المحبوب

Ð ºgaphmšnoj

[ لقب يحمل كل أسرار اللاهوت، والخلقة والفداء، والميراث المعدّ].

“إذ سبق فعيَّننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته،

لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب
” (أف 5: 1و6)

جاء هذا اللقب بقصد أن ينبِّه ذهننا إلى صفة للمسيح ترقى إلى طبيعته، لمشاغلة قلوبنا!! وإن كان المسيح هو محبوب الآب، كما قالها المسيح عن وعي واستعلان: “الآب يحب الابن
” (يو 35: 3؛ 20: 5). فهو حال ممتد في قلب الآب إلى ما شاء الله. ولكنه حال واقع كامل لا يُبقي للابن شيئاً خارج قلب الآب، إذ عاد المسيح وشرحها في سرٍّ قائلاً: “أنا في الآب
” (يو 10: 14)، حيث الأنا
™gë
هو
الكيان الكامل والكلِّي للمسيح الابن الذي ملأ قلب الآب؛ ولكن كما أحب الآب الابن، هكذا أحب الابن الآب بذات الحب وبكل الكيان الذي ملأ قلب الابن.

لذلك أسرع المسيح من واقع إحساسه بكيانه يقول: “والآب فيَّ
” (يو 10: 14)، فصار الحب في الآب والابن كياناً معبِّراً عن قوة تجاذب كلِّية، فلا نجد الابن خارج الآب ولا الآب خارج الابن، لذلك قال المسيح عن قناعة من واقع هذا الحب المالئ للكيان بل والوجود الكلي: “أنا والآب واحد” (يو 30: 10)

فيا لسرِّ الحب العجيب الفائق على التصوُّر الذي هو سر اللاهوت وجوهره الأعظم، فمَنْ ذا بمستطيع بعد، أن يقول إن الآب والابن اثنان؟ حاشا، بل هما ذات واحدة وكيان ووجود واحد، آب وابن محبٌّ ومحبوب! فهي ذات الله التي لها ملء الكمال والكفاية، وهي واحدة حتماً وبالضرورة. لذا يُقال إن اللاهوت لا ينقسم، ولا يزيد ولا ينقص، ليس فيه أول وثانٍ، ولا أكبر وأصغر، ولا سابق ولاحق. كذلك فهو ليس الواحد العددي، لأن العدد يعبِّر عن الوجود المادي، ولكن واحدية الله تعبِّر عن الوجود الكلي
The whole presence
، مشخَّصاً بذات فيها أُبوة وفيها بنوَّة، ذات هي كل الكيان الذي يحوي كل الوجود الحق، وكل موجود بالحق، تشع منه الأُبوة والبنوَّة معاً باتحاد فريد في تآلف الحب لتقيم بالحب الفعَّال العالم وكل ما فيه. هذا ما قاله القديس يوحنا: “هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل مَنْ يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية
” (يو 16: 3). فبالحب خلق الله العالم، وبالحب فداه، واستهان الحب بالموت كما يستهين النور بالظلمة بغير صراع؛ فرأينا كيف يقيم الحب أو المحبوب من الموت حياة تستقر أعلى السموات!!

 


الله بالحب خلق العالم:

“فإنه فيه خُلق الكل ما في السموات وما على الأرض، ما يُرى وما لا يُرى، سواءٌ كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين، الكل به وله قد خُلِقَ” (كو 16: 1)

وهكذا نرى الحب كيف يخلق من العدم وجوداً.


والله بالحب فداه بموت ابنه:

“.. أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل مَنْ يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية” (يو 16: 3)

وهكذا رأينا الحب يخلق من الموت حياة!!

وهكذا أصبحنا صنيعة المحبوب، ففيه خَلَقَنا الآب وفيه فدانا. وبهذا الحب الخالق الفادي ارتبطنا بالمحبوب والآب رباط الوجود والحياة. وفي هذا يقول المسيح: “الذي يحبني يحبه أبي، وأنا أحبه، وأُظهر له ذاتي!
” (يو 21: 14)

وهكذا في الحب يُستعلن لنا المسيح!!


“الذي يحبني”:

توجد محبة بالفكر ينطقها اللسان بسهولة حتى يُقال: ومَنْ ذا الذي لا يحب المسيح؟

ولكن توجد محبة في القلب وكأنها عرش مصنوع من نور يجلس عليه المسيح، لا يستطيع أحد أن يتكلم عنها ولكنها تفيض بنوره فلا يستطيع أحد أن ينكر وجوده. إذا سكن المحبوب في القلب فلا يستطيع القلب أن يحتوي سواه لأنه دائماً أبداً هو
“الملء”الذي يملأ الكل في الكل، ومن ملئه نحن أخذنا نعمة فوق نعمة (أف 23: 1، يو 16: 1).

وكما ملأ الابن قلب الآب، فلم يعد الآب يرى أو يحب إلاَّ في الابن، فنحن محبوبون لدى الآب في الابن أي المسيح؛ كذلك نحن، فكل مَنْ أحب المسيح بالحق، فإن المسيح يملأ قلبه بالحق، فلا يستطيع ذلك الإنسان أن يحب أحداً بالحق إلاَّ في المسيح.


“ليَحلَّ المسيح بالإيمان في قلوبكم”:

هذا هو ينبوع الحب الإلهي الذي انفتح علينا كهبة عظمى من هبات الله.

أيها القارئ العزيز انتبه ف“المحبوب” بكل ملء حب الآب وحبه تنازل في طاعة حب الآب ورضي أن يحل بالإيمان في قلوبنا، فإذا آمنا بالمسيح أنه “محبوب الآب الوحيد” وتيقنَّا من وجوده، استطاع أن ينقل وجوده داخل قلوبنا ويحقق لقبه “المحبوب” في داخلنا. وهكذا أصبح وجوده فينا رهن إيماننا بوجوده، وحبُّه لنا رهنَ إيماننا بحب الآب له.

اسمع ما يقوله بالسر: “إن أحبني أحد.. يحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً
” (يو 23: 14). في هذا سر مخفي: لأننا عندما نحبه يعني أصبحنا مفتوحين على حبه، وبهذا ينسكب حبه حتماً علينا بلا كيل. ولا يفوت عن بالنا هذه الحقيقة أن “الله محبة
” فمَنْ ذا الذي يعرف الله إلاَّ الذي استطاع أن يحبه؟ هكذا
“المحبوب”،مَنْ ذا الذي يقدر أن يستحوذ عليه ويُدخله قلبه برضى أو بالقسر إلاَّ الذي انفتح على طبيعته بالحب؟ علماً بأنه هو “ملء الحب” فلا يدخل قلباً لم ينفتح بكل ملئه له. ثم يلزم وباستمرار أن نتيقظ لعمق معنى لقبه “المحبوب”، فهنا حتماً الآب مذكور فهو
“محبوب الآب”لذلك فمحال أن يدخل بمفرده قلب مَنْ أحبه: “إن أحبني أحد.. يحبه أبي وأنا أحبه وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً!!

” (يو 23: 14)

يا لهيبة المحبة وعمقها، فالآب المهاب الذي له كل المجد والكرامة والتسبيح الدائم، نستطيع أن نستقبله داخل قلوبنا في المحبوب؟ هذا هو سر المحبوب وارتفاع هيبته، لأنه لقب حامل هيبة الآب =
“محبوب الآب”.يا للباب المفتوح على “ملء الله”. هذا هو لقب المحبوب، فإذ نعبر إليه بحبنا، يأتي إلينا والآب معه بكل حبه. هكذا صار اللاهوت يتعامل مع الإنسان على مستوى الزيارة؛ بل والسكن أيضاً: “نأتي إليه وعنده نصنع منزلاً

“!! ولكن لا نستهين بمجيء الابن المحبوب ومعه الآب، لأن هذا يعني أن نكون قد بلغنا عمق محبته، وعمق محبته ظهرت لنا بموته فهي محبة من فوق صليب، لذلك كان المسيح صادقاً كل الصدق عندما قال: “ومَنْ لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني
” (مت 38: 10). إذاً، فالباب المفتوح على المسيح والآب هو محبة من فوق صليب. فلكي نستحق المسيح والآب، يتحتَّم أن نَزِنَه بالحب ومعه صليبه.

والمحبوب إن دخل القلب، صنعه منزلاً له وللآب، فلا يعود قلب إنسان؛ بل هيكلاً والله ساكن فيه. آه يا ابن الله، وماذا يبقى لي. نعم، تعالَ ولتحرقني نار حبك، ما لي ووجودي؟ وجودك يكفيني؛ بل مالي وللحياة؟ حياتك تبتلع موتي؛ فأحيا “لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ
” (غل 20: 2)!! آه يا بولس يا مَنْ بلغت الموت لنفسك لتربح حياة المسيح فيك، فربحت في الحياة والموت كليهما.

هل سمعت عن أم تحب ولدها وتراهن على حبها له حتى إلى الموت؟ هذه استضافت المحبوب مع قلب الآب وحبه!! هل سمعت عن عريس يحب عروسه حتى سهى عن أكله وشربه وبات مشرفاً على الموت؟ اعلم أن هذا العريس يستقي حبه من المحبوب فبرَّح به الحب حتى اكتفى به دون الحياة. أيها البتوليون والبتوليات، شهوة المحبوب أن يجد في قلوبكم منزلاً ومحلاً لكي يُمارس فيكم نماذج إلهية للحب، ليردَّ بها على حب الآب له، ويقدِّم للكنيسة مصابيح تنير هذا الليل المظلم الذي طال. أيها الأزواج والزوجات، البسوا ذهناً جديداً فكنز الحب الإلهي في قلوبكم لا يجرحه زواج ولا حب البنين والبنات، ولا الزواج يقدر أن يطفئ لظى نار المحبوب بل يشعلها ناراً على نار، فأنتم لكم خبرة في وحدة الحب فارفعوه عالياً فوق اهتمامات الحياة فيتضاعف كرامة في عين المحبوب: ”
أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضاً الكنيسة،وأسلم نفسه لأجلها” (أف 25: 5)

أرأيتم كيف يرفع القديس بولس كرامة ومجد
حب الرجل لامرأتهليتوازى مع
حب المسيح للكنيسة.ليس هذا عجباً؛ بل السر المخفي فيه هو العجيب حقاً، فالمسيح أحب الكنيسة لأنها جسده: أي المؤمنون به الذين يحبهم ليجذبهم إلى الآب، ويكمِّلهم في المحبة كذبائح مقدسة على عرش النعمة، وبهذا القياس صارت المرأة في فكر المسيح وقلبه فهي التي تقدِّم للمسيح والله الآب أولاداً للملكوت وذبائح مقدسة تغني بها الكنيسة وتكمل مسيرتها. فليس عجيباً أن تقع المرأة من الرجل موقع الكنيسة عند المسيح، هكذا يرفع المسيح من قيمة الزواج ليجعله مقدساً على مستوى عمل الكنيسة لحساب الآب. وفي هذا يقول القديس بولس أيضاً:
“كذلك يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم كأجسادهم. مَنْ يحب امرأته يحب نفسه.. كما الرب أيضاً للكنيسة.” (أف 28: 5و29)

أن تكون المرأة عند الرجل في حضور المسيح والروح القدس على مستوى جسده الخاص ومستوى نفسه أيضاً، فهذا سر الزيجة المقدس؛ لأن الاثنين، الرجل والمرأة، بالحب المقدس المتبادَل في حضور المسيح والروح القدس، صارا واحداً جسداً ونفساً
(


*)


. فجسد المرأة صار عند الرجل كجسده اهتماماً وحباً وتقييماً، ونفس الزوجة ونفس الرجل يصيران في الحب واحداً.

ولكن العجيب حقاً أن يكمل القديس بولس رؤيته السرية لقيمة الزواج في عين الله ليجعل مفرداته من حب وكرامة وتقييم على مستوى المسيح والكنيسة. وهذا يمكن النظر إليه من زاويتين:


الزاوية الأولى:

ويحددها الاتحاد المقدس بين الرجل والمرأة على أساس الحب المقدس المتبادَل. فالزوج يحب امرأته في المسيح كجسده وكنفسه، والزوجة كذلك. فهنا يتم “سر الوحدة المقدسة”، وبذلك يُحْسَب الزواج بحد ذاته أنه على مستوى ما صنع المسيح مع الكنيسة (المؤمنين):
“هكذا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح، وأعضاءٌ بعضاً لبعضٍ” (رو 5: 12). إذاً، فالزواج يعتبر نموذجاً حيًّا
مصغَّراً كوحدة متكررة قائمة بذاتها
للكنيسة مع المسيح.


الزاوية الثانية:

في الكنيسة يتم عماد الأولاد والبنات، وبهذا تصبح الكنيسة كبطن مقدسة تلد للملكوت والله بنين وبنات. هكذا تماماً حُسبت المرأة في سر الزيجة، فهي تقدِّم للكنيسة الأولاد والبنات الذين تختمهم الكنيسة بختمها في المعمودية ليصيروا أبناء وبنات لله ليرثوا ملكوت الله.

فأصبح سر الكنيسة وسر الزواج يعملان معاً عملاً واحداً، هو عمل المسيح بالنهاية. ثم بإلقاء نظرة عميقة على لقب المسيح “المحبوب”، نجده كما هو قوة الكنيسة وروحها، كذلك هو قوة الزواج وروحه.

 

فالمحبوب أحب الكنيسة وخطبها لنفسه عذراء عفيفة، لتلد له أبناء وبنات للملكوت والآب.

والمحبوب دخل سر الزيجة، فجمع الاثنين تحت حبه ليصيرا واحداً، ليلدا أولاداً وبنات في الإيمان للمسيح والآب.

ويكمل بولس الرسول الآية قائلاً: “أحب المسيح الكنيسة أيضاً،
وأسلم نفسه لأجلها

” (أف 25: 5). هذا من أجل الكنيسة، فما هو المقابل لذلك في حب الرجل لامرأته؟ هل يكون باستعداد أن يموت من أجلها؟

نقول إن الكنيسة عاشت وتعيش لأن المسيح أسلم نفسه لأجلها فعلاً كمحبوب الآب، فأعطاها من حبه حياة من حياته. ولكن في الزواج ليس الأمر كذلك، لأن استعداد الزوج للموت من أجل المرأة لا ينفعها كثيراً، لا يعطيها حياة؛ ولكن الذي ينفعها حقاً ويعود بالنفع على الرجل أيضاً والأولاد لبلوغ الغاية المقدسة من سر الزيجة وحبها، هو أن يُمارس الرجل الموت على طول المدى بالفعل من أجل زوجته وأولاده، حيث يكون المقصود من ذلك هو إماتة الذات في الاحتمال والصبر، والإماتة عن الشهوات وكل ما لا يليق بزوج مسيحي وُضِع عليه أن يقود سفينة الأسرة عَبْر أهوال بحر هذا العالم حتى ترسى على شاطئ الله.

وهنا تتطابق الصورتان حقاً: موت المسيح “المحبوب” من أجل الكنيسة ليفديها ويعطيها حياة من حياته؛ وإماتة الزوج لذاته على طول المدى ليفدي (أسرته) بصبره واحتماله وحبه لتحيا في سلام الله وتبلغ الغاية، وهذا لا يتأتَّى إلاَّ إذا كان “المحبوب” يملأ قلب الزوج والزوجة. فالحب طاقة يوجِّهها الإنسان كيفما أراد. هكذا يدوم حب الرجل ويقوى ويعمل المستحيلات، إن هو استمد
من “المحبوب” قوة تسليم ذاتهمن أجل الكنيسة، فيأخذ هو هذه القوة من المسيح ويستخدمها من نحو امرأته؛ حيث يتحوَّل حب المحبوب
في قلب الزوج
ليُعطي كل حاجة المرأة بشبه الإعجاز.

إن سر الزيجة عميق القوة والمعاني، لأنه يأخذ من المسيح واتحاده بالآب أعماقه:
“الذي يحبني يحبه أبي وأنا أحبه” (يو 21: 14)، فإن شملت الزيجة حب الابن “المحبوب” فقوة العلي تظللها، ومن جوهر حب الآب تأخذ فتصير آية وشهادة لصدق المحبة الإلهية العاملة في الزيجة المقدسة.


الجسد في الزيجة:

ولكن الذي يُذهلنا لماذا عقَّب القديس بولس على قوله: “يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم كأجسادهم. مَنْ يحب امرأته يحب نفسه، فإنه لم يُبغض أحدٌ جسده قط؛ بل يَقُوتُه ويُربِّيه كما الرب أيضاً للكنيسة،
لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه” (أف 28: 5
30)


“لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه”:

هنا عودة لقيمة الجسد في الزيجة، حتى لا يستهين به أحد، لأنه إن كانت الكنيسة هي عروس المسيح وهي جسده بآن واحد، وجسده نحن بحسب سر الكنيسة؛ صرنا حتماً أعضاء جسمه المقدس من لحمه وعظامه، لأن جسد المسيح حلّ فيه ملء اللاهوت. فإن كان الرجل قد اتخذ لنفسه عروساً من بنات المسيح، فهي حتماً من أعضاء جسم المسيح، من لحمه وعظامه. فكيف لا يحبه الرجل ويقدسه؟ بل وكيف لا يحسبه جسده؛ بل ويحسبه نفسه أيضاً؟ كما أنه في ضوء هذا السر نفهم بنوع ممتاز كيف يصير الاثنان جسداً واحداً!! هذا كله مفهوم الزيجة على ضوء حلول “المحبوب” في هذا السر المقدس.

وبالنهاية نفهم أن سر الزواج هو بعينه سر الحب الإلهي المنبثق من المحبوب، حينما يحل ويبارك على رجل وزوجته ارتضيا أن يكونا واحداً بسر الحب الإلهي. أما لماذا يترك الإنسان أباه وأمه ويلتصق بامرأته، فهو لأنها صارت له من المسيح بشبه كنيسة، جسده الجديد الذي اقتناه من عند الرب: “أما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفراداً” (1كو 27: 12)


 


اتحاد المسيح بالنفس البشرية ليصير الإنسان واحداً مع المسيح،


وهذه هي الزيجة الروحية: “الالتصاق بالرب”

كما يحل المسيح “المحبوب” بين الرجل والمرأة في وجود الحب الإلهي ليجعل منهما جسداً واحداً لحساب الكنيسة، هكذا حينما يحل المسيح “المحبوب”
في نفس الإنسانفي حضور الحب الإلهي يصير الإنسان مع المسيح أو فيه
روحاً واحداً:“مَنْ التصق بالرب، فهو روحٌ واحدٌ

” (1كو 17: 6). والأساس في الالتصاق بالرب هو باعتبار أن جسد المؤمنين في الرب هو هيكل الله: “أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم، لأنكم قد اشتُريتُم بثمن، فمجِّدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله
” (1كو 19: 6و20). لذلك أصبح الإنسان الذي لا يختار أن يلتصق بامرأة أي لا يختار الزواج، بل يختار الالتصاق بالرب مزكِّياً مطالب الروح على مطالب الجسد، هو في الحقيقة اختار إرضاء الرب وليس إرضاء زوجة حسب الوعد: “فأريد أن تكونوا بلا هم. غير المتزوج يهتم فيما للرب كيف يرضي الرب. وأما المتزوج فيهتم فيما للعالم كيف يرضي امرأته. إن بين الزوجة والعذراء فرقاً، غير المتزوجة تهتم فيما للرب لتكون مقدسة جسداً وروحاً..” (1كو 32: 7
34). وبولس الرسول يفاضل بين الزواج والتبتل لله هكذا: “إذاً مَنْ زوَّج فحسناً يفعل، ومَنْ لا يُزَوِّج يفعل أحسن

” (1كو 38: 7)، أي ليس بين مقدَّس وغير مقدَّس أو بين طاهر ونجس، حاشا! بل بين مقدَّس بلا همٍّ ومقدَّس مع همٍّ!

فالذين اتجهوا بحياتهم وأجسادهم لاختيار “الالتصاق بالرب”، فهؤلاء وصفهم الرب بأن ذلك ليس للجميع بل للذين استطاعوا أن يقبلوا هذا: “قال له تلاميذه: إن كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافِق أن يتزوج. فقال لهم:
ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أُعطِيَ لهم.لأنه يوجد خصيان وُلدوا هكذا من بطون أُمهاتهم. ويوجد خصيان خصاهم الناس. ويوجد
خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات، مَنْ استطاع أن يقبل


فليقبل

” (مت 10: 19
12). هنا القبول، في فكر الرب، هو قبول التغلُّب على مطالب الجنس.

وهكذا يطرح المسيح موضوع الالتصاق بالرب على أنه ليس للجميع؛ بل هو لمَنْ يختار ذلك وله إرادة كما يوضحها بولس الرسول: “وأما مَنْ أقام راسخاً في قلبه وليس له اضطرار بل له سلطان على إرادته وقد عزم على هذا في قلبه أن يحفظ عذراءه، فحسناً يفعل.. ومَنْ لا يُزَوِّجُ يفعل أحسن” (1كو 37: 7و38)

ومن كلام الرب وكلام بولس الرسول، تتبلور أمامنا صورة أمر الالتصاق بالرب هكذا:

1. إن هذا ليس للجميع، 2. بل للذين أُعطِيَ لهم، 3. ولمَنْ استطاع أن يقبل هذا. 4. وإن أمر الزواج والالتصاق بامرأة أمر
حسن،5. ولكن من اختار أن يلتصق بالرب فهذا أمر
أحسن،6. على أن يكون الذين اختاروا العذراوية أي التبتل والالتصاق بالرب ليس لهم اضطرار من شهواتهم وأقاموا راسخين في قلوبهم ولهم سلطان على إرادتهم مع عزم القلب.


الرب يتسامى بالبشرية كلها، متزوجين وغير متزوجين


اتحاد المسيح بالنفس بشبه زيجة روحية سماوية:

+ “وأنا أطلب من الآب فيُعطيكم معزِّياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد.. لا أترككم يتامى. إني آتي إليكم، بعد قليل لا يراني العالم أيضاً (بعد الصلب والموت)، وأما أنتم فترونني. إني أنا حيٌّ فأنتم ستحيون.
في ذلك اليومتعلمون أني
أنا في أبي وأنتم فيَّ وأنا فيكم” (يو 16: 14
20)


“أنتم فيَّ وأنا فيكم”:

المسيح يقولها هنا كحقيقة قائمة قبل الصلب ستُعلن لهم بعد القيامة من الأموات،
“في ذلك اليوم”،وهو يوم حلول الروح القدس مباشرة.

حيث:
“أنتم فيَّ (في المحبوب)، وأنا فيكم”هي حالة اتحاد كامل متساوي الحدَّين. فنحن نكون فيه أي في “المحبوب” وهو يكون فينا، فلا يبقى لنا شيء خارجه أي خارج المحبوب.


“وأنا فيكم”،

حيث يصير المحبوب بكل حبه فينا. هذه في الواقع هي الزيجة الروحية المتناهية الاتحاد. وهذا منتهى سر عمل المحبوب فينا أو هذا هو أقصى سر حب المسيح.

وحينما يقول:
“أنا فيكم”،قد يُظن أنه بذلك يكون قد ألغى وجودنا، ولكنه يسبق بالقول مؤكِّداً أننا سنكون نحن أيضاً فيه بكل كياننا. إذاً، فوجودنا يصبح
في المحبوب
مثبتاً ومؤمَّناً عليه بوجوده. ثم يقول في البداية: “أنا في أبي

“كمستهل شروط عقد الزيجة كشرط أول، حيث يعني أن الوحدة تتم بحضرة الآب ووجوده الكلي، لأنه واحد مع المسيح. ذلك كأساس لاتحادنا في المحبوب واتحاده فينا، بمعنى أن المسيح
المحبوب
يوثِّق هذه الزيجة الروحية رفيعة المستوى بحضرة الآب، فهي زيجة مقدسة بكل الوجوه على مرأى من الآب ورضى ومسرة!!

لاحِظ هنا أيها القارئ العزيز أن المسيح يخاطب تلاميذه باعتبارهم صورة الكنيسة الأولى. وكان من بين التلاميذ، كما نعلم، بطرس الرسول وهو متزوِّج، وغيره من المتزوجين والبتوليين معاً. إذاً، فالاتحاد بالمسيح في محضر الآب هو كزيجة روحية عالية المستوى تمتد
لتشمل المؤمنين، متزوجين وغير متزوجين، سيان، لا فرق ولا ميزة أو امتياز.

وهذا في رأينا يؤكد لنا
حالة بتولية جديدة للبشرية

نلناها بتقديس الدم

روحية عالية القدر والمستوى،تجمع البتوليين معاً مع المتزوجين الحائزين بالروح والنعمة على حالة اتحاد روحي بالجسد مع امرأة. فالآن أمامنا بكل وضوح وتأكيد بتولية جسدية وبتولية روحية، وزيجة جسدية وزيجة روحية:

+ أما البتول جسدياً،
فمدعو للزواج الجسديبكل لياقة،
وأيضاً مدعو للزواج الروحي بالاتحاد بالمسيحبآن واحد بكل لياقة أيضاً.

+ أما البتول الروحي فهو قد تنحَّى عن الزواج الجسدي ليظفر بالزواج الروحي بالمسيح ولا سواه.

أما الفرق فيوضِّحه بولس الرسول هكذا:




“فأريد أن تكونوا بلا هم. غير المتزوج يهتم فيما للرب
كيف يُرضي الرب (المحبوب)


فقط!




“وأما المتزوج فيهتم في ما للعالم
كيف يُرضي امرأته

” ولكننا نضيف من واقع الإنجيل ودعوة الملكوت العامة، أن الزيجة تأتي لاحقة بجوار دعوته الأولى والأساسية ليتحد بالمسيح، ويصير هو وزوجته معاً يهتمون فيما للرب، هذا أمر حتمي لا يناقش فيه الكتاب المقدس. فالزيجة بين الرجل والمرأة أي الاتحاد معاً بالجسد لا تقف قط كأنها اختيار: إما زيجة، وإما اتحاد بالمسيح؛ أو: إما زيجة، وإما ملكوت الله! هذا أمر غير وارد إطلاقاً ومنافٍ لكل وعود الله للخلاص ودخول الملكوت وبلوغ الحياة الأبدية، أنها للجميع. غير أن الذي يُضاف على الزيجة الجسدية هو حمل همِّ العالم، ونحن نضيف أيضاً حمل مسئولية خلاص الزوجة أو الزوج.

فالبتول بالروح، سواء رجل أو امرأة
الذي أو التي
هرب من هم العالم ورفض الزواج، هو بالضرورة مدعو للاتحاد بالمسيح وبلوغ الخلاص وطلب الملكوت والسعي للحياة الأبدية، على نفس المستوى وبنفس الدعوة مع الذي والتي قَبِلا الزواج وصارا جسداً واحداً، وحملا معاً همَّ العالم؛ فهما تزوجا معاً على أساس أن دعوتهما في المسيحية هي أولاً وقبل كل شيء وبالرغم من كل شيء، للإلتصاق بالمسيح وبذل الجهد للإحتفاظ بحق الاتحاد بالمسيح، سواء الرجل أو المرأة
(لأن كلاًّ منهما له جهاده الروحي الخاص وسعيه الروحي الخاص، ولكن اجتماعهما معاً ربما يسهل هذا الجهاد وهذا السعي)
بمعنى أن المتزوج أو المتزوجة مدعو للخلاص والحياة الأبدية تماماً كحقٍّ إلهي بوعد إلهي مثلهما مثل البتوليين الروحيين الذين رفضوا الزواج.

وهنا يظهر بوضوح كلمة بولس الرسول: أنْ لا يفرق بين الاثنين إلاَّ “همُّ العالم
” يحمله المتزوجون ويستعيض عنه البتوليون الروحيون بهمِّ الصراع المكشوف مع العدو بالإضافة إلى قمع الجسد واستعباده لحساب الروح:

+
فإن كان امتياز البتولالروحي هو في اقتناء الاختبارات الروحية العالية لحساب المحبوب والكنيسة
إن هو نجح حقاً في قمع الجسد واستعباده وحفظ الروح على مستوى إرادة المسيح
كما يمتاز أيضاً في كشف أسرار الإنجيل ومعالم طريق الخلاص والحياة الأبدية، وقيادة الكثيرين حيًّا وبعد الانتقال.

+
فالمتزوج يمتازفي تقديم أمرين:
الأول،اقتناء أخت يحفظها ويرعاها في خوف الله ويقدِّمها معه شريكاً كاملاً في الإيمان الواحد والسعي الواحد للخلاص والرجاء الواحد في ملكوت الله، فيكمِّلان بحياتهما مشيئة الله.
الثاني،تقديم ما يشاء الله أن يهبه لهما من بنين وبنات، كثروا أو قلوا
وإن كثروا كثر الجزاء
يقدِّمونهم أو يقدِّمونهنَّ للكنيسة ليغنوها بالإيمان ويزيدوها ثراءً بالحب. الكنيسة التي هي بعينها عروس المسيح وجسده. هكذا من جسديهما يعطيان زينة لجسد المسيح ونمواً واستمراراً جيلاً بعد جيل.


فإن كان البتول

الذي قدَّس حياته للمحبوب الإلهي يعطي الكنيسة حياة مقدسة من حياته ومعرفة إلهية ونوراً سماوياً وخبرة حية، ويورِّث الكنيسة اسمه وجهاده لتزداد الكنيسة قوة ونعمة ونوراً في العالم، ويقدِّم نموذجاً حيًّا لإنجيل حيٍّ معاش يمتد من جيل إلى جيل لكي لا ينطفئ نورها قط؛


فالمتزوج والمتزوجة

يضيفان جسديهما أو بالحري جسدهما الواحد المتحد
بالحبإلى جسد المحبوب السماوي (الكنيسة)، ومن جسديهما يهبان من حبهما ثمرة الحب المقدس، البنين والبنات، لهيكل الكنيسة لتزداد بأولادها أعضاءً ونشاطاً وحباً وعملاً وخدمة ونوراً للعالم!

يقول المسيح في نهاية حواره في هذا الأمر:
“مَنْ استطاع أن يقبل فليقبلْ”.لم يميز المسيح، ولكنه لمَّح من بعيد نحو الذي يحبه أكثر كشأن المحبوب حتماً.


ثم مرة أخرى إلى سمو الزيجة الروحية أي الاتحاد بالمسيح المحبوب:

هذا يكرره المسيح مرة أخرى كآخر وصية وآخر شهوة “للمحبوب” قبل أن يصعد على الصليب بساعات قليلة، يتوسل من أجلها لدى الآب. وعلى القارئ أن يهتم جداً بالنظر إلى عمومية الطلبة: “ولست أسأل من أجل هؤلاء (التلاميذ) فقط؛
بل أيضاً من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم،ليكون
الجميع واحداً،كما أنك أنت
أيها الآب فيَّ وأنا فيك،ليكونوا
هم أيضاً واحداً فينا!!!..أنا فيهم وأنت فيَّ ليكونوا مكمَّلين إلى واحد” (يو 20: 17
23)

هنا يشدِّد المسيح مكرراً أن تكون وحدته فينا موازية لوحدة الآب فيه وملتحمة بها: “كما أنك أنت أيها
الآب فيَّ وأنا فيك،ليكونوا
هم أيضاً واحداً فينا..، أنا فيهم وأنت فيَّ، ليكونوا مكمَّلين إلى واحد!

” هكذا ارتفعت الزيجة الروحية إلى مستوى اللاهوت!! فإذا تذكرنا ما سبق وقلناه: أن وحدة الآب والابن هي بالأساس وحدة حب متبادل
“الآب يحب الابن والابن يحب الآب”،تبيَّن لنا أن
وحدة المسيح فيناونحن فيه هي
وحدة حبمتبادل بذات القوة، فهي حب موحِّد! حتى أصبحت وحدانية الإنسان في المحبوب مهيَّأة لتنفعل بوحدانية الآب مع الابن وتتقرب إليها.


+ رفع نموذج المحبة الإلهية المتبادلة بين الابن المحبوب وبين المؤمنين إلى مستوى الشهادة العظمى لصدق إرسالية الابن إلى العالم:


أنا فيهموأنت فيَّ ليكونوا مكمَّلين إلى واحد،
وليعلم العالم أنك أرسلتني” (يو 23: 17)


+ ثم رفع نموذج هذه المحبة المتبادلة بيننا وبين الابن المحبوب لنشهد أن الآب قد أحبنا فعلاً كما أحب الآب الابن المحبوب:

“ليعلم العالم أنك أرسلتني،
وأنك أحببتهم، كما أحببتني!

” (يو 23: 17)، ”
ليكونوا واحداً، كما أننا نحن واحد

” (يو 22: 17)، ”
ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا” (يو 21: 17)

هذه هي معجزة تنازل اللاهوت ليدخل الإنسان في مجال سر المحبة الإلهية التي بين الآب والابن التي هي أساس الوحدة الإلهية بين الآب والابن.

مَنْ يصدِّق هذا؟ أليس هذا هو عجب اللاهوت العجاب، أن يتنازل الله بهذا القدر؟ أن نصبح في مجال حب الآب، وهو نفس المجال الذي أحب به الابن أو بالأقل على التوازي معه (“
كماأحببتني”، “
كماأننا نحن واحد”)!!

هذا في الحقيقة هو سر
“المحبوب”،الابن الذي احتوى كل حب الآب، الذي لما تنازل وأخذ صورة العبد وصار في الهيئة كإنسان، لما أخذ من العذراء جسداً، نزل إلى عالمنا
وفيه كل حب الآب!وبالموت والفداء، رفع البشرية إلى مستواه، فدخلت معه وفيه إلى ذخائر وميراث المحبوب، وصارت البشرية المفدية شريكة معه في ذات حب الآب!! وبهذا صرَّح المسيح بسره الأعظم، وهو على مرأى من الصليب عن مقدار المجد الذي أعطانا وشاركناه فيه: ”
وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني، ليكونوا واحداً، كما أننا نحن واحد

” (يو 22: 17). هذا وعد بامتداد حب الله الآب فينا على طول الزمن وحتى إلى الأبد. هذا وعد “المحبوب”، الوعد الذي سجلته السماء ليردد صداه الأبد، ليُكمَّل أمام أعيننا وفي قلوبنا يوماً فيوماً إلى أن يأتي، نعم حتماً سيأتي ويكمل الوعد عياناً، ونرى بأعيننا مجد الحمل!! هو ضمين الوعد الذي وعد، الساهر على كلمته ليُجريها: “عرَّفتهم اسمك
وسأُعرِّفهم،ليكون
فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم

” (يو 26: 17). نعم، تعالَ سريعاً أيها المحبوب، فقد جفَّت ينابيعنا.

أيها القارئ، استيقظ، نحن لسنا في حلم؛ بل رؤية صادقة ووعد أكيد تسجل لنا من المحبوب موثقاً بحضور الآب. إننا نحيا الآن زمان خطبتنا ونؤهَّل كل يوم بتزكية الروح القدس، نحسها بخفقات قلوبنا لكي نرى ونكون شركاء تحقيق وعد المحبوب. اسمع ما يقوله الروح:

+ “شاكرين الآب الذي
أهَّلنا لشركة ميراث القديسين في النور،

الذي
أنقذنامن سلطان الظلمة،
ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته!!

” (كو 12: 1و13)

+ “لأني خَطَبتُكم لرجل واحد، لأُقدِّم عذراء عفيفة للمسيح” (2كو 2: 11)
(


*)



عزيزي القارئ، واضح أن حقيقة هذه الوعود المباركة والثمينة التي ختم عليها الابن المحبوب بدمه، نكتشفها كلها في محبة المسيح التي نذوقها في الصلاة كل يوم، في التسبيح بقلب فَرِح متهلل، في عفة وطهارة الجسد، في اشتياق والتهاب الروح، في وقفتنا السماوية أمام المذبح المقدس نستقبل جمرة اللاهوت في أحشائنا، ولكن بالأكثر جداً في الحب الملتهب الذي يحرق قلوبنا من نحو المحبوب والآخرين كل الآخرين. فكل شيء سيذبل ويتلاشى إلاَّ الحب، فهو الأجنحة الروحية التي ستحملنا في النهاية وتطير لتحطَّ بنا في حضرة المحبوب والآب.

بولس الرسول رجل تمرَّس في معرفة أسرار المحبوب، وأعطانا بالسر مفتاح الكنز لنبلغ النهاية:

+ “وأنتم متأصِّلون ومتأسِّسون
في المحبة،حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين..،

وتعرفوا
محبة المسيح(المحبوب) الفائقة المعرفة،

لكي
تمتلئوا إلى كل ملء الله!!

” (أف 18: 3و19)

هذه الصيغة موازية تماماً لصيغة صلاة المحبوب في (يو 17). فإن كانت صلاة سر المسيح في يو 17، أو التعريف بها في أعلى وأصدق ما كتب بولس الرسول في رسالة أفسس؛ نجد أنها تدور كلها في مجال
“الحب”الذي أشاعه
“المحبوب”في عالمنا ووقف ضميناً لكل ما وعد أن يكمِّله.

يقول قائل، ما هذه الأعاجيب التي تتكلم عنها أيها الكاتب؟

أقول، يقول الروح:

+ “ونحن لم نأخذ روح العالم؛ بل
(أخذنا) الروح الذي من الله، لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله” (1كو 12: 2)

+ ”
الروح يفحص كل شيء حتى أعماق (حب) الله!!!

” (1كو 10: 2)

فإن قلت أيها القارئ، إن هذه أمور فائقة ليست على مستوانا، يرد الروح قائلاً: “ما لم ترَ عين، ولم تسمع أُذن، ولم يخطر على بال إنسان،
ما أعدَّه الله للذين يحبونه؛ فأعلنه الله لنا نحن بروحه” (1كو 9: 2)

أو لماذا قال الكتاب: “لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطَى لنا
” (رو 5: 5)؟ وهل محبة الله التي انسكبت في قلوبنا، انسكبت إلاَّ لكي تعطينا شركة مع المسيح والآب!! “وأما
شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنهيسوع المسيح. ونكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم كاملاً”

(
1يو3: 1و4). ألم نقل لك أيها القارئ أننا مدعوون لهذه الشركة عينها، كعريس وعروس، بتوثيق الآب وعمل الروح القدس؟ وهل يمكن أن يكون لنا فرح كامل إلاَّ إذا توثقت رُبُط زيجة النفس مع المحبوب؟ على مرأى من الآب ورضى ومسرة.

ولا نستطيع أن نختم جولتنا مع المحبوب إلاَّ بتكرار ما قاله بولس الرسول:

+ “وأنتم متأصِّلون ومتأسسون في المحبة،

حتى تستطيعوا أن تُدركوا مع جميع القديسين..

وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة،


لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله!

” (أف 18: 3و19)

إلى هنا ينتهي سر المحبوب الذي جعل محبته الباب المفتوح على “ملء الله”!!

 

أيها الكاتب، نحن رضينا بما كتبت، ولكن كيف نبدأ وأين الطريق؟

إنها خفقة قلب
يعرفها المحبون في الحال
إيذاناً بدخول المحبوب، وحينئذ يبدأ الطريق إلى ما شاء الله.


(يناير 1994)





(*



)
و
لم يذكر الروح، لأن الروح منزَّهة عن الزيجة، فروح الإنسان غير قابلة للزيجة إلاَّ في المسيح يسوع؛ حيث تصير روح الإنسان وروح المسيح، بالتقديس، روحاً واحداً.




 



(*)
متى يتحـقق هــذا الأمـــل

ويــــأتي أوان الــزفـاف

 وتنظـر عينـاي مجــد الحمل

وأسمع صـوت الهتاف!!!

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي