4 – امتياز الحكمة مثل البنّاء الحكيم

24 فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُلٍ عَاقِلٍ، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ. 25 فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَوَقَعَتْ عَلَى ذلِكَ الْبَيْتِ فَلَمْ يَسْقُطْ، لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّساً عَلَى الصَّخْرِ. 26 وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَلا يَعْمَلُ بِهَا، يُشَبَّهُ بِرَجُلٍ جَاهِلٍ، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الرَّمْلِ. 27 فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَصَدَمَتْ ذلِكَ الْبَيْتَ فَسَقَطَ، وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيماً! (متى 7: 24-27).

(ورد هذا المثل أيضاً في لوقا 6: 46-49)

 

ألقى المسيح الموعظة على الجبل (إنجيل متى أصحاحات 5-7) بأسلوب وعظٍ يختلف عن أسلوب وعظ أهل زمانه الذين كانوا يعتمدون على النقل، شرح فيها بسلطانه الشخصي كل الجوانب التي تهمُّ المؤمن، فبدأ بوصف السعداء، ثم قدَّم شريعة العهد الجديد التي تكمِّل شريعة موسى ولا تنقضها.

 

والموعظة على الجبل هي دستور الحياة المسيحية، الذي يبدأ بضرورة فحص دواخل النفس (متى 5: 1-16)، فنرى إن كنا مساكين بالروح (متى 5: 3) نحس بفقرنا الروحي واحتياجنا الدائم إلى رحمة الله.. وإن كنا حزانى على خطايانا فيكرمنا الرب ويعزينا بغفرانها (متى 5: 4)، وهكذا.. في هذه الموعظة أعلن المسيح أنه لم يأتِ لينقض شريعة موسى بل ليكملها (5: 17-20).. ثم تحدَّث عن واجبات المؤمن به من نحو الناس، فقدَّم شريعة الصُّلح (متى 5: 21-26) وشريعة نقاوة القلب (5: 27-32) وشريعة الحق (5: 33-37) وشريعة الحب (5: 38-48) ثم علَّم عن واجباتنا من نحو الله في شريعة الصدقة (6: 1-4) وشريعة الصلاة (6: 5-15) وشريعة الصوم (6: 16-18). ثم واجباتنا من نحو المال (6: 19-34)، ومن نحو غيرنا من المؤمنين (7: 1-6)، ومن نحو انتظار استجابة الصلاة (7: 7-12)، ومن نحو الأبدية فندخل من الباب الضيق (7: 13، 14) ونحترس من الأنبياء الكذبة (7: 15-23).

 

ثم ختم المسيح موعظته على الجبل بمثَل البنّاء الحكيم الذي يبني على الصخر، وهو الذي يسمع كلمة الملكوت ويعمل بها، بالمفارقة مع الجاهل الذي يبني على الرمل، وهو الذي يسمع ولا يعمل. ومن المفرح أن نجد السامع العامل، ولكن من المؤسف أن نجد أيضاً أصحاب العبادة الكلامية، الذين يقتربون إلى الرب بأقوالهم، ويكرمونه بشفاههم، أما قلوبهم فبعيدة عنه (إشعياء 29: 13 ومتى 15: 8).. ويقول المسيح لكل البنّائين الحكماء: «أَنْتُمْ أَحِبَّائِي إِنْ فَعَلْتُمْ مَا أُوصِيكُمْ بِهِ» (يوحنا 15: 14). ويقول للبنّائين الجهَلة: «لِمَاذَا تَدْعُونَنِي: يَا رَبُّ يَا رَبُّ، وَأَنْتُمْ لا تَفْعَلُونَ مَا أَقُولُهُ؟» (لوقا 6: 46).

 

أولاً – أساسان وبِناءان

خلق الله أبوينا الأوَّلين على صورته، وأسكنهما جنة عدن، ومنحهما إرادةً حُرَّة، ودبَّر لهما كل ما يساعدهما على حياة الطاعة، ولكنهما عصيا ربهما. ولما كان الله محبة فتَّش عليهما ودبَّر لهما الفداء، وأوضح لهما أن الكفارة هي السبيل الوحيد للخلاص، وأن هناك أساساً واحداً يصلح لبناء علاقة حيَّة مع الله، هو نسل المرأة الذي يسحق رأس الحية (تكوين 3: 15). وقد وصف الرسول بطرس هذا الأساس في قوله إنه المسيح «الْحَجَرُ الَّذِي احْتَقَرْتُمُوهُ أَيُّهَا الْبَنَّاؤُونَ، الَّذِي صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال 4: 11، 12). وكل حكيم يبني على الأساس الوحيد السليم، أما الجاهل فهو الذي يختار لنفسه أساساً آخر دخيلاً زائفاً، ينهدم كل بناء يقوم عليه. فلنتأمل الأساسين والبنائين:

 

بناء على أساس صخري: والأساس الصخري هو الأساس الوحيد الذي يُقيم عليه الإنسان الحكيم بناء حياته. إنه المسيح وتعاليمه، لأنه «لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاساً آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ» (1كورنثوس 3: 11). فكل وعود الغفران مبنيَّة على عمل المسيح الكفاري. هو المخلِّص والفادي، ويجب أن يكون سيد الحياة. وهو الحي الذي يقدِّم الفداء لكل إنسان، ويقول: «أَصْغَيْتُ إِلَى الَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا. وُجِدْتُ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي. قُلْتُ: هَئَنَذَا هَئَنَذَا لأُمَّةٍ لَمْ تُسَمَّ بِاسْمِي» (إشعياء 65: 1).

 

ويعلِّمنا مثَل البنّاء الحكيم أن تعاليم المسيح مُلزِمة، وعملية، وقابلة للتطبيق بمعونة الروح القدس. فليس الإنجيل مجرد أخبار تُسمع، بل أوامر تُنفَّذ، لأنه يأمرنا «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ» (متى 11: 28). «إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلامِي» (يوحنا 14: 23). «يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلا يُمَلَّ» (لوقا 18: 1). «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ» (متى 5: 44). «اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ» (لوقا 6: 37). «ارْعَ خِرَافيِ… ارْعَ غَنَمِي» (يوحنا 21: 15، 16). «ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ» (لوقا 22: 32). والحكيم هو الذي يعمل بهذه الأوامر، فيبني بيته على أساس سليم دائم لا يتزعزع.

 

احتضنت فتاةٌ أمَّها وقالت لها بابتسامة كبيرة: «ماما، أنا أحبك، وأنا مستعدة أن أطيع كل أمر تأمرينني به.. هل تحتاجين إلى شيء أذهب لأشتريه؟ هل أجهِّز مائدة الغداء؟ هل أذهب لأُحضر أخي من المدرسة؟».. هذه الفتاة أقامت بناءً عظيماً من ثقة أمها بها. ولو أن الأم مرضت ستكون متأكدة أن هناك من سيعتني بها وبعائلتها أثناء مرضها. كما بَنَت الفتاة ذكريات سعيدة عندها من نحو أمها، وعند أمها من نحوها. وما قالته هذه الفتاة لأمها يجب أن يقوله لله كل مؤمن حكيم، وينفِّذه. فلنكن عاملين بالكلمة، لا سامعين فقط خادعين نفوسنا (يعقوب 1: 22).

 

بناء على أساس رملي: والرمل هو الأساس المتسيِّب غير المتماسك، الذي لا يحتاج إلى مجهود في إقامة البناء عليه. إنه الأساس الذي يبني عليه من يقولون لله: «ابْعُدْ عَنَّا. وَبِمَعْرِفَةِ طُرُقِكَ لا نُسَرُّ» (أيوب 21: 14) «الَّذِينَ فِيهِمْ إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللّهِ» (2كورنثوس 4: 4).

 

ويوضح هذا المثل أن الناس ينقسمون أمام أوامر المسيح إلى نوعين: حكيم مطيع مستعد لكل عمل صالح، وجاهل عاصٍ يقول في قلبه «ليس إله». ومن المؤسف أن هناك نقاط تشابه كثيرة بينهما، فكلاهما متديِّنان يتعبَّدان في بيت الله، وسمع كلاهما كلمات الموعظة على الجبل، ووصلهما نفس التعليم، وشعرا بحاجتهما إلى ضرورة البناء للاحتماء والاطمئنان، وكانت لكليهما فرصة البناء على أساس صخري، وكانا قادرين على البناء، وقاما به حتى اكتمل، وكان كلٌّ منهما واثقاً من البناء الذي أقامه.

 

ولكنهما اختلفا في اختيار أساس البيت، وهو رغم أهميته ليس ظاهراً لمن ينظر من الخارج، لكن الله يراه «لأَنَّ الإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا الرَّبُّ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَلْبِ» (1صموئيل 16: 7). أخذ الحكيم في اعتباره أهمية الأساس، وأصرَّ أن يحفر ويعمِّق حتى يرتفع بأساس سليم. أما الجاهل فلم يهتمَّ بالعُمق، وكان متعجِّلاً يريد أن يرتفع بناؤه بسرعة.

 

اهتمَّ الجاهل بالمظهر الخارجي ليُرضي الناس، وهو ما ندعوه رياءً ونفاقاً. فقد فاق اهتمامه بالشكليات المنظورة اهتمامه بالتأسيس والتعميق الذي يؤهِّل للصمود. ولم يصفه المسيح بأنه شرير، بل سمّاه «جاهلاً» وهي تسمية تعبِّر عن الأسى عليه أكثر منها على الإدانة له. إنه شريك العذارى الجاهلات اللواتي ملأن مصابيحهن بالزيت ولكنهنَّ لم يعملن حساب تأخُّر العريس (متى 25: 1-13)، وهو شريك الغني الغبي الذي عمل حساب دنياه ونسي حساب آخرته (لوقا 12: 13-21)، ويشاركه كثيرون من الناس، ومنهم الأديب الأمريكي مارك توين الذي قال إن الآيات التي ضايقته من الكتاب المقدس لم تكن الآيات التي لم يفهمها، بل الآيات التي فهمها، لأنه لم يشأ أن يطبِّقها في حياته!

 

وواضحٌ من بناء الجاهل أن شخصيته متسرِّعة تحاول أن تأخذ بسرعة، فتفقد ما تحصل عليه بسرعة، إذ سرعان ما تظهر الشقوق الداخلية في حوائط البيت المؤسَّس على الرمل، فتهبط أرضيَّته وينهار سقفه في مواجهة العوامل الطبيعية عند نزول المطر ومجيء الأنهار وهبوب العواصف، فيسقط ويكون سقوطه مدوياً!

 

ثانياً – امتحان حتمي

«فنزل المطر، وجاءت الأنهار، وهبَّت الرياح». هذه ثلاثة أمور لا مفرَّ من أن يواجهها كل بناء، ثبت أمامها البيت المبني على الصخر، وانهار أمامها البيت المبني على الرمل. وهي صعوبات تبيِّن معدن الإنسان، إن كان أساسه على الصخر أو على الرمل، وتُعلِن ثبات العاقل، وتفضح نفاق الجاهل. وواضح أن تعقُّل المؤمن لا يمنع إتيان الصعوبات عليه، لكن هذا التعقُّل يساعده على احتوائها، والثبوت أمامها.

 

امتحان من السماء: جاء الامتحان الأول في صورة مطر نزل من فوق، يضرب الرأس، ويجرف ما تحت القدمين، فيكشف الوجوه ويزيل أقنعة الزيف! وهو يرمز إلى التجارب التي يسمح الله لنا بها، كمرض أو أزمة مالية أو فشل في مجال العمل، ويقصد به أن يرفع أنظارنا إليه. والحكيم هو الذي يثبت في الامتحان، فإنه «طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ» (يعقوب 1: 12). أما الجاهل فينهار أمام هذا الامتحان، لأنه جاهل غير مطيع.

 

كان رجل أعمال في بدء حياته قريباً من الرب جداً، ولكن شواغل العمل استغرقته حتى ابتعد عن الرب مدة أربعين سنة. وحدث أن أُصيب بمرض ألزمه الفراش، فرقد على ظهره مدة أربعين يوماً أتاحت له فرصةً إجبارية للتأمل والصلاة، فقال: «أربعون سنة ابتعدتُ فيها عن ربي، ولكنه في محبته فتش عليَّ ورفع وجهي إلى أعلى مدة أربعين يوماً. ونظرت، فلم أجد سواه، فدعوته: ربي وإلهي! وأدركت أن المرض الذي أصابني كان برهاناً على محبة الرب لي واهتمامه بي».

 

وامتحان السماء بركة دائمة للعاقل والجاهل، لأن الله لا يمتحن العقلاء ليفشِّلهم، بل ليقرِّبهم إليه أكثر وليزيدهم حكمة. وامتحان السماء للجهال هو إحدى الطرق التي يقرع بها المسيح باب قلوبهم ليتوبوا ويطلبوا وجهه، ولو أن أكثر الناس ساهون! كم من مرة يمنح الله الإنسان نجاحاً فيفرح بالعطية ولا يُعير المعطي الوهّاب انتباهاً، وهذا هو الهلاك الذي يُفسد في الظهيرة (مزمور 91: 6)، فيُنزل الرب مطره ليوقظ الإنسان لمسؤوليات حياته الأبدية، ويقول له: «الْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلا تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ… هُوَذَا الآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الآنَ يَوْمُ خَلاص» (عبرانيين 3: 15و 2كورنثوس 6: 2).

 

امتحان من الأرض: «جاءت الأنهار» وهي ترمز إلى الأشرار من البشر حولنا، الذين يسخرون منّا أو يوقعون بنا الأذى. وقد تجيئنا الأنهار من أعدائنا أو من داخل عائلاتنا، كما باع أبناء يعقوب أخاهم يوسف عبداً لتُجّار قافلةٍ مسافرة إلى مصر. ويصف المرنم الامتحان الأرضي الذي يجيئنا من المحيطين بنا بقوله: «أَكْثَرُ مِنْ شَعْرِ رَأْسِي الَّذِينَ يُبْغِضُونَنِي بِلا سَبَبٍ» (مزمور 69: 4). فإن كانت هناك بغضة بلا سبب، فكم تكون البغضة لو كان هناك سبب! وسواء كانت البغضة بسبب أو بغير سبب فإن الله يعلِّم العاقل أن يحتمي به أكثر، ويُلفت نظر الغافل الجاهل أن يطلب الحماية من الملجأ الوحيد، فيقول العاقل والجاهل معاً: «أُحِبُّكَ يَا رَبُّ يَا قُوَّتِي. الرَّبُّ صَخْرَتِي وَحِصْنِي وَمُنْقِذِي. إِلهِي صَخْرَتِي بِهِ أَحْتَمِي. تُرْسِي وَقَرْنُ خَلاصِي وَمَلْجَإِي. أَدْعُو الرَّبَّ الْحَمِيدَ فَأَتَخَلَّصُ مِنْ أَعْدَائِي» (مزمور 18: 1-3).

 

امتحان غامض: «هبَّت الرياح» وهي ترمز إلى الغامض المجهول الذي لا نعرف مصدره، ولا نتوقَّعه كالكوارث الطبيعية من فيضانات وزلازل وبراكين، فإن «اَلرِّيحَ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لكِنَّكَ لا تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلا إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ» (يوحنا 3: 8). وقال الشاعر العربي «تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن».

 

تدهمنا المصاعب كما دهمت أيوب، ولم يكن يعرف لها سبباً، لكنها برهنت أنه كان حكيماً بنى بيت إيمانه على صخر. ويتساءل المؤمن مع داود: «إِلَى مَتَى يَا رَبُّ تَنْسَانِي كُلَّ النِّسْيَانِ! إِلَى مَتَى تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي! إِلَى مَتَى أَجْعَلُ هُمُوماً فِي نَفْسِي وَحُزْناً فِي قَلْبِي كُلَّ يَوْمٍ! إِلَى مَتَى يَرْتَفِعُ عَدُوِّي عَلَيَّ!» (مزمور 13: 1، 2). وتزيد المصاعب الغامضة المؤمن تمسُّكا بالرب، وفي الوقت نفسه تهدم بيت الجاهل على رأسه.

 

ثالثاً – نتيجتان

ارتفع بناءان، أحدهما بسرعة دون مراعاة لمواصفات البناء الهندسية، ودون اعتبار لقوة تحمُّل الأساس. وبُني الثاني بتأنٍّ. وراقب الناس البيتين يرتفعان. وربما صفَّقوا للبنّاء الذي ارتفع بناؤه بسرعة مع أنه بنى على الرمل فوق سطح الأرض، وربما انتقدوا الذي بنى ببطء، مع أنه حفر وعمَّق حتى وصل إلى الصخر. ولكن عندما جاءت ساعة الامتحان على البيتين ظهر الاختلاف في مصيرهما! «فنزل المطر، وجاءت الأنهار، وهبَّت الرياح» ووقعت على البيتين، فثبت الأول لأنه كان مؤسساً على الصخر. أما الثاني فسقط وكان سقوطه عظيماً.

 

كم هو مؤلم أن يبني الإنسان ثم ينهدم بيته. لكننا نشكر الله المحب الذي لا يُسرُّ « بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا» (حزقيال 33: 11)، فهو «يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (1تيموثاوس 2: 4). إنه في محبته يقرع على باب الجاهل الذي بنى على الرمل منبِّهاً ومنذراً ليعطيه فرصة ثانية ليبني من جديد بطريقة حكيمة. ولعله يتعلم من الحكيم الذي بنى على الصخر.

 

فإن كنت إلى الآن تبني على الرمل، وتكتفي بمدح الناس، ولا تفكر في يوم الحساب، ندعوك للتوبة، ونذكِّرك بوعد المسيح: «مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لا أُخْرِجْهُ خَارِجاً» (يوحنا 6: 37). إنه يدعو أصحاب البيوت التي سقطت يوم الامتحان قائلاً: «إِلَى مَتَى أَيُّهَا الْجُهَّالُ تُحِبُّونَ الْجَهْلَ، وَالْمُسْتَهْزِئُونَ يُسَرُّونَ بِالاسْتِهْزَاءِ، وَالْحَمْقَى يُبْغِضُونَ الْعِلْمَ؟ اِرْجِعُوا عِنْدَ تَوْبِيخِي. هَئَنَذَا أُفِيضُ لَكُمْ رُوحِي. أُعَلِّمُكُمْ كَلِمَاتِي» (أمثال 1: 22، 23). ثم يمنح صاحب البيت المنهدم فرصة إعادة البناء.

 

ولكي تكون نتيجة بنائنا مشرِّفة لننتبه للنقاط التالية:

 

اهتم بالأساس: أساس بنائك هو علاقتك الشخصية بالمسيح، والتي فيها تقول عنه «الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي» (غلاطية 2: 20). وعلى هذا الأساس تثق أن المسيح غفر خطاياك وستر عيوبك، لأن «دَمَ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (1يوحنا 1: 7).

 

وكل من يقبل دعوة المسيح الشخصية «هلمَّ ورائي» ويتجاوب معها يبني حياته على أساس سليم، كما فعل زكا العشار الذي كان قد بنى بيتاً أرضياً، وكان يمتلك ثروة كبيرة، ولكنه كان يعاني من فراغ روحي عظيم. ولما سمع أن المسيح آتٍ إلى بلده تسلَّق شجرة جميز ليراه، فقد كان قصير القامة. ورآه المسيح فدعا نفسه إلى بيت زكا. وعندما أعلن زكا توبته قال المسيح عنه: «الْيَوْمَ حَصَلَ خَلاصٌ لِهذَا الْبَيْتِ، إِذْ هُوَ أَيْضاً ابْنُ إِبْرَاهِيمَ، لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ» (لوقا 19: 1-10).

 

تأكد من سلامة البناء: كُن متيقِّظاً وأنت تبني وتعلو، فإن إبليس سيحاول جاهداً أن يحوِّل اهتمامك إلى مشغوليات جانبية، تصرف نظرك عن أولوية بناء حياتك.. سيجرِّبك أن تتحارب مع جيرانك الذين يبنون على الصخر وعلى الرمل، وفي انشغالك بالاختلافات تتعوَّج حوائط مبناك. فلتكن صلاتك: «اخْتَبِرْنِي يَا اَللّهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقاً أَبَدِيّاً» (مزمور 139: 23، 24). اطلب من الله أن يعدِّل أي انحراف أو عوج أو انحناء في حياتك.

 

أَعطِ كل المجد للرب: أعط الفضل لله صاحب الفضل، فكلما ارتفع بناؤك على أساسٍ سليم اعترِف أن فضل القوة هو لله لا منك، فإنه «إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ فَبَاطِلاً يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ. إِنْ لَمْ يَحْفَظِ الرَّبُّ الْمَدِينَةَ فَبَاطِلاً يَسْهَرُ الْحَارِسُ» (مزمور 127: 1). «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لا يَفْتَخِرَنَّ الْحَكِيمُ بِحِكْمَتِهِ، وَلا يَفْتَخِرِ الْجَبَّارُ بِجَبَرُوتِهِ، وَلا يَفْتَخِرِ الْغَنِيُّ بِغِنَاهُ. بَلْ بِهذَا لِيَفْتَخِرَنَّ الْمُفْتَخِرُ: بِأَنَّهُ يَفْهَمُ وَيَعْرِفُنِي أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الصَّانِعُ رَحْمَةً وَقَضَاءً وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ، لأَنِّي بِهذِهِ أُسَرُّ يَقُولُ الرَّبُّ» (إرميا 9: 23، 24).

 

سؤالان

ما هو الامتحان الثلاثي الذي تجوزه بيوتنا الروحية؟

ماذا كان يكون تعليقك وأنت تشاهد البيتين يعلوان بسرعتين مختلفتين؟ وما هو تعليقك بعد دراسة هذا المثل؟

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي