المعجزة السابعة شفاء مريض بركة بيت حِسْدا

1 وَبَعْدَ هذَا كَانَ عِيدٌ لِلْيَهُودِ، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 2 وَفِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الضَّأْنِ بِرْكَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ «بَيْتُ حِسْدَا» لَهَا خَمْسَةُ أَرْوِقَةٍ. 3 فِي هذِهِ كَانَ مُضْطَجِعاً جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنْ مَرْضَى وَعُمْيٍ وَعُرْجٍ وَعُسْمٍ، يَتَوَقَّعُونَ تَحْرِيكَ الْمَاءِ. 4 لأَنَّ مَلاكاً كَانَ يَنْزِلُ أَحْيَاناً فِي الْبِرْكَةِ وَيُحَرِّكُ الْمَاءَ. فَمَنْ نَزَلَ أَوَّلاً بَعْدَ تَحْرِيكِ الْمَاءِ كَانَ يَبْرَأُ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ اعْتَرَاهُ. 5 وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً. 6 هذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعاً، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَاناً كَثِيراً، فَقَالَ لَهُ: «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟» 7 أَجَابَهُ الْمَرِيضُ: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ». 8 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ». 9 فَحَالاً بَرِئَ الإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى. وَكَانَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ سَبْتٌ. 10 فَقَالَ الْيَهُودُ لِلَّذِي شُفِيَ: «إِنَّهُ سَبْتٌ! لا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَحْمِلَ سَرِيرَكَ». 11 أَجَابَهُمْ: «إِنَّ الَّذِي أَبْرَأَنِي هُوَ قَالَ لِي احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ». 12 فَسَأَلُوهُ: «مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ الَّذِي قَالَ لَكَ احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ». 13 أَمَّا الَّذِي شُفِيَ فَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَنْ هُوَ، لأَنَّ يَسُوعَ اعْتَزَلَ، إِذْ كَانَ فِي الْمَوْضِعِ جَمْعٌ. 14 بَعْدَ ذالِكَ وَجَدَهُ يَسُوعُ فِي الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: «هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ، فَلا تُخْطِئْ أَيْضاً، لِئَلاَّ يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ». 15 فَمَضَى الإِنْسَانُ وَأَخْبَرَ الْيَهُودَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الَّذِي أَبْرَأَهُ. 16 وَلِهذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْرُدُونَ يَسُوعَ، وَيَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ لأَنَّهُ عَمِلَ هذَا فِي سَبْتٍ. 17 فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ». 18 فَمِنْ أَجْلِ هذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ اللهَ أَبُوهُ، مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِاللّهِ(يوحنا 5: 1-18).

 

هذه معجزة شفاء مريض منذ ثمانٍ وثلاثين سنة، شفاه المسيح عند بركة بيت حِسْدا في يوم عيد. ولكن هذا الرجل لم يكن يترقَّب عيداً. ثمانٍ وثلاثون سنة بأعيادها المختلفة مضت عليه دون أن يفرح بعيد. كان دائم الاكتئاب! لكن ذلك العيد الذي التقى فيه المسيح به صار له «العيد». ربما مررنا بأعياد كثيرة لم تكن أعياداً لنا لأن المسيح لم يكن قد امتلك حياتنا تماماً، لكن لو أننا اليوم سلَّمناه حياتنا تسليماً كاملاً فأعطيناه القلب والفكر والجسد، سيكون كل يوم لنا عيداً حقيقياً.

 

كان ذلك اليوم عيداً لليهود، فصعد المسيح إلى أورشليم ودخلها من «باب الضأن» الذي كانوا يُدخِلون منه الحملان للذبيحة في الهيكل، ثم اتَّجه إلى بركة بيت حِسْدا، ومعناها «بيت الرحمة» حيث قدَّم الرحمة للمريض البائس.

 

والمسيح هو فصحنا الذي ذُبح لأجلنا، دخل من «باب الضأن» ذاهباً إلى «بيت الرحمة». أليست هذه هي الرحمة الإلهية: إن مخلّصنا جاءنا مولوداً في مذود، ينتظره صليب، تتبعه القيامة، ليهبنا رحمته الغافرة المخلِّصة؟

 

يشرح لنا البشير يوحنا أحوال البِرْكة: كان بها ماء، ربما كان معدنياً، يحدث به فوران. وكان اليهود يقولون إن ملاكاً يجيء ليحرّك الماء. لا يقولون إنهم رأوا الملاك لكنهم يذكرون ما كانوا يعتقدونه. والمريض الذي كان يرمي نفسه أولاً في البركة كان ينال الشفاء.

 

وكانت هذه المعجزة تتكرر لتبرهن أمرين: أن الله يحب شعبه، وأنه لا زال يُجري المعجزات.

 

اجتمع عدد كبير من المرضى: عمي وعرج وعُسم (والعُسم هم الذين أصابهم تيبُّس مفاصل اليدين والقدمين). ليقيموا في خمسة أروقة، مفتوحة على البركة، يحتمون فيها من المطر والشمس والرياح، وقد تثبَّتت عيونهم على الماء عندما يتحرك.

 

في ذلك المكان المسمَّى بيت الرحمة، كان هناك نقص في الرحمة! فما أن يتحرك الماء حتى يلقي كل إنسان نفسه أولاً، أو يلقي به أهله أولاً. لم يكن أحد يفكر في الآخر، لأنه يظن لو أنه فعل ذلك لضاعت الفرصة عليه!

 

ولذلك بقي هذا المريض في هذا المكان مدة ثمانٍ وثلاثين سنة ولم يبرأ. ولكن جاء العيد عندما جاء المسيح وقال له: «أتريد أن تبرأ؟» وكان ردُّه: «ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء» فقال له: «قم احمل سريرك وامشِ». وفي الحال قام وحمل سريره وطوى فراشه على كتفه وسار.

 

كان ذلك اليوم سبتاً، وكان رجال الدين اليهود متمسّكين غاية التمسك بمطالب الشريعة، ومنها ألا يحمل أحدٌ شيئاً يوم السبت، لذلك لاموا المريض الذي شُفي، وانتقدوا المسيح وأرادوا أن يقتلوه لأنه كسر السبت. وكان حوارٌ وكانت بَرَكةٌ عند البِرْكة.

 

أولاً – المحتاج والمعجزة

بقى هذا المريض مدة ثمانٍ وثلاثين سنة يزحف نحو البركة كلما تحرك الماء بأسرع ما يستطيع، ولكنه كان يصل دائماً متأخراً. تواردت مئات الناس إلى البركة، إما نزلوا فيها وخرجوا أصحّاء وعادوا إلى بيوتهم، أو لم يستطيعوا النزول فماتوا ودفنوهم. أما هو فبقي بين الموت والحياة. إنه ميت حي. لا هو استراح مع الذين ماتوا، ولا هو فرح مع الذين شُفوا. لقد رأى أنانية البشر. غالباً دفعه كثيرون عشرات المرات ليأخذوا مكانه لينزلوا قبله إلى البركة. الأصحاء لم يرحموه والمرضى أيضاً.

لا شفاء!

لا صديق!

وفوق الكل لا أمل، مع أن الشفاء بالقرب منه!

 

في مرات كثيرة نمرُّ بظروف مشابهة. غيرنا يستفيد ونحن لا نستفيد. غيرنا ينتهز الفرصة ونحن لا نمتلكها. غيرنا يجد من يدفعه وأما نحن فلا نجد من يدفعنا إلى الأمام. «بينما أنا آتٍ ينزل قدامي آخر».

 

ولكن تبدل الموقف تماماً عندما تم اللقاء مع المسيح، وسأل: «أتريد أن تبرأ؟»

 

ينتقد البعض سؤال المسيح ويسألون: «فلماذا إذاً يتواجد الرجل عند بركة بيت حِسْدا إذا كان لا يريد أن يبرأ؟». لكن الحقيقة هي أن كثيرين يعتادون المرض وعناية الآخرين بهم، ويستمتعون بأن يكونوا مركز الاهتمام. صحيح أن المرض كارثة ولكنه يخلق استكانةً وتواكلاً، لأن الأهل يعتنون دائماً بالمريض. وهذا الرجل الذي تركه أهله لابد وجد العناية من أهل المرضى، أو المرضى الأفضل صحةً منه، يشفقون عليه ويطعمونه، لأنهم يعلمون أن لا أحد يسأل عليه. فلو أنه شُفي سيبدأ يتحمل مسئولية نفسه من جديد. فهل هو مستعد لذلك؟ فسأله الرب: «أتريد أن تبرأ؟» ليعرف إن كان مستعداً، ويريد أن يغيّر حاله ويعتمد على نفسه.

 

الله لا يعطينا بركة إلا إذا جُعْنا إليها، كما قال المسيح: «طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ» (متى 5: 6) فالرب يشبعنا عندما نكون جائعين ونحسّ بذلك فنطلب. الذي ينال بركة لم يطلبها لا يستمتع بها، لكن البركة التي نأخذها بعد أن نكون قد تشوَّقنا إليها، وطلبناها بلجاجة، تكون ذات قيمة أكبر بالنسبة لنا.

 

وكانت إجابة المريض: «ليس لي إنسان». سنوات المرض جعلته لا يفكر إلا في البشر. لم يذكر الرب وذكر الناس. لم يذكر إمكانية حدوث معجزة، لكنه ذكر خيبة أمل تكررت باستمرار! لم يعد يرى المحبة الإلهية، فهو يذكر فقط أن لا إنسان له يعينه ليلقيه في البركة متى تحرك الماء. ورفع المسيح عيني المريض من البشر إلى الله لعله يقول مع جدّه داود: «اِنْتِظَاراً انْتَظَرْتُ الرَّبَّ فَمَالَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي» (مزمور 40: 1).

 

1 – أمرٌ بالقيام:

تلقَّى هذا المريض أوامر غريبة للغاية: «قم..إحمل..إمشِ». فكيف يحمل ويمشي وهو أصلاً لا يستطيع القيام، لأنه لو أمكنه لكان قام من زمن بعيد!

 

لقد كان الأمر يتطلب شيئين من المريض: إيماناً وطاعة. فالإيمان هو الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى (عبرانيين 11: 1). وآمن المريض وهو لا يرى شفاءً ولا تغييراً في عضلات جسمه، ولم يطرأ أي جديد على حالته الصحية، لكنه رأى ما سيجيء! وهذا هو الإيمان والثقة في الكلمة. من أعطى هذا الرجل هذه الثقة؟ لقد فتح الروح القدس عينيه. وهذا يفسر عدم استجابة كثيرين لكلمة الرب، لأن الكلمة لم تمتزج بالإيمان في أنفسهم.

 

هل تذكر اللص الذي تاب، لأنه رأى ما لم يستطع المحيطون به رؤيته؟ لقد رأى رباً وملكوتاً (لوقا 23: 42) بينما الدلائل كلها تقول إن المسيح عبدٌ مصلوب. ولكن عين الإيمان رأت رباً صاحب ملكوت. فليعطنا الله عيون الإيمان لنرى المسيح الرب صاحب السلطان في السماء وعلى الأرض، ولنرى أن الذين معنا أكثر من الذين علينا، ونرى العناية الإلهية التي تقف إلى جوارنا باستمرار حتى لو كانت كل الظروف تُظهر عكس ذلك.

 

والإيمان الحقيقي دائماً ينشىء طاعة، ويجعل الإنسان يتبع الرب أينما يمضي، لأن كل الثقة وُضعت في الرب. وعندما تجاوب إيمان المريض مع الطاعة، تجاوب جسده مع أمر المسيح، فشُفي وحمل سريره ومشى.

 

2 – أمر بحمل السرير والمشي

وكان ذلك برهاناً يراه كل المحيطين به على أنه فعلاً نال الشفاء. ما أكثر عدد الذين يشكّون حتى بعد أن يروا! والمسيح يريد أن تنفتح عيون العميان الروحيين ليروا أن «سَنَة الرب المقبولة» قد أتت (لوقا 4: 19) وهي السنة التي يتحرر فيها المأسورون.

 

3 – وبعد شفاء المريض ذهب إلى الهيكل.

لا بد أنه أراد أن يشكر الله. هو لا يعرف من الذي شفاه، لأن المسيح اختفى في وسط الجموع، وغالباً كان المسيح وحده وليس معه أحد من تلاميذه، وإلا لكان المريض عرفه! وفي الهيكل التقى به المسيح مرة أخرى.

 

«فَرِحْتُ بِالْقَائِلِينَ لِي: إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ نَذْهَبُ» (مزمور 122: 1). لذلك نجيء إلى بيت الرب باستمرار لنشكر، فنلتقي مرة أخرى بالمخلّص ليبارك حياتنا بركة أعمق. فلنرجع مرة أخرى قائلين: «حَلَلْتَ قُيُودِي. فَلَكَ أَذْبَحُ ذَبِيحَةَ حَمْدٍ، وَبِاسْمِ الرَّبِّ أَدْعُو.. فِي دِيَارِ بَيْتِ الرَّبِّ» (مزمور 116: 16-19).

 

ثانياً – اليهود والمعجزة

1 – الحرف قبل الروح

كان اليوم سبتاً، والوصية تقول: «اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ. سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ، وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابِعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. لا تَصْنَعْ عَمَلاً مَا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَبَهِيمَتُكَ وَنَزِيلُكَ الَّذِي دَاخِلَ أَبْوَابِكَ – لأَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ. لِذلِكَ بَارَكَ الرَّبُّ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَدَّسَهُ» (خروج 20: 8-11). وانتقد شيوخ اليهود الرجل الذي شُفي لأنه كسر الوصية وحمل فراشه يوم السبت. وكان ردُّ الرجل: «الذي أبرأني قال لي احمل سريرك وامشِ». وعندما سألوه عن الذي أبرأه لم يعرف!

 

كان شيوخ اليهود يهتمّون بالشريعة والذبيحة والقربان والطقس. لم يدركوا روح الشريعة، بل اهتموا بحرفها فقط، فجعلوا لها أهمية وأولوية أكبر من الرحمة! لم يهمهم أن المريض شُفي. كان يجب أن يهنّئوه أولاً ببركة الصحة التي أهدتها له السماء في العيد، لكنهم انتقدوه، ونسوا الآية التي تقول: «لا تَنْظُرْ حِمَارَ أَخِيكَ أَوْ ثَوْرَهُ وَاقِعاً فِي الطَّرِيقِ وَتَتَغَافَلُ عَنْهُ بَلْ تُقِيمُهُ مَعَهُ لا مَحَالَةَ» (تثنية 22: 4). لابد أن يجتمع الأصدقاء ليساعدوا صاحب الحمار ويمدّوا له يد العون، لأنه وحده لا يستطيع أن يخرجه. ولكن شيوخ اليهود تمسّكوا بجزءٍ من الشريعة وتركوا الجزء الآخر، بينما الرب يريد أن ندرس الكلمة ككل، فإنه «سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلامُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي» (مزمور 119: 105).

 

2 – الله دوماً يعمل

وبعد أن عنَّفوا الرجل أرادوا أن يقتلوا المسيح لأنه كسر وصية السبت (آيتا 15 و16) فقال المسيح لهم: «أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل» (آية 17). ولقد أثارتهم هذه الكلمة للمرة الثانية، لأنهم لم يدركوا أن الله الذي انتهى من الخلق في اليوم السادس، لا زال يقوم بأعمال العناية لخير البشر. لقد خلق الأفلاك وحفظها في مكانها: «كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ» (رؤيا 4: 11). فلم يكن يوم السبت نهاية عمل الله، لأنه ما زال يحفظ الأفلاك والكواكب في مداراتها! ولا زال المسيح يرمّم أجساد الناس ويشفيها. صحيح أن السبت كان نهاية عمل الخلق، لكنه لم يكن نهاية عمل العناية.

 

وهذه الآية تملأ قلبنا بالفرح لأن إلهنا يعمل باستمرار معنا «هَا إِنَّ يَدَ الرَّبِّ لَمْ تَقْصُرْ عَنْ أَنْ تُخَلِّصَ، وَلَمْ تَثْقَلْ أُذُنُهُ عَنْ أَنْ تَسْمَعَ» (إشعياء 59: 1) «لا يَنْعَسُ حَافِظُكَ» (مزمور 121: 3) فهو يعطي ويبارك ويغمرنا دائماً بمحبة أبوية لا تنتهي.

 

3 – أرادوا أن يقتلوا المسيح

غضب شيوخ اليهود لأنهم فهموا معنى كلمة «أبي» (آية 17). لقد ساوى المسيح نفسه بالله، لذلك يقول: «من أجل هذا كان اليهود يطلبون اكثر أن يقتلوه لأنه قال إن الله أبوه، معادلاً نفسه بالله» (آية 18). لقد قال: «أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ» (يوحنا 10: 30) وقال لفيلبس: «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ»(يوحنا 14: 9) ويقول الرسول بولس إن المسيح عندما عادل نفسه بالله لم يختلس حقاً ليس له، ولكنه كان يعلن حقيقة هي مِلْكه فعلاً (فيلبي 2: 6). فلماذا يكره الناس الحق؟

 

ثالثاً – المسيح والمعجزة

«هذا رآه يسوع مضطجعاً، وعلم أن له زماناً كثيراً فسأله: أتريد أن تبرأ؟» (آية 6). نلاحظ أفعال المسيح: رأى، وعَلِم، وسأل، وأعلن حبه، وأمر، وتّوب.

 

رأى المسيح المريض الذي لا صديق له. رأى الذي يعتبره الناس «حالة» يائسة لا رجاء فيها. رآه بعكس المنطق البشري. فعادةً يعتني الطبيب بالشخص الذي تكون حالته أفضل أولاً، لأن قدرة الطبيب محدودة. أما المسيح فكل شيء مستطاع عنده، وهو متخصّص في المستحيلات.

 

عَلِم، فالرب يعرف كل شيء عنا. يعرف ضعفنا واحتياجنا الحقيقي، ثم يعطي ما نحتاجه بسخاء ولا يعيّر.

 

سأل: «أتريد أن تبرأ؟» هذه هي عناية المسيح، فهو دائماً يسأل عنا وعن احتياجنا. وحصولنا على نعمة المسيح يتوقف علينا. هل نريد؟

 

وفي هذا أعلن المسيح محبته للرجل الذي يئس من كل شيء ومن كل شخص! «يُسَرُّ بِالرَّأْفَةِ. يَعُودُ يَرْحَمُنَا، يَدُوسُ آثَامَنَا» (ميخا 7: 18-20).

 

أمره المسيح: «قم احمل سريرك وامشِ». وهذا الأمر ينافي العُرف والانتظار والتوقُّع، وينافي صحة جسد ذلك الإنسان، لأنه يحتاج لشفاءٍ وفترة نقاهة، لكن الرب تخطَّى هذا كله.

 

في بعض الأحيان نريد أن نصلح من أنفسنا روحياً معتمدين على ذواتنا، ولكن الرب يعطي ميلاداً جديداً: «إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة» (2كورنثوس 5: 17). هذا تغيير كامل تماماً، فما لا يصدقه العقل الإنساني ينفّذه الحب الإلهي القادر، والذي يُجري المعجزات.

 

توَّب: «ها أنت قد برئْتَ، فلا تخطىء أيضاً لئلا يكون لك أشرّ» (آية 14). يبدو أن مرض هذا الرجل كان نتيجةً لخطية، ولو أن كل مرض ليس نتيجة خطية. فتوبة المريض هنا شرط لاستمرار الصحة. والرجوع إليها أشرّ، لأنه يحرمه من الحياة ويميته (1كورنثوس 11: 30).

 

ومن أمر المسيح للمريض المشفيّ نتعلم ثلاث حقائق:

قد يجيء المرض نتيجة للخطية.

التوبة شرط لاستمرار الصحة.

الرجوع للخطية يُنتج نتائج أشرّ.

 

إعلان ألوهية المسيح: قال المسيح إن الله أبوه (آية 17) فساوى نفسه بالله (آية 18). ونجد هنا المسيح يعلن ألوهيته سبع مرات:

 

المسيح يعمل نفس عمل الآب: «مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهذَا يَعْمَلُهُ الاِبْنُ كَذلِكَ» (آية 19).

المسيح يعرف فكر الآب: «لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الاِبْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ» (آية 20).

 

المسيح يُحيي الموتى: «كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذلِكَ الاِبْنُ أَيْضاً يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ» (آية 21 و24-26).

 

المسيح يدين العالم: «لأَنَّ الآبَ لا يَدِينُ أَحَداً، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلاِبْنِ» (آية 22)

 

المسيح ينال الكرامة: «لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الاِبْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ. مَنْ لا يُكْرِمُ الاِبْنَ لا يُكْرِمُ الآبَ أيضاً» (آية 23)

 

لقد شهد الآب له: «إِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي لَيْسَتْ حَقّاً. الَّذِي يَشْهَدُ لِي هُوَ آخَرُ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ الَّتِي يَشْهَدُهَا لِي هِيَ حَقٌّ» (آيتا 31 و32).

 

* شهد له يوحنا المعمدان: «أَنْتُمْ أَرْسَلْتُمْ إِلَى يُوحَنَّا فَشَهِدَ لِلْحَقِّ» (آية 33)

* شهدت له أعماله: «لِي شَهَادَةٌ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا، لأَنَّ الأَعْمَالَ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ لأُكَمِّلَهَا، هذِهِ الأَعْمَالُ بِعَيْنِهَا الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَنِي» (آية 36).

* شهد الآب له: «وَالآبُ نَفْسُهُ الَّذِي أَرْسَلَنِي يَشْهَدُ لِي» (آية 37)

* شهدت له الكتب المقدسة: «فَتِّشُوا الْكُتُبَ.. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي» (آية 39)

 

هذا هو إلهنا القادر على كل شيء، المخلّص العظيم، الذي ينقذنا من ضعفاتنا ويتحنّن ويتراءف علينا. فدعونا ننحني دائماً أمامه لنطلب منه بركة مضاعفة لحياتنا.

 

صلاة

يا صاحب السلطان، يا من تقول فيكون وتأمر فيصير، لك الشكر والتسبيح والهتاف. لك الخضوع والتسليم والطاعة. عليك الاعتماد ومنك العون.

هَبْنا أن نسند رؤوسنا المتعَبة على صدر محبتك، لننال منك ما نحتاجه اليوم وغداً، إلى أن ننتقل إلى محضرك، حيث لا مرض ولا عوز ولا أنين. باسم المسيح. آمين.

 

أسئلة

متى يكون احتفالنا بالعيد حقيقياً؟

ما هي المعاني الرمزية في دخول المسيح من «باب الضأن» وذهابه إلى بِرْكة بيت حسدا؟

لماذا لام شيوخ اليهود المريض لأنه حمل سريره؟

ما هي مشكلة المريض منذ 38 سنة، وكيف حلَّها المسيح؟

أمر المسيح المريض أن يقوم ويحمل فراشه ويمشي. وتطلَّب هذا من المريض أمرين – ما هما؟

لماذا ذهب المريض للهيكل بعد شفائه؟

أعلن المسيح ألوهيته سبع مرات – اذكرها.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي