2 – امتياز سكنى المسيح مثل البيت العامر بالمسيح

43 إِذَا خَرَجَ الرُّوحُ النَّجِسُ مِنَ الإِنْسَانِ يَجْتَازُ فِي أَمَاكِنَ لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ، يَطْلُبُ رَاحَةً وَلاَ يَجِدُ. 44 ثُمَّ يَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي الَّذِي خَرَجْتُ مِنْهُ. فَيَأْتِي وَيَجِدُهُ فَارِغاً مَكْنُوساً مُزَيَّناً. 45 ثُمَّ يَذْهَبُ وَيَأْخُذُ مَعَهُ سَبْعَةَ أَرْوَاحٍ أُخَرَ أَشَرَّ مِنْهُ، فَتَدْخُلُ وَتَسْكُنُ هُنَاكَ، فَتَصِيرُ أَوَاخِرُ ذلِكَ الإِنْسَانِ أَشَرَّ مِنْ أَوَائِلِهِ. هكَذَا يَكُونُ أَيْضاً لِهذَا الْجِيلِ الشِّرِّيرِ (متى 12: 43-45).

(ورد هذا المثل أيضاً في لوقا 11: 14-26)

 

مناسبة رواية المثل:

أجرى المسيح معجزات كثيرة أظهرت سلطانه على عالم البشر وعالم الأرواح الشريرة، فقد شفى الناس من أمراضهم الجسدية، وطرد الشياطين من أجسادهم. ولكن شيوخ اليهود لم يؤمنوا بسماويَّة معجزاته، وقال بعضهم إنها سحر، وقال البعض الآخر إنها من عمل الشيطان، وقالوا جميعاً إنها ليست برهاناً كافياً على أنه من عند الله، فطلبوا منه معجزة من السماء، كما أنزل موسى المن الذي أكله بنو إسرائيل مدة أربعين سنة (هي سنوات تيهانهم في شبه جزيرة سيناء). فأجابهم: «جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ» (متى 12: 39 40). وفي هذا الرد أوضح المسيح أنهم فاسقون غير أمناء للعهد الذي قطعوه على أنفسهم بأن يكونوا أمناء لله، وقال إنه لن يعطيهم معجزة من النوع الذي طلبوه، ولكن معجزة قيامته بعد موته، ستكون البرهان على صدق رسالته.

 

ولم يكن المسيح أول من قام من الموت، لكنه أعظم من قام، لأن كل ميت قام مات ثانيةً بعد قيامته. أما المسيح فقد قام وصعد إلى السماء، وهو حيٌّ يشفع فينا. ومن سمائه سيأتي ديّاناً عادلاً للأحياء والأموات. وقد تحقَّقت نبوَّته عن نفسه، إذ صُلب يوم الجمعة، وقام من الموت صباح يوم الأحد، فكانت قيامته أعظم معجزاته.. ومضت بين موته وقيامته ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ طِبقاً للحساب اليهودي، فقد كان اليهود يحسبون الجزء من النهار نهاراً كاملاً والجزء من الليل ليلاً كاملاً. وكان التلمود (أقدس كتب اليهود بعد كتاب الله عندهم) يقول: «إضافة ساعة إلى يوم تُحسَب يوماً آخر، وإضافة يوم إلى سنة يُحسَب سنة أخرى». وبهذا حسب جزءاً من يوم الجمعة 24 ساعة، وكل يوم السبت 24 ساعة، وجزءاً من يوم الأحد 24 ساعة، فكانت تلك ثلاثة أيام وثلاث ليال.

 

ثم قال المسيح لمنتقديه إن أهل نينوى سيقفون أمام عرش الله الديان يدينون يهود عصر المسيح، لأنهم آمنوا بوعظ النبي يونان، بينما لم يؤمن يهود عصر المسيح بوعظ المسيح، مع أنه أعظم من يونان.. ثم قال لهم إن ملكة التيمن (أي ملكة الجنوب) وهي ملكة سبا، ستقوم لتدين يهود عصر المسيح، لأنها تجشَّمت متاعب السفر لتسمع حكمة سليمان (1ملوك 10: 1)، بينما رفض يهود عصر المسيح تعاليمه، مع أنه أعظم من سليمان.

 

ثم ضرب المسيح لسامعيه المثل الذي نتأمله الآن، وهو عن صاحب بيت اكتشف أن بيته مسكونٌ بروح نجس، فطرد الساكن وبدأ يكنس آثاره السيئة، ثم زيَّن البيت. ولكنه ارتكب خطأً جسيماً، هو أنه ترك البيت بدون علامة حياة، ولا حركة، ولا عمل نافع، وأهمل أن يسلِّمه لساكن جديد يشغله ويحرسه ويصونه.

 

وخرج الروح النجس المطرود إلى أماكن ليس فيها ماء، وطلب راحةً فلم يجد، لأنه لا يستريح إلا إذا وجد بشراً يؤذيهم، وليس في الصحراء مَن يؤذيه. فقرَّر أن يرجع ليستطلع حال البيت الذي كان يسكنه. ولما اقترب منه ودار حوله وجد أنه بلا ساكن. ثم اكتشف أنه صار أفضل حالاً مما تركه، فقد كان مكنوساً مزيَّناً، فقرَّر أن يصحب معه سبعة شياطين آخرين ليسكنوا معه، فصارت أواخر صاحب البيت أشر من أوائله، لأنه بعد أن كان عنده ساكن نجس واحد صارت عنده ثماني أرواح نجسة! كان الشيطان الأول وحده، لكن خطأ صاحب البيت في أنه بدأ إصلاحاً ولم يكمله أدَّى إلى نتائج وخيمة، فقد صارت الشياطين الثمانية معاً قوة متحكِّمة موجِّهة مدنِّسة.

 

ماذا قصد المسيح بهذا المثل؟

قصد أن بني إسرائيل استمروا يعبدون الله وفي الوقت نفسه يعبدون الوثن. ولكنهم بعد السبي البابلي (الذي استمر سبعين سنة) هجروا العبادة الوثنية، ولم يعودوا إليها أبداً، فيكونون بهذا قد أخرجوا الروح النجس. ولكنهم لم يسمحوا للمسيح أن يملك عليهم، فدخلت فيهم أرواح شريرة كثيرة أردأ من الأولى.. صحيحٌ أن قلوبهم اغتسلت من عبادة الوثن، لكنها لم تتعمَّر بنعمة الله. والمسيح في هذا المثَل لا يهاجم تنظيف البيت، لأن هذا واجب، لكنه يطالب بوجود الساكن الصالح، حتى لا يعود إليه الساكن الشرير القديم بحالة أشر. إن الإصلاح الجزئي، بتَرْك الخطية، دون الامتلاء بالفضيلة، هو إصلاح سلبي.

 

ويشبه حال الذين يُصلِحون من أخلاقياتهم، فيتوقفون مثلاً عن الغضب والسرقة والنميمة، ولكنهم لا يُدخِلون المسيح إلى قلوبهم، حال بني إسرائيل، فإنهم سرعان ما يسقطون في الكبرياء الروحية، ويرضون عن أنفسهم، فتكون أواخرهم أشرَّ من أوائلهم، وينطبق عليهم الوصف الرسولي: «لأَنَّهُ إِذَا كَانُوا بَعْدَمَا هَرَبُوا مِنْ نَجَاسَاتِ الْعَالَمِ، بِمَعْرِفَةِ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، يَرْتَبِكُونَ أَيْضاً فِيهَا، فَيَنْغَلِبُونَ، فَقَدْ صَارَتْ لَهُمُ الأَوَاخِرُ أَشَرَّ مِنَ الأَوَائِلِ. لأَنَّهُ كَانَ خَيْراً لَهُمْ لَوْ لَمْ يَعْرِفُوا طَرِيقَ الْبِرِّ، مِنْ أَنَّهُمْ بَعْدَمَا عَرَفُوا يَرْتَدُّونَ عَنِ الْوَصِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ الْمُسَلَّمَةِ لَهُمْ» (2بطرس 2: 20، 21).

 

وقصد المسيح أن يعلِّمنا أيضاً أن إصلاح أخلاقياتنا لا يعني أننا خلُصنا من خطايانا، فالإصلاح بدون التغيير الكامل بعمل الروح القدس يجلب اللعنة لا البركة، لأننا لا يمكن أن نفرِّغ حياتنا من الخطية بدون أن نملأها بنعمة المسيح. ولا يمكن أن يملأ فراغ حياتنا إلا الله نفسه.

 

وقصد المسيح أيضاً أن يعلِّمنا أنه لا مكان للحياد في حياتنا الروحية، فإن لم نكن عبيداً للمسيح سنكون عبيداً للشيطان، لأن لكل بيت رب بيت، يسكنه ويشغله ويحرسه ويصونه ويهتم به. فإن لم يكن المسيح ربَّ البيت سيكون الشيطان ربَّه.. فليكن المسيح رب حياتنا، لأنه قال: «مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ» (لوقا 11: 23).

 

أولاً – إخلاء البيت ثم تسكينه

كلنا نرغب أن نصلح أمر حياتنا وبيوتنا فنُخليها من الخطايا. وهذا ما فعله صاحب البيت إذ أخرج الروح النجس من بيته، طلباً للحياة الأفضل، لأنه رأى أن أول خطوات الإصلاح هي أن يطرد الشرير. ويقول المسيح إن الروح النجس خرج، مما يوضِّح لنا أن إبليس لا يبقى في بيت أحد بغير رضاه، وهو لا يرغم أحداً على طاعته، لكنه يكتفي بأن يقترح الأكاذيب والخداع. وللبشر كامل الحرية أن ينفذوا اقتراحاته أو أن يرفضوها.

 

لم يُجبِر إبليس آدم وحواء ليأكلا من الشجرة الممنوعة، لكنه اقترح عليهما أن الأكل منها سيوصلهما إلى سعادة ورقي لا يريد الله أن يمنحهما لهما. وفوراً تغيَّرت نظرتهما إلى الشجرة، فرأيا أنها جيدة للأكل وبهِجة للعيون وشهيَّة للنظر، فأكلا منها (تكوين 3: 6) وسرعان ما اكتشفا أنه كذب عليهما وخدعهما وعرّاهما. وعجزا عن ستر نفسيهما، فافتقدهما الله بالأقمصة الجلدية التي سترت عريهما.

 

عندما جاء يوحنا المعمدان إلى اليهود من معاصري المسيح يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا (لوقا 3: 3) «حِينَئِذٍ خَرَجَ إِلَيْهِ أُورُشَلِيمُ وَكُلُّ الْيَهُودِيَّةِ وَجَمِيعُ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنِّ، وَاعْتَمَدُوا مِنْهُ فِي الأُرْدُنِّ، مُعْتَرِفِينَ بِخَطَايَاهُمْ». فقال لهم: «أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ» (متى 3: 5، 6، 11). فقبلوا منه معمودية الماء، وبهذا يكونون قد طردوا الروح الشرير.. لكنهم لم يقبلوا شهادة المعمدان للمسيح، ورفضوا شهادة الروح القدس له. صحيحٌ أن ماء معمودية يوحنا غسل أجسادهم، ولكن حاجتهم الحقيقية كانت إلى غسل نفوسهم الداخلية بمعمودية الروح القدس ونار.. لقد هيّأ المعمدان بيت بني إسرائيل للساكن الجديد، فتاب السكير عن سُكره، وترك الزاني زناه، ولكنهم لم يُدخِلوا المسيح قلوبهم، فصارت أواخرهم أشرَّ من أوائلهم.

 

ويشبِّه المسيح محاولاتنا إصلاح نفوسنا بأنها وضع رقعة من قماش جديد على ثوب عتيق، فيصير الحال أردأ. بينما الحاجة هي إلى ثوب جديد يقدِّمه الله لنا مجاناً (لوقا 5: 36). نحتاج إلى ساكن جديد في بيوتنا ينظفها ويحفظها.

 

الحاجة إذاً هي إلى تغيير كامل يُجريه المسيح في حياتك عندما تفتح قلبك له، فيحل فيه بالإيمان. وهو يقرع دائماً على باب قلبك ويقول لك: «هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا 3: 20). فهو الساكن القدوس الذي إن دخل القلب يُشِبع الحياة.. الساكن الأول شرير يسلب صاحب البيت كل سلام، ويضيِّع منه كل فرح، ويملأ نفسه بالرعب. وعندما يشعر صاحب البيت بهذه الشرور ويطلب التغيير، يجب أن يسمح للقارع الجديد أن يدخل البيت ليُعمِّره بالمحبة والفرح والسلام.

 

وعندما يدخل المسيح قلبك يجب أن يكون هو المالك الوحيد، لأنه يغار عليك غيرة مقدسة تطالبك بأن تحبه وحده، ولا تُشرك معه في قلبك أحداً، لأن «الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ» (خروج 20: 5) يطلب الولاء الكامل له، ولا يسمح للشرير أن يمسَّك (1يوحنا 5: 18)، فتفرِّغ البيت من الساكن الشرير بأن تخلع «الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ» (أفسس 4: 22). ولكنك لا تتوقف عند هذا التفريغ والخلع، بل تمضي إلى تعمير البيت بالساكن الجديد، «وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ» (أفسس 4: 23) فتصبح أفكارك جديدة، وعواطفك مقدسة، وإرادتك خاضعة للرب «وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللّهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ» (أفسس 4: 24).

 

ولكي يتَّضح لنا أننا خلعنا القديم وفي الوقت نفسه لبسنا الجديد، يجب أن نطرح عنا الكذب وأن نتكلم بالصدق كل واحد مع قريبه (أفسس 4: 25). ويجب أن لا تغرب الشمس على غيظنا حتى لا نعطي إبليس مكاناً، فنغفر ونتصالح مع المسيئين إلينا قبل أن ينتهي يومنا (أفسس 4: 26، 27). و «لاَ يَسْرِقِ السَّارِقُ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَتْعَبُ عَامِلاً الصَّالِحَ بِيَدَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ احْتِيَاجٌ» (آية 28)، و «لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحاً لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ الْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ» (آية 29). و «لِيُرْفَعْ مِنْ بَيْنِكُمْ كُلُّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ وَتَجْدِيفٍ مَعَ كُلِّ خُبْثٍ. وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللّه أَيْضاً فِي الْمَسِيحِ» (آيتا 31، 32).

 

لا بد أن نطرد الساكن القديم باتجاهاته الفاسدة وميوله الشريرة وأفعاله الأثيمة، ثم نعمِّر حياتنا بالساكن الجديد مع كل فضائله. «إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً» (2كورنثوس 5: 17).

 

ثانياً – الحذر من عودة الساكن الأول

من الغريب أن الساكن القديم الشرير قال: «أرجع إلى بيتي». فهل حقاً كان البيت بيته؟.. إنه لم يخلقه ولا تعب فيه، لكنه عاث فيه فساداً. فقوله: «أرجع إلى بيتي» اختلاقٌ وكذبٌ، لأنه الكذاب وأبو الكذاب. أما المستحق الوحيد أن يسكن بيتك فهو صاحبه الحقيقي الذي خلقك والذي يشفق عليك، والذي خاطبه المرنم بالقول: «نَسَجْتَنِي فِي بَطْنِ أُمِّي. أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ امْتَزْتُ عَجَباً. عَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ، وَنَفْسِي تَعْرِفُ ذلِكَ يَقِيناً» (مزمور 139: 13، 14). هو الذي يهتمُّ ويعتني بك، والذي اشتراك بالفداء. هو الذي به تحيا وتتحرك وتوجد (أعمال 17: 28). أنت تتنفَّس هواءه، وتشبع بغذائه وترتوي بمائه، وتتمتَّع برعايته الأبوية الصالحة. وهو الذي اشتراك بفدائه. حقاً «اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللّهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ لِلّهِ» (1كورنثوس 6: 20). أنت فعلاً بيته الذي له حق امتلاكه مرتين، مرةً لأنه صنعك، ومرةً لأنه اشتراك.. مرةً بالولادة الجسدية، ومرة بالولادة الثانية من الروح القدس. فلتعطه حق الدخول والامتلاك، فيمنحك الحماية والضمان.

 

وعندما نُخلي البيت من الساكن الشرير ويعمِّره مالكه الحقيقي يجب أن نكون على حذر، لأن الساكن القديم الذي طُرد وأُجبر على الخروج سيشعر بالهزيمة، ويتحيَّن الفُرص ليسترجع ما كان يدَّعي أنه يملكه. لذلك «اُصْحُوا وَاسْهَرُوا لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ. فَقَاوِمُوهُ رَاسِخِينَ فِي الإِيمَانِ» (1بطرس 5: 8، 9). وهو ليس أسداً إنما يخدعنا بأنه أسد، فيزأر ليرعب، وهو في واقع الأمر لا يملك إلا صوته. لكنه يجول ملتمساً النائمين والغافلين ليبتلعهم. إنه لا يترك المؤمن الجديد في حاله الجديد يتمتع بحياته الجديدة، لكنه يحاربه ويحاول استعادته. فلنتوقَّع الحرب، ولنكن صاحين يقظين داخل دائرة نعمة الله، فقد حذَّرنا المسيح بقوله: «اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ» (متى 26: 41).. وعندما يقول لك الشيطان إنك بيته، قُل له إنك هيكل الرب، وإن روحه يسكن فيك (1كورنثوس 6: 19)، وستراه يركض مذعوراً، لأن المسيح صاحب البيت سيرعبه.

 

ثالثاً – بقاء المالك الجديد

يوجد ساكن شرير يجب طرده، ويوجد ساكن جديد يجب أن يملُك ويستمر امتلاكه وملكه، لأنه المالك الحقيقي الوحيد. ولكي يستمر المسيح سيداً لك وساكناً دائماً في قلبك أقدِّم لك ثلاث نصائح:

 

اعرِف حجم المشكلة: الشيطان يهاجمنا دائماً، خصوصاً بعد قبولنا المسيح مخلِّصاً وفادياً. ولكن وعد المسيح لتلميذه بطرس هو لكل من فتح قلبه لخلاص المسيح: «الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ! وَلكِنِي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لا يَفْنَى إِيمَانُكَ. وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ» (لوقا 22: 31، 32). وإدراكك لحجم المشكلة يجعلك تطيع الوصية الرسولية: «تَقَوَّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ. الْبَسُوا سِلاحَ اللّهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ… احْمِلُوا سِلاحَ اللّهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا» (أفسس 6: 10، 11، 13)، «قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ» (يعقوب 4: 7)، فتقول: «إِنْ كَانَ اللّه مَعَنَا فَمَنْ عَلَيْنَا!… َلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا» (رومية 8: 31، 37).

 

سيادة المسيح على الحياة كلها: يجب أن يسيطر المسيح على كل أمور حياتك، طاعةً للنصيحة الرسولية: «أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللّهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللّهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ» (رومية 12: 1) فتضع جسدك بكامل رغبتك واختيارك على المذبح الإلهي ليصبح ملكاً للرب. كانت ذبيحة العهد القديم تُذبَح ثم توضع على المذبح. أما ذبيحة العهد الجديد فهي ذبيحة المؤمن الحي، الذي يقدِّم نفسه لله بكامل رضاه وإرادته قائلاً: «حَبِيبِي لِي وَأَنَا لَهُ» (نشيد 2: 16).

 

املأ وقتك بخدمة الرب: عندما يدخل المسيح قلبك ويغيِّر حياتك يجب أن تبدأ الشهادة لعمل النعمة فيك، وتقول: «لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، لأَنَّهُ قُوَّةُ اللّهِ لِلْخَلاصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ» (رومية 1: 16)، وتطيع تكليف المسيح: «اذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُمْ كَمْ صَنَعَ الرَّبُّ بِكَ وَرَحِمَكَ» (مرقس 5: 19).. وهذه الخدمة والشهادة للرب تحفظك قوياً لأن قلبك سينشغل بخير النفوس الأبدي، وستنال المكافأة السماوية: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي فَلْيَتْبَعْنِي، وَحَيْثُ أَكُونُ أَنَا هُنَاكَ أَيْضاً يَكُونُ خَادِمِي. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي يُكْرِمُهُ الآبُ» (يوحنا 12: 26).

 

وما أكثر الخدمات التي يمكن أن تقدِّمها للرب وللمؤمنين، بالعمل والقدوة الحسنة، متمثِّلاً بالمسيح، فيرى الناس المسيح فيك، وتفيح منك رائحته الذكية (2كورنثوس 2: 15).

 

فإن أردت أن يكون بيتك عامراً بالرب، فلتكن دوماً في خدمة الرب، تملأ حياتك بما ينفع الناس.

 

سؤالان

كيف نتخلَّص من الساكن النجس؟

كيف نضمن استمرار المالك الجديد؟

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي