(ب) الملكوت تعليم جديد مَثل الكاتب المتعلم

كُلُّ كَاتِبٍ مُتَعَلِّمٍ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ يُشْبِهُ رَجُلاً رَبَّ بَيْتٍ يُخْرِجُ مِنْ كَنْزِهِ جُدُداً وَعُتَقَاءَ (متى 13: 52).

 

لا يمكن أن نكون أعضاء في ملكوت الله إلا إن صرنا خليقة جديدة، وهذا ما يسمِّيه المسيح «ولادة من فوق» (يوحنا 3: 3، 7) و «ولادة من الماء والروح» (يوحنا 3: 5). ويحتاج المؤمنون الجدد إلى معلِّمين من نوع خاص، يكونون قد صاروا أعضاء في ملكوت الله بالولادة من فوق، ويكونون قد سمعوا دعوة الله لهم ليقدموا خدمتهم لغيرهم من المؤمنين، ويكون كل واحد منهم كاتباً متعلماً في ملكوت السموات، يشبه رجلاً رب بيت، يُخرج من كنزه جدداً وعتقاء.

 

الكاتب المتعلم هو الذي يتعلَّم أولاً في ملكوت الله، ثم يعلّم الآخرين ما تعلَّمه عن ملكوت الله، كما قال النبي: «أَعْطَانِي السَّيِّدُ الرَّبُّ لِسَانَ الْمُتَعَلِّمِينَ لأَعْرِفَ أَنْ أُغِيثَ الْمُعْيِيَ بِكَلِمَةٍ. يُوقِظُ كُلَّ صَبَاحٍ، يُوقِظُ لِي أُذُناً، لأَسْمَعَ كَالْمُتَعَلِّمِينَ» (إشعياء 50: 4)، فهو يصغي بأذن وقلب مفتوحين لله، فيأخذ منه ما يُغيث به المعيي.

 

أولاً – صفات الكاتب المتعلم

1 – هو كاتب:

كانت وظيفة الكاتب بالغة الاحترام، لأنه ينسخ التوراة بيده. تصوَّر أنك تكتب الكتاب المقدس بيدك كلمة كلمة.. لا بد أنه يملأ عقلك، ويفيض القلب بما امتلأ به العقل، فتحكم الأفكار الإلهية سلوكك لأنها تصبح غذاء فكرك. ويتحقَّق فيك الوصف: «فِي نَامُوسِ الرَّبِّ مَسَرَّتُهُ، وَفِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَاراً وَلَيْلا» (مزمور 1: 2). وكلمة «يلهج» في اللغة العبرية تعني «يجتر». فالكاتب المتعلم يلتهم كلمة الله بسرعة، ثم يبدأ في التأمل فيها، فيسترجعها ويُمعن التفكير فيها من جديد ليستفيد منها أكثر.

 

وكانت وظيفة الكاتب أيضاً أن يشرح كلمة الله للشعب. لقد عرفها وكتبها وانطبعت على عقله وقلبه، فيقدِّمها لغيره، لأنه يشعر بعظيم فائدتها، ويدرك أهمية المسؤولية التي وضعها الله عليه، لأن الوحي يقول: «اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ. اعْكُفْ عَلَى ذالِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ» (2تيموثاوس 4: 2).

 

وكان الكاتب المتعلم عادة يقدِّم صيغة مختصرة للشريعة، وهذا يعني أنه يجب أن يكون قد درسها وعرفها بعمق يسمح له أن يقدمها مختصرةً وبوضوح في كلمات قليلة. وقد اعتاد الناس أن يسألوا الكاتب المتعلم عن صيغته المختصرة للشريعة، فجاء مرة ناموسيٌّ (أي معلم للناموس) إلى المسيح يسأله عن الوصية الأولى والعظمى، وكأنه يطلب ملخصاً للشرائع من المسيح، فأجابه: «أَوَّل كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى. وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْنِ» (مرقس 12: 28-31).

 

وقد كان الرسول بولس كاتباً متعلماً في ملكوت السماوات، وأراد لتلميذه تيموثاوس أن يكون كذلك، فقال له: «إِلَى أَنْ أَجِيءَ اعْكُفْ عَلَى الْقِرَاءَةِ (تلاوة كلمة الله في اجتماعات الكنيسة) وَالْوَعْظِ (حثّ الناس على تطبيق ما سمعوه) وَالتَّعْلِيمِ (شرح العقيدة والدفاع عنها)… لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذالِكَ، لأَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ هذَا تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضاً» (1تيموثاوس 4: 13، 16).

 

2 – هو عضو في ملكوت الله:

يصبح الكاتب المتعلم من أبناء الملكوت السماوات عندما يولد من الروح القدس، فيصير الله ملكاً على حياته وسيداً لتصرُّفاته، لأن دستور الملكوت يحكمه، فيطبِّق في حياته اليومية ما يقرأه وما يعلّمه للآخرين.

 

وعضوية هذا الكاتب المتعلم في ملكوت الله تجعله وديعاً، يجلس عند قدمي سيده ليتعلَّم منه ما يعلِّمه للآخرين، مثل مريم التي جلست عند قدمي المسيح تسمع كلامه (لوقا 10: 39)، وهو يصلي بتواضع: «طُرُقَكَ يَا رَبُّ عَرِّفْنِي. سُبُلَكَ عَلِّمْنِي. دَرِّبْنِي فِي حَقِّكَ وَعَلِّمْنِي. لأَنَّكَ أَنْتَ إِلهُ خَلاَصِي» (مزمور 25: 4، 5) فيجيبه الرب: «أَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ وَأُعَلِّمُكَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ» (خروج 4: 12).

 

وهناك معلمون لم يختبروا الولادة الثانية، تمتلئ عقولهم بالمعرفة دون أن تختبرها قلوبهم. ولكن الكاتب الذي نحتاجه هو الذي يعرف بعقله والذي اختبر بقلبه، فيستطيع أن يُشبع الآخرين مما شبع هو به. لقد عرف طريق الشبع السماوي، فيرشد الآخرين إلى طريق الشبع.

 

والكاتب المتعلم المولود من الله يتحدث حديث الاختبار الذي يختلف جداً عن حديث صاحب المعرفة الفلسفية العقلية. والكلمة «حكمة» في اللغة العبرية تعني تطبيق ما نعرفه، فإن «رَأْسَ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ» (مزمور 111: 10). أما كلمة «حكمة» في اليونانية فتعني المعرفة المجرَّدة. وقد نادى المسيح بضرورة المعرفة التي تتحوَّل سلوكاً وتطبيقاً عندما قال: «إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ» (يوحنا: 37). وأتبع هذا بالقول: «مَنْ آمَنَ بِي كَمَا قَالَ الْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ» (آية 38). فإن كل من ارتوى من ماء الحياة يستطيع أن يروي الآخرين مما رواه الله به، ويقدر أن يشبعهم بالغذاء الروحي الذي شبع هو به.

 

3 – هو رب بيت:

يشعر الكاتب المتعلم بمسؤوليته من نحو الذين كلَّفه الله برعايتهم، لأنه رب البيت المسؤول بعائلته. ولما كان قلبه متَّسعاً عامراً بالمحبة لله والناس، فإنه يعتبر أفراد مجتمعه أعضاء في عائلته الكبيرة، فيعاملهم كما يعامل أهل بيته، ويوجِّههم بالمحبة كما يوجِّه أفراد عائلته. بل إنه يقدِّم أولاده الروحيين على نفسه، ويرعى رعية الله، كما أوصى الرسول بولس قسوس كنيسة أفسس: «اِحْتَرِزُوا اِذاً لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً، لِتَرْعُوا كَنِيسَةَ اللّهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ» (أعمال 20: 28). وكلمة «أسقف» تعني ناظر أو مشرف، يفتقد ويرعى الجميع.

 

ورب البيت مسؤول عن إعالة أسرته ومدِّها بالطعام المغذي، ومنع ما يضرها ويؤذيها. والكاتب المتعلم كربِّ بيت يهتم بإطعام عائلته الطعام الباقي للحياة الأبدية، ويحرص على صحتهم الروحية بإبعاد كل تعليم زائف عنهم.

 

ورب البيت يلد نفوساً للرب، كما قال الرسول بولس عن أنسيمس: «الَّذِي وَلَدْتُهُ فِي قُيُودِي» (فليمون 10). وكان أنسيمس عبداً سرق بيت سيده في كولوسي، وهرب إلى العاصمة روما، وهناك سمع رسالة الرب من الرسول بولس، فتاب وصلُح حاله وصار مثل اسمه (أنسيمس يعني «نافع»). وكل كاتب متعلم يربح الناس للمسيح طاعةً للدعوة الإلهية: «هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا تَصِيرَانِ صَيَّادَيِ النَّاسِ» (مرقس 1: 17).

 

عندما سلَّم الواعظ الأمريكي دوايت مودي حياته للرب كان يعمل بائعاً في محل أحذية، فأصبح واعظاً باركه الرب، وقطع عهداً على نفسه أمام الله ألا تمضي عليه ليلة دون أن يكون قد كلَّم شخصاً عن المسيح. وذات ليلة كان متعَباً جداً، فذهب لينام. ولكنه تذكر أنه لم يكلم أحداً في ذلك اليوم عن المسيح، فارتدى ثيابه ونزل إلى الشارع، فوجد سكيراً دعاه للتوبة، فصاح السكران: «ليس هذا شغلك!» فأجابه: «بل هو شغلي!» فقال السكران: «إذاً لا بد أن تكون أنت مودي»! لقد كان مودي كاتباً متعلِّماً، رب بيت كبير، يقود البعيدين إلى الحياة القريبة من الرب. وكان جون وسلي قد عبَّر عن هذا بقوله: «كل العالم أبروشيتي» لأنه شعر أن العالم كله هو مسؤوليته.

 

ثانياً – عمل الكاتب المتعلم

1 – اقتنى كنزاً:

 

المؤمنون أوانٍ خزفية بسيطة صنعها الفخاري الأعظم، لكنه وضع داخلها كنزاً ثميناً (2كورنثوس 4: 7) يُخرج منه الكاتب المتعلم جُدداً وعُتقاء، لأن الكنز أصبح ملكه، وصار هو مسؤولاً عنه. وهذا ينطبق على كل كنز روحي وجسدي ومادي أنعم الرب علينا به، فقد أعطاه لنا وجعلنا وكلاء عليه لنستخدمه في خدمته.

 

كنز الكاتب المتعلم هو كلمة الله: وهي أشهى من الذهب والإبريز الكثير (مزمور 19: 10)، وهي كنز لأنها تجيب على أسئلة الحياة الأساسية التي لا نجد لها إجابات إلا فيها، ومنها: كيف أحصل على غفران خطاياي، وكيف أتأكد أنها غُفرت؟ كيف أنال الحياة الأبدية، وكيف أضمنها لنفسي؟ كيف تُستجاب صلاتي؟ وغيرها من الأسئلة.. فكلمة الله تؤكد للتائب خلاصه وحياته الأبدية في المسيح الذي سدَّد ديون اللاجئين إليه فلا تُحسب عليهم. ولا يمكن أن يتقاضى الله أجرة الخطية من المسيح، وفي نفس الوقت يتقاضاها من الخاطئ الذي احتمى بفداء المسيح. فإن كنا قد احتمينا بكفارة المسيح فإنه يطهِّرنا ويستر خطايانا قائلاً: «إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ» (إشعياء 1: 18). «يَعُودُ يَرْحَمُنَا، يَدُوسُ آثَامَنَا، وَتُطْرَحُ فِي أَعْمَاقِ الْبَحْرِ جَمِيعُ خَطَايَاهُمْ» (ميخا 7: 19). ولما كان الله قد غفر لنا، يجب علينا أن نغفر لأنفسنا ولغيرنا.

 

كنز الكاتب المتعلم هو اختباره: تحوي الكلمة المقدسة حقائق تُترجم واقعاً حياتياً، وتحوي مواعيد سماوية تتحقق حرفياً. والكاتب المتعلم الذي حصل على كنز الكلمة الإلهية يحصل أيضاً على اختبارات يومية. لقد عرف النبي داود الكثير عن الله من وحي الله له، ولكنه أيضاً اختبر صلاح الله معه، فقال: «اَلرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْ» (مزمور 23: 1).. واستمع الرسول بطرس لتعاليم المسيح، ومنها قوله: «إِنَّ لَحْماً وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (متى 16: 17)، ولكنه اختبر اختبارات عظيمة، منها أنه كان على جبل التجلي، عندما التقى النبيان موسى وإيليا بالسيد المسيح، وتحدثوا عن صلبه، وسمعوا صوت الآب من المجد الأسنى قائلاً: «هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سُررتُ به». وقال عن هذا: «كنا معه في الجبل المقدس، وعندنا الكلمة النبوية، وهي أثبت» (راجع 2بطرس 1: 16-19).

 

الكاتب المتعلم حصل على كنزه ليوزِّعه: لم يعطنا الله كنز نوره السماوي لنخبئه تحت سرير الكسل، ولا تحت مشغوليات العمل. «هَلْ يُؤْتَى بِسِرَاجٍ لِيُوضَعَ تَحْتَ الْمِكْيَالِ أَوْ تَحْتَ السَّرِيرِ؟ أَلَيْسَ لِيُوضَعَ عَلَى الْمَنَارَةِ؟» (مرقس 4: 21). «وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجاً وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (متى 5: 15، 16). فالكاتب المتعلم يضيء على الآخرين بالنور الذي منحه الله له، ويشارك غيره في ما منحه الله له من معرفة وبركة. والمعروف أن كل ما نوزِّعه على غيرنا ينقص، إلا شيئان، هما المحبة والإيمان، فكلما شاركنا غيرنا في محبتنا وإيماننا زادا عندنا. والكاتب المتعلم يحب الناس، ويريد أن يختطف نفوس الخطاة من النار (يهوذا 23)، ولهذا فهو يشرح لهم إيمانه، ويوضح مباهج غفران الخطية لكل من يقابله.

 

هذا الكاتب الذي يملك الكنز لا يبخل بتقديم معونة لمَن يحتاج إلى عون، أو نصيحة لمن يحتاج إلى نُصح. إنه يشارك الرسول بولس قوله: «إِذِ الضَّرُورَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَيَّ، فَوَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ» (1كورنثوس 9: 16)، وقال أيضاً لقسوس كنيسة أفسس: «لَمْ أُؤَخِّرْ شَيْئاً مِنَ الْفَوَائِدِ إِلاَّ وَأَخْبَرْتُكُمْ وَعَلَّمْتُكُمْ بِهِ جَهْراً وَفِي كُلِّ بَيْتٍ، شَاهِداً لِلْيَهُودِ وَالْيُونَانِيِّينَ بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللّهِ وَالإِيمَانِ الَّذِي بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (أعمال 20: 20، 21).

 

2 – الكاتب المتعلم يملك جدداً وعتقاء:

أذكر ثلاثة معانٍ للتعبير «جدد وعُتقاء»:

هما العهدان القديم والجديد: وكلاهما يشهدان للعناية الإلهية، فالقديم يروي كيف شقَّ الله بقوته ومحبته مياه البحر الأحمر ليعبر العبيد الأذلاء على اليابسة، الأمر الذي لما شرع فيه الظالمون غرقوا! وفي مدة أربعين سنة أطعم المستضعفين في الأرض بالمن والسلوى، ورواهم بماء من الصخر، وقال لهم: «سِرْتُ بِكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْبَرِّيَّةِ، لَمْ تَبْلَ ثِيَابُكُمْ عَلَيْكُمْ، وَنَعْلُكَ لَمْ تَبْلَ عَلَى رِجْلِكَ» (تثنية 29: 5). وفي العهد الجديد نقرأ عن معجزات المسيح في إسكات العاصفة، وإطعام خمسة آلاف من خمس خبزات وسمكتين (مرقس 4: 35-41 و6: 38-44).

 

ويحكي العهدان عن الفداء الإلهي، ففي العهد القديم نقرأ عن ستر آدم وحواء بأقمصة من جلد من ذبيحة حيوانية (تكوين 3: 21)، وفي العهد الجديد نقرأ عن الستر بدم المسيح (عبرانيين 9: 12). في القديم نقرأ عن وليمة الفصح تذكاراً لنجاة الأبكار من الموت (خروج 12: 13)، وفي الجديد نقرأ عن وليمة العشاء الرباني تذكاراً لنجاة كل من يؤمن بالمسيح الفادي من لعنة الخطية (لوقا 22: 19). في القديم قدَّم الله الشريعة، وفي الجديد قدَّم النعمة «لأَنَّ النَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ، أَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ صَارَا» (يوحنا 1: 17).

 

هما الاختبارات الجديدة والقديمة: عند الكاتب المتعلم معلومة قديمة، يضيف إليها كل يوم شيئاً جديداً، فيكون عنده دائماً كنز جديد مع مخزون الاختبارات القديمة، فيرنم ترنيمة جديدة بالإضافة إلى الترنيمة القديمة! ولذلك قال الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس: «أَتَذَكَّرُ الإِيمَانَ الْعَدِيمَ الرِّيَاءِ الَّذِي فِيكَ، الَّذِي سَكَنَ أَوَّلاً فِي جَدَّتِكَ لَوْئِيسَ وَأُمِّكَ أَفْنِيكِي، وَلكِنِّي مُوقِنٌ أَنَّهُ فِيكَ أَيْضاً. فَلِهذَا السَّبَبِ أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضاً مَوْهِبَةَ اللّهِ الَّتِي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ لأَنَّ اللّهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ» (2تيموثاوس 1: 5-7).

 

وفي كل يوم يختبر المؤمن اختبارات جديدة مع الرب يضيفها إلى ما سبق أن اختبره، فلنردِّد مع النبي إرميا قوله: «لأَنَّ مَرَاحِمَهُ لاَ تَزُولُ هِيَ جَدِيدَةٌ فِي كُلِّ صَبَاحٍ. كَثِيرَةٌ أَمَانَتُكَ. نَصِيبِي هُوَ الرَّبُّ قَالَتْ نَفْسِي، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْجُوهُ. طَيِّبٌ هُوَ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يَتَرَجُّونَهُ، لِلنَّفْسِ الَّتِي تَطْلُبُهُ» (مراثي إرميا 3: 22-25). ووجود الله معنا كل يوم يضمن لنا اختبارات متجدِّدة. وحتى لو استهلكت مصاعب الحياة بعض قوتنا الروحية، فإن الرب يمنحنا قوة روحية جديدة كل يوم، ويُلبسنا سلاحه الكامل فنقدر أن نثبت ضد مكايد إبليس (أفسس 6: 11).

 

هما المعرفة والتطبيق: فالمعرفة هي المعلومة التي تعلمناها، والتطبيق هو ممارسة المعلومة الموجودة عندنا. نحن نعلم أن يسوع مات، ودُفن، وقام هازماً الموت، وهذه حقيقة تاريخية، ولكنها في الوقت نفسه اختبار معاصر، لأننا نقول: «مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ» (غلاطية 2: 20). وانتصار المسيح هو انتصار المؤمنين به، فيقولون: «ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ». أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟.. شُكْراً لِلّهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (1كورنثوس 15: 54-57). القديم إذاً هو معرفة التاريخ، والجديد هو الاختبار المعاصر في الحياة اليومية الحاضرة.

 

دعونا ندعو الله الذي جعلنا خليقة جديدة في المسيح، وعمَّر قلوبنا بتعليمه الجديد، أن يجعل من كلٍّ منا كاتباً متعلماً في ملكوته، يُخرج من كنزه جدداً وعتقاء، لشِبع نفسه، وشِبع كل المحيطين به.

 

سؤالان

ما هي البركة التي يأخذها الكاتب وهو ينسخ كلمة الله؟ وما هي البركة التي ينالها السامعون وهو يفسِّرها لهم؟

اذكر باختصار ثلاثة معانٍ للجدد والعتقاء.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي