الجزء الثاني امتياز أبناء ملكوت الله

1 – امتياز غفران الخطايا مثل المديونَين

36 وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ، فَدَخَلَ بَيْتَ الْفَرِّيسِيِّ وَاتَّكَأَ. 37 وَإِذَا امْرَأَةٌ فِي الْمَدِينَةِ كَانَتْ خَاطِئَةً، إِذْ عَلِمَتْ أَنَّهُ مُتَّكِئٌ فِي بَيْتِ الْفَرِّيسِيِّ، جَاءَتْ بِقَارُورَةِ طِيبٍ 38 وَوَقَفَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ بَاكِيَةً، وَابْتَدَأَتْ تَبُلُّ قَدَمَيْهِ بِالدُّمُوعِ، وَكَانَتْ تَمْسَحُهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا، وَتُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَتَدْهَنُهُمَا بِالطِّيبِ. 39 فَلَمَّا رَأَى الْفَرِّيسِيُّ الَّذِي دَعَاهُ ذلِكَ، قَالَ فِي نَفْسِهِ: لَوْ كَانَ هذَا نَبِيّاً لَعَلِمَ مَنْ هذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي تَلْمِسُهُ وَمَا هِيَ! إِنَّهَا خَاطِئَةٌ. 40 فَقَالَ يَسُوعُ: يَا سِمْعَانُ عِنْدِي شَيْءٌ أَقُولُهُ لَكَ. فَقَالَ: قُلْ يَا مُعَلِّمُ. 41 كَانَ لِمُدَايِنٍ مَدْيُونَانِ. عَلَى الْوَاحِدِ خَمْسُ مِئَةِ دِينَارٍ وَعَلَى الآخَرِ خَمْسُونَ. 42 وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَا يُوفِيَانِ سَامَحَهُمَا جَمِيعاً. فَقُلْ: أَيُّهُمَا يَكُونُ أَكْثَرَ حُبّاً لَهُ؟ 43 فَأَجَابَ سِمْعَانُ: أَظُنُّ الَّذِي سَامَحَهُ بِالأَكْثَرِ. فَقَالَ لَهُ: بِالصَّوَابِ حَكَمْتَ. 44 ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْمَرْأَةِ وَقَالَ لِسِمْعَانَ: أَتَنْظُرُ هذِهِ الْمَرْأَةَ؟ إِنِّي دَخَلْتُ بَيْتَكَ، وَمَاءً لأَجْلِ رِجْلَيَّ لَمْ تُعْطِ. وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ غَسَلَتْ رِجْلَيَّ بِالدُّمُوعِ وَمَسَحَتْهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا. 45 قُبْلَةً لَمْ تُقَبِّلْنِي، وَأَمَّا هِيَ فَمُنْذُ دَخَلْتُ لَمْ تَكُفَّ عَنْ تَقْبِيلِ رِجْلَيَّ. 46 بِزَيْتٍ لَمْ تَدْهُنْ رَأْسِي، وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ دَهَنَتْ بِالطِّيبِ رِجْلَيَّ. 47 مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَقُولُ لَكَ: قَدْ غُفِرَتْ خَطَايَاهَا الْكَثِيرَةُ لأَنَّهَا أَحَبَّتْ كَثِيراً. وَالَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَلِيلاً. 48 ثُمَّ قَالَ لَهَا: مَغْفُورَةٌ لَكِ خَطَايَاكِ. 49 فَابْتَدَأَ الْمُتَّكِئُونَ مَعَهُ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ: مَنْ هذَا الَّذِي يَغْفِرُ خَطَايَا أَيْضاً؟. 50 فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: إِيمَانُكِ قَدْ خَلَّصَكِ! اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ (لوقا 7: 36-50).

 

مناسبة رواية المثَل:

اعتاد أغنياء اليهود أن يقيموا ولائم يلتقي فيها الأهل والأصدقاء. وفي الصيف كانوا يقيمون الوليمة في فناء البيت، فيخلعون نعالهم، ويتكئون على مرافقهم اليسرى، ويمدّون أرجلهم إلى الخلف، ويتناولون الطعام بأيديهم اليمنى. وكان أصحاب البيت يسمحون للعامَّة بالدخول إلى مكان الوليمة، ويضعون لهم حشايا يجلسون عليها متكئين على الحوائط، ليشاهدوا مشاهير القوم، ويروا عظمة المضيف وغِناه وكرمه الواضح في الطعام الكثير الشهي، وليستمعوا للأحاديث التي تدور حول المائدة. وكان للعامة حق الحديث مع الضيوف، ولو أنه لم يكن مسموحاً لهم أن يتناولوا الطعام معهم.

 

وذات يوم دعا فريسيٌّ غنيٌّ اسمه «سمعان» السيدَ المسيح إلى وليمة. ولعل سمعان طلب من المسيح أن يلقي كلمة، فتحدَّث عن ضرورة التوبة. وسمعته امرأةٌ خاطئة من العامَّة كانت قد دخلت إلى البيت، فعزمت أن تتوب، وأن تعبِّر عن ذلك علناً.. وكان واجب الضيافة الأساسي أن يُقبِّل الضيف ضيفه ليعبِّر عن الترحيب به، كما كان يعطي ماءً لغسل رجليه لأنهم كانوا يلبسون صنادل مفتوحة فتتَّسخ أقدامهم أثناء السير في الطرق الترابيَّة. وكلما كان الضيف عزيزاً صبَّ المضيف على رأسه زيتاً عطراً تملأ رائحته أرجاء المكان. ولم يكن سمعان الفريسي قد فعل شيئاً من هذا، فلا هو قبَّل ضيفه، ولا أعطى ماءً لغسل رجليه، ولا صبَّ على رأسه عطوراً.. فقامت المرأة الخاطئة بهذا الواجب بمحبة وتلقائية أعظم مما كان يجب على «سمعان» أن يفعله، وبصورة فاقت كل ما تخيَّله الحاضرون.

 

كانت المرأة اليهودية عادةً تضع حول رقبتها قارورة طيب لتستخدمها في المناسبات العظيمة. وكانت لا تحل شعرها أمام الغرباء أبداً. إلا أن هذه الخاطئة غسلت قدمي المسيح بدموعها التي ذرفتها من قلب تائب نادم على خطيتها، وحلَّت شعرها، تاج جمالها، ومسحتهما به، وهي تقبِّلهما وتدهنهما بالطيب. فما أعظم الفرق بين سمعان وبين المرأة الخاطئة! هو لم يعطِ ماءً لغسل رجلي المسيح، فسكبت هي دموع توبتها عليهما. هو لم يقبِّل وجه المسيح، أما هي فقبَّلت قدميه. هو لم يدهن رأس المسيح بأي عطور، أما هي فطيَّبت قدميه. ولم يحس هو أنه خاطئ، أما هي فأحسَّت بخطاياها. واحتقر هو المسيح في نفسه، كما احتقر المرأة الخاطئة، فقال: «لو كان هذا نبياً لعَلِم مَن هذه المرأة التي تلمسه، وما هي! إنها خاطئة» (آية 39).

 

ولما كان المسيح هو النبي والمخلِّص عرف ما يدور بخاطر سمعان، وأجابه بمحبة، وضرب له مثَل المديونَيْن، فقال: كان لمدايِن مديونان، على واحدٍ خمسمائة دينار وعلى الآخر خمسون (الدينار كان أجر عامل في اليوم). وعجز المديونان عن وفاء الدين، فسامح المداين المديونين. وسأل المسيحُ سمعانَ: «أيهما يكون أكثر حباً له؟» فأجاب سمعان: «أظن الذي سامحه بالأكثر».

 

والمعنى الواضح أن المداين هو الرب، والمديونَيْن هما سمعان الفريسي والمرأة الخاطئة.. سمعان يظن أن دَيْنه صغير، أما المرأة الخاطئة فهي تعلم أنها مديونة ديناً كبيراً. وعندما يسامح الله المديون بالكثير لا بد أنه سيحبُّه أكثر مما يحبُّه صاحب الدَّين القليل.

 

حادثتان متشابهتان: وردت في الإنجيل قصتان عن امرأتين سكبتا الطيب على المسيح: إحداهما ورد ذكرها في إنجيلي متى 26 ومرقس 14، والأخرى في لوقا 7. ويروي لوقا 7 حادثة جرت في الجليل، في بداية خدمة المسيح الجهارية، في بيت سمعان الفريسي.. أما في متى 26 ومرقس 14 فقد جرت الحادثة في بيت سمعان الأبرص في قرية بيت عنيا بولاية اليهودية، في نهاية خدمة المسيح الجهارية. ويلتبس الأمر على القارئ لأن اسم المرأة غير مذكور في القصتين، ولأن اسم المضيف في القصتين هو سمعان، ولو أن سمعان الأول فريسي، وسمعان الآخر سمعان الأبرص (والأغلب أنه كان مريضاً بالبرص، فشفاه المسيح).

 

ونتعلم من هذا المثل درسين عظيمين:

 

أولاً – كلنا مديونون

كل خطية دَيْن يؤرق صاحبه ويُذلّه.. ولو أن بعض الناس ينظرون إلى الخطية باستخفاف، وكأنها شيء بسيط. ويقول البعض الآخر إن هناك خطية كبيرة وأخرى صغيرة، كما يقولون إن هناك كذباً أبيض وكذباً أسود. لكن كلمة الله تقول إن كل خطية دَيْن ثقيل يَجْلب غضب الله. فإذا تصوَّرنا الوصايا العشر كسلسلة من عشر حلقات، طرفها الأول مثبَّت في السماء، والإنسان يمسك بالطرف الآخر، فإنه يكون في أمان طالما كان متَّصلاً بالسماء بالسلسلة المتكاملة الحلقات. ولكن لو كسر الإنسان أية حلقة في السلسلة فإنه يسقط منفصلاً عن السماء. وهذا ما أوضحه الرسول يعقوب بقوله: «لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِماً فِي الْكُلِّ» (يعقوب 2: 10).

 

وكل خاطئ مديون عاجز عن سداد الدين، لأنه «لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً. اَلرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي الْبَشَرِ، لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ اللّهِ؟ الْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعاً، فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً، لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ» (مزمور 14: 1-3). «كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ» (إشعياء 53: 6). وقال النبي إرميا: «هُمْ مَسَاكِينُ. قَدْ جَهِلُوا لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا طَرِيقَ الرَّبِّ، قَضَاءَ إِلهِهِمْ» (إرميا 5: 4). فالذي لم يعرف طريق الرب مسكين مديون عاجز عن السداد.

 

لكن المسيح يؤكد لنا أن به وحده تصبح الخطية قابلة للغفران مهما كان لونها. وكلما فهمنا كلمة الله في العهدين القديم والجديد ندرك أنه كلما أحسَّ الإنسان بخطئه واعترف به تائباً عنه يسامحه الله.. وهذا ما حدث مع البلايين، نكتفي بتقديم نموذجين من العهدين القديم والجديد:

 

إشعياء: عندما رأى النبي إشعياء مجد الرب وسمع الملائكة يسبِّحون: «قدوس قدوس قدوس رب الجنود، مجده ملء كل الأرض» قال: «وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ، وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْنِ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ». (إشعياء 6: 5). فأرسل الله ملاكاً يحمل جمرة مسَّ بها شفتي النبي ليكفِّر عن إثمه، وليطهر شفتيه، وليجعل منه «النبي الإنجيلي» الذي تنبأ كما لم يتنبأ غيره عن ميلاد المسيح وحياته على أرضنا وموته لفدائنا.

 

بطرس: صرف الصيادُ الجليليُّ بطرسُ الليلَ كله يحاول أن يصيد السمك، فلم يمسك شيئاً. وفي الصباح أمره المسيح أن يلقي شباكه للصيد، فأطاع، مع أن الصيد الناجح عادةً يكون في الليل. وما أن أطاع حتى امتلأت الشبكة بالسمك، فخرَّ عند ركبتي المسيح وقال: «اخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَارَبُّ، لأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ» (لوقا 5: 8). ولم يكن بطرس يعني أن يخرج المسيح من سفينته، لكن إحساسه بعدم الاستحقاق وشعوره أنه رجل خاطئ دفعه ليقول ما قال! ولم يخرج المسيح من سفينة بطرس ولا من حياته، ولكنه باركه أكثر، وجعل منه صخرة يبني عليها كنيسته التي لن تقوى أبواب الجحيم عليها (متى 16: 18).

 

وكلما اقتربنا من المسيح اكتشفنا ضعفنا وعيوبنا، ولكنه يشجعنا بالقول: «لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَاراً (أو مَن يظنون أنهم أبرار) بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ» (متى 9: 13).

 

عندما نحس بخطايانا ونعترف بها ونتوب عنها يغفرها الله لنا، بفضل ما فعل المسيح لأجلنا على الصليب، فهو «الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ» (أفسس 1: 7). ويتحقَّق لنا الوعد الرسولي الصادق: «اِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ» (1يوحنا 1: 9)

 

وهذا ما جرى مع المرأة الخاطئة، فقال المسيح لها: «مغفورة لك خطاياك». فابتدأ المتكئون معه يقولون في أنفسهم: «من هذا الذي يغفر خطايا أيضاً؟». فشجَّع المرأة أكثر بقوله لها: «إيمانك قد خلَّصك. اذهبي بسلام».

 

لقد فتح الرب بصيرة المرأة الخاطئة، فرأت في المسيح ما لم يره سمعان الفريسي وضيوفُه. وكان سبب عجزهم عن الرؤية أن جسد المسيح كان الحجاب (الساتر) الذي حجب مجد المسيح، كلمة الله المتجسِّد. وكم تحجب إنسانية المسيح مجده الإلهي عن عيون الكثيرين، كما حدث مع أهل الناصرة، فقالوا عنه: «مِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ الْحِكْمَةُ وَالْقُوَّاتُ؟ أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ، وَإِخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا؟ أَوَلَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ جَمِيعُهُنَّ عِنْدَنَا؟ فَمِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ كُلُّهَا؟» (متى 13: 54-56). لقد ظن أهل الناصرة، كما ظنَّ سمعان الفريسي وضيوفه، أن المسيح مجرد إنسان لا حقَّ له أن يغفر الخطايا لأحد. لكننا اعتماداً على الإعلان الإلهي في الكلمة المقدسة، ونتيجةً لإقناع الروح القدس، نقول: «عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللّه ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ» (1تيموثاوس 3: 16).

 

أحبَّت المرأة الخاطئة التائبة المسيح كثيراً لأنها وثقت أنه غفر لها الكثير، وأمر لها بالسلام.

 

ومفتاح حصولك على الغفران والسلام مع الله هو أن تؤمن بالمسيح المخلِّص، وتضع ثقتك فيه وفي فعالية كفارته، فتسترك وتمنحك غفران خطاياك، وتبدأ في التعبير العميق الصادق عن محبتك للمسيح.

 

ثانياً – الخدمة تعبير عن المحبة

 

المحبة لله علامة الحصول على الغفران، ولكنها ليست سبباً له.. كانت محبة المرأة الخاطئة للمسيح برهان الغفران الذي حصلت عليه، فقال المسيح عنها: «غُفرت خطاياها الكثيرة لأنها أحبَّت كثيراً». والقول «لأنها أحبَّت» تعبير برهاني وليس سببياً، مثل قولنا: «هذا الشخص فرحان جداً لأنه يضحك كثيراً». فلم يغفر المسيح للمرأة لأنها أحبت كثيراً، لكنها عبَّرت عن امتنانها العميق بمحبة كثيرة بعد أن غفر لها الكثير.

 

الغفران اختبار داخلي تعبِّر عنه أعمال المحبة الظاهرة. وعندما ننال الغفران نحب الله لأنه أحبنا أولاً (1يوحنا 4: 19). ثم نعبّر عن حبنا بأساليب منظورة.

 

أيقنت المرأة الخاطئة أن المسيح يمكن أن يقبلها، وجذبتها كلماته ونبرة صوته العطوفة. ولعل هذه الخاطئة سبق لها أن سمعته أو سمعت عنه، فجاءت إلى بيت الفريسي لتستزيد من الاستماع له. يدفعنا لهذا الاستنتاج تساؤلنا: ما الذي يُدخل مثلها إلى بيت فريسي متكبِّر في وقت وليمة أمام مشاهير القوم وبسطاء الناس، وهي المعروفة في بلدها بشرِّها؟.. لا بد أنها وجدت في المسيح الرجاء والخلاص للمرفوضين والمهمّشين مثلها، وهو الذي عُرف عنه أنه محبٌّ للعشارين والخطاة، فخلَّصها إيمانُها. ولعل دخولها بيت الفريسي كان إعلاناً لإيمانها وثقتها بالمسيح، وكان كل ما فعلته من غسل رجليه بدموعها تعبيراً عن محبةٍ لشخصٍ أدركت أنه يقبلها بينما كل رجال الدين يرفضونها. وحتى الذين يتظاهرون بأنهم يقبلونها كانوا يعاملونها باحتقار.

 

بطرس مرة ثانية: ظهرت المحبة الكثيرة نتيجة الغفران الكثير في حياة الرسول بطرس الذي أنكر المسيح ثلاث مرات، فنظر المسيح إليه نظرة الشفقة والغفران، فخرج إلى خارج دار رئيس الكهنة، وبكى بكاءً مُراً (لوقا 22: 61-62). وبعد القيامة وجَّه له المسيح سؤالاً ثلاث مرات أتبعه في كل مرة بتكليف: «أتحبني؟ ارع خرافي.. أتحبني؟ ارع غنمي.. أتحبني؟ ارع غنمي» (يوحنا 21: 15-17). أنكر بطرس المسيح ثلاثاً فكلَّفه المسيح بخدمته تكليفاً مثلثاً، وكأنه يقول له: أنت أنكرتني، لكني أعرف أنك تحبني. لقد كنتَ ضعيفاً، لكني أقبلك، وأغفر لك، وأطلب أن ترعى خرافي الصغيرة وأغنامي الكبيرة، فتكون مسؤولاً بالجميع. وتكليف المسيح لبطرس يعني أنه غفر له، وقبله، واستأمنه على خدمته، وكأنه يقول له: أحبك، ولا زلت أريدك أن تعبِّر عن محبتك لي وأن تبرهنها بأن تخدمني.

 

يتردَّد كثيرون في أن يشهدوا للمسيح قبل أن يتعمَّقوا في معرفة المسيح وفي المعرفة عنه. والحقيقة هي أننا يجب أن نشهد للمسيح فنتقوَّى وننمو في النعمة، كما شهدت المرأة السامرية للمسيح، دون حاجة إلى أن تحصل على دراسة لاهوتية. فقد مضت من فورها تشهد لأهل مدينتها بما جرى معها، قائلةً: «هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَاناً قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ» (يوحنا 4: 29).

 

إن كنت تدرك أن الله سامحك بالكثير، فعبِّر عن حبك الكثير له بأن تحبه وتحب البشر الذين خلقهم على صورته. «اِرْمِ خُبْزَكَ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ فَإِنَّكَ تَجِدُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ (روحياً ومادياً)» (جامعة 11: 1). كُن مثل السامري الصالح الذي داوى اليهودي الجريح، المختلف معه في العقيدة والجنس. ويقول لك المسيح: «اذْهَبْ أَنْتَ أَيْضاً وَاصْنَعْ هكَذَا» (لوقا 10: 37). إن كنت قد قَبِلتَ المسيح مخلِّصاً فعبِّر عن حبك له بخدمة المحتاجين، والشهادة لهم عن المسيح. وليكن شعارك: «إِذِ الضَّرُورَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَيَّ، فَوَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ». (1كورنثوس 9: 16).

 

أما إن كنت خاطئاً مثل المرأة الخاطئة، فثِق أن المسيح يحبك ويريد أن يغفر لك كل خطاياك، فتبدأ معه بداية جديدة.. تعرَّف على المسيح معرفة شخصية، وبيِّن محبتك الكثيرة له بكل أسلوب ممكن.

 

سؤالان

اشرح العبارة التالية: «المحبة لله علامة على الحصول على الغفران، وليست سبباً له».

اذكر أمرين تقدر أن تبرهن بهما محبتك للمسيح.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي