الفصل العاشر


المسيح هو الله أم أبن الله؟

 

برهنّا فى الفصول السابقة كيف أن الوحى الإلهى أعلن فى العهدين القديم والجديد، أن المسيح هو الله ذاته، إله الكون وربه وخالقه ومدبره ومقيمه وحافظه ومحركه وواضع نواميسه، وكيف أن المسيح نفسه سمى نفسه بأسماء الله ولقب نفسه بألقابه ونسب لنفسه صفاته وقام بكل أعماله وأكد أن الآب يعمل بالأبن ومن خلاله، وأن كل ما لله الآب هو الله الأبن، المسيح، وأن الآب يظهر فيه وبه ومن خلاله، معلناً بهذا أنه الله الذى أتى من السماء، نزل من السماء، وظهر على الأرض فى صورة إنسان “أخذاً صورة عبد”(1)، وجد فى الهيئة كإنسان، ولقب نفسه بقلب “ابن الإنسان” إلا أنه بلاهوته، هو الله، الموجود فى كل مكان فى الكون كله، فى السماء وعلى الأرض، فى آن واحد، سواء عندما ظهر على الأرض فى الجسد، أو عندما صعد إلى السماء، بالجسد، جسدياً، فهو الموجود، بلاهوته، فى كل مكان، كلى الوجود. وقد أعلن هو نفسه هذه الحقيقة بقوله:

 
C
“وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء ابن الإنسان الذى هو فى السماء(2). وهنا يعبر عن كونه الموجود فى السماء وعلى الأرض فى آن واحد.

 
C
“لأنه حيثما أجتمع أثنان أو ثلاثة بأسمى فهناك أكون فى وسطهم”(3).

 
C
“وها أنا معكم كل الأيام إلى أنقضاء الدهر”(4).

 
C
“أنا فى أبى وأنتم فى وأنا فيكم”(5).

وفى هذه الآيات الأربع يعلن أنه الموجود، بلاهوته، فى كل مكان فى آن واحد، فهو الموجود فى كل مكان، كلى الوجود.

ويعلن لنا الوحى فى العهد الجديد أكثر من 100 مرة أن المسيح، أيضاً، هو “ابن الله” فلقب نفسه ب “أبن الله”(6). و “ابن الله الوحيد”(7). و “الابن”(8)، وقال عن نفسه فى مناجاته للآب “مجد ابنك”(9)، وناداه التلاميذ بهذا اللقب “ابن الله”(10). و “ابن الله الحى الله الحى”(11) وخاطبه الآب من السماء “أنت ابنى الحبيب الذى به سررت”(12)، هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت”(13)، وكان هذا اللقب “ابن الله” وأعتراف المسيح به، أمام السنهدرين، هو سبب الحكم بموته صلباً(14)، بالجسد، كان هو السبب الأول والرئيسى فى الحكم بصلبه.

والسؤال الآن: هل المسيح الله أم ابن الله؟

للإجابة على هذا السؤال الجوهرى الذى هو محور الإيمان المسيحى والعقيده المسيحية، نرجع إلى أهم الألقاب الإلهية التى لُقب بها الرب يسوع المسيح فى الكتاب المقدس بعهديه:

1. سُمى الرب يسوع المسيح باسم الله ولُقب بألقابه ووصُف بصفاته وبرهن على أقواله بأعماله التى هى أعمال الله، وأكد على حقيقة وحدة الذات الإلهية، وحدته مع الآب وفى الآب فى الطبيعة والجوهر.

2. ظهر الرب يسوع المسيح، قبل التجسد، فى العهد القديم للآباء البطاركه والأنبياء، مرات عديده، فى ظهورات إلهية (ثيؤفانى –
Theophany
) فى أشكال ماديه مؤقته، ودعى بملاك(15) العهد وملاك يهوه، مؤكداً أن الله ذاته، يهوه، موجوداً وعاملاً فى العالم، ومعلناً عن ربوبيته السمائية وحضوره الشخصى فى العالم. وكان ملاك يهوه يحمل أسم يهوه ويتكلم بأعتباره الله، يهوه، ويحمل صفاته، ويؤكد على أنه يهوه، ومن أمثله هذه الظهورات ما يلى:

أ – ظهر لإبراهيم على أنه الرب، يهوه “وظهر له يهوه عند بلوطات ممراً وهو جالس فى باب الخيمه”(16)، وخاطبه على أنه الرب، يهوه ذاته، الله(17). وعند تقديم اسحق ذبيحة ظهر له ملاك يهوه وخاطبه على أنه ملاك يهوه وأنه هو يهوه ذاته “فناداه ملاك يهوه من السماء وقال… الآن علمت أنك خائف الله فلم تمسك أبنك وحيدك عنى”. ثم “دعا ابراهيم أسم ذلك المكان يهوه يرأه”(18)، أى رأيت يهوه. وفى الحالتين المذكورتين، ظهر الله يهوه لإبراهيم كملاك يهوه وتكلم على أنه هو يهوه ذاته، وعرف ابراهيم أن الذى ظهر له وكلمه هو يهوه ذاته، وسجل موسى النبى الموقف على أنه ظهور الله ذاته يهوه “وظهر له يهوه”.

ت‌- وظهر ملاك يهوه لهاجر وكلمها على أنه هو الله، يهوه، وسجل موسى النبى بالروح أن الذى ظهر لها هو الله، يهوه: “وقال لها ملاك يهوه: تكثيراً أكثر نسلك فلا يعد من الكثرة” وأعلمها بمستقبل أبنها الذى فى بطنها، إسماعيل، ثم الوحى الإلهى “فدعت أسم يهوه الذى تكلم معها أنت “إيل رئى –
El Roi
“ز لأنها قالت. هنا أيضاً رأيت بعد رؤيه”(19)، أى أنت الإله الذى رأنى” أو لقد رأيت الآن الواحد الذى رأنى”(20).

ج- وظهر ليعقوب فى حلم “واذا سلم منصوبه على الأرض ورأسها يمس السماء وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها. وهوذا يهوه واقف عليها فقال: أنا يهوه إله إبراهيم أبيك وإله إسحق…”. ولما قام يعقوب قال “حقاً أن يهوه فى هذا المكان وأنا لم أعلم. وخاف وقال ما أرهب هذا المكان. ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء”(21).

ثم ظهر له فى هيئة إنسان وصارعه حتى طلوع الفجر، وسأله يعقوب عن أسمه “فقال لماذا تسأل عن أسمى. وباركه هناك. فدعى يعقوب أسم المكان فنيئيل. قائلاً لأنى نظرت الله وجهاً لوجه ونجّيت نفسى”(22).

وفى الرؤيتين يؤكد الوخى أنه رأى الله الذى ظهر له فى السماء وظهر له فى هيئة إنسان وسأله عن أسمه، وقال “لأنى نظرت الله وجهاً لوجه”. ثم يقول بعد ذلك “الله الذى سار أمامه أبواى إبراهيم وإسحق. الله الذى رعانى منذ وجودى إلى اليوم. الملاك الذى خلصنى من كل شر يبارك الغلامين”(23)، مؤكداً أن الذى ظهر للآباء وساروا أمامه والذى رعاه هو، هو نفسه الملاك الذى خلصه، ملاك يهوه الذى هو الله نفسه، يهوه، فى ظهوره العادى المؤقت.

د- وظهر لموسى فى سيناء أكثر من مرة معلناً أنه الله يهوه، وأنه أيضاً ملاك الله يهوه، ملاك يهوه:

1- فقد ظهر له وأول مرة فى العليقة “وظهر له ملاك يهوه بلهيب نار من وسط العليقة” ثم عرف موسى أن ملاك يهوه، هو يهنوه ذاته، وتكلم ملاك يهوه بأعتباره هو يهوه ذاته “فلما رأى يهوه أنه مال لينظر ناداه الله من وسك العليقة وقال: موسى موسى… أنا إله أبيك إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب. فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله”(24).

2- وقال الله لموسى عن هذا الملاك، الذى هو الله، يهوه ذاته “ها أنا مرسل ملاكاً أمام وجهك ليحفظك فى الطريق ويجيىء بك إلى المكان الذى أعددته: أحترز منه وأسمع لصوته ولا تتمرد عليه لأنه لا يصفح عن ذنوبكم لأن أسمى فيه”(25). وهنا يعلن الوحى أن ملاك يهوه، الذى هو الظهور افلهى فى شكل مرئى
Theo Phany
يمثل الله ذاته ويقوم ويحمل أسمه “لأنى أسمى فيه”.

3- كما رأى موسى مجد الله “ويكون متى أجتاز مجدى أنى أضعك فى نقرة الصخرة وأسترك بيدى حتى أجتاز. ثم أرفع يدى فتنظر ورائى وأما وجهى فلا يرى”(26).

ر- وظهر ملاك يهوه ليشوع بين نون وقال له “أخلع نملك من رجليك لأن المكان الذى أنت وقف عليه هو مقدس”(27).

س- وظهر لجدعون (القاضى) على أنه ملاك يهوه وكلمة على أعتبار أنه يهوه ذاته “فظهر له ملاك يهوه… فقال يهوه أنى أكون معك… فقال جدعوت آه يا سيدى يهوه لأنى قد رأيت ملاك يهوه وجهاً لوجه. فقال له يهوه السلام لك. لا تخف. لا تموت”(28).

ص- وظهر لمنوح والد شمشون، كما ظهر أيضاً لأم شمشون كملاك يهوه وبشرهما بميلاد شمشون، وقال له منوح “ما أسمك حتى اذا جاء كلامك تكرمك. فقال له ملاك يهوه لماذا تسأل عن أسمى وهو عجيب؟” وبعد الصعوج إلى السماء، قال عنه منوح لزوجته “نموت موتأً لأننا رأينا الله”(29).

ط- وظهر الله لأشعياء النبى فى بداية خدمته “فى سنة وفاه عزيا الملك رأيت السيد (آدون) جالساً على كرسى عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل. السرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة. بأثنين يغطى وجهه وبأثنين يغطى رجليه وبأثنين يطير. وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض. فأهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وأمتلأ البيت دخاناً. فقلت ويل لى لأنى هلكت لأنى إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عينى قد رأتا الملك يهوه صبوؤت”(30).

كما ظهر فى سفر دانيال فى شبه ابن إنسان، كما بينا فى الفصل السابق(31)، وظهر فى سفر زكريا الذى يحمى أورشليم(32) ويقيس أورشليم(33) والذى يطهر أورشليم(34) والذى يبنى أورشليم(35).

والسؤال الآن: ما الذى يؤكد أن ملاك يهوه، الذى هو يهوه، هو الرب يسوع المسيح قبل التجسد؟ وما الذى يؤكد أن الظهورات التى لله فى العهد القديم هى للرب يسوع المسيح؟ والأجابة يقدمها الوحى ذاته:

أولاً: يقول القديس يوحنا بالروح “الله لم يره أحد قط الأبن الوحيد الذى هو فى حضن الآب هو خبر”(36). المسيح وحده هو الذى يظهر الله ويعلن عنه لأنه فيه ومنه. هو “صورة الله غير المنظور”(37)، “بهاء مجده ورسم جوهره”(38).

ثانياً: يؤكد القديس يوحنا بالروح القدس أن السيد الرب، يهوه صبوؤت الذى رآه أشعياء النبى هو الرب يسوع المسيح بقوله “قال أشعياء هذا حين رأى مجده وتكلم عنه”(39).

ثالثاً: عندما سأل منوح ملاك يهوه عن أسمه قال له “لماذا تسأل عن أسمى وهو عجيب”. وهذه الكلمة “عجيب” تشير إلى الرب يسوع المسيح فى نبؤه أشعياء النبى “ويدعى أسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً”(40).

3- كون الرب يسوع المسيح هو “كلمة الله –
ho logos tou Theou
“، “ويدعى أسمه كلمة الله”(41)، “فى البدء كان الكلمه والكلمه كان عند الله وكان الكلمه الله”(42). “وكلمة الله” كما جاء فى سفر الرؤيا هو الصادق، الأمين، الحاكم العادل الذى سيحكم بالعدل، الذى “عيناه كلهيب نار”، الذى يرعى “الأمم بعصا من حديد” والذى يدعى أسمه “ملك الملوك ورب الأرباب”(43)، هو الله. فهو كلمة الله الذى كان فى البدء بلا بدايه والذى كان عند الله “وكان الكلمه عند الله”، مع الله، فى ذات الله، والكلمه مميز فى ذات الله لأنه نطق الله الذاتى وعقله الناطق، المولود من الآب بلا بدايه ولا نهايه ولا أنفصال فى الذات الإلهيه، كولاده الشعاع من النور والكلمه من العقل. يقول القديس يوحنا بالروح القدس “الحياة الأبدية التى كانت عند الآب”(44). أى أن الكلمه الإلهى، كلمة الله، الذى كان عند الله، فى ذات الله بلا بدايه ولا نهايه، كان الكلمه الحياه الفعاله فى ذات الله وهو الله، الله الكلمه.

4- وهو “صورة الله غير المنظور”(45) و “صورة الله” كما بينا(46) –
eikon tou The ou
“”، تعنى صوره طبق الأصل لله الآب، الصورة التى تعطى لنا صورة دقيقة لله الآب فى جوهره مثل صورة الملك على العمله أو الصورة الفوتوغرافيه للشخص ومثل صورة الإنسان وإنعكاسه فى المرآه، فهو الصورة الحقيقية والدقيقة لله، كما تعنى ظهر الله، بمعنى أن طبيعة الله وكيانه كُشفوا وأعلنوا وظهروا بدقه فيه ومن خلاله، فهو أشعاع، بهاء، مجد الله وصورة جوهره، وكما يقول القديس بولس بالروح القدس “لأنارة معرفة مجد الله فى وجه يسوع المسيح”(47).

5- وهو أيضاً “الذى إذ كان فى صورة (شكل –
morphe
) الله”(48)، والصورة هنا تشير إلى الظهور الخارجى الذى يؤدى إلى الجوهر، هو فى شكل الله الآب ذاته، فى طبيعته وجوهره كما يؤكد فى الآيه التاليه أنه كان “مساوياً لله”، وكان مستمراً فى الوجود من الأزل بلا بدايه. أنه فى شكل الله الآب والمساوى له فى الطبيعه والجوهر والوجود السرمدى والمسجود له من جميع الخلائق فى الكون كله.

6- وهو أيضاً “قوة الله وحكمة الله”(49)، أى القدير، كلى القدرة، وحكمة الله، كلى الحكمه وكلى العلم، كما يقول الوحى “المذخر فيه جميع كنوز الحكمه والعلم”(50). فهو حكمة الله الخالق الوجود فى ذات الله من الأزل بلا بدايه “من قبل أعماله منذ القدم. منذ الأزل مُسحت… لما ثبت السموات كنت هناك أنا… كنت عنده صانعا”(51)، فقد خلق الله العالم بكلمته وحكمته، وكلمته هو المسيح، وحكمته هو المسيح.

الرب يسوع المسيح هو كلمه الله وصوره الله غير المنظور، صورة جوهره المساوى لله، وهو أيضاً حكمة الله وقوة الله. هو الله الكلمه الذى هو صورة غير المنظور، صورة جوهره، قوته وحكمته. الله متجلياً، الله ناطقاً، الله خالقاً، الله معلناً. ابن الله الذى من ذات الله الذى هو الله.

7- ابن الله “
huios tou Theou

ونصل إلى هنا لقب أبن الله “
huios tou Theou
” وعلاقته بالله الآب. يقول لنا الرب يسوع نفسه أن ابن الله هو الله لأنه من ذات الله وفى ذات الله، هو فى الله والله فيه ومن رأه فقد رأى الآب لأنه الله معلناً، الله متجلياً، صورة الله غير المنظور، كلمة الله ونطقه الذاتى، أنه ابن الله المساوى لله الذى هو الله، كلمة الله الذى كان عند الله وكان هو الله، صورة الله المساوى لله، وهو الله الظاهر، المعلن، بهاء مجده ورسم جوهره. وفيما يلى أهم ما قاله الرب يسوع المسيح عن كونه “ابن الله”:

C
“كل شئ قد دُفع إلى من أبى. وليس أحد يعرف الأبن إلا الآب. ولا أحد يعرف الآب إلا الأبن ومن أراد الأبن أن يعُلن له”(52).

C
“أنا هو الطريق والحق والحياه. ليس أحد يأتى إلى الآب إلا بى. لو كنتم عرفتمونى لعرفتم أبى أيضاً. ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه. قال له فيلبس يا يا سيد أرنا الآب وكفانا. قال له يسوع أنا معكم زماناً هذا مدته ولم تعرفنى يا فيلبس. الذى رأنى فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب. ألست تؤمن أنى أنا فى الآب والآب فى … صدقونى أنى فى الآب والآب فىّ. والا فصدقونى لسبب الأعمال نفسها”(53).

C
“أنا أعرفه لأنى منه وهو أرسلنى”(54).

C
“لأنى خرجت من قبل الله وأتيت إلى العالم”(55).

C
“كما أن الآب يعرفنى وأنا أعرف الآب”(56).

C
“دُفع إلى كل سلطان فى السماء وعلى الأرض”(57).

C
“الآب يحب الأبن وقد دفع كل شىء فى يده”(58).

C
“أيها الآب قد أتت الساعة. مجد أبنك ليمجدك أبنك أيضاً إذ أعطيته سلطاناً على كل جسد ليعطى حياة حياة أبدية لكل من أعطيته”(59).

وقال القديس يوحنا بالروح القدس:

C
“الله لم يره أحد قط. الأبن الوحيد الذى هو فى حضن الآب هو خبر”(60).

وهذه الآية فى أدق ترجماتها التى تعتمد على أقدم المخطوطات تقول:


monogenes Theos ho on eis ton kolpon tou patro`s
.”

“الإله الوحيد (
God The Only
) الذى (الكائن –
ho on
) فى حضن الآب هو أخبر عنه”(61).

C
“يسوع وهو عالم أن الآب قد دفع كل شىء إلى يديه وأنه من عند الله خرج وإلى الله يمضى”(62).

ويقول القديس فى الرسالة إلى العبرانين بالروح القدس:

“الله بعدما كلم الأباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة. كلمنا فى هذه الأيام الأخيرة فى أبنه الذى جعله وأرثاً لكل شىء الذى به أيضاً عمل العالمين. الذى وهون بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس فى يمين العظمة فى الأعالى صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث أسماً أفضل منهم. لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت أبنى أنا اليوم ولدتك. وأيضاً وأنا أكون له أباً وهو يكون لى أبناً. وأيضاً متى أدخل البكر إلى العالم يقول ولتسجد له كل ملائكة الله. وعن الملائكة يقول الصانع ملائكته رياحاً وخدامه لهيب نار. وأما عن الأبن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور… ثم لمن من الملائكة قال قط أجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطناً لقدميك”(63).

مما سبق يتضح لنا الآتى:

أ- أن ابن الله هو الأبن الوحيد، الإله، الذى فى حضن الآب، الكائن فى حضن الآب، كلمة الله “والكلمة كان عند الله”، الذى فى ذات الله، الذى من الله ذاته “أنا عرفه” أى الآب “لأنى منه”، خرجت من قبل الله”، “من عند الله خرج وإلى الله يمضى”. أنه ابن الله الذى من ذات الله وفى ذات الله “أنا فى الآب والآب فى”، “الذى رآنى فقد رأى الآب”، صورة الله غير المنظور، كلمة الله الذى كان عند الله وهوالله.

ت‌- أبن الله، هو المعلن لذات الله، صورة الله، الله ظاهراً، الله متجلياً “الأبن الوحيد الذى فى حضن الآب هو خبر”، هو الملن لذات الله لأنه من ذات الله “أنا أعرفه لأنى منه”، وهو وحده الذى يعرف الآب، كما أنه هو نفسه لا يعرفه أحد، فى جوهره، سوى الآب “وليس يعلن له”. أنه ابن الله، كلمة الله، الذى كلمنا الله من خلاله وفيه “كلمنا… فى أبنه”.

ج-أبن الله هو الوارث لأبيه “الذى جعله وارثاً لكل شىء”، ويصف الرب يسوع المسيح نفسه فى مثل الكرامين الأردياء ب “الوارث”، “هذا هو الوارث”(64). وهو وارث كما يرث الأبن أبيه. ولأن المسيح هو الخالق، الذى خلق الله به الدهور، العالمين، الكون وما فيه فهو وارث لما خلقه، لذا يكرر الرب يسوع نفسه قوله “الآب يحب الأبن وقد دفع كل شىء فى يده”، “كل شىء قد دفع إلى من أبى”.

د- ابن الله هو خالق الكون ومقيمه ومدبره ومحركه وواضع نواميسه “الذى به أيضاً عمل العالمين”، الذى من أجله الكل وبه الكل”(65)، “الكل به وله قد خلق. الذى هو قبل كل شىء وفيه يقوم الكل”(66). “وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته” وكل شىء هنا “
ta panta
” تعنى الكون وكل ما فيه وما به، كمدبره “حامل كل الأشياء”، ومحركه ومقيمه وواضع نواميسه. ومن ثم فهو وارث كل شىء، وارث ما يدبره ويقيمه.

ر- أبن الله هو الجالس عن يمين الله “أجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطناً لقدميك”، الجالس فى عرش الله، عن يمين العظمة “جلس فى يمين العظمة فى الأعالى”. وهو أعظم من جميع الملائكة والبشر وكل المخلوقات لأنه خالق الكل ومدبره والذى يخضع له الكل.

س- ابن الله، هو بكر الله، المدعو هنا ب “البكر”، بكر الله بصورة مطلقة. وهذا اللقب يعنى أنه كأبن الله، بكر الله، له مكانة أبيه، وهو مثل لقب “مونوجينيس –
monogene`s
” وحيد الجنس، يصف العلاقة الفريدة فى ذات الله، بين الله الآب، والله الأبن، الأبن الوحيد الذى هو فى حضن الآب الذى أخبر عنه، صورة الله غير المنظور.

ص- أبن الله، بهاء مجد الله، أشعاع مجد الله، سطوع مجد الله؛ “الذى وهو بهاء مجده ورسم جوهره”. وعبارة “الذى وهو” فى أصلها اليونانى “الذى كونه –
hos on – Being
“، “بهاء” فى اليونانية “
aPaugasma
” وتعنى؛ سطوع، تألق، الأشعاع الخارجى. ومعنى هذا أن أبن الله هو الأشعاع الخارجى، الخارج من ذات الله، سطوع المجد الإلهى الذى يظهر فى ذاته مجد وعظمة الكيان الإلهى، الجوهر الإلهى، الطبيعة الإلهية “الله يدع مجده يصدر من ذاته فيظهر للوجود كيان نورانى مثل ذاته”(67)، أو كما قال أحد علماء الكتاب المقدس “أبن الله فى عظمته الجوهرية هذه هو التعبير والتعبير المطلق للنور الإلهى فى أنعكاسه”(68)، وقال أباء الكنيسة الأولى أن الله هو أنعكاس المجد الإلهى مثل أشعة الشمس من الشمس أو النور من النور(69).

كما تعنى عبارة “ورسم جوهره” الصورة المعبرة للذات الإلهية، الصورة الحقيقية لجوهر وطبيعة الذات الإلهية. وكلمة “رسم” هى “كاريكاتير –
Character
” وتعنى قالب محفور لسك العملة أو فورمة الميداليات أو قالب، ختم دمغ الورق، أى رسم محفور، وتعنى فى هذه الآية صورة الختم، علامة الختم، كالصورة على العملة النقدية التى تشرح قيمتها وطبيعتها، الرسم المطبوع على الختم، أى تعنى أن كيان الله وجوهره مدرك فى شخص المسيح، ابن الله، الذى هو الصورة الفعلية الدقيقة لله الآب، لأنه يحمل فى ذاته الأنطباع الدقيق للطبيعة الإلهية والكيان الإلهى، الذات الإلهية، الله. ولذا فسر القديس أغريغوريوس أسقف نيصص هذه الآية هكذا “بهاء مجده والصورة المعبرة لشخصه”(70).

أذاً ابن الله هو كلمة الله الذى فى ذات الله ومن ذات الله وهو الله. هو الظهور الإلهى لله الذى هو الله، الله معلناً، الله متجلياً، الله ظاهراً. هو صورة الله غير المنظور، الله ظاهراً، الصورة الذاتية لله الذى هو الله منظوراً. هو الذى فى شكل الله، صورة الله، المساوى لله الآب ومن نفس جوهره، الواحد معه فى الجوهر، كما قال هو نفسه “أنا والآب واحد”(71)، “أنا أعرفه لأنى منه”(72)، “أنا فى الآب والآب فى”(73)، “الذى رآنى فقد رأى الآب”(74)، “كل ما للآب هو لى”(75). أين الله هو بهاء مجد الله، أشعاع مجد الله، والصورة المعبرة لجوهره، هو نور الله، نور من نور، أشعاع مجد الله الصادر من ذاته بلا بداية وبلا نهاية وبلا أنفصال.

 
C
قال القديس أكليمندس الرومانى (95م) “خلاله (به) نرى أنعكاس وجه الله السامى… لكونه بهاء مجده”(76).

 
C
وقال القديس أريناؤس أسقف ليون (120 – 202م) “أعلن الآب” أبو ربنا يسوع المسيح فى كلمته الذى هو أبنه، فيه كشف الله وصار ظاهراً لكل من أعلن لهم. لأن أولئك الذين عرفوه أعطاهم الأبن أعلاناً. فقد كان الأبن دائماً مع الآب، موجوداً من القدم ومن البدء. وهو دائماً يعلن الآب للملائكة ورؤساء الملائكة والقوات والأطهار وكل من يريد الله أن يعطى له أعلان”.

 
C
وقال العلامة ديديموس الضرير (توفى سنة 396م) “اذا كان الأبن الوحيد، كما يكتب بولس للعبرانيين، هو اشراق المجد والختم الدقيق للجوهر وصورة الله غير المرئى ولا شكل له ولا بداية، واذ كان يقول الحق عندما يقول “من رآنى فقد رأى الآب” و “أنا والآب واحد”، فهو اذاً من نفس جوهر الله الآب بلا بدية ومساوى له وغير متغير. لأن النور مولود من النور وليس من طبيعة أخرى. “ويبين القول أنه الختم الدقيق للجوهر، التماثل المطلق والثبات (عدم التغير) فى الطبيعة والمجد والقدرة الكلية”(77).

 
C
ويقول القديس كيرلس الأسكندرى (توفى سنة 444م) “نؤمن بإله واحد، آب قدير، خالق كل شىء ما يرى وما لا يرى؛ وبرب واحد يسوع المسيح، أبنه، مولود منه بحسب الطبيعة قبل كل الدهور والزمن، فبحسب الزمن هو بلا بداية وأبدى مع الآب فى كرامة متساوية، اذ يتساوى مع الآب فى كل وجه لأنه ختم وأشراق جوهره”(78).

هو ابن الله وكلمته وصورته وأشعاع مجده وصورة جوهره، عقله الناطق ونطقه العاقل، الله متكلماً، الله ناطقاً، الله خالقاً، الله ظاهراًن الله معلناً، الله منظوراً، الله الأبن، أبن الله، الإله الوحيد الذى فى حضن الآب، الأبن الوحيد الذذى فى حضن الآب، الذى من ذاته وفى ذاته، الذى معه بلا بداية ومنه بلا أنفصال ومساوى له فى كل شىء فى البدء كان الكلمة وكان الكلمة عند الله وكان الكلمة الله”. أبن الله من ذات الله وفى ذات الله وصورة الله فهو الله.

 

 

(1) فى 7: 2.

(2) يو 13: 3.

(3) متى 20: 18.

(4) متى 20: 8.

(5) يو 20: 14.

(6) يو 35: 9.

(7) يو 18: 3.

(8) يو 36: 3.

(9) يو 1: 17.

(10) يو 49: 1.

(11) متى 16: 16.

(12) مر 11: 1.

(13) متى 17: 3.

(14) متى 63: 26.

(15) كلمة “ملاك” فى العبرية هى حرفياً “ملاك” وتعنى “رسول” بصفه عامة، وعن الكائنات الروحية القادمة من السماء تعنى “رسل سمائيون” والملاك الذى هو كائن روحى سمائى، يعنى رسول قادم من السماء، وسيط سمائى حامل رساله من الله إلى الناس. ومن هذا المنطق دعى الله فى ظهرواته المؤقتة “ملاك العهد” و”ملاك يهوه” ودعى المسيح فى سفر ملاخى ب “ملاك العهد” ملا 1: 3.

(16) تك 1: 18.

(17) تك 13: 18.

(18) تك 11: 22 – 14.

(19) تك 7: 16 – 13.

(20)
NIV

(21) تك 12: 28 – 17.

(22) تك 29: 22،30.

(23) تك 15: 48،16.

(24) خر 2: 33،4 – 6.

(25) خر 20: 23،21.

(26) خر 22: 33،23.

(27) يش 13: 5 – 15.

(28) قض 11: 6 –24.

(29) قض 17: 13 – 22.

(30) اش 1: 6 – 5.

(31) اش 13: 7،14.

(32) زك 8: 1-13.

(33) زك 8: 2-11.

(34) زك 10: 3.

(35) زك 12: 6-15.

(36) يو 18: 1.

(37) كو 15: 1.

(38) عب 3: 1.

(39) يو 41: 12.

(40) أش 6: 9.

(41) رؤ 13: 19.

(42) يو 1: 1.

(43) رؤ 11: 9 – 16.

(44) 1 يو 2: 1.

(45) كو 15: 1.

(46) فى الفصل السابق.

(47) 2 كو 6: 4.

(48) فى 5: 2.

(49) 1 كو 24: 1.

(50) كو 3: 2.

(51) أم 22: 8 – 30.

(52) متى 27: 11.

(53) يو 6: 14-16.

(54) يو 29: 7.

(55) يو 42: 8.

(56) يو 15: 10.

(57) متى 17: 28.

(58) يو 35: 3.

(59) يو 1: 17،2.

(60) يو 18: 1.

(61)
The N I V Interline
.

(62) يو 3: 13.

(63) عب 1: 1-13.

(64) مر 7: 12.

(65) عب 10: 2.

(66) كو 16،17.

(67)
Vincent`s Vol. 4 P. 382
.

(68)
Ibid
.

(69)
Kittle Vol. 1 P. 508
.

(70)
Ag. Eunomius B. 8: 1
.

(71) يو 30: 10.

(72) يو 29: 7.

(73) يو 9: 14،10.

(74) يو 5: 16.

(75)
Rom. 36
.

(76)
Against Heresies B 2: 30,3
.

(77)
The Tirinity 3: 2,8
.

(78)
The Faith of The Fathers Vol. 3 P. 221
.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي