المعجزة السابعة عشرة المشي على الماء

22 وَلِلْوَقْتِ أَلْزَمَ يَسُوعُ تَلامِيذَهُ أَنْ يَدْخُلُوا السَّفِينَةَ وَيَسْبِقُوهُ إِلَى الْعَبْرِ حَتَّى يَصْرِفَ الْجُمُوعَ. 23 وَبَعْدَمَا صَرَفَ الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ مُنْفَرِداً لِيُصَلِّيَ. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ كَانَ هُنَاكَ وَحْدَهُ. 24 وَأَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ قَدْ صَارَتْ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ مُعَذَّبَةً مِنَ الأَمْوَاجِ. لأَنَّ الرِّيحَ كَانَتْ مُضَادَّةً. 25 وَفِي الْهَزِيعِ الرَّابِعِ مِنَ اللَّيْلِ مَضَى إِلَيْهِمْ يَسُوعُ مَاشِياً عَلَى الْبَحْرِ. 26 فَلَمَّا أَبْصَرَهُ التَّلامِيذُ مَاشِياً عَلَى الْبَحْرِ اضْطَرَبُوا قَائِلِينَ: «إِنَّهُ خَيَالٌ». وَمِنَ الْخَوْفِ صَرَخُوا! 27 فَلِلْوَقْتِ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «تَشَجَّعُوا! أَنَا هُوَ. لا تَخَافُوا». 28 فَأَجَابَهُ بُطْرُسُ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ هُوَ، فَمُرْنِي أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ عَلَى الْمَاءِ». 29 فَقَالَ: «تَعَالَ». فَنَزَلَ بُطْرُسُ مِنَ السَّفِينَةِ وَمَشَى عَلَى الْمَاءِ لِيَأْتِيَ إِلَى يَسُوعَ. 30 وَلكِنْ لَمَّا رَأَى الرِّيحَ شَدِيدَةً خَافَ. وَإِذِ ابْتَدَأَ يَغْرَقُ صَرَخَ: «يَا رَبُّ نَجِّنِي». 31 فَفِي الْحَالِ مَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَأَمْسَكَ بِهِ وَقَالَ لَهُ: «يَا قَلِيلَ الإِيمَانِ، لِمَاذَا شَكَكْتَ؟» 32 وَلَمَّا دَخَلا السَّفِينَةَ سَكَنَتِ الرِّيحُ. 33 وَالَّذِينَ فِي السَّفِينَةِ جَاءُوا وَسَجَدُوا لَهُ قَائِلِينَ: «بِالْحَقِيقَةِ أَنْتَ ابْنُ اللّهِ!» (متى 14: 22-33).

(وردت المعجزة أيضاً في مرقس 6: 45-51 ويوحنا 6: 15-21).

 

أشبع المسيح خمسة آلاف بخمسة أرغفة وسمكتين، فأرادوا أن ينصِّبوه ملكاً سياسياً عليهم، فصرف الناس، وطلب من التلاميذ أن يركبوا سفينتهم ويعبروا بحيرة طبرية إلى الجانب الغربي منها لبيت صيدا الجليل، بقرب كفرناحوم. وصعد هو إلى الجبل وحده ليصلي. لم تكن صلاة المسيح صلاة اعتراف، لأنه لم يخطئ. ولم تكن صلاة طلب قوة من الله، لأنه هو صاحب السلطان الذي دُفع إليه كل سلطان في السماء وعلى الأرض. لكنها كانت شفاعية من أجل التلاميذ ليفهموا معنى رسالته الروحية ومُلكه على القلوب.

 

كان عرض بحيرة طبرية في تلك المنطقة نحو 45 غلوة (والغلوة ربع كيلومتر). وعندما بلغ التلاميذ الغلوة الخامسة والعشرين تقريباً هبَّت عليهم ريح معاكسة من الغرب. وبحيرة طبرية معروفة بعواصفها العنيفة المفاجئة. وكانت العاصفة أقوى من أن يواجهها التلاميذ وحدهم، رغم تمرُّسهم بالبحيرة.

 

وفي الهزيع الرابع من الليل جاء المسيح لينقذ تلاميذه. لقد رآهم من بعيد، وعرف احتياجهم فأسرع لنجدتهم. وأليس هذا ما يجري معنا؟ في كل ضيقنا يتضايق، وملاك حضرته يخلّصنا (إشعياء 63: 9).

 

كان الرومان يقسمون الليل إلى أربعة أقسام: مساءً، ونصف الليل، وصياح الديك، وصباحاً. وكان «صباحاً» قبل الشروق بثلاث ساعات. في ساعات ما قبل الشروق جاء المسيح ماشياً على الماء لينقذ تلاميذه من الغرق، فأشرقت عليهم شمس بِرِّه، بنور خلاصه.

 

يسمع الله صلاتنا من على بُعد، ويدرك أعوازنا فيتحرك ليساعدنا، فالله فعّال في الزمن والتاريخ، وهو حي في سمائه وعلى أرضنا، يعمل مشيئته في سمائه لأن ملائكته يخدمونه ويسبحونه نهاراً وليلاً، لكل واحد منهم ستة أجنحة ليتّجه إلى حيثما يوجّهه الله (إشعياء 6: 2). والله يجيئنا بنفسه أو بملائكته، أو بواسطة شعبه وخدامه الذين يمدّون لنا يد العون.

 

ولكن التلاميذ عندما رأوا المسيح قادماً نحوهم ظنوه خيالاً وخافوا أكثر. كانوا خائفين من الأمواج، وممن ظنوه خيالاً، مع أنه جاء ليساعدهم! ولكن المسيح بدَّد الخوفين معاً عندما قال لهم: «تَشَجَّعُوا! أَنَا هُوَ. لا تَخَافُوا»(آية 27) وهنا قال بطرس: «إِنْ كُنْتَ أَنْتَ هُوَ، فَمُرْنِي أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ عَلَى الْمَاءِ»(آية 28) فأمره المسيح بذلك، فنزل من السفينة ومشى على صفحة الماء. ولكن ما أن حوَّل نظره من المسيح إلى الماء الهائج من حوله حتى بدأ يغرق. وفعل بطرس ما يجب أن يفعله كل مؤمن: صرخ «يَا رَبُّ نَجِّنِيي يَا رَبُّ نَجِّنِي» (آية 30) ففي الحال مدَّ يسوع يده وأمسك به وقال له بعد أن نجَّاه: «يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟» ولما دخلا السفينة سكنت الرياح (31، 32).

 

هذه المعجزة مزدوجة: هدأ المسيح البحر للتلاميذ جميعاً، وجعل بطرس يمشي على الماء وأنقذه من الغرق. وهذا ما يحدث معنا، فالمسيح يُجري معنا لا معجزة واحدة بل معجزات، حتى أننا كثيراً ما ننسى المعجزات الصغيرة في انبهارنا بالمعجزة الكبيرة! فَلْنَقُلْ كداود: «بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلا تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ» (مزمور 103: 2).

 

أجرى المسيح معجزات على اليابسة، وعلى الماء، فهو رب الأرض والبحر، القادر أن يفعل هنا وهناك، ولا يوجد مكان لا تمتد إليه يد قدرته. لقد أطعم الجائعين، وسكَّن الماء الهائج، فنقول له: «اَلرَّبُّ رَاعِيَّ فَلا يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي» (مزمور 23: 1، 2). ففي هاتين المعجزتين نرى كيف أطعمهم، ثم كيف أوردهم إلى مياه الراحة!

 

أولاً: المحتاجون والمعجزة:

1 – التلاميذ:

جاءت معجزة تهدئة الرياح بعد اختبار روحي عميق، فقد اختبر التلاميذ أن مخلِّصهم قادر أن يطعم خمسة آلاف بخسمة أرغفة وسمكتين. هذه هي المائدة السماوية التي أشبع بها تلاميذه والمحتاجين، وتبقَّت اثنتا عشرة قفة من الكِسَر.

 

أحياناً يطمئن الإنسان إلى قدراته الروحية، ويظن بعد اختبارات روحية عظيمة أنه تعلّم الكثير! ولكن أعظم اختباراتنا لا تعني أننا سننجو من متاعب الحياة، فإبليس يهاجمنا أكثر كلما حقَّقنا نمواً وارتفاعاً روحياً، فإذا اختبرنا الكثير فلننظر لئلا نسقط، ولنجعل اعتمادنا عليه مستمراً، فلا توجد بداخلنا قوة تكفي احتياجاتنا، ولكن قوتنا تكون بقدر حصولنا على القوة منه.

 

عندما بدأ التلاميذ الرحلة كانت الرياح مواتية، والماء هادئاً. وفي منتصف البحيرة أتت الرياح بما لا تشتهي السفن «وَأَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ قَدْ صَارَتْ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ مُعَذَّبَةً مِنَ الأَمْوَاجِ. لأَنَّ الرِّيحَ كَانَتْ مُضَادَّةً» (آية 24) عاجزة عن الرجوع من حيث أتت، وعاجزة عن متابعة السفر إلى الميناء المراد الوصول إليه! وهذا يحدث معنا في كل وقت، فالله يسمح لنا بالتجارب ليعرّفنا شخصه، ويعلّمنا الاتكال عليه.

 

استمر تعب التلاميذ فترة طويلة، إلى الهزيع الرابع من الليل. «وَفِي الْهَزِيعِ الرَّابِعِ مِنَ اللَّيْلِ مَضَى إِلَيْهِمْ يَسُوعُ مَاشِياً عَلَى الْبَحْرِ» (آية 25).

 

والسؤال: لماذا ترك المسيح التلاميذ على صفحة الماء؟

 

نحن لا ندرك الحكمة الإلهية دائماً. وفي مرات كثيرة نسأل الله: لماذا فعلت بنا هكذا؟ لكننا نحتاج دائماً أن نسلّم له، لأننا وإن كنا لا ندرك حكمته، لكننا ندرك أنه يحبنا.

 

لم يعرف التلاميذ معلّمهم عندما جاءهم وظنوه خيالاً، لأن الخلاص جاءهم من حيث لم يتوقعوا فارتعبوا. «فَلَمَّا أَبْصَرَهُ التَّلامِيذُ مَاشِياً عَلَى الْبَحْرِ اضْطَرَبُوا قَائِلِينَ: إِنَّهُ خَيَالٌ. وَمِنَ الْخَوْفِ صَرَخُوا» (آية 26). يجيئنا الله بالنجاة من أبواب لا نعرفها ولا نتوقعها ولم نسمع عنها، وأحياناً لعظمة الخلاص القادم نظن أنه نوع من الخيال!

 

ومع أن المؤمنين يتعلمون طرق الله كلما تقدموا في الإيمان، إلا أن مفاجئات الله المعجزية وتعاليمه الاختبارية جديدة في كل صباح. فليعطنا الله روح التعلُّم والانبهار باستمرار.

 

صرخ التلاميذ، وجَيِّدٌ أن يصرخ المؤمن ليعلن ضعفه وعجزه ونقص حكمته وعدم قدرته على إنقاذ نفسه. وعندها تجيئه النجاة الإلهية: «تشجعوا. أنا هو. لا تخافوا».

 

2 – ونرى في هذه المعجزة محتاجاً بصفة أكبر، هو بطرس، ونرى فيه:

الثقة الشديدة «فأجابه بطرس: يا سيد، إن كنت أنت هو، فمُرْني أن آتي إليك على الماء» (آية 28).

 

اشترك بطرس مع سائر التلاميذ في الخوف، ولكنه اختبر اختباراً زائداً في ذلك اليوم. كانت عنده الثقة الشديدة، فقال: «إن كنت أنت هو» لا بمعنى الشك بل بمعنى التأكيد، وكأنه يقول: «أنا أعلم أنك هو، فُمرْني أن آتي إليك». وطلب بطرس أن يوجّه المسيح له أمره «فمُرْني» ممّا يدل على أن بطرس رجل الطاعة.

 

تميّز بطرس عن سائر التلاميذ بأنه كان أكثرهم سرعة، حتى يسمّونه أحياناً «المندفع». كان سريعاً في معرفة المسيح، وفي إعلانه من هو المسيح. وفي هذا الموقف ألقى نفسه في البحيرة ليصل إلى الشاطئ قبل باقي التلاميذ ليلتقي بالمسيح.

 

ولكن الثقة الشديدة تحوَّلت إلى ثقة مرتعشة. «نَزَلَ بُطْرُسُ مِنَ السَّفِينَةِ وَمَشَى عَلَى الْمَاءِ لِيَأْتِيَ إِلَى يَسُوعَ. وَلكِنْ لَمَّا رَأَى الرِّيحَ شَدِيدَةً خَافَ. وَابْتَدَأَ يَغْرَقُ» (29، 30أ). كم من مرة جعل الرب لنا «الماء» الذي لا يمشي عليه أحد طريقاً صلباً راسخاً ثابتاً! ولكن بطرس حّوَل نظره من رب الظروف إلى الظروف، ومن القادر على المعونة إلى عجزه، وإلى شدة العقبات التي تعترضه! وعندما نحوِّل نظرنا من حلاَّل المشكلة إلى المشكلة نفسها نغرق، لأن المشكلة أكبر منا، ولا يوجد عندنا ما يعطينا الانتصار عليها.

 

عزيزي القارئ، عندما تعترف بخطاياك لله، لا تركز الفكر على خطاياك، بل على غافر الخطية، لأننا كلما لوَّمنا أنفسنا على الخطيّة فكرنا فيها فتصير أفكارنا سلبية، ونفقد الثقة في أنفسنا. لكن عندما نفكر في غافر الخطية، صاحب كفارة الصليب، المحب الذي يقبلنا، نحوِّل نظرنا من المشكلة إلى المخلِّص.

 

وبالرغم من أن بطرس كان يُحسن السباحة إلا أنه كاد يغرق. لعل الخوف الذي سيطر عليه شلَّ قواه الطبيعية، والخوف يشل عادةً قُوانا ومواهبنا المعطاة لنا من الله. لكننا نحتاج إلى من هو فوق الطبيعة، لأن قدراتنا الطبيعية عاجزة ومحدودة.

 

ثقة الطلب المصلّية: «يا رب نجِّني» (آية 30) إنها صلاة قصيرة لكنها عميقة، تعترف بالضعف ولكنها مؤمنة بالمنقذ. فلقد رجعت لبطرس الثقة التي قال بها: «مُرْني أن آتي إليك». تقوَّت الثقة المرتعشة الخائفة وصرخت مرة أخرى لأنها تثق في مستجيب الصلاة. وجاءت الإجابة السريعة، ومدَّ المسيح يده القادرة القوية المخلِّصة وأمسك به.

 

لنعلم أن طوق النجاة هو الثقة في محبة المسيح مخلِّصنا. لا يقول الإنجيل: «التلميذ الذي كان يحب يسوع» لكن: «التلميذ الذي كان يسوع يحبه» لأن محبتنا له تهتزّ وتضعف، ولا نستطيع أن نعتمد على يدنا المرتعشة التي تمسك به، ولكننا نعتمد على يد المسيح الذي يمسك بيدنا. فهذه هي القوة القادرة، فنقول: «فِي ضِيقِي دَعَوْتُ الرَّبَّ وَإِلَى إِلهِي صَرَخْتُ، فَسَمِعَ مِنْ هَيْكَلِهِ صَوْتِي، وَصُرَاخِي قُدَّامَهُ دَخَلَ أُذُنَيْهِ» (مزمور 18: 6).

 

ثانياً – المسيح والمعجزة

(1) المسيح المصلي:

تبدأ هذه المعجزة بالمسيح على الجبل يصلي، لا طلباً للغفران أو القوة، بل لأنه واحد مع الآب يصلي من أجل التلاميذ، كما قال: «وَلَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ هؤُلاءِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي بِكَلامِهِمْ» (يوحنا 17: 20) فالمسيح صلى من أجل الاثني عشر، ومن أجل الذين يؤمنون به بكلامهم، فهو دائماً يرفعنا بشفاعته. ولا توجد شفاعة مقبولة إلا شفاعته وحده، لأن البشر جميعاً خطاؤون، محتاجون إلى شفيع. لكن المسيح هو الكامل الوحيد الفريد. وحده المستحق أن يكون شفيعاً لأنه في غير احتياج لمن يشفع فيه. ثم إنه يستطيع (كما طلب أيوب) أن يضع يده على كلينا، على الله وعلينا (أيوب 9: 33)، فطبيعته الإنسانية كإنسان كامل تجعله يضع يده علينا: «تَشَارَكَ الأَوْلادُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذلِكَ فِيهِمَا» (عبرانيين 2: 14). فالمسيح لحمٌ ودمٌ مثلنا تماماً فهو كامل الإنسانية، المولود من العذراء القديسة مريم، والذي مات على الصليب والذي دُفن. ولكنه في الوقت نفسه هو الإله الكامل. جاء أرضنا وهو الموجود من قبل ميلاده، فهو «مولود غير مخلوق». وبعد صلبه ودفنه قام من قبره، لأن القبر لا يُمسك الحياة، وهو رب الحياة، وسيد الحياة. كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. هذا الإنسان الكامل يضع يده عليَّ. وهذا الإله الكامل يضع يدي في يد الله ليُجري المصالحة، وتتحقق كلمات الإنجيل: «اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحاً الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ» (2كورنثوس 5: 19).

 

(2) المسيح الرقيق:

رأى المسيح من على الجبل في ظلمة الليل تلاميذه معذبين على البحيرة (مرقس 6: 48). عينا المحبة اخترقتا أستار الظلام، فهو العارف بالغيب. ولم يستغرق وقتاً لينتقل من على الجبل إلى وسط البحيرة ماشياً على الماء. «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ» (خروج 3: 7، 8).

 

(3) المسيح القادر:

إنه الرب الماشي على البحر «الْبَاسِطُ السَّمَاوَاتِ وَحْدَهُ وَالْمَاشِي عَلَى أَعَالِي الْبَحْرِ» (أيوب 9: 8).

 

(4) المسيح المُتأنّي:

جاء في الهزيع الرابع من الليل. يتذمر مؤمنون كثيرون على الله لأنهم يعتقدون أنه يتركهم وسط التعب. لكن أناة الله تصوغ حياتهم، وتعلمهم من خلال تجاربهم. فهو لا يأتي في توقيتنا نحن بل في توقيته الحكيم. إنها حكمة المعلم.. حكمة الأب. إنه مثل منقذٍ لمن يتعرَّض للغرق، يترك المسكين لثوانٍ محسوبة، إلى أن يصير مستعداً للتسليم، فيحمله لشاطئ النجاة.

 

مرة أسكت المسيح العاصفة وهو موجود مع التلاميذ في القارب، وفي هذه المرة كان غائباً عنهم. كان يريد أن يعلّمهم أنه حتى وإن كان غائباً عنهم بالجسد لكنه موجود معهم بروحه. في الإنقاذ الأول رأوه بأعينهم يُسكت العاصفة، ولكن في الإنقاذ الثاني رأوه يجيء من بعيد. و «طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا» (يوحنا 20: 29).

 

عزيزي القارئ، ليس المهم أن تراه، بل أنه هو يراك. ليس المهم أن تمسك به، بل أنه هو يمسك بك. عندئذٍ تراه وتمسك به، وقد امتلأ قلبك بالطمأنينة والفرح.

 

(5) المسيح الذي ينتظر الدعوة:

حاول المسيح أن يتجاوز القارب «أَتَاهُمْ مَاشِياً عَلَى الْبَحْرِ، وَأَرَادَ أَنْ يَتَجَاوَزَهُمْ» (مرقس 6: 48) لأنه يريد أن يسمع من التلاميذ طلب النجاة. وهكذا فعل مع تلميذي عمواس ليوجِّها الدعوة إليه: «ثُمَّ اقْتَرَبُوا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ إِلَيْهَا، وَهُوَ تَظَاهَرَ كَأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ إِلَى مَكَانٍ أَبْعَدَ» (لوقا 24: 28). وهنا عظمة خلاص المسيح. هنا نرى المسئولية الإنسانية والعمل الإلهي، فالمسئولية الإنسانية تدعو المسيح لدخول القلب، والمسئولية الإلهية هي دخول القلب «وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا 3: 20).

 

(6) المسيح المشجِّع:

الرب دائماً يشجّع أبناءه قائلاً: «أَنَا هُوَ. لا تَخَافُوا» (مرقس 6: 50). كما أنه يريدهم أن يكونوا دائماً في سلام: «سَلاماً أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلامِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا» (يوحنا 14: 27). لأن عطية العالم محدودة يختلط معها السلام بالقلق، لكن سلام الرب صافٍ وواضح. هو الذي أمسك بيد بطرس: «مَدَّ يسوعُ يده وأمسك به» (آية 31) ولم يوبّخ ضعف إيمان تلميذه إلا بعد أن رفعه فوق البحر الهائج! لم يقل له: لماذا جئت إليَّ؟ فمن حق بطرس أن يجيء للرب. ولكنه قال له: «يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟» (آية 31). فمن حق المؤمن أن يطلب من الله، لكن ليس من حقه أن يشك في محبة الله.

«أؤمن يا سيد، فأعن عدم إيماني!».

 

صلاة

أبانا السماوي، عندما يضطرب بنا بحر الحياة، وعندما نفقد السيطرة على المصير يجيئنا المسيح، سيد الطبيعة، يمشي على الموج ليهدّئه، فالموج تحت قدميه خاضع. فإليك نلجأ، وعليك نعتمد، لنجد الأمان العميق داخلنا، فلا نعود نضطرب مهما ثار بحر الحياة. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

ماذا كانت صلاة المسيح على الجبل وحده؟

ما معنى «الهزيع الأخير»؟

لماذا ظن التلاميذ أن المسيح الآتي إليهم ماشياً على الماء خيالاً؟

نتعلم من طلب بطرس: «مُرْني أن آتي إليك على الماء» أمرين. اذكرهما.

ماذا نتعلم من مَشْي المسيح على الماء؟

ماذا نتعلم من القول: «أراد أن يتجاوزهم»؟

اذكر اختباراً روحياً جُزْتَ فيه يشبه مشي بطرس على الماء.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي