكرات رسله (أي الأناجيل) أنَّه ابن اللَّه، ولأننا ندعوه الابن، فقد أدركنا أنَّه وُلد من الآب قبل كلِّ الخلائق بقوَّته وإرادته … وصار إنسانًا من العذراء لكي يدمِّر العصيان الذي نتج بسبب الحيَّة



(27)


.





تعلَّمنا أنَّ الخبز والخمر كانا جسد ودم يسوع الذي صار جسدًا



(28)


.





يسوع المسيح هو الابن الوحيد المولود من اللَّه لكونه كلمته (

Logos –


λογος

) وبكره وصار جسدًا بحسب إرادته



(29)


.





نعبد ونحب الكلمة (

Logos –


λογος

) الذي من اللَّه غير المولود وغير المنطوق به، فقد صار بشرًا لأجلنا



(30)


.





الكلمة (

Logos –


λογος

) ذاته الذي إتَّخذ شكلاً وصار بشرًأ ودُعي يسوع المسيح



(31)


.





قال يسوع وليس أحد يعرف الابن إلاَّ الآب ولا الآب إلاَّ الابن، ومن أراد الابن يُعلن له، لأنًَّ اليهود لم يعرفوا من هو الآب ولا من هو الابن … والآن نقول، كما قلَّنا سابقًا، كلمة اللَّه هو اِبنه



(32)


.

 

وفي حواره الطويل مع تريفو الفيلسوف اليهودي يؤكِّد له أنَّ اللَّه والربّ الذي ظهر للآباء البطاركة هو ابن اللَّه نفسه، الربّ يسوع المسيح، فيقول “
تُبيَّن الأسماء المختلفة للمسيح، بحسب الطبيعتَين أنَّه، هو اللَّه الذي ظهر للآباء، وقد دُعي مرَّة بملاك المشورة العظيم (ملا 3/1)، ودُعي إنسانًا في حزقيال، ومثل اِبن إنسان في دانيال، ووُلد في أشعياء، ودعاه داود مسيح وإله ومعبود … هو اللَّه ابن اللَّه الغير مولود وغير المنطوق به، لأنَّ موسي يقول الآتي في مكان ما في الخروج

وَأنَا ظَهَرْتُ لابْرَاهِيمَ وَاسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِانِّي الْالَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَامَّا بِاسْمِي «يَهْوَهْ» فَلَمْ اعْرَفْ عِنْدَهُمْو وَأَيْضًا اقَمْتُ مَعَهُمْ عَهْدِي
” (
خر6/3-4
). ويقول أيضًا أنَّ إنسانًا صارع مع يعقوب، ويؤكِّد أنَّه اللَّه، رؤيا اللَّه، فقد قال يعقوب “
نَظَرْتُ اللهَ وَجْها لِوَجْهٍ وَنُجِّيَتْ نَفْسِي
” (
تك32/24-30
)، ومكتوب أنَّه دعا اسم المكان الذي صارعه فيه وظهر له وباركه فيه وجه اللَّه ” فنيئيل ” …
ودعي بالكلمة لأنَّه يحمل الأخبار من الآب للبشر ولكنه غير منقسم أو منفصل عن الآب أبدًا كما يُقال أنَّ نور الشمس الذي علي الأرض غير مُنقسم وغير مُنفصل عن الشمس في السماء … إنَّه مولود من الآب بقوَّته وإرادته ولكن دون انفصال



(33)


.




وقال عن ناسوته “
دعي يسوع نفسه اِبن الإنسان أمَّا بسبب ولادته من خلال عذراء أو لأنَّه جاء من نسل داود والبطاركة



(34)


.

7 – ايريناؤس (120-202م) أسقف ليون:
كان إيريناؤس أسقف ليون بالغال (فرنسا حاليًا) هو أحد تلاميذ تلاميذ الرسل وخلفائهم وحلقة الوصل بين تلاميذ الرسل ومن جاءوا بعده، فقد شاهد واستمع لتلاميذ الرسل، خاصَّة بوليكاربوس الذي استمع إليه ورآه في شبابه، ويقول عنه “
أنَّه إلي الآن لم يزلْ ثابتًا في مخيَّلتي نوع الاحتشام والرصانة الذي كان يتَّصف به القدِّيس بوليكاربوس مع احترام هيئته ووقار طلعته وقداسة سيرته، وتلك الإرشادات الإلهيَّة التي كان يعلِّم بها رعيَّته وأبلغ من ذلك كأنِّي أسمع ألفاظه التي كان ينطق بها عن الأحاديث التي تمت بينه وبين القدِّيس يوحنَّا الإنجيليّ وغيره من القدِّيسين الذين شاهدوا يسوع المسيح علي الأرض وتردُّدوا معه وعن الحقائق التي تعلذَمها وتسلَّمها منهم



(35)


.

 

وقد كتب مجموعة من الكتب ” ضد الهراطقة ” دافع فيها عن المسيحيَّة وأسفارها المقدَّسة وردّ علي هرطقة الغنوسيِّين وهرطقة الأبيونيِّين وشرح الإيمان المسيحيّ في عصره كما تسلَّمه من تلاميذ الرسل “
الإيمان المسلّم مرة للقديسين
” (
يه3
). وأكَّد من خلال آيات الكتاب المقدَّس أنَّ الرب يسوع المسيح هو ابن اللَّه الوحيد، اللَّه الابن، وكلمته وحكمته وقوَّته، الموجود مع الآب، في ذات الآب، بلا بداية، الذي خلق به كل شيء في الكون. كما أكَّد علي حقيقة تجسُّده، إتخاذه جسدًا، وكان من أوائل آباء الكنيسة الذين استخدموا تعبير ” التجسُّد




sarkosis



،


σαρκσις


أو



ensarkosis



،


ενσαρκοσς

“، أي إتَّخذ جسدًا من تعبير القدِّيس يوحنَّا ” والكلمة صار جسدا –

και


ό


λογος


σαρκς


εγενετο



kaiho logos
sarx
egeneto





(36)


. وأنَّ المسيح بتجسُّده إتَّخذ الطبيعة الإنسانيَّة الكاملة بكلِّ ما تحمله الكلمة من معني، كما أنَّه لم يتَّخذْ جسدًا من طبيعة أخري غير طبيعة الإنسان، من لحمٍ ودمٍ وروحٍ إنسانيَّة

(37)

. ويؤكِّد علي أنَّه كان له روح بشريَّة كالتي لنا “
كما أننا مُكَوَّنين من جسد مأخوذ من التراب ومن نفس تُقبل روح من اللَّه.
فهذا ما صار إليه كلمة الله متخذا لنفسه صنعة يديه وعلى هذا الأساس أعترف بنفسه كابن الإنسان
“.


(38)


وفيما يلي بعض من أقوله:





تسلَّمت الكنيسة … من الرسل ومن تلاميذهم هذا الإيمان [ فهي تؤمن ] بإلهٍ واحدٍ الآب القدير خالق السماء والأرض والبحر وكلّ ما فيها، وبيسوع المسيح الواحد، ابن اللَّه الذي تجسَّد لأجل خلاصنا



(39)


.





صار الله إنسانًا والرب نفسه خلَّصنا معطيًا لنا علامة العذراء



(40)





كلمة اللَّه ربّنا يسوع المسيح الذي صار إنسانًا بين البشر في الأيام الأخيرة ليُوحِّد النهاية في البداية، أي اللَّه بالإنسان



(41)


.


 





لأجل خلاصنا، يسوع المسيح ربنا



(42)


.





كان الكلمة موجودًا في البدء مع اللَّه، وبه خلق كلّ شيء وكان دائمًا موجودًا مع الجنس البشريّ، وحديثًا جدًا، في لحظة معيَّنة من الآب، اتحد مع صنعة يديه وبه صار إنسانًا خاضعًا للألم



(43)


.

 

وقد شرح القدِّيس إيريناؤس التجسُّد ووحدة شخص المسيح الواحد، من خلال حديثه عن حلول الروح القدس علي العذراء وولادة عمانوئيل الذي هو اللَّه معنا منها، في مجمل ردِّه علي الغنوسيِّين “
وُلد ابن اللَّه من عذراءٍ، وهو نفسه المسيح المخلِّص الذي تنبَّأ عنه الأنبياء، ليس كما يقول هؤلاء الناس (أي الغنوسيِّين) أنَّ يسوع هو الذي وُلد من مريم ولكن المسيح هو الذي نزل من فوق
“. ثم يقول أنَّ متَّي لم يقلْ ” أّمّا ولادة يسوع فكانت هكذا ” إنَّما قال “
أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هَكَذَا
” (
مت1/18
)، “
وهو عمانوئيل لئلا نتخيَّل أنَّه مجرَّد إنسان: لأنَّه ليس من مشيئة جسد ولا من مشيئة إنسان، بل بإرادة اللَّه صار الكلمة جسدًا. ويجب أنْ لا نتخيَّل أنَّ يسوع واحد والمسيح آخر، ولكن يجب أنْ نعرف أنَّهما نفس الواحد



(44)


.




كما ردَّ علي الأبيونيِّين قائلاً “
وباطل أيضًا الأبيونيين الذين لم يقبلوا الإيمان لنفوسهم في اتحاد اللَّه والإنسان … ولم يريدوا أنْ يفهموا أنَّ الروح القدس حلَّ علي العذراء وأنَّ قوة العليّ ظلَّلتها، ولذا فالذي وُلد هو قدوس وابن اللَّه العليّ أبو الكلِّ، ونتج التجسُّد



(45)


.




ومثل أغناطيوس الأنطاكي الذي شرح كيفيَّة قبول المسيح للحدود البشريَّة “
من لا يتغيَّر، أي ذاك الذي يعلو الزمان والمكان ولا يري ولكن صار مرئيًا لأجلنا، لا يُلمس ولا يتألَّم ولكنه صار ملموسًا ومتألمًا وإحتمل كلِّ شيء لأجلنا
“، فقال “
أنَّ الربّ يسوع المسيح من أجلنا قبل الحدود الجسديَّة والإنسانيَّة، الذي كان غير مرئي صار مرئيًا، غير المتألِّم صار متألمًا لأجلنا، غير المدرك صار مدركًا لأجلنا



(46)


.


 وهكذا قدَّم آباء الكنيسة، خلفاء الرسل، الذين تسلَّموا منهم ” الإيمان المسلَّم مرة للقدِّيسين “، الإيمان الصحيح والعقيدة القويمة (الأرثوذكسيَّة) للكنيسة الواحدة الجامعة الرسوليَّة في لاهوت المسيح، وأنَّه هو اللَّه الذي تجسَّد وظهر علي الأرض في الجسد، كلمة اللَّه إتَّخذ جسدًا، صار جسدًا، حلّ بملء لاهوته في الجسد، صورة اللَّه إتَّخذ صورة العبد ووُلد من امرأة في ملء الزمان، وردوا علي هرطقات القرنين الأوّل والثاني، والتي أتت من خارج الكنيسة وأظهروا فساد أفكارها وبدعها.


 وها نحن أيضًا نُبرز إيمانهم ونُوضِّح عقيدتهم وإيمانهم بأنَّ المسيح هو اللَّه، ونردّ علي النقَّاد والكتَّاب الذين خمَّنوا وأفتوا فيما لا يعلمون.


 




(13) أنظر كتابنا ” عقيدة المسيح عبر التاريخ “.


(14) موسوعة آباء الكنيسة ج- 1: 227.


(



15)



أما كتاب الرعي لرهرماس والذي كتب في نهاية القرن الأول أو بداية القرن الثاني فيصف المسيح بابن الله وسيد كل البشر ” أنه سيد كل البشر وقد أعطاه أبوه كل سلطان ” (مثل 6: 5)، وأنه الموجود مع الآب قبل الخليقة ” أن ابن الله هو قبل كل الخليقة وكان مستشار أبيه في عمل الخليقة لذلك هو أزلي … لأن ابن الله ظهر في الأيام الأخيرة من انتهاء العالم وقد عمل ليدخل معه إلى الملكوت السماوي الذين يخلصون … يسوع المسيح ابن الله الحبيب ” (مثل 2: 9،5).



(16)



يوسابيوس ك 3 ف15.



(17)



Adv.
Haer. b. 3: 31



.


(18) يوسابيوس ك 3 ف 2: 36.


(19) يوسابيوس ك3 ف 1: 26، ك4 ف 3: 14.


(20) مشاهير الرجال ف 17.



(21)




Theological
Dic.

NT vol. 3 p. 106
.




(22)



تارخ الفكر ج 1: 155.



(23)




Ibid, 106
.




أنظر أيضا تفسير المشرقي ج 2


(24) يوسابيوس ك 4 ف 12و18.



(25)




Dialogue 76
.




(26)



Jesus
Afterthe Gospels p. 59



.



(27)



Dial. 100


.



(28)



Dial
..66



.



(29)



Apology 1: 23


.



(30)



Apology 2: 13


.



(31)



Apology 1


:



(32)



Apology 1: 63


.



(33)



Dial. 126 – 129


.



(34)



Dial. 100.3


.


(35) الآباء الرسوليين للقمص تادرس يعقوب ص 126 أنظر أيضا


Ag.

Haer

.3: 3, 4



(36)



Catholic Encyclopedia, Incarnation…



(37)




Adv.Her. 5: 12, 2



.



(38)



B5: 14, 2


.



(39)



B 1: 10, 1


.



(40)



B3: 21, 1


.



(41)



B4: 20, 4


.



(42)



B3: 16, 2


.



(43)



B3: 18, 1



(44)



B3: 16, 2


.



(45)



B5: 1, 3


.



(46)



See B3: 16, 6.
AndJesus after the Gospels p. 102



.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي