أنا هو الكرمة الحقيقية، وأبي الكرَّام


(يو 1: 15)

™gè e„mi ¹ ¥mpeloj ¹ ¢lhqin

kaˆ Ð pat”r mou Ð gewrgÒj ™stin


“أنا الكرمة الحقيقية، وأبي الكرَّام”

هنا إضافة
“وأبي الكرَّام”،أعطت ل “أنا الكرمة الحقيقية” معنىً آخر جانبياً غير ظاهر. لأن صفة
“أبي”بحد ذاتها تعني الله بالنسبة للمسيح الابن. ولكن أن يُعطي المسيح لله الآب صفة الكرَّام أو وظيفته، يعني أن يكون الآب هو زارع الكرمة وصاحبها كمجرد شجرة، وهذا ينفي أن يكون المسيح هو الكرمة إلا على مستوى الجسد، وإلا يكون قد أعطى لله الآب صفة زرع الابن، وهذا خروج عن اللاهوت.

قول المسيح: “أنا هو الكرمة الحقيقية
” إنما يقصد بها كرمة حقيقية غير الكرمة الكاذبة أو التي لا تستحق أن تُدعى كرمة. إذاً، أصبح علينا الآن أن نتعرض للكرمة التي فسدت وفقدت صدقها وحقيقتها.

معروف أن شعب إسرائيل المحسوب أنه شعب الله كان قد تُسمِّي من الله ب “الكرمة”، ولكن بامتياز أن الله هو زارعها أو هو الكرَّام بنفسه وصاحبها. وإليك الآيات التي تكشف عن مدى امتياز هذه الكرمة في البداية:

+ “وأنا قد غرسْتُكِ كرمة سورق (مثمرة)، زرع حقٍّ كلها (تماماً)” (إر 21: 2)

وتاريخ زراعة الله لهذه الكرمة أي شعب إسرائيل يبدأ من مصر، ثم نقلها إلى فلسطين وأباد شعوباً برمتها وأصَّلهم في الأرض، فتأصَّلوا ونموا نمواً عظيماً تحت رعاية الكرَّام:

+ “كرمةً من مصر نَقَلْتَ، طردتَ أُمماً وغرستها. هيَّأتَ قدَّامها فأصَّلَتْ أُصولها فملأت الأرض. غطَّى الجبال ظلُّها وأغصانها أرز الله. مدَّت قضبانها إلى البحر وإلى النهر فروعها..” (مز 8: 80
11)

وكانت الكرمة التي زرعها الله وأصَّلها في الأرض وامتدت وأثمرت موضع إعجاب الله ومسرة نفسه، لأن الله أحب شعب إسرائيل حبًّا قوياً:

+ “لما كان إسرائيل غلاماً
أحببتُه،ومن مصر دعوتُ
ابني” (هو 1: 11)

وهذا الحب دخل تحت مضمون الكرمة، فأصبح حب الكرمة، والكرمة المشتهاة:

+ “لأُنشِدَنَّ عن حبيبي نشيد مُحبِّي لكرمه، كان لحبيبي كرمٌ على أكمة خصبة، فنقبه ونقَّى حجارته، وغرسه كرم سورق، وبنى بُرجاً في وسطه، ونقر فيه أيضاً معصرة..” (إش 1: 5و2)

وأيضاً:

+ “.. غنُّوا للكرمة المشتهاة (ويأتي مشتهى الأمم “على المسيح”) أنا الرب حارسها، أسقيها كل لحظة لئلا يُوقَع بها، أحرسها ليلاً ونهاراً” (إش 2: 27و3)

ولقد تمادى الله في حبه لشعب إسرائيل حتى أعطاه لقب “ابن” له، بل وتمادى أيضاً وأعطاه لقب “البكر” أي قبل كل الشعوب:

+ “فتقول لفرعون هكذا يقول الرب: إسرائيل
ابني البكر،فقلتُ لك: أطلق ابني ليعبدني..” (خر 22: 4و23)

وقد أعطى الله بالفعل تشبيهاً عاطفياً شديد الإعزاز لمستوى محبته لشعب إسرائيل في البداية، هكذا
وهنا الرب هو المتكلِّم
:

+ “وفي البرية حيث رأيتَ كيف حملك الرب إلهك كما يحمل الإنسانُ ابنَه في كل الطريق..” (تث 31: 1)

ومن جدِّية التعبير وتكرار أوصافه مرات كثيرة يتبين لنا أن هناك خطةً وتدبيراً من نحو الشعب لابد وأن تظهر بوضوح يوماً ما في المستقبل. فهنا ليس مجرد أوصاف أو تشبيهات، بل إن الله أظهر شعوره بشيء من اليقين، حتى إن شعب إسرائيل أحسَّ بذلك وأخذ ذلك تكأة لتكوين دالة مع الله ظلت قائمة بالرغم من عصور
الجفاء، واستمر يتغنَّى بها الأنبياء مرَّة برجاء العودة لأيام القِدَم، ومرَّة بالنواحوالنحيب على أيام حب مضى وذكرى عشق ولَّى واندثر.

ولكن الذي يستلفت نظرنا بشدة هو اقتران صفة الابن البكر بصفة الكرمة، فهما يتعانقان معاً دائماً لتكوين ضفيرة ازدواجية متحدة بصورة سرية نادرة: الكرمة المشتهاة، والابن المحبوب. ومن هذا الازداوج في الصفة والتعبير نلمح قصداً دفيناً من الله لتجميع شعبه في واحد. فالكرمة أعظم مَثَل لذلك، لأن فروعها الكثيرة ملتحمة في وحدانية عضوية، ثم يعود ويعطيها صفة الابن أيضاً، وهذا يوحي بالنية المبيتة أنْ يدخل الشعب في صلة انتسابية له يأخذ فيها امتياز الانتساب الفعلي لله عن واقع وليس عن مجاز.

هذا واضح للغاية كمشروع بدأ الله به في تعامله مع الشعب في أول حياته. ولكن للأسف فالإنسان هو الإنسان، والله هو الله. فكل هذا التخطيط من قِبَلِ الله توقف، وتبدد المشروع لرداءة معدن الإنسان عامة وليس شعب إسرائيل فحسب الذي ارتكب في المقابل أنواعاً من العناد والصدود والمقاومة والعصيان: “حوَّلوا نحوي القفا لا الوجه
” (إر 27: 2)، “طول النهار بسطتُ يديَّ إلى شعب معاند ومقاوم
” (رو 21: 10)، “أين كتاب طلاق أُمكم!!!
” (إش 1: 50)

فلم يكن الشعب أبداً عند حسن ظن الله، وارتكب من الفجور ما جعل الله يغض الطرف عنهم ويوقف مشروعه البديع إلى حين. وهذا واضح في روايات الأنبياء عن هذا الحب المطعون والعناية المرفوضة، فإشعياء النبي يُوصِل التغنِّي بالكرمة مع رثائها في مقطع واحد: “لأُنشِدَنَّ عن حبيبي نشيد مُحبِّي لكرمه.. فانتظر أن يصنع عنباً، فصنع عنباً رديئاً..” (إش 1: 5و2). ويكمل أيضاً إشعياء في نفس المقطع شكوى الله المُرَّة من الشعب، ثم تصميمه على هدم الكرمة المشتهاة وتسويتها بتراب الأرض:

+ “والآن يا سكان أورشليم ورجال يهوذا، احكموا بيني وبين كرمي. ماذا يُصْنَع أيضاً لكرمي وأنا لم أصنعه له؟ لماذا إذ انتظرت أن يصنع عنباً، صنع عنباً رديئاً. فالآن أُعرِّفكم ماذا أصنع بكرمي: أنزع سياجه (أرفع عنه العناية الإلهية)، فيصير للرعي (نهباً لكل الشعوب). أهدم جدرانه (يفقد وحدته وصلابته)، فيصير للدوس (احتقار الشعوب). وأجعله خراباً لا يُقْضَب ولا يُنْقَب (أي لا يعود إلى أيام شبابه)، فيطلع شوكٌ وحسكٌ (تصير أُمة مشاكسة رديئة بلا فائدة). وأوصي الغيم أن لا يمطر عليه مطراً (أي ترتفع رحمة الله عنه)” (إش3: 5
6)

هذه الشكوى والوعيد بالكارثة مع شهود رجال إسرائيل ويهوذا أنفسهم، توضِّح جداً تبرير موقف الله في كل ما اتخذه من تأديب وعقاب. ثم يعود إشعياء ويلخِّص الأمر كله هكذا: “إن كرم رب الجنود هو بيت إسرائيل، وغرس لذَّته رجال يهوذا. فانْتَظَرَ حقاً، فإذا سفك دم، وعدلاً فإذا صراخٌ” (إش 7: 5)

وهكذا استطاع هذا الشعب “الغبي” أن يُقاوم تدبير الله (تث 6: 32) حسب وصف موسى:

+ “إنهم أُمة عديمة الرأي ولا بصيرة فيهم، لو عقلوا لفطنوا بهذه وتأملوا آخرتهم. كيف يَطْرُد واحدٌ ألفاً ويهزم اثنان ربوة، لولا أن صخرهم باعهم والرب سلَّمهم، لأنه ليس كصخرنا صخرهم.. لأن من جفنة (كرمة) سدوم جفنتهم ومن كروم عمورة، عنبهم عنبُ سمٍّ، ولهم عناقيد مرارة، خمرهم حُمَة الثعابين وسمُّ الأصلال القاتل. أليس ذلك مكنوزاً عندي، مختوماً عليه في خزائني.. لأنه.. يصفح عن أرضه عن شعبه” (تث 28: 32
34و43)

إذاً، قد توقف المشروع الذي كان موضع مسرة الله. فالشعب ليس على مستوى كرمة الله، ولا هو على مستوى الابن. لقد خرَّب الإنسان مقاصد العليِّ بجهالاته ونجاسات قلبه، وانكشف معدن الإنسان الخسيس الذي يستحيل أن يطعَّم على معدن الله: “كما علت السموات عن الأرض، هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن أفكاركم” (إش 9: 55)

ولكن هل يستكين الله ويقبل بالفشل تحت حكم واقع طبيعة الإنسان؟ مستحيل.

 

استعادة مشروع
الكرمة،ولكن على يد
الابنالوحيد

نحن الآن في العهد الجديد، والمسيح هو المتكلم:


“أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرَّام”:


تمهيد:

هكذا انكشف قصد الله الأزلي أن يكون شعبه على مستوى الكرمة، وعلى مستوى الابن، وإذ حاول الله تطبيقه على شعب إسرائيل مع كل العناية والجهد، إلاَّ أن الشعب فشل بسبب معدن الإنسان غير القابل أن يلتحم بمعدن الله. وهكذا أرسل الله ابنه الوحيد ملتحماً هو مع طبيعة الإنسان ليرفع قدرات طبيعة الإنسان لتكون على مستوى طبيعة الله، فيجمع الشعب ويوحِّدهم بذاته كابن الله المتجسد، ليصير الشعب بالابن كرمة الله بالدرجة الأولى وعلى مستوى الحق الكلِّي!! “أنا الكرمة وأنتم الأغصان
” (يو 5: 15)!!

ولكن الابن
متجسداً
بحد ذاته هو “الكرمة الحقيقية”، فبالتالي وبالضرورة الحتمية، تكون الأغصان في الكرمة الحقيقية، أغصاناً حقيقية بحكم الاتحاد! ولكن “الكرمة الحقيقية” هو “الابن”. إذاً، فقد صارت الأغصان أي شعب الله، هو “الكرمة” وهو “الابن”
بآن واحد
ولكن بواسطة الاتحاد بالابن الوحيد. وهكذا نفَّذ الله مشروعه الذي دبَّره منذ الأزل وخطط له كل العهد القديم.

وبقول المسيح: “وأبي الكرَّام
” يكون قد نسب لله الآب كل أعماله في مشروع إقامة الشعب على مستوى الكرمة الحقيقية! ليصبح يهوه، كالقديم، صاحب الكرمة بصورتها كشعب الله. فالابن صنعها من دمه وسلَّمها لله ليرعاها.


تحقيق:


“أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام”

وتصحيح القول حسب النص اليوناني يلزم أن يكون: ”
أنا هو
الكرمة الحقيقية

” حيث
“أنا هو”،كما سبق وقلنا مراراً، هو لقب يهوه أو اسمه الرسمي الذي يفيد “أنا الكائن بذاتي”، لأن “هو” ليس ضميراً بل فعل كينونة في الأصل العبري واليوناني

“I am the being”
.
معنى هذا أن المسيح يعلن أو يستعلن ذاته أنه هو “يهوه الله” بحسب العهد القديم.

وقوله
“الحقيقية”

¢lhqin

هي أيضاً صفة الله، وهكذا ينسب الكرمة بنسب إلهي بمعنى أنها ليست كرمة إسرائيل المرفوضة، بل كرمة دخلها عنصر إلهي بنوي ليرفع مستوى الشعب ليليق أن ينتسب لله، فيصير شعب المسيح حقاً هو شعب الله المهيَّأ للاتحاد بالله بالنهاية.

ثم ينكشف من قول المسيح إنه
“الكرمة”،قصد الله الأزلي كيف يصنع مع شعبه عهداً جديداً بدم ابنه! وهذا استُعلن بصورة سرية وفائقة للغاية، حينما مزج المسيح
خمراًفي كأس وقال: “هذا هو العهد الجديد بدمي..”، وذاق وأعطى لتلاميذه!! وزاد هذا الاستعلان وضوحاً في إنجيل القديس لوقا حينما قال المسيح ليلة عشاء الفصح الأخير: “ثم تناول كأساً وشكر وقال: خذوا هذه واقتسموها بينكم، لأني أقول لكم إني لا أشرب من
نتاج الكرمةحتى يأتي ملكوت الله..
هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يُسفك عنكم..” (لو 17: 22
20)


وصف كيف يصنع المسيح شعباً مقدَّساً لله:

مهَّد المسيح لذلك بضرورة ثبوت الأغصان في الكرمة وإلاَّ تصبح عديمة النفع: “اثبتوا فيَّ وأنا فيكم. كما أن الغصن
لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاتهإنْ لم يثبت في الكرمة، كذلك أنتم أيضاً إنْ لم تثبتوا فيَّ

” (يو 4: 15). الثمر هنا هو الأعمال التي تمجِّد الله التي من أجلها زُرعت الكرمة أصلاً!!

هذه هي الدرجة الأولى أو نقطة الابتداء في تكوين شعب الله المكني عنه بالكرمة والابن!!

فثبوت كل مؤمن في المسيح هو بداية حركة التجميع العظمى، ثم وحدة الشعب في الابن لحساب الله: “ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا
” (يو 21: 17). لأن بثبوت أي مؤمن في المسيح، فهو بالتالي ودون أن يدري أو يعمل، يصير متحداً بكل الذين ثبتوا في المسيح. ومن هنا تنشأ المحبة الأخوية الصادقة عديمة الغش نتيجة اتحاد كل مؤمن في المسيح، فيصير المؤمنون واحداً بالحب في المسيح، والمسيح يعود ويتمادى في الوصف السالبي ليوضِّح كيفية إخفاق الأشخاص وخروجهم عن دائرة المسيح كلية: “لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً (وبالأخص فإن محاولة “حب بعضكم بعضاً” مستحيلة بدون المسيح). إنْ كان أحد لا يثبت فيَّ يُطرح خارجاً كالغصن، فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق
” (يو 5: 15و6). فاتحاد الإنسان بالمسيح على مستوى الثبوت، يؤمِّنه ضد الانفصال من وحدة شعب الله، ويؤمِّنه من الهلاك.


“أنا الكرمة وأنتم الأغصان”:

بعد أن مهَّد بحالة الغصن من جهة الثبوت المتبادل والإثمار، خرج المسيح بهذه الحقيقة المدهشة، وهي وحدة الكرمة والأغصان. وهنا معنى سرِّي مُخْتَفٍ، إذ أن الأغصان هنا أخذت صفة الكرمة بالضرورة، لأنك إذا نظرت كرمة كبيرة لا ترى فيها إلاَّ الأغصان. فكلمة “أنا” هنا، هي في الحقيقة مختفية غير ظاهرة. فالذي يُرى من الشعب المثمر الثابت في المسيح هو الأفراد، وكل واحد منهم ماسك بالمسيح في قلبه سرًّا. فالمسيح موجود في كل واحد بالسرِّ.

إذاً، فالمسيح نجح أن يصنع لله الآب كرمة عظيمة ممتدة تملأ الدنيا، والمسيح مختفٍ في قلب كل واحد منهم.


سر ثبوت الأغصان في الكرمة:

لا يثبت الغصن في الكرمة من الخارج بل من الداخل، والأصل هو العصارة التي تسري من الكرمة للفرع فتنميه وتزيده التصاقاً وقوة وتمدُّه بالثمار. ومن هذا المنظور يأتي سر ثبوت الأشخاص في المسيح، فالعصارة هنا هي في الكأس أي الخمر المتحوِّل بالتالي إلى عصارة المسيح الحقيقية أي
“دمه”.فالذي يؤهَّل بالسرِّ للتناول من دم المسيح يسري فيه الدم كما تسري العصارة في الفرع للثبوت والإثمار، حتى إن الكنيسة جعلت التناول من الدم ضمن سر التثبيت. وبالنهاية، يعني أن المؤمنين إذ يتناولون من سر الدم يتَّحدون في المسيح ويصيرون أعضاء حقيقيين في جسد المسيح بهيئة الأغصان في الكرمة. وبهذا تكونت الكرمة الحقيقية الحاملة سر الوجود الإلهي، أو الشعب المقدس المتحد بالمسيح والحامل لسر حضور الله الدائم بالابن.

وبهذا يكون المسيح قد أكمل مشروع يهوه القديم الذي توقف بسبب عدم لياقة معدن الإنسان أن يلتحم بمعدن الله ليحمل لقب الابن. وواضح أن نجاح المشروع تم على أساس تجسُّد ابن الله، أي تنازل من جهة الله ليبدأ هو بذاته عملية الالتحام بالطبيعة البشرية ليؤهلها عن جدارة لحمل لقب الابن بالامتياز.


اكتمال مسرة الله في الكرمة المشتهاة،


والابن الذي اختاره لنفسه:

والآن إذا عُدنا لنقرأ النبوة القديمة الناطقة في المزمور 80 بما سيجيء بعد ذلك، نعجب كيف نجح الله في تكميل مسرة نفسه كما خطط ورسم منذ الأزل؛ وما أخفق فيه الإنسان على مستوى شعب إسرائيل، نجح فيه الإنسان يسوع المسيح على مستوى ابن الله، هكذا:

+ “يا إله الجنود أرجعَنَّ، اطَّلعْ من السماء، وانظر وتعهَّد هذه الكرمة والغرس الذي غرسته يمينك
والابن الذي اخترته لنفسك..لتكن يدك على
رَجُل يمينكوعلى
ابن آدم(ابن الإنسان) الذي اخترته لنفسك، فلا نرتدَّ عنك، أحْيِنَا فندعو باسمك. يا رب إله الجنود أرْجِعنا، أنِرْ بوجهك فنخلص” (مز 14: 80
19)

وليلاحظ القارئ هنا قول النبي عن الابن لكي يعرِّفه أنه ابن الله بقوله: “رجل يمينك”، وهي تشير إشارة نبوية متقنة إلى المسيح الذي جلس في النهاية عن يمين الله.

هنا رؤية النبي اخترقت سحب المستقبل لألف سنة لترى الشعب هنا ممثَّلاً في ابن اختاره لنفسه وهو
بآن واحد
رجل على مستوى البشر، ولكن بقوله “رجل يمينك” عرَّفه بأنه ابن الله بالضرورة وابن آدم بالتحديد (ابن الإنسان)، ثم يدعو النبي عن خبرة أليمة أن لا نرتد عن الابن الذي اختاره لنفسه كما ارتد شعب إسرائيل ففقد اللقب وتحطمت الكرمة! ولكن هنا يُطَمْئِن الرب يسوع هذا النبي على بُعْد الألف سنة قائلاً: “إني أنا حيٌّ فأنتم ستحيون

” (يو 19: 14)، ردًّا على قوله “أحْينا فندعو باسمك”: “في ذلك اليوم تطلبون باسمي، ولستُ أقول لكم: إني أنا أسأل من أجلكم، لأن
الآب نفسه يحبكملأنكم قد أحببتموني وآمنتم أني من عند الله خرجت، خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم وأيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب” (يو 26: 16
28)

لقد أكمل المسيح مسرة الآب بأن صالح الإنسان بالله: “أي إن الله كان في المسيح مُصالحاً العالم لنفسه
” (1كو 19: 5)، وربط الشعب بالله برباطٍ أبدي بأن وهبه روح بنوته لله. فصار الشعب موضوع مسرة الآب
“الآب نفسه يحبكم”!وهكذا تمت مسرة الله في الإنسان ودعاه ابناً عن جدارة ومثمراً بالروح كالكرمة المشتهاة.

اسمع ما يقوله بولس النبي الجديد برؤيته التي امتدت إلى ما قبل الزمان قبل تأسيس الأرض:

+ “كما اختارنا فيه (في المسيح) قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدَّامه في المحبة، إذ
سبقفعيَّننا
للتبنِّيبيسوع المسيح
لنفسهحسب
مسرةمشيئته، لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب” (أف 4: 1و5)

هذا هو المشروع الأزلي الذي صمَّمه الله حسب مسرة نفسه، وفشلت محاولة تنفيذه في إسرائيل كتجربة للكرمة والابن، ولكن لم يهدأ الله حتى أكمل ما اشتهاه بيسوع المسيح ابنه الحبيب الذي أكمل العهد الجديد بدم الكرمة بالنسبة للإنسان لكي يقف أمامه بحال القداسة ليمدح مجده أبد الدهر.

وبهذا يتضح أمامك، أيها القارئ العزيز، كيف بدأ الله مشروع الكرمة والابن لحساب الإنسان منذ قبل تأسيس العالم.

إذاً، فدعوة الله لإسرائيل أن تقوم بدور الكرمة المشتهاة والابن البكر، والتي أخفقت فيها، لم تكن محدثة، بل كانت أول إرهاصة (تصميم الأساس) في إخراج المشروع الأزلي الذي بقي معلَّقاً حتى جاء الابن الحقيقي وحمل رسالة الكرمة الحقيقية وسقى البشرية من عصارة الكرمة التي
بآن واحد
هي دم الابن الوحيد. فحمل الإنسان المفدي هيكل الكرمة المشتهاة وهيكل الابن الوحيد بآن، فأكمل مسرة مشيئة الله الأزلية، ودخل هو في فرح الله الأبدي: “ونكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم كاملاً” (1يو 4: 1)


(أكتوبر 1994)

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي