المعجزة الثانية عشرة شفاء اللجئون

1 وَجَاءُوا إِلَى عَبْرِ الْبَحْرِ إِلَى كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ. 2 وَلَمَّا خَرَجَ مِنَ السَّفِينَةِ لِلْوَقْتِ اسْتَقْبَلَهُ مِنَ الْقُبُورِ إِنْسَانٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ، 3 كَانَ مَسْكَنُهُ فِي الْقُبُورِ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَرْبِطَهُ وَلا بِسَلاسِلَ، 4 لأَنَّهُ قَدْ رُبِطَ كَثِيراً بِقُيُودٍ وَسَلاسِلَ فَقَطَّعَ السَّلاسِلَ وَكَسَّرَ الْقُيُودَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُذَلِّلَهُ. 5 وَكَانَ دَائِماً لَيْلاً وَنَهَاراً فِي الْجِبَالِ وَفِي الْقُبُورِ، يَصِيحُ وَيُجَرِّحُ نَفْسَهُ بِالْحِجَارَةِ. 6 فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ مِنْ بَعِيدٍ رَكَضَ وَسَجَدَ لَهُ، 7 وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مَا لِي وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللّهِ الْعَلِيِّ! أَسْتَحْلِفُكَ بِاللّهِ أَنْ لا تُعَذِّبَنِي!» 8 لأَنَّهُ قَالَ لَهُ: «اخْرُجْ مِنَ الإِنْسَانِ يَا أَيُّهَا الرُّوحُ النَّجِسُ». 9 وَسَأَلَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَأَجَابَ: «اسْمِي لَجِئُونُ، لأَنَّنَا كَثِيرُونَ». 10 وَطَلَبَ إِلَيْهِ كَثِيراً أَنْ لا يُرْسِلَهُمْ إِلَى خَارِجِ الْكُورَةِ. 11 وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ الْجِبَالِ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ الْخَنَازِيرِ يَرْعَى، 12 فَطَلَبَ إِلَيْهِ كُلُّ الشَّيَاطِينِ قَائِلِينَ: «أَرْسِلْنَا إِلَى الْخَنَازِيرِ لِنَدْخُلَ فِيهَا». 13 فَأَذِنَ لَهُمْ يَسُوعُ لِلْوَقْتِ. فَخَرَجَتِ الأَرْوَاحُ النَّجِسَةُ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ، فَانْدَفَعَ الْقَطِيعُ مِنْ عَلَى الْجُرْفِ إِلَى الْبَحْرِ – وَكَانَ نَحْوَ أَلْفَيْنِ، فَاخْتَنَقَ فِي الْبَحْرِ. 14 وَأَمَّا رُعَاةُ الْخَنَازِيرِ فَهَرَبُوا وَأَخْبَرُوا فِي الْمَدِينَةِ وَفِي الضِّيَاعِ، فَخَرَجُوا لِيَرَوْا مَا جَرَى. 15 وَجَاءُوا إِلَى يَسُوعَ فَنَظَرُوا الْمَجْنُونَ الَّذِي كَانَ فِيهِ اللَّجِئُونُ جَالِساً وَلابِساً وَعَاقِلاً، فَخَافُوا. 16 فَحَدَّثَهُمُ الَّذِينَ رَأَوْا كَيْفَ جَرَى لِلْمَجْنُونِ وَعَنِ الْخَنَازِيرِ. 17 فَابْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ تُخُومِهِمْ. 18 وَلَمَّا دَخَلَ السَّفِينَةَ طَلَبَ إِلَيْهِ الَّذِي كَانَ مَجْنُوناً أَنْ يَكُونَ مَعَهُ، 19 فَلَمْ يَدَعْهُ يَسُوعُ، بَلْ قَالَ لَهُ: «اذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُمْ كَمْ صَنَعَ الرَّبُّ بِكَ وَرَحِمَكَ». 20 فَمَضَى وَابْتَدَأَ يُنَادِي فِي الْعَشْرِ الْمُدُنِ كَمْ صَنَعَ بِهِ يَسُوعُ. فَتَعَجَّبَ الْجَمِيعُ (مرقس 5: 1-20).

 

(وردت المعجزة أيضاً في متى 8: 28-34 ولوقا 8: 26-39).

شفى المسيح اللّجئون على ما روى القديس متى في كورة الجرجسيين، وعلى ما روى القديسان مرقس ولوقا في كورة الجدريين. وليس في ذلك تناقض، فعلى بُعد عشرة كيلومترات من بحيرة طبرية قامت مدينتان كبيرتان، هما مدينة جَدَرة ومدينة جرجسة، فأطلق البعض على المنطقة اسم مدينة منهما، وأطلق الآخرون اسم المدينة الأخرى. فالكورة إذاً هي كورة الجدريين، أو كورة الجرجسيين!

 

وقال القديس متى إن المسيح شفى مجنونَيْن، بينما ذكر مرقس ولوقا أنه شفى مجنوناً واحداً. وليس في هذا تناقض. فالحقيقة هي أن المسيح شفى مجنونين، ذكرهما متى، ولكن مرقس ولوقا اكتفيا بذكر الأشهر منهما. ولو أن متى قال إن المسيح شفى مجنونين، وقال مرقس ولوقا إنه لم يشفِ إلا مجنوناً واحداً، لكان هذا تناقضاً.

 

في هذه المعجزة نجد شفاء مجنون، جعله المسيح عاقلاً. كان مسكوناً بشياطين كثيرة، فسكن المسيح قلبه! وعندما نقرأ المعجزة في الإنجيل نرى عمل الله مكتوباً في التاريخ، وعندما يعمل الروح القدس فينا نرى عمله مكتوباً في قلوبنا! وتقدم لنا الكلمة المقدسة في هذه المعجزة المسيح المخلِّص الذي صالح المجنون مع نفسه ومع مجتمعه. وعندما نواجه المسيح ويواجهنا يغيّر حياتنا إلى الأفضل والأسمى، فيصبح ما جرى تاريخياً، اختبارنا اليومي الواقعي. وما أحوجنا إلى المصالحة به مع نفوسنا، ومع مجتمعنا.

 

أولاً – المحتاج والمعجزة

1 – مسكون بفرقة أبالسة

أطلق المحتاج للمعجزة على نفسه لقب «لجئون» وهو اسم فرقة أو كتيبة من الجنود الرومان يبلغ عددها ستة آلاف جندي. وقد جاءت نفس الكلمة في رسالة أفسس 6: 12 فتُرجمت «أجناد الشر الروحية». كان هذا الرجل مسكوناً بفرقة كاملة من الأبالسة. ولو كان جنون الرجل جنوناً عادياً لما هلكت الخنازير نتيجة شفائه، ولكن جنونه كان نتيجة وجود الشياطين فيه.

 

2 – نتيجة هذه السُّكنى:

كانت النتيجة الأولى أنه عذَّب نفسه، لأن سُكنى الأرواح الشريرة فيه جعله يفقد عقله السليم وتفكيره المنطقي، فاغترب عن نفسه وسكن القبور، يعذّب نفسه ويجرحها بالحجارة. لقد أصاب انفصام الشخصية هذا المسكين، فرأينا فيه شخصيتين متناقضتين، إحداهما جعلته يسجد أمام المسيح، والأخرى جعلته يصرخ: «مالي ولك يا يسوع ابن الله العلي، أستحلفك بالله أن لا تعذبني». فالإنسان البعيد عن الرب يجد في داخله خراباً وحرباً أهلية كما نقرأ في رومية 7 وغلاطية 5 عن الطبيعتين الموجودتين فينا. هذا التناقض يكون بين الجسد والروح، فالروح يشتهي ضد الجسد والجسد يشتهي ضد الروح، وهذان يقاوم أحدهما الآخر، حتى يجد الإنسان نفسه يفعل ما لا يريد! (غلاطية 5: 17).

 

لقد كان الرجل المسكين مضغوطاً بين أشواقه للشفاء والخلاص، ورغبة ساكنيه من الأبالسة!

 

وكان هذا الرجل المغترب عن نفسه مغترباً أيضاً عمَّن حوله. لقد هاجم أهل الكورة، فلم يعاملوه كمريض مسكين، بل كحيوانٍ هائج ووحشٍ كاسر، فقيَّدوه بالسلاسل. وعندما تدخل الخطية حياتنا تجعلنا غرباء عن أنفسنا وعن المحيطين بنا. وعندما نريد أن نكون صالحين تجعلنا الخطية نكره أنفسنا والآخرين.

 

كتب آدم أول قصيدة شعرية في العالم يتغزّل بها في حواء، فقال: «هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ» (تكوين 2: 23) ولكن عندما دخلت الخطية قلبه انقلب هذا الشاعر ضد المرأة التي أحبها، وقال للرب: «المرأة التي أعطيتَني» وألقى عليها اللوم كله، مع أنه مسؤول مثلها تماماً، ثم أنه هو قائد البيت ورب الأسرة. هكذا يدخل الشيطان حياة الإنسان فيملأه بسوء الطبع والكبرياء والخداع والكذب، فتتمزق رُبط الإنسان بالمحيطين به.

 

وكانت نتيجة سكنى الأبالسة فيه أنه ابتعد عن المسيح، ولما رآه قادماً نحوه حاول أن يؤذيه. لقد ابتعد الرجل عن الصفات التي أرادها المسيح له، كما ابتعد عن فكر المسيح ومعرفته وتأثيره وبركته، فلم يحقق انتظارات المسيح منه. لقد جاء المسيح ليمنحه حياةً فضلى، فإذا به يسكن القبور، يؤذي نفسه وغيره، وينفصل عن الأعمال الصالحة التي سبق الله فأعدَّها له ليسلك فيها.

 

ولكن الرجل سرعان ما تغيَّر تماماً عندما تعامل المسيح معه، فعمل المسيح به ما عمله بشاول الطرسوسي، الذي كان يقف ذات موقفه ويرفس مناخس، يؤذي نفسه ويؤذي الكنيسة في نفس الوقت، فواجهه المسيح وغيَّره وأعطاه حياةً جديدة. (قصة تغيير شاول موجودة في أعمال 9 و22 و26).

 

تُرى هل يختار الإنسان الله، أو هل يختار الله الإنسان؟ نجد الفكرتين في الكتاب المقدس: الله يختار الإنسان لأنه سبحانه يأخذ زمام المبادرة، والإنسان يستجيب لهذا الاختيار الإلهي. الله يأخذ الخطوة الأولى والإنسان يقوم بالخطوة الثانية. ولما كان الإنسان ميتاً بالذنوب والخطايا فإنه يعجز عن أن يأخذ الخطوة الأولى ليتوب، كما أنه لا يُدرك أن الروح القدس هو الذي يحيي الميت. ولكن روح الله يعمل في الميت فيستجيب لعمل الروح، ويتحقق فيه القول الرسولي: «اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحاً الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ» (2كورنثوس 5: 19).

 

وما أكثر الوسائل التي يستعملها المسيح ليردَّ النفس إلى سُبل البر «مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ» (مز 23: 3). وما أعظم التغيير الذي جرى للمجنون، فقد أصبح عاقلاً ولابساً وجالساً، يستمع للمسيح الذي شدَّ قلبه لحبّه بقدرته المخلِّصة. وهذا ما يحدث معنا، فيدخل العقلُ رؤوسنا لأننا نفكر بفكر المسيح الذي هو لخيرنا، ونجلس بعد طول جريٍ لأننا مطمئنون وقد طردت محبته الكاملة خوفنا إلى خارج، ونلبس رداء البر وثوب الخلاص.

 

أما قمة ما حدث مع هذا الرجل فهو أن الرب اختاره رسولاً له، يحمل بشارة الخلاص لأهله. لقد أراد أن يتبع المسيح، ولكنه قال له: «اذهب إلى بيتك وأهلك، وخبِّر كم صنع الرب بك ورحمك». كان أهله يخافونه، فربطوه بالقيود، ولكنه كان يحطمها، ويجري ليفتك بهم. والآن وبعد شفائه، يذهب إليهم، لا ليُخيفهم، بل ليطمئنهم. وهم لا يجرون منه، لكن يَجْرون معه إلى المخلّص الذي عرفه.

 

لقد كان تكليف المسيح له أن يبشر أهله، وكانت رغبته بخلاف تكليفه. غير أن قمة سعادتنا هي أن تتوافق رغباتنا مع أوامر المسيح بتكليفنا. ما أجمل أن يلمس المسيح حياتنا، ثم يكلّفنا أن نكون رسله، نحكي عنه أعظم رسالة، لأنه يضع في أفواهنا أجمل بشرى «إنجيل المسيح».

 

ثانياً – المشاهدون والمعجزة

كنا نظن أن أهل المنطقة يسعدون بشفاء المسكون الذي كان يقطع عليهم الطريق، فقد كانت في شفائه فائدة لهم. وكنا نظن أن شفاءه سيفرحهم لأن بؤس المجنون الذي طالما مزّق نفسه قد انتهى. ولكن المؤسف أنهم لم يفرحوا ولم يسعدوا، لأنهم اتّجهوا بفكرهم إلى ما هو أقل أهمية من ذلك كله: إلى قطيع الخنازير الذي اندفع إلى البحر ومات!

 

هذه واحدة من معجزتين أجراهما المسيح نتج عنهما ضرر: عندما لعن التينة، وهذه، عندما أهلك الخنازير.

 

ونحن نتساءل: لماذا أهلك الخنازير؟ أما كان يستطيع أن يحفظ هذه الثروة الحيوانية، بالإضافة إلى معجزة الشفاء؟

 

نعم كان يستطيع. ولكن هناك قصداً سماوياً:

 

فإهلاك الخنازير ينبّه الناس أن تربيتها كسرٌ لشريعة موسى (تثنية 14: 8) فيشفيهم من العصيان ومن محبتهم للمال ومن التفكير الجسدي الذي خلا من الرحمة نحو المسكون الذي شُفي، بالإضافة إلى إنقاذ الرجل من مرضه. لقد أحبوا أعمالهم الدنيوية أكثر من محبتهم للبائس المريض، ولا يقدر أحد أن يخدم سيدين. فلم يقدر هؤلاء أن يخدموا الله والمال (متى 6: 24).

 

بإهلاك الخنازير كشف المسيح لأهل المنطقة قوة الشيطان الرهيبة، كما يظهر ذلك من أثرها في إهلاك الخنازير. وكان المنتظر أن هلاك الخنازير يكشف لأهل المنطقة خطورة العبودية لإبليس، ورعب الهلاك، فيلجأون للمخلّص الوحيد القادر أن ينقذهم من سلطة إبليس المُهلكة.

 

للمسيح الحق أن يستخدم الوسائل الرمزية لإعلان حقه. لقد لعن شجرة تين فيبست (متى 21: 20) ليدين النفاق. وهنا أدان النجاسة. فقد اعتبر الناس في ذلك العصر الخنازير رمزاً للشهوات والفساد، كما نعتبر الثعلب في زمننا رمزاً للمكر والخداع. وقد نظر اليهود للخنازير نظرة احتقار، بسبب الضرر الصحي لأكل لحومها، والضرر الطقسي حسبما علَّمت شريعة موسى، ثم لشراستها الوحشية، وكانوا يشبّهون السكير بالخنزير المتمرّغ في الوحل القذر.

 

ولما وجدت الخنازير نفسها تحت سلطة الشياطين اندفعت للهلاك تحت تأثير الفزع والخوف، فأهلكت نفسها. فلا يكون المسيح هو الذي أهلكها. إن ثقل الأبالسة أهلك ألفي خنزير – فكم كانت وطأة نفوذهم على المريض المسكين؟ الخطية خاطئة جداً، وكل قتلاها أقوياء.

 

ثالثاً – المسيح والمعجزة

المسيح دائماً في حالة عمل: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ» (يوحنا 5: 17). عَبَر بحيرة طبرية إلى كورة الجدريين ليلتقي بهذا الرجل المسكين ليشفيه.

 

كلما رأينا الشر في العالم يتفشَّى ويسيطر، نظن أن الله لا يعمل في أرضنا. قال بنو إسرائيل في أيام صفنيا: «الرَّبَّ لا يُحْسِنُ وَلا يُسِيءُ» (1: 12) لأنهم وجدوا الأشرار ناجحين والمؤمنين مجرَّبين. ولكن ليكن لنا ملء الثقة في أن الله يحسن، وأن ملكوت الله في حالة تعبئة مستمرة. كما أن الله يسيء بأن يعاقب على الشرور.

 

ذهب المسيح إلى حيث كان المريض، كالراعي الصالح الذي يفتش على الواحد الضال إلى أن يجده.

 

ثم عمل المسيح في المسكون الذي نال الشفاء، فأرسله ليعمل ويكرز ويعلن الخبر المفرح.

 

جاء المسيح ليضع كل واحد في حالة حركة. قالت الشياطين له: «ما لنا ولك يا يسوع ابن الله؟ أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذّبنا؟» والمسيح يقول إنه عندما يجيء الأقوى فإنه يقيّد القوي وينهب أمتعته (متى 12: 29). عندما يستولي إبليس «القوي» على حياة إنسان، يجعله «شيئاً» لا قيمة له، ويُضيّع إنسانيته. ولكن المسيح «الأقوى» يقيّد إبليس، وينقذ الفريسة، ويجعل الإنسان الذي نال الشفاء في حالة حركة لمجد الله، مضادة للحالة الأولى التي كان فيها!

 

لقد جعل المسيح المشفيّ في حالة حركة. جعله يسجد له، ووهبه الشفاء، ثم أرسله إلى أهله. فعندما يدخل المسيح حياتنا يدفعنا لنخدمه. عندما ننال الخلاص نكون قد بدأنا بداية عظيمة تتطلَّب منا تكريساً مستمراً بعد ذلك، لأننا نضع وقتنا ومالنا وأجسادنا ذبيحة حية مقدسة مرْضيّة على مذبح تكريسه. فنصبح دوماً تحت تصرف المسيح.

 

وأخيراً نرى المسيح يوافق على طلب الأبالسة وأصحاب الخنازير، بينما يرفض طلب المريض الذي نال الشفاء!

 

طلب الأبالسة منه ألاّ يصرفهم من الكورة فوافق. ولا ندري الحكمة من طلبهم هذا. ترى هل أرادوا أن يبقوا في تلك المنطقة ليهيّجوا أهلها ضد المسيح؟ نحن نعلم أن للشياطين فرصةً للعمل في الأرض حتى يوم الدينونة (رسالة يهوذا آية 6). ويظهر أن لكل جماعة منها مكاناً للعمل، تعرف عادات أهله وضعفاتهم، وتهاجمهم منها. وقد أذِنَ لهم المسيح بذلك ليوضح أن «غَضَبَ الإِنْسَانِ يَحْمَدُكَ. بَقِيَّةُ الْغَضَبِ تَتَمَنْطَقُ بِهَا» (مز 76: 10). وأذِنَ لهم ليوضح شدَّة ردائتهم، وعظمة إنقاذه للرجل الذي خلَّصه من براثنهم.

 

ووافق على طلب أهل الكورة أن يخرج من بلدهم ويذهب عنهم. لعلهم كرهوا أن يبكتهم المسيح على باقي خطاياهم، فطلبوا أن يبتعد عنهم «لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ السَّيِّآتِ يُبْغِضُ النُّورَ، وَلا يَأْتِي إِلَى النُّورِ لِئَلاَّ تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ» (يوحنا 3: 20). فتمَّ ما قاله الله على فم النبي هوشع: «وَيْلٌ لَهُمْ أَيْضاً مَتَى انْصَرَفْتُ عَنْهُمْ» (هوشع 9: 12).

 

لكن المسيح رفض طلب الرجل الذي شُفي في أن يصاحبه ويكون معه، لأنه أراد له أن يشهد عن نعمة المسيح لأهل بلده الذين رفضوا المسيح!

 

أليس غريباً أن يقبل المسيح طلب الشياطين وأهل الكورة، ويرفض طلب الشخص الذي نال الشفاء؟

 

إن الله لا يجبر أحداً على اتِّباعه، فلا إجبار في المحبة، لكن هناك تكليفٌ لأولاد الله. فعندما تتواجد في القلب رغبة تتعارض مع التكليف السماوي يرفضها المسيح، لأنه يريدنا أن نتمم تكليفه لنا ليتقدم الملكوت، فإن الله لن يكلّف الغرباء لخدمة ملكوته، بل يكلف أبناءه.

 

ليعطنا الله أن نحقق قصده وسط عائلتنا، وفي بيوتنا ومجتمعنا المحتاج إلى بشارة الخلاص.

 

صلاة

أبانا السماوي، يا من ينشغل قلبك بنا في كل ظروفنا، نشكرك. يا من يتحرك قلبك لمعاناتنا ومآسينا وعبوديتنا، نشكرك. أنت تجيء إلينا عندما يَضِيع منّا التفكير السليم فتُعيد إلينا الصحة التي ضيَّعتها منّا الخطية. فتوِّبنا إليك لنتوب، وأرجِعنا إليك فنرجع. باسم المسيح. آمين.

 

أسئلة

ما تفسيرك لقول متى إن المسيح شفى لجئون في كورة الجرجسيين بينما قال مرقس ولوقا إنه شفاه في كورة الجدريين؟

لماذا اطلق المجنون على نفسه اسم «لجئون»؟

كيف اغترب «لجئون» عن نفسه، وكيف اغترب عن مجتمعه؟

ما هي أول قصيدة شعرية في العالم؟ وماذا جعل صاحبها يغيّر رأيه في ما قاله؟

لماذا أهلك المسيح الخنازير؟

ما هي الحركة الجديدة التي خلقها المسيح في اللجئون الذي شُفي؟

ما هو التكليف الذي تعتقد أن الله كلفك به؟

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي