الفصل الثاني


السيد المسيح وصفاته الإلهية

11- قدرته على الخلق

لاشك أن الخالق هو الله. وقصة الخليقة تبدأ بعبارة ” في البدء خلق الله السموات والأرض” (تك1: 1). والإصحاح الأول من سفر التكوين يشرح كيف خلق الله كل شئ. وفي سفر اشعياء يقول الله ” أنا الرب صانع كل شئ، ناشر السموات باسط الأرض” (اش44: 24). ” أنا الرب صانع كل هذه” (اش45: 7).

 

1 ومع ذلك هناك آيات في الكتاب تذكر أن المسيح هو الخالق:

أ (يو1: 3) يقول يوحنا الإنجيلي عن السيد المسيح ” كل شئ به كان، وبغيره لم يكن شئ مما كان ” وهنا لا يذكر فقط أنه الخالق، إنما أيضاً بغيره ما كانت هناك خليقة. ويقول أيضاً ” كان في العالم، وكون العالم به” (يو1: 10)..

ب (عب1: 1) ويقول بولس الرسول ” الذى به عمل العالمين “.

 

ج (كو1: 16) ويقول أيضاً ” فإن فيه خلق الكل، ما في السموات وما على الأرض، ما يرى وما لا يرى، سواء كانوا عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خلق.

 

د (1كو8: 6) ويقول أيضاً ” به جميع الأشياء ونحن به “.

 

2 وقد ذكر الكتاب معجزات للسيد تدل على الخلق.

منها معجزة إشباع خمسة آلاف من خمس خبزات وسمكتين (لو9: 10 17).

وهنا خلق مادة لم تكن موجودة، أمكن بها إشباع هذه الآلاف. ويزيد هذه المعجزة قوة أن الجميع أكلوا وشبعوا. ثم رفع ما فضل عنهم من الكسر أثنتا عشرة قفة. فمن أين أتت كل هذه الكسر. إنها مادة لم تكن موجودة، خلقها الرب يسوع. وهذه المعجزة العظيمة ذكرها كل الإنجيليين الأربعة.

 

ويشبة هذه المعجزة إشباع أربعة آلاف من الرجال عدا النساء والأطفال.

 

وذلك من سبع خبرات وقليل من السمك (متى15: 32 38) ثم رفعوا ما فضل عنهم سبعة سلال مملوءة. وهنا أيضاً خلق مادة لم تكن موجودة. والقدرة على الخلق هي من صفات الله وحده.

 

3 ومن معجزات الخلق أيضاً تحويل الماء خمراً في عرس قانا الجليل (يو2).

وهنا عملية خلق: لأن الماء مجرد أوكسجين وأيدروجين، فمن أين أتى الكحول وباقى مكونات الخمر؟ لقد خلق السيد كل هذا في تلك المعجزة، التى مما يزيد قوتها أنها تمت بمجرد إرادته في الداخل، دون أية عملية، ولا رشم ولا مباركة، ولا حتى صدر منه أمر كأن يقول فليتحول الماء إلى خمر.. إنما قال ” املأوا الأجران ماء، فملأوما. ثم قال لهم استقوا الآن (يو2: 7، 8). وهكذا صار الماء خمراً بمجرد إرادته. أراد أن تخلق مادة الخمر فخلقت حتى بدون أمر.

 

4 ومن معجزات الخلق أيضاً منح البصر للمولود أعمى (يو9).

لقد خلق له السيد المسيح عينين لم تكونا موجودتين من قبل. وخلقهما من الطين مثلما خلق الإنسان الأول.الطين الذى يضعونه في عين البصير فيفقده البصر، وضعه السيد في محجرى الأعمى فصار عينين. ويزيد هذه المعجزة قوة أن الرب أمر المولود أعمى أن يغتسل بعد ذلك في بركة سلوام. والمفروض أن الاغتسال بالماء يذيب الطين، ولكنه على العكس أمكن هنا أن يثبت الطين العينين في المحجرين، ويربطهما بشرايين وأنسجة وأعصاب.. ولكل هذا قال الرجل المولود أعمى لليهود ” منذ الدهر لم يسمع أن أحداً فتح عيني مولود أعمى (يو9: 32).

 

هنا ويوجهنا سؤال لاهوتي هام وهو:

5 كيف يكون المسيح خالقاً، بينما الخلق من صفات الله وحده؟

 

لقد كان يخلق بقوة لاهوته، باعتبار أنه الأقنوم الثاني، عقل الله. إذن فهل هو الذى خلق الكون أم الله الآب هو الذى خلق الكل ظ إن الله الآب خلق العالم كله بالابن، خلقه بعقله، بفهمه بمعرفته، بكلمته، أي بالأقنوم الثاني. لذلك يقول الرسول ” الذى به عمل العالمين “. به أي بعقله، بحكمته..

 

12- المسيح مُعطي الحياة

1 يقول عنه يوحنا الإنجيلي ” فيه كانت الحياة” (يو1: 4). والسيد المسيح قد أعطى الحياة هنا، وفي الأبدية وهذا عمل من أعمال الله وحده.

 

2 وقد أعطى السيد المسيح الحياة في إقامته للموتى.

وذكر الكتاب المقدس ثلاث معجزات من هذا النوع.

أ (مر5: 22، 35 42) إقامة ابنه يا يرس وكانت مسجاة على فراشها في البيت. وأهلها يبكون ويولولون كثيراً.

 

ب (لو7: 11 17) إقامة ابن ارملة نايين، وكان محمولاً على نعش في الطريق. وجمع كثير من المدينة حوله.

 

ج (يو11) إقامة لعازر بعد موته بأربعة أيام، وكان مدفوناً في قبره، وقالت أخته عنه قد أنتن.

 

والمهم في هذه المعجزة الثلاثة أنها تمت بالأمر.

 

مما يدل على لاهوته، وعلى أنه مانح الحياة، وسنعرض لهذا الأمر بالتفصيل عند حديثنا عن اثبات لاهوت المسيح من معجزاته.

 

3 ويكفى تعليقاً على معجزاته في إقامة الموتى، قول السيد المسيح ” لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيى، كذلك الابن يحيى من يشاء” (يو5: 21). وهنا مساواة بينه وبين الآب، وأيضاً جعل منح هذه الحياة متوقفاً على مشيئته.

 

4 قال السيد المسيح عن نفسه إنه ” المواهب الحياة للعالم” (يو6: 33) باعتباره ” خبز الحياة” (يو6: 35). وقال ” أنا هو خبز الحياة ” ” النازل من السماء ” ” إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد ” ” والخبز الذى أنا أعطى هو جسدي الذى أبذله من أجل حياة العالم ” ” من يأكل جسدي ويشرب دمى، فله حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير” (يو6: 35 58).

 

وهذا الفصل السادس من إنجيل يوحنا يقدم المسيح كمعطى للحياة، من خلال سر الافخارستيا،

 

تقديم جسده ودمه، وأيضاً من جهة قول المسيح ” وأنا أقيمه في اليوم الأخير” (يو6: 54).

 

5 وتحدث المسيح عن ذاته بأنه يعطى الحياة الأبدية، كما قال ” خرافي تسمع صوتى وأنا أعرفها فتتبعني. وأنا أعطيهما حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد. ولا يحفظها أحد من يدى” (يو10: 27، 28). ونلاحظ هنا عبارة ” أنا أعطيها “.

 

6 كذلك منح الحياة الأبدية لكل من يؤمن به. فقال ” لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية”.

 

7 كذلك في حديثه مع المرأة السامرية، شجعها أن تطلب منه ” الماء الحى “. وقال لها ” من يشرب من الماء الذى أعطية أنا فلن يعطش إلى الأبد. بل الماء الذى أعطية يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية” (يو4: 10 14). ونلاحظ هنا قوله مرتين ” الذى أعطية ” على اعتبار أن منه هذه العطية، التى هي الحياة هنا التى تنبع إلى حياة أبدية.

 

# استنتاج:

لم يحدث مطلقاً أن إنساناً بهذا الأسلوب، الذى به يكون واهباً للحياة، ومعطياً لها، وأنه يعطى حياة أبدية، وأنه يحيى من يشاء.

 

والذى يتبعه يحيا إلى الأبد، ولا يهلك، ولا يحفظه أحد من يده.. إنها كلها أعمال من سلطان الله.

 

13- السيد المسيح فوق الزمان

1 نستطيع أن نستنتج أن السيد فوق الزمن من قوله لليهود:

” قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن” (يو8: 58).

ومعنى هذا أن له وجوداً وكياناً قبل مولده بالجسد بالآف السنين، قبل أبينا إبراهيم، وقد فهم اليهود من هذا أنه يتحدث ضمناً عن لاهوته، لذلك ” رفعوا حجارة ليرجموه” (يو8: 59).

 

2 وصرح أيضاً أنه قبل جده داود:

فمع أنه من نسل داود حسب الجسد، إلا أنه قال في سفر الرؤيا ” أنا يسوع.. أنا أصل وذرية داود” (رؤ22: 16). وعبارة ذرية داود مفهومة وواضحة، لأنه من نسله، ولكن كلمة (أصل) هنا، تعنى أنه كان موجوداً قبل داود.. وقد شهد بهذا أيضاً أحد الكهنة الجالسين حول العرش الإلهي، فقال ليوحنا الرائي ” هوذا قد غلب الأسد الذى من سبط يهوذا، أصل داود” (رؤ5: 5)..

 

3 وهو أيضاً قبل كوكب الصبح:

إن الكتاب يعطيه وجوداً قبل داود ويهوذا وإبراهيم، فيقول له الرب في المزمور ” من البطن قبل كوكب الصبح ولدتك” (مز110: 3).

 

4 بل هو قبل العالم وقبل كل الدهور.

هكذا في مناجاته للآب في (يو17: 5) يقول له ” مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك، بالمجد الذى كان لي عندك قبل كون العالم” (يو17: 5). ويقول له أيضاً ” لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم” (يو17: 24). إذن فهو موجود قبل إنشاء العالم.

 

5 هو قبل الخليقة، التى به قد خلقت:

ففي حديث القديس بولس الرسول عنه باعتباره ” صورة الله غير المنظور” (كو1: 15) قال ” الكل به وله قد خلق. الذى هو قبل كل شئ، وفيه يقوم الكل” (كو1: 16، 17). إذن فهو كائن قبل كل شئ. لماذا؟ لأن الكل به قد خلق.

 

6 وطبعاً كونه قد خلق كل شئ، يعنى أنه كائن قبل كل شئ.

ذلك يقول القديس يوحنا الإنجيلي ” كل شئ به كان، وبغيره لم يكن شئ مما كان” (يو1: 3). وقال ” في العالم كان، والعالم به كون” (يو1: 10). مادام العالم به كون، إذن هو قبل كون العالم، وقبل كل شئ.

 

7 بل إن وجوده أزلى (منذ الأزل).

لعل أوضح ما قيل عن وجوده قبل الزمن، نبوءة ميخا النبى الذى يقول ” وأنت صغيرة أن تكونى بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذى يكون متسلطاً على إسرائيل. ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل” (مى5: 2). وهنا يصفه بالأزليه، وهي من صفات الله وحده. فما معنى عبارة ” مخارجه من القديم منذ أيام الأزل ” معناها هو الآتى:

 

8 أنه خرج من الآب منذ الأزل، أي ولد من الآب منذ الأزل، باعتباره الابن في الثالوث القدوس، إنه عقل الله الناطق. وعقل الله كائن فيه منذ الأزل وهو حكمة الله (1كو1: 24)، وحكمة الله كائنة فيه منذ الأزل.

ومادامت الأزليه صفة من صفات الله وحده، فهذا دليل أكيد على لاهوت المسيح، لأنه أزلى، فوق الزمن.

 

9 وله أيضاً صفة الأبدية:

ولعل صفة الأبدية فيه تتضح من قول الرسول ” يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد” (عب13: 8). وقول المسيح لتلاميذه ” ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر” (متى28: 20). وعن هذه الأبدية يقول عنه دانيال النبى ” سلطانه أبدي ما لن يزول. وملكوته ما لا ينقرض” (دا7: 14).

 

14- الله هو الموجود في كل مكان

1 الوجود في كل مكان صفة من صفات الله وحده. وهكذا يقول له داود النبي ” أين أذهب من روحك، ومن وجهك أين أهرب؟ إن صعدت إلى السموات فأنت هناك. وإن فرشت في الهاوية فها أنت. إن أخذت جناحى الصبح، وسكنت في أقاصى البحر، فهناك أيضاً تهدينى يدك وتمسكني يمينك” (مز139: 7 10).

 

2 الكائن الموجود في كل مكان، لاشك أنه كائن غير محدود.

 

والله هو الكائن الوحيد غير المحدود. وعلى ذلك تكون هذه صفة خاصة به وحده. إذ لا يوجد كائن سواه غير محدود. إن الله في السماء، وفي نفس الوقت على الأرض. لأن السماء هي كرسيه، والأرض هي موضع قدميه” (متى5: 34: 35)، (اش66: 1). وما وجود الله في أماكن العبادة سوى نوع من وجوده العام. وهكذا قال له سليمان الحكيم عند تدشين الهيكل ” هوذا السموات وسماء السموات لا تسعك، فكم بالأقل هذا البيت الذى بنيت” (1مل8: 27).

 

3 ولا يمكن لكائن آخر غير الله أن يوجد في كل مكان، وإلا أصبح هو الآخر غير محدود، بينما هذه هي إحدى الصفات المميزة لله وحده. فإن استطعنا أن نثبت أن المسيح موجود في كل مكان، أمكن بذلك اثبات لاهوته.

 

15- المسيح موجود في كل مكان

1 إنه بعد المؤمنين به وعداً لا يستطيع أن يصرح به سوي الله وحده. فهو يقول لهم ” حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمى، هناك أكون في وسطهم” (متى18: 20). ومعنى هذا أن السيد المسيح موجود في كل بقاع الأرض، إذ قد انتشرت الكنيسة حتى وصلت إلى أقاصى الأرض. تصور يوم الأحد مثلاً، والمسيحيون في العالم كله مجتمعون باسم المسيح في صلواتهم في الكنائس، والمسيح وسطهم في كل مكان يصلون فيه.. ألا يعنى هذا أنه موجود في كل مكان على الأرض.

 

2 وفي نفس الوقت الذى يحدد فيه كل الأرض، هو موجود أيضاً في السماء، إذ قد صعد إلى السماء كما رآه الرسل (أع1: 9)، وهو عن يمين الآب كما رآه اسطفانوس (أع7: 56).

 

3 وهو في نفس الوقت في الفردوس، مع الذين انتقلوا من عالمنا، ودليلنا على ذلك قوله للص اليمين ” اليوم تكون معى في الفردوس” (لو23: 43). وأيضاً قول القديس بولس الرسول ” لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، فذاك أفضل جداً” (فى1: 23). وهذا اثبات أن الذين ينطلقون من الجسد، يكونون مع المسيح في الفردوس، بينما هو مع المؤمنين المجاهدين على الأرض.

 

4 السيد المسيح موجود إذن في السماء، وعلى الأرض، وحيثما ينتظر الأبرار، وهذا يتفق مع وعده للكنيسة حينما قال ” وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر” (متى28: 20).

 

5 وفي حديث السيد المسيح مع نيقوديموس، صرح بهذه الحقيقة، فقال له ” ليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذى نزل من السماء، ابن الإنسان الذى هو في السماء” (يو3: 13). أي أنه كان في السماء فس نفس الوقت الذى كان فيه يكلم نيقوديموس على الأرض.

 

فهو على الأرض يكلم نيقوديموس، وهو الذى صعد إلى السماء وهو موجود في نفس الوقت في السماء.

 

6 والسيد المسيح ليس فقط موجوداً على الأرض حينما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمه، بل هو أيضاً موجود في قلب كل مؤمن محب له. وفي ذلك يقول ” إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبى، وإليه نأتى، وعنده نصنع منزلاً” (يو 14: 23) أي أن كل إنسان محب لله هو بيت للمسيح، ينزل للسيد في قلبه ويعيش معه في كل مكان يحل فيه، وفي كل أقامته وتنقلاته، وهكذا استطاع بولس الرسول أن يقول:

” أحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في” (غل2: 20).

 

7 والسيد المسيح لا يوجد فقط حيثما يوجد الأبرار القديسون. بل أيضاً في الأمكنة التى ضل فيها الأشرار، يبحث عنهم ويفتقدهم ويقرع على أبواب قلوبهم. وهكذا يقول ” هأنذا واقف على الباب واقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل وأتعشى معه وهو معي” (رؤ3: 20).

 


 # استنتاج:

ثابت من كل الكلام الذي قلناه أن السيد المسيح كائن غير محدود، موجود في كل مكان: في السماء وفي الفردوس، وفي نفس الوقت على الأرض، في أماكن العبادة، وفي اجتماعات المؤمنين، وفي قلوب محبيه. كما أنه يقرع على أبواب قلوب الضالين والمبتعدين عن وصاياه. ينتقل مع كل إنسان حيثما انتقل، ويكون معه وهو مستقر هو مع الأحياء، ومع الذين انتقلوا أيضاً.

كل هذا لا ينطبق إلا على كائن واحد هو الله.

 

16- نزوله من السماء

1 قال السيد المسيح في حديثه مع اليهود:

” أنا هو الخبز الذى نزل من السماء” (يو6: 41).

وقال إنه بهذا معطى الحياة “لأن خبز الله هو النازل من السماء، الواهب حياة للعالم” (يو6: 33). وكرر عبارة “نزلت من السماء” (يو6: 38). وفسر نزوله من السماء بقوله:

 

2 ” خرجت من عند الآب، وأتيت إلى العالم “.

” وأيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب” (يو16: 28). وركز على عبارة خروجه من عند الآب بقوله لتلاميذه ” الآب يبكم لأنكم قد أحببتموني، وآمنتم أنى من عند الآب خرجت” (يو16: 27). وكرر هذا المعنى أيضاً في حديثه مع اليهود (يو8: 42).

 

3 إذن هو ليس من الأرض، بل من السماء، وقد خرج من عند الآب.

هذا هو موطنة الأصلي. أما وجوده بين الناس على الأرض بالجسد، فلذلك لأنه ” أخلى نفسه، آخذاً صورة عبد في شبه الناس” (في2: 7). ولكنه لابد أن يصعد إلى السماء التى نزل منها. أما عن هذه الأرض، فهو كائن قبلها، بل هو الذى أوجدها، لأن ” كل شئ به كان، وبغيره لم يكن شئ مما كلن” (يو1: 3) أما هو فقد كان في الآب منذ الأزل، وهذا هو مكانه الطبيعى، بل هذه مكانته..

 


 4 ونزوله من السماء وصعوده إليها، أمر شرحه لنيقوديموس، فقال:

ليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذى من السماء، ابن الإنسان الذى هو في السماء” (يو3: 13).

 

والمقصود بالسماء هنا سماء السماوات، التى لم يصعد إليها أحد، ولم ينزل منها أحد، إلا المسيح باعتباره أقنوم الابن ” الكائن في حضن الآب” (يو1: 18) في سماء السماوات حيث عرش الله، كما قال في العظة على الجبل إن السماء هي كرسى الله (متى5: 34) أي عرشه. وقوله ” ابن الإنسان الذى هو في السماء ” معناها أنه كائن في السماء، بينما هو على الأرض يتكلم، مما يثبت لاهوته أيضاً لوجوده في السماء وعلى الأرض في نفس الوقت.

 

ومعجزة صعوده إلى السماء (أع1: 9) هي تأكيد لقوله لتلاميذه ” أيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب” (يو16: 28).

 

5 وهو ليس في السماء كمجرد مقيم، إنما له فيها سلطان:

فقد قبل إليه روح القديس اسطفانوس أول الشمامسة الذى قال في ساعة رجمه ” أيها الرب يسوع اقبل روحى” (أع7: 59). وهو الذى أدخل اللص إلى الفردوس أي السماء الثالثة (2كو12: 2، 4) إذ قال لهذا اللص ” اليوم تكون معي في الفردوس” (لو23: 43). من هو الذى يقبل الأرواح، وله السلطان أن يدخلها إلى الفردوس إلا الله نفسه؟! وهكذا كان المسيح.

 

6 وهو الذى أعطى الرسل مفاتيح السماء أيضاً:

فقال لبطرس ممثلاً لهم ” وأعطيهم مفاتيح ملكوت السموات” (متى16: 19). وقال للتلاميذ جميعاً ” كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء. وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء” (متى18: 18). وهنا نسأل من له سلطان أن يسلم مفاتيح السموات للبشر، ويعطيهم سلطاناً أن يحلوا ويربطوا فيها سوى الله نفسه؟!

 

7 ومن سلطان المسيح في السماء، أنه تسجد له كل القوات السمائية.

وفي هذا يقول الرسول ” لكى تجثو باسم يسوع كل ركبه ممن في السماء، ومن على الأرض؟” (في2: 9). وسجود الملائكة له دليل على لاهوته. وقد قال عنه الرسول أيضاً:

 

8 إنه أعلى من السموات، وإنه في السماء يشفع فينا:

فقال ” إذ هو حي كل حين ليشفع فيهم. لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا، قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة، وصار أعلى من السموات” (عب7: 25، 26).

إذن من علاقة المسيح بالسماء، يمكن إثبات لاهوته بدلائل كثيرة.

 

17- الله هو الأول والآخر

وهذا الإثبات سيشمل أربع نقاط أساسية هي:

أ الله وحده هو الأول والآخر، ليس قبله إله ولا بعده.

ب المسيح هو أيضاً الأول والآخر، الألف والياء.

ج ما معنى الأول، وعلى أي شئ يدل؟

د محاولتان من شهود يهوه للرد.

 

# الله وحده هو الأول والآخر:

في الأزل كان الله، الله وحده. هو الأول والألف. ثم خلق الله جميع الكائنات، كلها صنعه يديه. لا يستطيع مخلوق أياً كان يقول إنه الألف أو الأول، لأن الأولوية لله وحده. لهذا نرى الله يصف نفسه بهذه الصفة. فيقول في سفر اشعياء ” أنا الأول والأخر، ولا إله غيرى” (اش44: 6).

 

” أنا هو: أنا الأول وأنا الآخر. ويدى أسست الأرض، ويمينى نشرت السموات” (اش48: 12، 13) ” أنا هو. قبلي لم يصور إله، وبعدى لا يكون” (اش43: 10).

 

18- السيد المسيح هو الأول والآخر

1 أنظر إلى نبوءة سفر الرؤيا: ” هوذا يأتى مع السحاب، وستنظره كل عين والذين طعنوه وتنوح عليه جميع قبائل الأرض، نعم آمين. أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية، يقول الرب الكائن والذى كان، والذى يأتى القادر على كل شئ” (رؤ1: 7، 8). أريت هذه الآية لأحد شهود يهوه في سنة 1953. فارتبك أولاً، ثم قال ” كلا إن الآيه الأولى هي فقط عن المسيح، أما الثانية فعن الله الآب “. قال هذا على الرغم من وضوح الآيه، وعلى الرغم من كلمة يأتى هو المسيح. فأشفقت عليه في ارتباكه، وقلت له: أنا متنازل إلى حين عن هذه الآيه، فالعقيدة لا تتوقف على آيه واحدة. ولنأت إلى آيه غيرها وهي أكثر وضوحاً. قال الرائى:

 

2 أنا يوحنا أخوكم وشريككم في ملكوت يسوع المسيح وصبره. كنت في الجزيرة التى تدعي بطمس. وسمعت ورائي صوتاً عظيماً كصوت بوق قائلاً ” أنا هو الألف والياء. الأول والآخر.. فالتفت لأنظر الصوت الذى تكلم معي. ولما التفت رأيت سبع مناير من ذهب. وفي وسط السبع المناير شبه ابن إنسان متسربلاً بثوب إلى الرجلين..” (رؤ1: 9 13). من هو هذا، شبه ابن الإنسان، إلا السيد المسيح الذى قال: أنا الألف والياء، الأول والآخر.. هذا القديس يوحنا الرائى يؤكداً فيقول:

 

3 ” فلما رأيته سقطت عند رجليه كميت، فوضع يده اليمنى على قائلاً: لاتخف أنا هو الأول والآخر والحى وكنت ميتاً. وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين..” (رؤ1: 17). فمن هو هذا الحى وكان ميتاً إلا ربنا يسوع المسيح القائم من الأموات..

 

4 ويتكرر هذا المعنى مرة أخرى في الإصحاح الأخير من سفر الرؤيا حيث يقول الرب ” هاأنا آتى سريعاً وأجرتى معى، لأجازى كل واحد كما يكون عمله. أنا الألف والياء، البداية والآخر.. أنا يسوع..” (رؤ22: 12 16).

 

# ماذا نستنتج؟

أ يقول الله في سفر اشعياء ” أنا هو. انا الأول والأخر ” ويكرر هذه العبارة مرات. ويسوع المسيح يقول في سفر الرؤيا ” أنا هو الألف والياء، الأول والآخر، البداية والنهاية ” ويكرر هذا العبارة مرات. فكيف يمكن التوفيق بين القولين إلا أنهما لكائن واحد هو الله، وليكن الله صادقاً.

 

ب قال السيد المسيح إنه هو الأول، هو الألف، أي لا يوجد أحد قبله. وهذه العبارة لايمكن تفسيرها إلا على أنه الله، وإلا يكون الله موجوداً على الآطلاق، إذ لا يوجد من هو قبل الأول، ولاقبل الألف. كيف توفق إذن بين الأول، قول الله ” أنا هو قبلى لم يصور إله، وبعدى لايكون “.. التوفيق الوحيد هو أن قائل العبارتين واحد.

 

ج إذا كان المسيح هو الأول، إذن فهو ليس مخلوقاً، لأنه لا يوجد قبله من يخلقه. ومادام غير مخلوق إذن فهو أزلى، وإذن هو الله.

 

# محاولتان للرد:

بعد أن نشرنا الإثبات السابق في مجلة مدارس الأحد (يوليو 1953) قام شهود يهوه بمحاولتين للرد على مجلتهم برج المراقبة (نوفمبر 1953) من ص174 وذلك بادعائين هما:

 

أ الادعاء بأن الذي يأتى هو الآب! وذلك رداً على (رؤ1: 8).

 

ب الإدعاء بأن ما ورد عن المسيح من حيث هو الأول والآخر، إنما قيل فقط من جهة أمور محدودة، تختص بموت المسيح وقيامته!

 

وقد كتبنا رداً مطولاً على هذين النقطتين، نشر في مجلة مدارس الأحد في يناير 1954، نلخصه في الآتى:

 

1 لاشك أن الآتى هو السيد المسيح، يأتى للدينونة، ليجازى كل واحد بحسب عمله [ أنظر (مت25: 31 46)، (مت16: 27) ]. ولعل آخر آية في سفر الرؤيا تقول ” أمين تعال أيها الرب يسوع” (رؤ22: 20). والسيد المسيح نفسه قال لرؤساء الكهنة ” من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء” (متى26: 64). وقال في علامات الأزمنة ” وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض. ويبصرون ابن الإنسان آتياً على السحاب بقوة ومجد كثير. فيرسل ملائكته..” (متى24: 29 31).. فإن كان شهود يهوه يقولون أن الآتى هو يهوه، وثابت من الآيات أن الآتي هو المسيح، فإنهم يقدمون لنا بذلك إثباتاً جديداً على أن المسيح هو الله. ولكى يهرب شهود يهوه من هذا المأزق، قالوا في ص184 من نفس عدد برج المراقبة ” لأن يهوه يأتى ممثلاً بالمسيح يسوع ” فهل معنى هذا عودتهم إلى الاعتراف أنه الله ظهر في الجسد.. (1تى3: 16)؟

 

2 أما قولهم عن أن عبارة الأول والآخر قيلت عن المسيح فيما يخص موته وقيامته فإننا نرد عليهم بالآتى:

 

أ من جهة الموت، لم يكن المسيح أول من مات، ولا آخر من مات. فقد مات الملايين قبله، وملايين بعده.

 

ب من جهة القيامة، فهو وإن كان حقاً باكورة الراقدين، أى أول القائمين بجسد ممجد، إلا أنه ليس آخر القائمين من الأموات، لأن كل الناس سيقومون في يوم القيامة، الأبرار منهم والأشرار (يو5: 28، 29).

 

19- المسيح هو الرب

أول نقطة في هذا الموضوع هي أن (الرب) اسم من أسماء الله، والنقطة الثانية هي أن السيد المسيح دعي رباً، لا بمعنى مجرد سيد، إنما في مجالات تثبت لاهوته، كما في مجال الصلاة، أو الإيمان، أو الدينونة، أو الخلاص، أو عقب معجزة عجيبة، أو في ساعة الموت.. ألخ.

 

وسنتناول كل ذلك بالشرح، مع إثبات من آيات الكتاب المقدس.

1 الرب اسم من أسماء الله:

قال الله في سفر اشعياء النبي ” أنا أنا الرب، ليس فيرى مخلص” (اش43: 11). ” أنا الرب وليس آخر. لا إله سواي” (اش45: 5) ” أليس أنا الرب، ولا إله آخر غيري” (اش45: 21). وقال السيد المسيح مذكراً بما ورد في (تث6: 13) ” للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد” (لو4: 8) (مت4: 10) وقال أيضاً ” لا تجرب الرب إلهك” (لو4: 12) (متى4: 7). فالرب هو الله. ولذلك قيل في سفر التثنية ” لأن الرب إلهكم هو إله الآلهة ورب الأرباب” (تث10: 17). وقيل في سفر هوشع ” أنا الرب إلهك وإلهاً سوى لست تعرف” (هو13: 4). ولعل من أهم الآيات الدالة على أن كلمة الرب هي من أسماء الله وحده قول الله في سفر اشعياء ” أنا الرب. هذا اسمي. ومجدي لا أعطية لأخر” (اش43: 8).

 

2 أطلق اسم الرب على المسيح في مناسبات تدل على لاهوته:

ولعل منها ذلك السؤال الذي حير الرب الفريسيين، حينما قالوا إن المسيح هو ابن داود. فقال لهم ” فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً: قال الرب لربي أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك تحت موطئ قدميك (مز109: 1) ” فلم يستطيع أحد أن يجيبه بكلمة” (متى22: 43 46). فداود يدعوه ربه، ويزيد الآية قوة، جلوسه عن يمين الله..

 

3 وقد استخدام اسم الرب بالنسبة إلى المسيح في مجال الصلاة:

وهو مجال العبادة لا يمكن أن توجه فيه كلمة (يارب) إلا لله وحده. وفي ذلك قال السيد المسيح في العظة على الجبل ” ليس كل من يقول لي يارب يارب يدخل ملكوت السموات، بل الذى يفعل إرادة أبى الذي في السموات” (متى7: 21). وهو هنا يقول إن الصلاة الموجهة إليه بدون أعمال صالحة لا تفيد. وبنفس المعنى قال ” لماذا تدعونني يارب يارب، وأنتم لاتفعلون ما أقوله” (لو6: 46).

 

4 واستخدام اسم الرب بالنسبة إلى المسيح في يوم الدينونة الرهيب:

وفي هذا قال السيد المسيح ” كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يارب يارب. أليس باسمك تنبأنا، وباسمك اخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة فحينئذ أصرح لهم أنى لم أعرفكم قط. اذهبوا عنى يا فاعلي الإثم” (متى7: 22، 23). وحديثهم معه باعتبار أنه الديان، وقيامة هو بعمل الديان، دليل على لاهوته لأنه ولاشك أنهم حينما يخاطبونه في يوم الدينونة بعبارة يارب، هذا دليل على لاهوته لأنه هو المتصرف الأبدي. وعبارة باسمك تنبأنا. باسمك صنعنا قوات، هنا اعتراف باللاهوت في أخطر ساعة. وفي حديث الرب عن جلوسه للدينونة في اليوم الأخير، يخاطبه الأبرار والأشرار جميعاً بعبارة يارب. فيقول له الأبرار ” يارب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك. أو متى رأيناك عطشاناً فسقيناك” (متى25: 37) وبنفس الأسلوب يخاطبه الأشرار ” يارب متى رأيناك جائعاً أو عطشاناً أو غريباً أو مريضاً أو محبوساً ولم نخدمك” (متى25: 44). ويتلقى هؤلاء وأولئك منه الحكم بمصيرهم الأبدي. وهذه ساعة رهيبة يخاطبة فيها الكل كإله. وقد جلس على كرسى مجده وحوله جميع الملائكة والقديسين (متى25: 31). وفي نفس الوضع حديث الرب عن الدينونة، ووقوف الأشرار خارجاً يقولون يارب افتح لنا (لو13: 25).

 

5 واستخدمت عبارة الرب للمسيح، في ساعة الموت:

وهي ساعة حرجة جداً، يهتم فيها الإنسان وبخاصة البار بكل لفظة ينطق بها حرصاً على خلاصه. ونحن نرى قديساً عظيماً مثل اسطفانوس أول الشمامسة يقول في ساع موته ” أيها الرب يسوع اقبل روحي” (أع7: 59). فهو هنا يعترف أن يسوع هو الرب، وهو الذى يستودع اسطفانوس روحه في يديه ويقول هذا بعد أن رآه قائماً عن يمين الله في الأعالي. أنه اعتراف واضح بلا هوته. ومثله اعتراف اللص اليمين الذى قال له ” اذكرني يارب متى جئت في ملكوتك. والرب قبل منه هذا الاسم (يا رب). ومنحه الوعد أن يكون معه في نفس اليوم في الفردوس. أي أن إيمانه بأن المسيح رب استحق عليه الفردوس.

 

6 واستخدم اسم الرب بالنسبة الذي المسيح في مجال الخلق:

فقال الرسول ” ورب واحد يسوع المسيح الذى به جميع الأشياء ونحن به” (1كو8: 6).

 

7 واستخدم نفس التعبير من توما الرسول في مجال التعبير عن إيمانه:

فلما آمن أنه هو: ووضع إصبعه مكان المسامير، قال في إيمان ” ربي وإلهى” (يو20: 28). وهي عبارة واضح فيها التصريح. وقد قبل منه السيد المسيح هذه العبارة وهذا الإيمان، ووبخه على أنه كان متأخراً في التصريح بهذا الإيمان، قال له ” لأنك رأيتني يا توما آمنت؟ طوبى للذي آمنوا ولم يروا. (يو20: 29).

 

8 واستخدم نفس الاسم في مجال إيمان السجان وخلاصه:

قال بولس وسيلا لسجان فيلبى ” آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك” (أع16: 31). عبارة رب هنا استخدمت بمعنى إله، لأنها خاصة بالإيمان والخلاص، وهما خاصان بالله وحده.

 

9 واستخدم اسم الرب للمسيح في مجال المجد:

فقال القديس بطرس الرسول ” أنمو في النعمة وفي معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح له المجد الآن وإلى يوم الدهر” (2بط3: 18). وواضح أن هذا تعبير يدل على لاهوته. فشتان بين كلمة رب بالمفرد، وكلمة الرب. ثم أكثر منها كلمة ربنا ومخلصنا وهي لا تطلق إلا على الله. وبخاصة ما ذكر بعدها هنا له المجد الآن وإلى يوم الدهر. ويقول القديس يعقوب الرسول معاتباً ” يا أخوتي، لا يكون لكم إيمان ربنا يسوع المسيح رب المجد في المحاباة” (يع2: 1) فهو يريد أن يكون الإيمان به مرتبطاً بأعمال صالحة. وأهمية الآية في عبارة (ربنا)، وعبارة (رب المجد)، وارتباط العبارتين بالإيمان. وهذا لا يستخدم إلا في مجال الحديث عن الله.

 

10 إن تعبير رب المجد دليل على اللاهوت:

لأن المجد ليس له رب إلا الله وحده، الكلى المجد. وتعبير رب المجد أقوى بكثير من عبارة له المجد. وقد قيلت العبارتين عن السيد المسيح. وتعبير رب المجد تكرر مرة أخرى في قول القديس بولس الرسول عن الحكمة الإلهية التي لو عرفها ” لما صلبوا رب المجد” (1كو2: 8).

 

11 وقد أطلق على السيد المسيح لقب رب الأرباب:

وهو من ألقاب الله وحده. فقد قيل في سفر التثنية ” لأن الرب إلهكم هو إله الآلهة ورب الأرباب، الإله العظيم الجبار المهوب” (تث10: 17). ومع ذلك نرى إن لقب رب الأرباب أطلق على السيد المسيح في أكثر من موضع. فقبل في سفر الرؤيا ” وله على ثوبه وعلى فخذه إسم مكتوب: ملك الملوك ورب الأرباب” (رؤ19: 16). وأيضاً ” هؤلاء سيحاربون الخروف والخروف يغلبهم، لأنه رب الأرباب وملك الملوك” (رؤ17: 14). فمن يكون رب الأرباب وملك الملوك سوي الله نفسه، وقد قيل ذلك عن السيد المسيح، في تعبير يدل على لاهوته.

 

12 وقيل أيضاً إنه رب السبت (متى12: 8).

في حديث بين السيد المسيح والفريسيين حول السبت وعمل الرحمة فيه. قال لهم في أسلوب يوجههم إلى لاهوته ” إن ههنا أعظم من الهيكل.. إنى أريد رحمة لا ذبيحة “. وختم حديثه بقوله ” لأن ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً” (متى12: 1 8). كلهم كانوا يعرفون أن يوم السبت هو يوم الرب. وشريعة السبت هي شريعة أصدرهما الله نفسه. ولكن هوذا السيد المسيح يقول إنه رب السبت ايضاً أي رب هذا اليوم الخاص بالرب، وهو صاحب الشريعة فيه. وهذا كلام لا يصدر إلا عن الله نفسه.

 

13 ودعي السيد المسيح أيضاً: الرب برنا:

وقد ورد ذلك في نبوءة لأرميا النبى قال فيها ” ها أيام تأتي يقول الرب وأقيم لداود غصن بر. وينجح ويجرى حقاً وعدلاً في الأرض.. وهذا هو اسمه الذى يدعونه به: الرب برنا” (أر23: 5، 6). وقد تحققت في السيد المسيح إذ صار برنا بعد أن منحنا التبرير بدمه.

 

14 واستخدم لقب يارب له في مجال المعجزة:

فبطرس الرسول بعد أن مشى معه على الماء، خاف لما رأي الريح شديدة. وإذ ابتدأ يغرق صرخ قائلاً ” يارب نجنى” (متى14: 30) فمد الرب يده ونجاه والذين في السفينة سجدوا له قائلين بالحقيقة أنت ابن الله” (متى14: 33). وها نرى أن كلمة رب استخدمت في مجال معجزة. وحدث بعدها سجود، واعترف ببنوته لله، مما يدل على لاهوته.

 

15 وفي مجال المعجزة أيضاً نرى شهادتين للرسل:

فبعد معجزة صيد السمك قبل دعوة بطرس، سجد بطرس وقال للسيد المسيح ” أخرج يار من سفينتى فإني رجل خاطئ” (لو5: 8). وقوة الآية هنا تتركز في عبارة يارب، ومعها سجود، وبعد معجزة. فهي ليست كلمة عادية. وعبارة فإني رجل خاطئ تعطي قوة في الشعور بعدم الاستحقاق لوجود الرب القدوس في سفينته. وفي معجزة صيد السمك الكثير بعد القيامة نجد نفس الوضع:

 

” قال يوحنا لبطرس هو الرب” (يو21: 7). ولم يجسر أحد من التلاميذ أن يسأله من أنت، إذ كانوا يعلمون أنه الرب” (يو21: 12).

 

16 واستخدمت القديسة اليصابات هذا الاسم في استقبالها للعذراء:

امتلأت اليصابات من الروح القدس لما سمعت سلام القديسة مريم وقالت لها ” من أين لي هذا ان تأتي أم ربي إلى. هوذا حين صار صوت سلامك في أذني، ارتكض الجنين بابتهاج في بطنى” (لو 1: 43). قالت ذلكم في مجال معجزة، وهي ممتلئة بالروح القدس. وفي شعور بالانسحاق وعدم الاستحقاق لزيارة أم ربي لها. وكان هذا اعترافاً بلاهوته..

 

17 وبعد معجزة القيامة استخدمت كلمة الرب كثيراً:

” جاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب” (يو20: 18) ” ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب” (يو20: 20). ” وقال له التلاميذ (لتوما) قد رأينا الرب” (يو20: 25). ” وهم يقولون إن الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان” (لو24: 34). وقال بطرس للمسيح ثلاث مرات ” أنت تعلم يارب إني أحبك” (يو21: 15 17).

 

18 واستخدم الملائكة لقب الرب بالنسبة إلى السيد المسيح:

سواء في البشارة بميلاده، أو البشارة بقيامته.

ففي الميلاد قال الملاك للرعاة ” ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب” (لو2: 10، 11). وفي القيامة قال الملاك للمريمتين ” إنكما تطلبان يسوع المصلوب. ليس هو ههنا، لأنه قام كما قال. هلما أنظر الموضع الذى كان الرب مضطجعاً فيه” (متى28: 5، 6). وها نرى شهادة الملائكة لربوبية المسيح.

 

19 وقيلت عبارة الرب أيضاً في معجزة الصعود:

وهكذا يقول القديس مرقس الإنجيلي ” ثم أن الرب بعد ما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله. أما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان، والرب يعمل معهم ويثبت الكلام بالآيات” (مر16: 19، 20). وهنا استخدام كلمة الرب في مجال الصعود إلى السماء والجلوس عن يمين الآب، وفي مجال تثبيت كرازتهم بالآيات.. كل هذا يعطى معنى أنها ليست كلمة عادية، وإنما تستخدم في مجال الإيمان بلا هوته.

 

20 وكان الإنجيليون يستخدمون كلمة الرب كثيراً بدلاً من اسم المسيح.

ففي معجزة إقامة ابن أرملة نايين قال القديس لوقا عن هذه الأرملة ” فلما رآها الرب تحنن عليها وقال لها لا تبك” (لو7: 13). وفي خضوع الشياطين للتلاميذ، قالوا له ” يارب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك” (لو10: 17). وفي معجزة التجلي قالوا له ” يارب جيد أن نكون ههنا ” بطرس كلام الرب كيف قال له أنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات” (لو22: 6). وفي قصة زكا ” فوقف زكا وقال للرب: ها أنا يارب أعطي نصف أموالي للمساكين” (لو19: 8). وفي (لو22: 31 61) وردت عبارة الرب عن المسيح 6 مرات.

 

21 كذلك أطلق لقب الرب على المسيح في أسفار العهد الجديد:

وكمثال لذلك في سفر أعمال الرسل في دعوة شاول الطرسوسى ” قال الرب لشاول أنا يسوع الذي أنت تضطهده.. فقال.. يارب ماذا تريد أن أفعل” (أع9: 5، 6). وهنا قيلت في مجال معجزة ظهر فيها الرب بنور عظيم، وهي معجزة كانت السبب في إيمان شاول. وقال بولس الرسول ” لكن بنعمة الرب يسوع المسيح، أن نخلص كما أولئك أيضاً” (أع15: 11). وعبارة النعمة تكررت كثيراً ومنها ” نعمة ربنا يسوع المسيح.. مع جميعكم” (2كو13: 14). ولا شك أن عبارة النعمة مع ربنا، وفي مجال البركة تعطى معنى لاهوتياً. وقال الرسول أيضاً ” وكل ما لمتم بقول أو فعل، فاعلموا الكل باسم الرب يسوع” (كو3: 17). ولاشك أن هذا دليل على لاهوته، إذا كان كل فعل وقول يكون باسمه، باعتباره الرب. وقد وضح الرسول صلة المسيح كرب بالله الآب. فبعد أن تحدث عن أن المسيح ” تجثو له كل ركبة ما في السماء وما على الأرض وما تحت الأرض ” قال مباشرة ” ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب” (في2: 10، 11). ذلك أنه ” بهاء مجده ورسم جوهرة” (عب1: 30) ” كل من يراه يكون قد رأي الآب” (يو14: 9).

 

22 وأخيراً نقول أن السيد المسيح قبل أن يدعي بكلمة الرب وربي ويارب. ودعا نفسه هكذا.

لم يتعرض مطلقاً على أن يقال له يارب يارب.. يا ربنا.. ونجد في قصة الفصح، لما أرسل تلميذين لإحضار جحش ليركبه في الذهاب إلى أورشليم قال لهما ” قولا: الرب محتاج إليه” (مر11: 3) (لو19: 31).

 

23 وعبارة الرب يسوع هي آخر عبارة يختم بها العهد الجديد:

فآخر آيتين في سفر الرؤيا هما ” أنا آتي سريعاً. آمين. تعال أيها الرب يسوع. نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم آمين” (رؤ22: 20 21). إننا نستقبله في مجيئه الثاني بعبارة ” تعال أيها الرب يسوع” (وإلى أن يجئ تكون نعمة ربنا يسوع المسيح معنا. وكلمة ربنا شهادة واضحة على أنه الله. إننا لا نقول ” ربنا ” لبشر..

 

20- الإيمان بالمسيح

1 الإيمان يكون بالله وحده.

وبهذه نجد نصاً هاماً في الكتاب وهو قول السيد المسيح ” أنتم تؤمنون بالله، فآمنوا بي” (يو14: 1). وهكذا جعل الإيمان به مساوياً للإيمان بالآب، بنفس الوضع ونفس الخطورة.

 

2 وذلك أنه إن كان الإيمان به وصل إلى الحياة الأبدية (يو3: 16)، فإن عدم الإيمان به يؤدي إلى الهلاك.

 

ولذلك يقول أيضاً ” إن لم تؤمنوا إنى أنا هو، تموتون في خطاياكم” (يو8: 24). وفي علاقة الإيمان به بالحياة، يقول في قصة إقامة لعازر من الموت ” من آمن بي ولو مات فسيحيا. وكل من كان حياً وآمن بي، فلن يموت إلى الأبد” (يو11: 25، 26).

 

3 والإيمان به قضية خلاصة، بها يتعلق خلاص الإنسان.

 

ولهذا قال بولس وسيلا لسجان فيلبى ” آمن بالرب يسوع، فتخلص أنت وأهل بيتك” (أع16: 31). طبعاً إن سلك في الأمور المتعلقة بهذا الإيمان، مثال ذلك قوله ” من آمن واعتمد خلص” (مر16: 16).

 

4 من يكون المسيح إذن، إذا كان من يؤمن به ينال غفران الخطايا؟

كما قال القديس بطرس الرسول في قبول كرنيليوس ” له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به، ينال باسمه غفران الخطايا” (أع10: 43). وكذلك قال القديس بولس الرسول في مجمع إنطاكية بيسيدسة ” فليكن معلوماً عندكم أيها الرجال الأخوة، أنه بهذا ينادي لكم بغفران الخطايا، وبهذا يتبرر كل من يؤمن” (أع13: 38، 39). وطبعاً نضم إلى هذا الإيمان، قول القديس بطرس الرسول لليهود في يوم الخمسين، بعد أن نخسوا في قلوبهم وآمنوا وسألوا عن طريق الخلاص. فقال لهم ” توبوا، وليعتمد كل واحد منكم على إسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتلقوا عطية الروح القدس” (أع2: 38). فالإيمان يقود إلى المعمودية، والمعمودية توصل إلى غفران الخطايا. وغفران الخطايا يشمل التبرير الذي هو بدم المسيح. وما أكثر الآيات التي وردت عن الإيمان والتبرير (أع13: 39) (رو5: 1). وكذلك توصيل المعمودية إلى قبول الروح القدس.

 

5 ولهذا فإنه توجد علاقة بين الإيمان بالمسيح، وقبول الروح القدس. فالذي يؤمن به يؤهل لنوال الروح القدس.

وعن هذا قال السيد المسيح ” من آمن بي، تجري من بطنه أنهار ماء حي ” وقال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه. لأن الروح القدس لم يكن قد أعطي بعد” (يو7: 38، 39).

 

6 وهناك عمل للروح القدس يسبق الإيمان بالمسيح.

وفي هذا يقول الرسول ” ليس أحد يستطيع أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس” (1كو12: 3) , ولعل هذا يبرر قصة حلول الروح قبل معمودية كرنيلوس والذين معه. وهو عمل تمهيدي من الروح، غير الحلول الذي كان المؤمنون ينالونه بوضع الأيدي (أع8: 17). ثم صار بعد ذلك بالمسحة المقدسة (1يو2: 20، 27).

 

7 وقيل أيضاً في نتائج الإيمان بالمسيح ” كل من يؤمن به لا يخزي” (رو9: 33) (رو10: 11) (1بط2: 6). أي أنه لا يخزي في يوم الدينونة في اليوم الأخير.

 

8 إذن ليس الإيمان بالمسيح مجرد شئ هين، وإنما هو أمر خطير تتعلق به الحياة الأبدية. وما أخطر قول الرسول:

” الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن لن يري حياة، بل يمكث عليه غضب الله” (يو3: 36).

 

الإيمان يتعلق به الخلاص، وغفران الخطية، وعطية الروح القدس كما ذكرنا ونحن حينما نذكر هذا الإيمان، إنما نقصده بمعناه الكامل بكل ما يتعلق به من أمور كالمعمودية والتوبة والأعمال التي هي ثمر الإيمان لكي يكون إيماناً حياً.

 

9 هذا الإيمان تتعلق به المعمودية أيضاً، بكل ما للمعمودية من فاعلية روحية.

 

لأنه لا يمكن أن تتم المعمودية بدون الإيمان أولاً. ولهذا حينما طلب الخصى الحبشى أن يعتمد، قال له فيلبس ” إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز ” فقال الخصى ” أنا أومن أن يسوع المسيح هو ابن الله” (أع8: 36، 37). ومعروف أن الأطفال يعتمدون على إيمان والديهم.

 

10 والإيمان بالمسيح هو سبب كتابة الإنجيل.

 

وفي هذا يقول القديس يوحنا الإنجيلي عن كل ما سجله في إنجيله من آيات ” وأما هذه فقد كتبت لكي تؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله. ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه” (يو20: 31).

 

11 وهذا الإيمان يؤهل المؤمن أن يكون ايناً لله.

بأن يولد بعده من الماء والروح (يو3: 5).. ولهذا قال الكتاب ” وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أبناء الله أي المؤمنون باسمه” (يو1: 12).

 


 # استنتاج:

12 لا يمكن إنسان أياً كان أن يحصل من يؤمن به على كل هذه النتائج الروحية التي تتعلق بأبدية المؤمن، ومركزه مع الله كابن، ومع الكنيسة كعضو فيها بالإيمان والمعمودية.

 

13 ولكن ما هو كنه هذا الإيمان بالمسيح؟

نؤمن بأ يسوع هو المسيح، وهو ابن الله (يو20: 31) ونؤمن بأن ابن الله الوحيد (يو3: 16، 18) بكل ما تحمله هذه العبارة من صفات لاهوتية. ونؤمن بأنه اللوجوس، عقا الله الناطق، كلمة الله.. ونؤمن أن في الآب والآب فيه (يو14: 10، 11). ونؤمن أن من يري المسيح فقد رأي الآب (يو14: 9). ونؤمن أن فيه الحياة (يو1: 4) (1يو5: 11). ونؤمن أنه مخلص العالم (يو4: 42) (مت1: 21) وأنه كفارة لخطايانا (1يو4: 10) (1يو2: 2) ونؤمن أيضاً بكلامه.. وبالطريق الذي رسمه الرب للخلاص..

 

كل هذا يدل على لاهوت المسيح، يضاف إليها إيمانك بصفاته اللاهوتية.

 

21- قبوله العبادة والسجود

السيد المسيح قبل السجود من الناس. وكان سجود عبادة، وليس مجرد سجود احترام. وكان ذلك في مناسبة إيمان أو معجزة.

 

1 ففي منح البصر للمولود أعمي. لما دعاه للإيمان به كابن الله قال ” أؤمن يا سيد ” وسجد له (يو9: 38). وقيل منه المسيح هذا السجود في مناسبة إيمانه.

 

2 ولما مشي على الماء، وجعل تلميذه بطرس يمشي معه، حدث أن ” الذين في السفينة جاءوا وسجدوا له قائلين: ” بالحقيقة أنت ابن الله” (متى14: 33). وقبل ذلك منهم.

 

3 وقد سجد له القديس بطرس، بعد معجزة صيد السمك الكثير قائلاً له ” اخرج يارب من سفينتي لأني رجل خاطئ” (لو5: 8). وقبل منه السيد المسيح هذا السجود وعبارة يارب. ودعاه أن يكون صياداً للناس.

 

4 وسجدت له نازفة الدم بعد شفائها (مر5: 33).

 

5 وسجد له يا يرس قائلاً ” إن ابنتي الآن ماتت. ولكن تعال وضع يدك عليها فتحيا” (مر5: 18). إذن فهو سجود مصحوب بإيمان أن المسيح قادر على إقامة الميت بمجرد وضع يده.. وقد أقام له السيد المسيح ابنته (مر5: 25، 26).

 

6 والسيد المسيح سجدت له المريمتان بعد القيامة (متى28: 9).

 

7 وسجد له الأحد عشر رسولاً لما رأوه بعد القيامة (متى28: 17) وقيامته من الموت كانت معجزة من أعظم المعجزات، وكان لها تأثيرها في الرسل وفي المريمتين هو السجود له.

 

8 يضاف إلى هذا أن المجوس سجدوا له طفولته (متى2: 11).

 

9 ونذكر مع هذا قول القديس بولس الرسول “.. تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء وما على الأرض ومن تحت الأرض. ويعترف كل إنسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب” (في2: 10، 11).

 

إذن هو تقبل السجود من الناس، في مناسبات معجزات خارقة، وفي مناسبات إيمان به كابن لله، وسجدت له الملائكة وكل الكائنات في السماء وعلى الأرض. وسجد له رسله. وكل هذا يدل على لاهوته.

 

وكما قبل من الناس السجود، قبل منهم أيضاً الصلاة.

 

10 أن يقال له ” يا رب يارب” (متى7: 22).

 

11 وحتى الصلاة الموجهة إلى الآب، قال أن تكون باسمه، فستجاب وهكذا قال لتلاميذه ” الحق الحق أقول لكم إن كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم إلى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمي. اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملاً” (يو16: 23، 24).

 

12 بل قال أيضاً ” مهما سألتم باسمي فذلك أفعله، ليتمجد الآب بالابن، عن سألتم شيئاً باسمي فإني أفعله” (يو14: 13، 14). وعبارة ” إنى أفعله ” التي ذكرها هنا مرتين، تعني أنه يستجيب بنفسه. وليست مثل عبارة ” مهما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم ” هنا المسيح نفسه يعطي، لكي يتمجد الآب بالابن.

 

22- له المجد إلى الأبد

1 عبارة ” له المجد إلى الأبد” (هي عبارة خاصة بالله وحده، وهي تدخل في تسبحة السارافيم له (أش6: 3).

 

2 وهذا المجد الإلهي، لا يعطيه الله لكائن آخر. وهكذا قال في سفر اشعياء النبي ” أنا الرب. هذا اسمي، ومجدي لا أعطية لآخر” (اش42: 8)، فإن ثبت أن السيد المسيح كان له هذا المجد، فهذا لابد يكون دليلاً على لاهوته ولا يمكن أن يكون له مجد الآب، إلا لو كان هو الله. فالله لا ينافسه غيره في مجده.

 

3 الكتاب يعطينا فكره أن السيد المسيح له هذا المجد، اللائق به كإله. فهو يجلس في مجده، كديان لجميع الشعوب والأمم، إذ يقول ” ومتى جاء ابن الإنسان في مجده، وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده، ويجتمع أمامه جميع الشعوب..” (متى25: 31، 32). والمعروف أن الدينونة هي عمل الله، كما ورد في (تك18: 25).

 

4 ويقول معلمنا بطرس الرسول ” ولكن انموا في النعمة وفي معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح له المجد الآن وإلى يوم الدهر” (2بط3: 18). وعبارة (ربنا) مع عبارة (له المجد) دليل واضح على اللاهوت.

 

5 ويقول أيضاً ” لكي يتمجد الآب في كل شئ بيسوع المسيح الذي له المجد والسلطان إلى الآبدين آمين” (1بط4: 11). وما أجمل أن نقارن هذه الآية وسابقتها بقول القديس يهوذا الرسول ” الإله الحكيم الوحيد مخلصنا له المجد والعظمة والقدرة والسلطان الآن وإلى كل الدهور آمين” (يه25).

المجد للذي للآب هو نفسه الذي للابن.

 

6 بل يذكر الكتاب أن السيد المسيح له نفس مجد الآب.

فيقول السيد المسيح ” فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله” (متى16: 27). ويقول أيضاً ” لأن من استحي بي وبكلامي، فبهذا يستحي ابن الإنسان متى جاء بمجده ومجد الآب والملائكة والقديسين” (لو9: 26).

 

7 ومساواة الابن للآب في المجد واردة في سفر الرؤيا من حيث أنه ” في وسط العرش” (رؤ7: 17). وأيضاً في تلك التسبحة التي سمعها الرائي من كل خليقة مما في السماء وعلي الأرض وتحت الأرض.. ويقول سمعتها قائلة ” للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين” (رؤ5: 13). نفس المجد والسلطان الذي للآب هو للابن شبة بخروف كأنه مذبوح (رؤ5: 6). وهذا المجد المساوي هو إلى أبد الآبدين. ولاشك أن هذا دليل على لاهوته.

 

8 ويتحدث السيد المسيح عن هذا المجد فيقول عن هذا فيقول “جلست مع أبي في عرشه” (رؤ3: 21). وهذا المجد كان له عند الآب قبل كون العالم (يو17: 4، 5).

 

23- ليس أحد صالح إلا الله وحده

سيشمل هذا الإثبات ثلاث نقاط وهي:

1 ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله (متي19: 17).

2 المسيح صالح وقدوس.

3 استنتاج.

# ليس أحد صالح إلا الله وحده:

1 يقول سفر المزامير ” الكل زاغوا معاً وفسدوا. وليس من يعمل صلاحاً، ليس ولا واحد” (مز14: 3)، (مز53: 3). وقد استشهد الرسول بهذه الآية في رسالته إلى رومية (رؤ3: 12).

 

2 ويشهد القديس يوحنا الحبيب بنفس هذه الحقيقة فيقول ” إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا” (1يو1: 8) وكذا اعترف القديسون أنهم خطاة. وبولس الرسول الذي صعد إلى السماء الثالثة قال ” الخطاة الذين أولهم أنا (1تى1: 15). وقال أنا فجسدي مبيع تحت الخطية.. وليس ساكن في أي في جسدي أي شئ صالح” (رؤ7: 14، 18).

 

3 وبينما البشر كلهم خطاة، يكون الله هو لصالح الوحيد، كما يقول الرب نفسه ” ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله” (متى19: 17).

 

4 كذلك يقول الكتاب عن الله أنه قدوس، كما هتف له السارافيم ” قدوس قدوس قدوس” (أش6: 3). وكما قالت العذراء ” لأن القدير صنع بي عجائب، واسمه قدوس” (لو1: 49).

 

5 بل أكثر من هذا أن الكتاب يحصر القداسة في الله وحده،

حسب الترنيمة التي قيلت له في سفر الرؤيا ” عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيها الرب الإله القادر على كل شئ.. من لا يخافك يارب ويمجد اسمك، لأنك وحدك قدوس” (رؤ15: 3، 4). إذ وصلنا إلى هذه النقطة نضع أمامنا الحقيقة الثانية وهي: المسيح قدوس وصالح.

 

24- المسيح قدوس وصالح

1 إن الملاك يبشر العذراء ويقول لها ” الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك. فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعي ابن الله” (لو1: 35).

 

2 وبطرس الرسول يوبخ اليهود بعد شفاء الأعرج، ويقول لهم عن رفضهم المسيح ” ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل” (أع3: 14).

 

3 وبولس الرسول يتكلم عن السيد المسيح فيقول ” قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة، وصار أعلى من السموات” (عب7: 26).

 

4 والكنيسة كلها صلت بعد إطلاق بطرس ويوحنا وقالت ” امنح عبيدك أن يتكلموا بكلامك بكل مجاهرة.. ولتجر آيات وعجائب باسم فتاك القدوس يسوع (أع4: 30). أنظر أيضاً (أع4: 27).

 

5 ونفس الرب في رسالته إلى ملاك كنيسة فيلادلفيا يقول ” هذا يقوله القدوس الحق الذي له مفتاح داود، الذي يفتح ولا أحد يغلق، ويغلق ولا أحد يفتح” (رؤ3: 7).

 

6 وفي قداسة الرب يسوع، يبدو للكل وقد انفصل عن الخطاة (عب7: 26). وأنه الوحيد الصالح. لذلك يقول لليهود متحدياً ” من منكم يبكتني على خطية؟!..” (يو8: 46). ويقول عن الشيطان ” رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شئ” (يو14: 30).

 

7 ويشهد الرسل عنه قائلين ” مجرب في كل شئ مثلنا بلا خطية” (عب4: 15). ” لم يعرف خطية” (2كو5: 21) و” ليس فيه خطية” (1يو3: 5). ” والذي لم يفعل خطية، ولا وجد في فمه مكر” (1بط2: 22).

 

8 وحتى الغرباء والأعداء شهدوا عنه نفس الشهادة:

فيهوذا الذي أسلمه قال ” أخطأت إذ أسلمت دماً برئياً” (متى27: 4). وبيلاطس الذي حكم عليه قال ” إني من دم هذا البار” (متى27: 19).

 

9 وحتى الشيطان شهد له قائلاً ” أنا أعرف من أنت قدوس الله” (مر1: 24) (لو4: 34).

 

10 وحتى شهود يهوه شهدوا له في مجلتهم (برج المراقبة عدد يونيو 1953 ص96). في الإجابة عن سؤال حول قول سليمان الحكيم ” رجلاً واحداً بين ألف وجدت. أما إمرأة فبين لم أجد” (جا7: 28). فقالوا: إن عدد ألف كناية عن الكمال، وألف رجل كناية عن جميع الرجال، وإن كان لم يوجد وسط جميع النساء إمرأة واحدة صالحة بلا خطية، فقد وجد بين الرجال واحد فقط صالح هو يسوع المسيح (الوحيد هو هذا القبيل الذي عاش على الأرض).

 


 # استنتاج:

1 إن كان ليس أحد صالحاً، إلا واحد فقط وهو الله. وقد ثبت أن المسيح صالح أو هو الوحيد الصالح، إذن هو الله. هذا الذي انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات.

2 وإن كان الله هو وحده قدوس (رؤ15: 4). وقد ثبت أن المسيح قدوس إذن هو الله.

 

# سؤال:

لماذا إذن حينما سأله الشاب الغني أيها المعلم الصالح، أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية؟ أجابة: لماذا تدعونني صالحاً. ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله (متي19: 16، 17).

# الجواب:

هو أن اليهود اعتادوا أن ينادوا معلميهم بعبارة أيها المعلم، أو أيها المعلم الصالح. فالسيد المسيح أراد أن يسأل الشاب: هل هذا لقب روتيني تناديني به كباقي المعلمين. إن كان الأمر هكذا فاعلم أنه ليس أحد صالحاً إلا وحده. فهل تؤمن أني هذا الإله؟! ولكن السيد المسيح لم يقل أنه غير صالح. بل في مناسبة أخري قال أنا هو الراعي الصالح (يو10: 11) كما قال ” من منكم يبكتنى على الخطية” (يو8: 46).

 

25- الله وحده هو الذي يغفر الخطايا

1 يقول داود في المزمور ” باركي يا نفسي الرب وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس.. الذي يغفر جميع ذنوبك..” (مز10: 1، 3).. وأيضاً ” إن كنت للآثام راصداً يارب، يارب من يثبت؟! لأن من عندك المغفرة” (مز130: 3، 4).

 

2 وفي سفر الخروج ” الرب إله رحيم ورؤوف.. غافر الإثم والمعصية” (خر34: 6، 7).

 

3 والسيد المسيح علمنا أن نطلب من الله المغفرة الربية (متى6: 12). وطلب إلينا أن نسامح مغفرة الله لنا (متى6: 14، 15).

 

وهو على الصليب قال ” يا أبتاه اغفر لهم..” (لو23: 34).

 

4 وكان اليهود يفهمون هذه الحقيقة، ويعتقدون أنه لا يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده (مر2: 7).

 

26- الحكمة في أن الله وحده غافر الخطايا

المغفرة هي من حق الله وحده، لأن الخطية هي موجهة أصلاً إليه. فهي كسر لوصاياه، وتعد على شرائعه، وتمرد على ملكوته. وهي أيضاً عدم محبة لله، وتفضيل للشر عليه، ونكران لجميلة. والخطية هي رفض لله. ونري هذا واضحاً في قول الرب ” ربيت بنين ونشأتهم. أما هم فعصوا على.. تركوا الرب. استهانوا بقدوس إسرائيل” (اش1: 2 4).

 

ب وحتى الخطايا التي يخطئ بها الناس بعضهم نحو بعض، قبل أن تكون خطية ضد إنسان، هي بالأكثر خطية ضد الله وصاياه، وضد خليقة. لذلك قال داود في مزمور التوبة ” لك وحدك أخطأت إلى الرب ” فرد عليه ” والرب نقل عنك خطيتك. لا تموت” (2صم12: 13، 14). انظر أيضاً (مي 7: 9)، (اش42: 24)، (1مل8: 45، 46)، (تث1: 41)..

 

27- السيد المسيح يغفر الخطايا

1 لقد غفر للمفلوج. وقال له في وضوح ” مغفورة لك خطاياك” (متى9: 2)، (مر2: 5)، (لو5: 20). ولما فكر الكتبة في قلوبهم قائلين ” لماذا يتكلم هذا بتجاديف؟ من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده؟!” (مر2: 7). قال لهم الرب ” لماذا تفكرون بالبشر في قلوبكم.. ولكن لكي تعلموا لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا.. قال للمفلوج قم احمل سريرك واذهب إلى بيتك” (متى9: 4، 6) (مر2: 7 10).

 

2 والسيد المسيح غفر للمرأة الخاطئة التي بللت قدميه بدموعها. وقال لها ” مغفورة لك خطاياك” (لو7: 48). وتذمر الحاضرون وقالوا في أنفسهم ” من هذا الذي يغفر الخطايا “.

 

3 والسيد المسيح غفر للص المصلوب معه، وافتح له باب الفردوس على الرغم من سيرته السابقة، قائلاً له ” اليوم تكون معي في الفردوس” (لو23: 43).

 

4 لم تكن مغفرته للناس تعدياً على حقوق الله. لأنه بعد أن قال للمفلوج ” مغفورة لك خطاياك ” شفاه فقام وحمل سريره ومشي. ولو كان المسيح قد تجاوز حدوده في هذه المغفرة، واعتدي على حقوق الآب، ما كان يمكنه أن يشفي ذلك المفلوج بعدها..

 

# استنتاج:


 مع أن الجميع يؤمنون أن هو وحده الذي يغفر الخطايا، قام المسيح بمغفرة الخطية للمفلوج وللمرأة الخاطئة وللص ولغيرهم. بمجرد أمره. ليس بصلاة يطلب فيها الحل من الله، كما يفعل الكهنة حالياً، إنما بالأمر ” مغفورة لك خطاياك ” ولم يقل ” اذهب الرب يغفر لك “. وقال في صراحة أن له هذا السلطان أن يغفر الخطايا على الأرض. ولما قال اليهود إن المغفرة لله وحده، لم يعرضهم في هذا المبدأ، بل استبقي هذا الفهم، وأعلن سلطانه على المغفرة وأثبت سلطانه هذا بمعجزة أجراها أمامهم. وكأنه يقول لهم: أنا هو هذا الإله الذي له وحده سلطان المغفرة.

 

28- الله وحده هو الديان

نقدم هنا ثلاث نقاط، هي:

أ إن الله وحده هو الديان.

ب السيد المسيح هو الديان.

ج استنتاج.

# الله وحده هو الديان:

أبونا إبراهيم في شفاعته في أهل سادوم، يلقب الرب بأنه ” ديان الأرض كلها” (تك18: 25). ويقول داود في مزاميره ” الرب يدين الشعوب” (مز7: 8)، ” يدين الشعوب بالاستقامة” (مز96: 10)، ” يدين المسكونة بالعدل” (مز96: 13) (مز98: 9)، ” يارب إله النقمات اشرق. ارتفع يا ديان الأرض” (مز94: 2) ” تخبر السموات بعدله. لأن الله هو الديان” (مز50: 6). وفي الرسالة إلى رومية “.. يدين الله العالم” (رو3: 6). وطبيعي أن الله يدين العالم، لأنه هو فاحص القلوب والكلي، وقارئ الأفكار، وعارف أعمال كل أحد. لذلك يدين بالعدل والاستقامة.

 

29- المسيح هو الديان

1 يقول بولس الرسول ” لأننا لابد أننا جميعاً نظهر أمام كرسي المسيح، لينال كل واحد ما كان بالجسد، بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً” (2كو5: 10).

 

2 وقال الرب في إنجيل متي ” إن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد بحسب عمله” (متى16: 27).

 

3 وقال أيضاً ” ومتي جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب، فيميز بعضهم عن بعض، كما يميز الراعي الخراف من الجداء. فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن يساره ويقول..” (متى25: 31 46) ثم يشرح تفاصيل قضائه العادل: فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي، والأبرار إلى حياة أبدية “.

 


 4 ويقول عن نهاية العالم ” يرسل ابن الإنسان ملائكته، فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الأثم، ويطرحونهم في أتون النار..” (متى13: 41، 42).

 

5 ويقول القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس “.. الرب يسوع المسيح العتيد أن يدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته” (2تى4: 1).

 

6 ويقول الرب في سفر الرؤيا ” وها أنا آتي سريعاً وأجرتي معي، لأجازي كل واحد كما يكون عمله” (رؤ22: 13، 14).

 

7 ولعل من أسباب قيامه للدينونة، أنه يعرف أعمال كل أحد. وهكذا نجد أنه في رسائله لملائكة الكنائس السبع في آسيا، يقول لكل راعي كنيسة ” أنا عارف أعمالك” (رؤ2: 2، 9، 13، 19)، (رؤ3: 1، 8، 15). انظر أيضاً (متى7: 22، 23).

 

# استنتاج:

فإن كان المسيح هو الديان، فإنه يكون الله، لأن الله هو الديان. وهو يفعل ذلك، ويحكم على أفعال الناس لأنه يعرفها. وأيضاً لقوله:

 

8 ” فستعرف جميع الكنائس أني الفاحص الكلي والقلوب. وسأعطي كل واحد بحسب أعماله” (رؤ2: 23). إذن ليس هو فقط يعرف الأعمال، وإنما بالأكثر فاحص القلوب والكلي. وهذا يقدم لنا دليلاً آخر على لاهوته.

 

30- المسيح هو فاحص القلوب والكلى

لا يستطيع أحد أن يفحص القلوب، ويقرأ الأفكار، ويطلع على خبايا النفوس، إلا الله وحده، لأن هذا من صفات معرفته غير المحدودة. وهو وحده الكائن غير المحدود. وقد أثبت الكتاب المقدس لله وحده هذه الصفة كما يظهر مما يلي:

 

1 قال سليمان للرب في صلاته عند تدشين الهيكل ” فاسمع أنت من السماء مكان سكناك واغفر واعمل وأعط كل إنسان حسب كل طرقه، كما تعرف قلبه لأنك أنت وحدك قد عرفت قلوب كل بني البشر” (1مل8: 39).

 

وهنا نشدد على عبارة ” أنت وحدك “..

 

2 وأمثال سليمان حافلة بهذه الشهادات. فهو يصف الله بأنه ” وازن القلوب (أم21: 2). كما يصفه أيضاً بأنه ” ممتحن القلوب” (أم17: 3).

 

3 وداود النبي يقول في المزمور ” فإن فاحص القلوب والكلي هو الله البار” (مز7: 9). ويقول أيضاً عنه ” لأنه هو يعرف خفيات القلوب” (مز44: 21).

 

4 وفي سفر ارميا النبي يقول ” القلب أخدع من كل شئ، وهو نجس، من يعرفه؟ أنا الرب فاحص القلب مختبر الكلي، لأعطي لكل واحد حسب طرقه حسب ثمر أعماله، فاحص الكلي والقلوب” (أر11: 20).

 

5 وعاموس النبي يقول ” أخبر الإنسان ما هو فكره.. يهوه إله الجنود اسمه” (عا4: 13).

 

6 ويقول القديس بولس الرسول ” هكذا نتكلم لا كأننا نرضى الناس، بل الله الذي يختبر قلوبنا ” (1تس 2: 4).

 

يتضح من كل ما سبق أن الله هو الذي يختبر القلوب، ويزنها ويمتحنها، ويعرف خفياتها. وهو الذي يخبر الإنسان ما هو فكره. وهو وحده الذي يعرف قلوب كل بني البشر. وهو وحده فاحص القلوب والكلي..

 

31- السيد المسيح يفحص القلوب ويعرف الأفكار

1 إنه يقول كما ذكرنا ” فستعرف جميع الكنائس أني أنا هو الفاحص الكلي والقلوب. سأعطي كل واحد منكم بحسب أعماله” (رؤ2: 23). وهناك أمثلة كثيرة في الأناجيل تدل على أنه يقرأ الأفكار ويرد عليها دون أن يسمع شيئاً..

ومن أمثلة ذلك:

2 يقول الكتاب عن التلاميذ أنهم ” فكروا في أنفسهم قائلين: إننا لم نأخذ خبزاً. فعلم يسوع وقال لهم ” لماذا تفكرون في قلوبكم يا قليلي الإيمان أنكم لم تأخذوا خبزاً” (يو16: 7، 8) (مر11: 16، 17) (متى16: 8).

 

3 ولما قال الرب للمفلوج ” مغفورة لك خطاياك ” يقول الكتاب عن الكتبة أنهم ” قالوا في أنفسهم هذا يجدف، فعلم يسوع أفكارهم. فقال لهم ” لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم. أيهما أيسر..” (مر2: 6 8)، (متى9: 3، 4)، (لو5: 21، 22).

 

4 وبعد شفاء المجنون الأعمى والأخرس، يقول الكتاب ” وأما الفريسيون فلما سمعوا قالوا: هذا لا يخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين. فعلم يسوع أفكارهم ” وقال لهم: كل مملكه تنقسم على ذاتها تخرب” (متى12: 24، 25)، (لو11: 17).

 

5 وفي حادثة شفاء ذي اليد اليابسة، يقول الكتاب ” وكان الكتبه والفريسيون يراقبونه هل يشفي في السبت لكي يجدوا عليه شكايه، أما هو فعلم أفكارهم.. ثم قال لهم.. هل يحل في السبت فعل الخير أم فعل الشر” (لو6: 7 9).

 

6 فعندما حروب التلاميذ بالعظمة، يقول الكتاب ” وداخلهم فكر من عسى أن يكون أعظم فيهم. فعلم يسوع فكر قلبهم، وأخذ ولداً وأقامه” (لو9: 46، 47).

 

7 وفي حادثة المرأة الخاطئة التي بللت قدامي المسيح بدموعها، أجاب له المجد على أفكار الفريسى. وفي ذلك يقول الكتاب ” فلما رأي الفريسي الذي دعاه ذلك، تكلم في نفسه قائلاً: لو كان هذا نبياً لعلم من هذه المرأة التي تلمسه وما حالها، إنها لخاطئة. فأجاب يسوع وقال له..” (لو7: 39، 40).

 

8 وفي معرفته بالخفيات، تضرب مثلاً بما قاله لبطرس عن السناره والاستار (متى17: 27). ومعرفته بشك توما وحديثه مع باقي الرسل (يو20: 27). ومعرفته بموت لعازر (يو11: 11). ومعرفته بما حدث لنثنائيل تحت التينة (يو1: 47 50). ومعرفته بماضي السامرية (يو4: 18).

 

# استنتاج

سنترك معرفة الغيب هنا جانباً ونتكلم عن قراءته للأفكار.

1 يقول الكتاب ” فإن فاحص القلوب والكلي الله البار” (مز7: 9). ويقول السيد المسيح ” فستعرف الكنائس أني أنا هو الفاحص الكلي والقلوب” (رؤ2: 23) أليس هذا اعترافاً صريحاً بأنه هو الله. فليكن المسيح هو الله، وليكن الله صادقاً.

 

2 يقول الكتاب صراحة عن الله ” أنت وحدك قد عرفت قلوب كل بني البشر” (1مل8: 39). وقد ثبت أن المسيح قد قرأ الأفكار وعرف خبايا القلوب والنفوس. فهل الكتاب يتناقص مع ذاته أم أن الله والمسيح واحد؟. وبهذا يعرف المسيح قلوب البشر. فليكن المسيح هو الله، وليكن الله صادقاً.

 

32- الله هو الفادي والمخلِّص

يشمل هذا البحث أربع نقاط رئيسية هي:

أ الله هو الفادي والمخلص. هو وحده الذي يفدي البشرية ويخلصها.

ب الأساس اللاهوتي لهذه النقطة.

ج المسيح هو وحده الفادي والمخلص.

د استنتاج لاهوت السيد المسيح.

 

# الله هو الفادي والمخلص:

يشهد الكتاب المقدس بهذا الأمر شهادة صريحة فيقول سفر المزامير ” الأخ لن يفدي الإنسان فداء، ولا يعطي الله كفارة عنه.. إنما الله يفدي نفسي من الهاوية” (مز49: 7، 15). ويكرر داود النبي نفس المعني فيقول ” باركي يا نفسى الرب. وكل ما في باطني فليبارك اسمه القدوس.. الذي يغفر جميع ذنوبك، الذي يفدي من الحفرة حياتك” (مز103: 1 4). ويؤكد سفر اشعياء هذا الأمر في أكثر من شهادة فيقول ” هكذا يقول الرب ملك إسرائيل وفادية رب الجنود: أنا الأول وأنا الآخر، ولا إله غيري” (اش44: 6). إذن الفادي هو هذا الإله الواحد هو رب الجنود وهو الأول والأخر.

 

ويكرر أشعياء النبي نفس الصفات فيقول ” فادينا رب الجنود اسمه قدوس إسرائيل” (أش47: 4). ويقول الله ” أنا الرب إلهك الممسك بيمنك.. وفاديك قدوس إسرائيل (اش41: 13، 14).

 

وتنسب السيدة العذراء الخلاص لله فتقول ” تعظم نفسي الرب. وتبتهج روحي بالله مخلصي” (لو1: 46). ويقول القديس بولس الرسول ” مخلصنا الله” (تي2: 10) وأيضاً حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه..” (تى3: 4). ويختم القديس يهوذا رسالته بنفس الشهادة فيقول ” والقادر أن يحفظكم غير عاثرين، ويوقفكم أمام مجده بلا عيب.. الإله الحكيم الوحيد مخلصنا له المجد والعظمة..” (يه24، 25).

 

وهذا الخلاص منسوب لله وحده:

إنه تقرير صريح من الله يقول فيه ” إلهاً سواي لست تعرف، ولا مخلص غيري (هو13: 4). ويقول أيضاً ” أليس أنا الرب ولا إله غيري، إله بار ومخلص وليس سواي” (أش45: 21). ” أنا الرب مخلصك وفاديك عزيز يعقوب” (أش49: 26) (أش60: 16).

 

33- الأساس اللاهوتي لموضوع الخلاص والفداء

لنبحث ما هو الأساس لموضوع الخلاص والفداء هذا:

أ الخطية التي وقع فيها الإنسان الأول، ويقع فيها كل إنسان، هي خطية ضد الله.

لأنها عصيان لله، وعدم محبة لله، وعدم احترام له، بل هي ثورة على ملكوته وهي مقاومة لعمل لاهوته وروحه القدوس. بل هي عدم إيمان أيضاً.. لهذا يقول داود النبى لله في المزمور الخمسين ” لك وحدك أخطأت. والشر قدامك صنعت ” ولهذا احتشم يوسف الصديق من فعل الخطية وقال ” كيف أفعل هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله” (تك39: 9).

 

ب وقد أخطأ كل البشر ” زاغوا معاً وفسدوا. ليس من يعمل صلاحاً، ليس ولا واحد” (مز14: 3). واجرة الخطية موت (رو6: 23) ” وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع” (رو5: 12).

 

ج ومادامت الخطية موجهة إلى الله أصلاً، والله غير محدود، تكون إذن غير محدودة.

 

وإذا كفر عنها لابد من كفارة غير محدودة، تكفي لمغفرة جميع الخطايا، لجميع الناس، في جميع الأجيال وإلى آخر الدهور.

 

د ولكن لا يوجد غير محدود إلا الله وحده.

 

لذلك كان لابد أن نفسه يتجسد، ويصير إبناً للإنسان، حتى يمكن أن ينوب عن الإنسان، ويقوم بعمل الكفارة لخطايا العالم كله” (1يو2: 2).

 

ه وهذه المهمة قام بها السيد المسيح ليخلص العالم كله.

 

ولو لم يكن هو الله، ما كانت تصلح كفارته إطلاقاً، لأنها استمدت عدم محدوديتها لكونه إلهاً غير محدود، قال عنه الرسول إنه ” فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً” (1كو2: 9).

 

34- المسيح هو مخلِّص العالم وفاديه


 قال عنه الملاك في البشارة إنه يدعي يسوع ” لأنه يخلص شعبه من خطاياهم” (متى1: 21). ولم يقتصر خلاصه على شعبه، بل قال ” لم آت لأدين العالم، بل لأخلص العالم” (يو12: 47). بل قيل إنه ” هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم” (يو4: 42). وقد قال عن نفسه إنه ” جاء لكي يخلص ما قد هلك” (متى18: 11) (لو19: 10).. والعالم كله تحت حكم الهلاك.

 

# وهو جاء ليخلص من الخطايا:

ويخلص شعبه من خطاياهم (متى1: 21). وكما قال بولس الرسول ” إن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا” (1تى1: 15). وقال ” بذل نفسه لأجلنا يفدينا من كل إثم” (تى2: 14). وقال أيضاً ” المسيح افتدانا من لعنه الناموس” (غل2: 13).

 

# والمسيح قدم خلاصاً تاماً أبدياً:

قال عنه الرسول إنه كرئيس كهنة ” يقدر أن يخلص أيضاً إلى التمام” (عب7: 25). وقال إنه ” صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدي” (عب5: 9). ولهذا يعجب الرسول قائلاً ” فكيف تنجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره؟!” (عب2: 3). والخلاصة أن المسيح جاء فادياً، ومخلصاً وكفارة، يخلص العالم كله من خطاياهم، ويفديهم من كل إثم، ومن لعنة الناموس، خلاصاً أبدياً، إلى التمام..

 

# والمسيح وحده هو المخلص:

وفي هذا قال القديس بطرس الرسول ” ليس بأحد غيره الخلاص” (أع4: 12).

 

# ماذا نستنتج؟

1 خلاص العالم من الخطايا يحتاج كما قلنا إلى كفارة غير محدودة لفدائه. وليس غير محدود إلا الله وحده. ولما كان السيد المسيح قد قام بهذا الفداء. وأكمله إلى التمام، وافتدي جميع الناس من كل إثم، مخلصاً إياهم خلاصاً أبدياً من لعنة الناموس.. إذن فالمسيح غير محدود، وإذن هو الله. إن عملية الفداء إثبات رائع يؤكد لاهوت المسيح، لأنه إن لم يكن كذلك، ما اعتبر الفداء فداء، وما كان يمكنه أن يخلص العالم كله من جميع الخطايا..

 

2 يقول الله ” إلهاً سواي لست تعرف، ولا مخلص غيري” (هو13: 4). ويقول ” لا إله غيري، إله بار ومخلص ليس سواي” (اش45: 21). ووسط كل هذا، يثبت أن هناك مخلصاً هو المسيح يسوع، وأنه المخلص الوحيد، وليس بأحد غيره الخلاص” (أع4: 12). فكيف يمكن التوفيق بين كل هذا؟ هل الله كاذب؟! أم الكتاب كاذب؟! حاشا. بل ليكن الله صادقاً. ولا يمكن أن يكون هكذا، إلا إذا كان الله هو المسيح. بحيث حينما نقول إن الله هو المخلص، إنما نعنى نفس الوقت أن المسيح هو المخلص.

 

3 إن كان المسيح ليس هو الله، وقد بذل نفسه عن جميع الناس حباً لهم، فهل المسيح أكثر حباً للناس من الله؟! وهل يوجد كائن آخر يفوق الله في حبه للبشر. ولا شهود يهوه يستطيعون أن يقولوا شيئاً من هذا..

 

4 وإن كان المسيح غير الله، وقد قام بالفداء مرغماً كمجرد طاعة لأمر، فإن هذا يفقد عملية الفداء أكبر ركن فيها. ويتعارض أيضاً مع قول السيد المسيح ” ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه” (يو15: 13). كما أن ذلك يتنافي مع قول الكتاب المقدس ” إن المسيح بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم” (تى2: 14).

 

5 وإن كان المسيح غير الله، وقد كلفه الله بهذا حباً من الله للعالم كما تقول الآية ” هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد..” (يو3: 16). فهل معنى هذا أن الله أحب الناس على حساب غيره؟! كلا. إن هذه الآية لا يمكن أن يستقيم فهمها إلا إذا كان الله والمسيح واحداً، كما قال السيد المسيح ” أنا والآب واحد” (يو10: 30). وبهذا يفهم أن الله فدي الناس بنفسه. وبهذا يتحقق قول الكتاب ” الأخ لن يصدق قول بولس الرسول ” قد ألقينا رجاءنا على الله الحى، الذي هو مخلص جميع الناس” (1تى4: 10).

 

6 إذا كان المسيح غير الله، الحق للناس أن يعبدوه دون الله، فهو الذي خلقهم من العدم حسب قول الكتاب ” كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان” (يو1: 3، 10).. وشهود يهوه يعترفون بأنه الخالق. كذلك هو الذي اشتراهم بدمه الكريم وطهرهم لنفسه شعباً خاصاً (1بط1: 8) (تى2: 14). ومن الذي يستطيع أن يلوم قوماً يعبدون خالقهم وفاديهم؟!

 

7 إننا نتمسك بأن المسيح هو الله، ليس فقط لأن هذا هو الدليل الأساسي على إتمام عملية الفداء، وإنما أيضاً إثبات لقول الله ” من يد الهاوية أفديهم. ومن الموت أخلصهم” (هو13: 14). لقد نسب الله لنفسه هذا العمل الذي قام به: فليكن الله صادقاً قول المسيح ” أنا والآب واحد” (يو10: 30).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي