في لاهوت المسيح


الذي حدد مصير الإنسان!!

rUrUr

إن كان العهد الجديد بكل أسفاره يكاد لا يعطي المسيح اسم
“الله”

QeÒj
مباشرة حتى نقول إن المسيح الله، فذلك لضرورة حتمية؛ لأن المسيح هو “
ابنالله”، والابن لا يمكن أن
يكون “الله” إلاَّ مع الآب.

غير أن المسيح لكي يعرِّف أو يستعلن نفسه أنه الله
QeÒj
مع الآب فعلاً قال صراحة: “أنا والآب واحد
” (يو 30: 10)، و”أنا في الآب، والآب فيَّ
” (يو 10: 14). هذا معناه أنه لا يمكن أن يوجد الابن وحده أو الآب وحده. بمعنى أنه إذا ذُكر الابن، يكون معه الآب حتماً ودائماً. لذلك أصبح من المفهوم الضمني أن يقال إن الابن، أي المسيح، هو الله باعتباره قائماً دائماً في الآب لأنه لا يمكن أن يوجد المسيح وحده “وتتركونني وحدي، وأنا لست وحدي
لأن الآب معي” (يو 32: 16)

أ
وحينما أعلن المسيح نفسه أنه “ابن الله”، أدرك معاندوه
وهم الكتبة والفريسيون لاهوتيو العهد القديم
أنه بذلك يعتبر نفسه
إلهاًمباشرة، هكذا: “وأنا أُعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى
الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي؛ أبي الذي أعطاني إياها
هو أعظم من الكل

ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي، أنا والآب واحد!

” (يو 28: 10
30). فكان رد اليهود أن طلبوا أن يرجموه قائلين: “فإنك وأنت إنسان
تجعل نفسك إلهاً

” (يو 33: 10)، وطبعاً لأنه قال: “أنا والآب واحد
” والمسيح بالفعل هو كذلك، لأنه هو والآب واحد. فهو لم يجعل نفسه إلهاً؛ بل وهو الإله جعل نفسه إنساناً
هذه هي الحقيقة التي فاتت عليهم
وذلك لكي يعلن لهم الله
في نفسهظاهراً مسموعاً: “الذي رآني فقد رأى الآب” (يو 9: 14)

فالمسيح تحاشى أن يقول مباشرة إنه إله أو هو الله، ولكنه قالها وأكَّدها وصمَّم عليها عندما قال: “أنا والآب واحد
” فإن كان الآب هو الله حقاً، فالمسيح يكون بالضرورة هو الله بالحقيقة، ولكن لكي نتحاشى الازدواجية في الألوهة، نقول إن الله الواحد هو الآب والابن. على أنه لا يمكن أن يكون الآب وحده هو الله، ولا الابن وحده هو الله. بل إن الابن والآب هو الله الواحد. وكلمة
واحدهنا ليست رقمية ولا تمتُّ للأعداد المادية القياسية بصلة؛ بل “الواحد” بالروح. فالله روح واحد: آب وابن. لذلك نقول إن الله آب وابن وروح، أو على سبيل الإيضاح نقول إن الله روح هو، آبٌ وابنٌ.

ب
على أن الآب والابن ليسا ذاتين؛ بل ذات واحدة، فيها الأُبوَّة وفيها البنوَّة. حيث من الأُبوة الإلهية في الله صدرت كل أُبوة في الوجود (أف 15: 3)، ومن البنوة الإلهية في الله صدرت كل بنوة في الوجود. فالله مصدر كل أبوة وكل بنوة في الوجود. وكل أبوة وكل بنوة في الوجود تستمد كيانها وفعلها ودوامها من الله، ومعلومٌ أن الحياة والوجود في العالم يقومان بقيام الأبوة والبنوة، فلو توقفت الأبوة في الحياة والعالم تلاشت الحياة وتوقف العالم، كذلك البنوة إن توقفت توقفت الحياة وانتهى العالم. إذاً فالأبوة والبنوة الإلهية الثابتة والدائمة في الله هي مصدر وقيام ودوام الحياة واستمرارها في العالم والوجود. وبالتالي لا يمكن بل ويستحيل أن يكون في الله أبوة وحسب، أو بنوة وحسب، أو أن يكون الله بلا أبوة وبنوة وإلا ما كانت حياة ولا وجود لحيٍّ.

ج
وفي الذات الإلهية
كما يقرر مجمع نيقية المقدس
لا يصح أن يُنظر أو يُقال أيهما أسبق: الآب أو الابن، لأن الذات الإلهية هي وجود وكيان مطلق منزَّه عن الزمن، فلا سابق ولا لاحق. فالآب والابن هما كيان الذات الإلهية الواحد، وهو كيان أزلي. فالآب أزليٌّ هو، والابن أزليٌّ بالضرورة.

والآب مساوٍ للابن، والابن مساوٍ للآب، لأنهما جوهر واحد وذات واحدة. الآب يكمِّل الابن بأبوته، والابن يكمِّل الآب ببنوته. فالتساوي حتميٌّ هو، حيث يتوجب التطابق المطلق بحكم الذات الواحدة. لذلك نقول بوحدانية الله المطلقة، فالله واحد مطلق، ولا تمايز بين الآب والابن إلا في الأُبوة كصفة الله الذاتية والبنوة كصفة الله الذاتية أيضاً. وهما واحد أحد، لأن الآب يحب الابن حبًّا مطلقاً بأن يعطيه كل ما له، والابن يحب الآب حبًّا مطلقاً بأن يعطيه كل ما له
(







[1]







)

. فبالحب الإلهي المطلق توحدت ذات الله. فالله واحد هو لا من منطلق الأعداد؛ بل من منطلق الحب الكلي المطلق الذي يأسر الفكر والقلب، لأن وحدانية الله هي فاعلية حبه الكلي الذي به خلق وأبدع فتغلغل حبه في كل ما خلق وكل ما أبدع، ولحبه القاهر تتعبد له الخليقة وتخضع.

د
والمسيح كان شديد الحساسية، شديد اليقين بمساواته للآب، لأنه هو الابن الوحيد المحبوب المتجسد، فمن يقين إحساسه بحب الآب المطلق (يو 35: 3؛ 20: 5)، ومن يقين حبه هو للآب حباً مطلقاً (يو 31: 14)، كان يرى المساواة حقيقة يحياها ويكرز بها، ويمارس عمل الفداء الذي أعطاه أبوه بخضوع فاق خضوعَ العبد، لأنه كان خضوعاً لا يشوبه قصور أو ضعف؛ بل خضوعاً مطلقاً أيضاً تمليه عليه طاعة قلب الابن ويحرسه ضمير الحب البنوي، فجاء البذل حسب مشيئة الآب وإرادته تماماً.

ه
أما إذا سألت كيف يكون في الذات الواحدة الأُبوة والبنوة معاً، فعليك أن تفحص الذات البشرية. فكل إنسان فيه الأُبوة وفيه البنوة معاً، ولكن في الإنسان تخرج البنوة من الرجل بالزواج، أي بأن تأخذ البنوة التي في كيان الإنسان جسداً من
امرأة فيظهر للإنسان ابنٌ، هو ابنه الذي كان في كيانه مخفياً وخرجإلى الوجود بالزيجة وحصوله على جسد من زوجة. أما في الذات الإلهية المنزَّهة عن الزيجة، فابن الله الذي في كيان الذات الإلهية مخفيٌّ خرج إلى الوجود البشري بأن تجسد، أي أخذ جسداً من عذراء بالروح القدس بدون زيجة، فظهر في الوجود “كإبن الإنسان” لأنه مولود من امرأة، ولكنه هو في حقيقته ابن الله، باقٍ كما هو ولكن مولوداً من الروح القدس ومن العذراء القديسة مريم. خرج إلى الوجود البشري وهو كما هو كائن في الذات الإلهية مع أبيه (يو 18: 1)، وذلك بحسب مشيئة الآب أن يخرج ابنه “من عند الله خرجت

” (يو 27: 16)، ليعلن في ذاته عن حقيقة الله الآب والابن. فلولا التجسد ما عرفنا الذات الإلهية أنها آب وابن وروح قدس.

ولكن ابن الله وإن كان قد وُلد من العذراء ومن الروح القدس، إلا أنه لم يولد من الآب قط بالمفهوم الزمني لأن الله الآب روحٌ هو، وهو منزَّه عن الولادة والحدث الزمني، لأن الميلاد كفعل زمني يتم على مستوى الجسد والزمن؛ ولكن يستحيل استحالة قاطعة أن يكون في الله، وعلى مستوى
الروح والأزل،فعل ولودة زمنية.

وهذه الحقيقة الهامة هي ما أراد القديس أثناسيوس الرسولي أن يُعبِّر عنها بقوله: إن “الابن”
مولود قبل كل الدهور.فهنا قصد القديس أثناسيوس بقوله:
قبل كل الدهور “ما هو ليس زمنياً”،أي
قبل أن يوجد زمن،أي
في الأزل.وذلك لينفي عن الله الفعل والحدث الزمني
للولادة، لأن في الأزلية وقبل الدهور والزمن لم يكن فعل ولا حدث وبالتالي لميكن فعل ولادة. لذلك يقول القديس أثناسيوس بمنتهى الوضوح إنه
“مولود” كحالوليس كفعل أو حدث، أي لم يقُلْ
وُلدكفعل ماض، الأمر الذي يستلزم وجود الزمن؛ بل قال مولوداً، أي كحال وجودي. فالابن في الأزل كان مولوداً لا من
فعل تمّ؛بل
كحال قائم،أي أن الابن كان مولوداً في الآب في الأزل دون ولادة، أي كان كائناً موجوداً بوجود الآب.

لذلك يضيف القديس أثناسيوس توضيحاً لذلك: أن ليس في الآب والابن متقدِّم أو متأخر، ليس سابقٌ أو لاحقٌ، أي أن وجود الآب لم يسبق وجود الابن ولا الابن كان وجوده لاحقاً لوجود الآب، وإلا دخل الزمن في طبيعة الله، وهذا محال. فالآب والابن وجودهما واحد ومتلازم منذ الأزل.

وهكذا قال القديس أثناسيوس مقولته اللاهوتية التي أخذ بها مجمع نيقية وصارت قانوناً للإيمان المسيحي: إن الابن “مولود قبل كل الدهور”، وهذا يعني أ
ن الابن قائم في الآب قبل الزمن،أي منذ الأزل. وهذا بحد ذاته ينفي عن الله
“فعل”الولادة الذي حيَّر غير المسيحيين، بل والمسيحيين أيضاً، دون أي داعٍ لذلك.

وللقديس أثناسيوس قول واضح يوضِّح فيه هذه الحقيقة:

[ الأبناء المولودون للناس هم مقتطعون من آبائهم، لأن طبيعة الأجساد ليست عديمة التركيب (أي ليست بسيطة بل قابلة للانقسام)، لذلك فهي في حالة تتابع (أبناء ثم آباء ثم أبناء.. وهكذا). وهي بذاتها، أي الأجساد مكونة من أجزاء، ومعروف أنه بقدر ما يفقد الإنسان من جسمه في التوليد (ذكراً كان أو أنثى)، يعود ويكتسبها بتناول الطعام. وبسبب هذه الحقيقة فإن الناس يصيرون في زمانهم آباءً لأبناءٍ كثيرين، ولكن الله لأن طبيعته غير مركَّبة، وبالتالي بلا أجزاء، فهو أب للابن
الذي له
دون انقسام أو آلام. لأنه لا يوجد استنزاف من الداخل للخارج

¢porro
” (
أي ولودة) في الطبيعة اللامادية
وفي نفس الوقت
هي غير مستهدفة للإضافة عليها من الخارج كما هو الحال في الإنسان. ولأن طبيعة الله غير مركَّبة
أي بسيطة
فالله أب لابن واحد وحيد.

لهذا يُقال للابن إنه مولود وحيد
monogen”j
، والوحيد القائم في حضن أبيه، والوحيد الذي يقرُّ الآب أنه منه قائلاً: “هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت
” (مت 17: 3). وهو بآنٍ واحد كلمة الآب، الأمر الذي منه ندرك عدم تألم وعدم تجزئة طبيعة الآب. لأنه إذا كانت كلمة الإنسان نفسها يلدها الإنسان بلا ألم أو تجزئة، فكم بالأحرى كلمة الله].

القديس أثناسيوس الرسولي
شرح قانون مجمع نيقية 11
(






[2]





)
.

PG 25, 444; NPNF 1st Ser. Vol. IV, 157
.

الروح والأزل منزَّهان عن الزمن وعن الأحداث والأفعال، وهذه هي طبيعة الله الفائقة غير المستهدفة للأفعال والأحداث الزمنية. فالمسيح هو ابن الله القائم الدائم في الذات الإلهية كابن مع الآب كائن فيه منذ البدء، منذ الأزل، خرج بمشيئة الآب إلى الوجود الزمني البشري بأن اتخذ له جسداً من عذراء، أي جسداً عذرياً بدون رجل فظل قدوساً بعد ولادته “فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يُدعى ابن الله
” (لو 35: 1). وهكذا اتحد بالبشرية عن إرادة لما أخذ جسداً منها، ولما وُلِد صار نائباً عن الله كابن الله في جسد إنسان، ذلك في المحيط البشري يُعلن عن الآب لأنه هو والآب واحد بالتساوي المطلق، ويُظْهِر حقيقة الآب غير المنظور “الذي رآني فقد رأى الآب
” (يو 9: 14)، ويعمل كل مشيئة الله من جهة خلاص الإنسان من عَرَض الخطية وعَرَض الموت الذي أصاب الإنسان نتيجة عصيانه لله، فحمل خطية الإنسان في الجسد ومات بالجسد ليخلِّص الجسد، أي البشرية، من الخطية وعقوبة الموت. وقام بعد أن مات، فأقام الجسد
أي جسد الإنسان
بالروح ليحيا حياة ثانية جديدة بالروح منزَّهة عن الخطية والموت، ليحيا الإنسان مع الله كما كان في شخص آدم قبل السقوط، ولكن دون احتمال سقوطٍ مرةً أخرى أو عصيان أو موت، في حياة أبدية مع الله، متحداً بجسد المسيح ليتراءى الإنسان الجديد أمام الله الآب في المسيح كابن مع الابن.

و

أنا هو

™gè e„mi
، ومعناها “أنا الكائن بذاتي، أو أنا الكينونة” (







[3]







).

هذا اللقب على فم المسيح يُعتبر لقباً استعلانياً، فهو يلفت النظر إلى أن المتكلم هو نفس المتكلم في أسفار العهد القديم ”
أنا هوالرب

” ”
أنا هوالرب الإله

وقد اختصَّ إنجيل يوحنا بهذا اللقب، لأن إنجيل يوحنا يُعتبر إنجيلاً استعلانياً، وقد ورد فيه هذا اللقب 29 مرة، في حين لم يزد وروده في الأناجيل الثلاثة الأخرى عن أربع مرات! أما وروده في أسفار العهد القديم، فقد ورد 106 مرات بالنص الحرفي
“أنا هو”.ويزيد إنجيل يوحنا في جعل هذا اللقب استعلانياً بالدرجة الأولى بأن سجَّله
كاسم شخصي للمسيحفي بعض المواضع تماماً، كما جاء في العهد القديم لاستعلان شخص الله المتكلم، ولكن الملفت للنظر جداً أنه يؤكد أن اسم الآب “أنا هو

“قد أُعطي للمسيح ليكون اسم المسيح
“أنا هو”أيضاً، ممثِّلاً الآب أقوى وأدق تمثيل حيث نسمع المسيح في إنجيل يوحنا الأصحاح 17 يُخاطب الآب هكذا: “أيها الآب القدوس احفظهم في
اسمك الذي أعطيتني

” (يو 11: 17). وهذا مطابق للحقيقة التي أبرزها سفر الخروج 20: 23و21 “.. ولا تتمرد عليه لأنه لا يصفح عن ذنوبكم،
لأن اسمي فيه

” وهنا نُوعِّي القارئ لعدم الدقة الذي جاء في الترجمة العربية، إذ جعلت الآية “احفظهم في اسمك الذين أعطيتني
” وهذا مخالف للنص اليوناني. وأيضأ “كنت أحفظهم في
اسمك الذي
(







[4]







)


أعطيتني

” (يو 12: 17)؛ موضِّحاً أن المسيح هو “الله متكلِّماً” أو هو “كلمة الله”، و“رسالة الله الشخصية”، فحين يتكلم المسيح فالله هو المتكلِّم. ولكي يتحقق القارئ من هذا نعطي مثلاً لذلك:


العهد القديم

“الله” (







[5]







)


العهد الجديد

“المسيح”

“فيعرف المصريون
أني أنا هوحين أتمجد” (خر 18: 14)

“فمتى رفعتم ابن الإنسان، فحينئذ تفهمون “أني
أنا هو”” (يو 28: 8)

“لكي تعرفوا وتؤمنوا بي وتفهموا
“أني أنا هو”” (إش 10: 43)

“لأنكم إن لم تؤمنوا
“إني أنا هو”تموتون في خطاياكم

” (يو 24: 8)

“أنا
أرعى غنميوأُربضها يقول السيد الرب.. فيعلمون
أني أنا هوالرب” (حز 15: 34و30)


“أنا هو” الراعيالصالح، وأعرف خاصتي وخاصتي تعرفني” (يو 14: 10)

“اسمع لي يا يعقوب وإسرائيل الذي دعوته
أنا هو. أنا الأول وأنا الآخر” (إش 12: 48)


أنا هوالألف والياء، البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كل شيء” (رؤ 8: 1)


أنا هو الربفاحص القلب مختبر الكلى لأُعطي كل واحد حسب طرقه، حسب ثمر أعماله” (إر 10: 17)

“فستعرف جميع الكنائس
“إني أنا هو”الفاحص القلوب، وسأعطي كل واحد منكم بحسب أعماله” (رؤ 23: 2)

 

واضح هنا أن اسم الله في القديم كان “أنا هو”
™gè e„mi
، كما هو واضح أن الله أعطى اسمه هذا للمسيح “الابن” “ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به
باسميأنا أُطالبه

” (تث 19: 18)، “لأن اسمي فيه” (خر 20: 23و21)

ولكن ما معنى أن يحمل المسيح اسم الآب؟

المسيح يرد على ذلك ردًّا واضحاً مقنعاً شارحاً ذلك: “أنا قد أتيت
باسم أبي،ولستم تقبلونني. إن أتى آخر
باسم نفسه،فذلك تقبلونه

” (يو 43: 5)، “الأعمال التي أنا أعملها
باسم أبيهي تشهد لي

” (يو 25: 10). وعلى القارئ الباحث أن يلتفت إلى أن اسم
“أنا هو”الذي كان ينطق به المسيح ليعبِّر عن اللاهوت الذي فيه، يأتي بالعربية ناقص الفعل في قوله “أنا هو”. فحينما يقول “أنا هو الراعي الصالح

” فأصلها في اليوناني“أنا أكون الراعي الصالح” أو “أنا الكائن بذاتي الراعي الصالح”. فالضمير في العربي
“هو”في “أنا هو”، يأتي في اليونانية فعلاً
“أكون”

e„mi
، وليس ضميراً. لذلك اختفى الاسم الإلهي الذي للمسيح “أنا هو
أكون

“في كل الترجمة العربية للأسف.

فالمسيح عند قوله “أنا هو الراعي الصالح
” يُعلن أولاً لاهوته بذكر اسم الألوهة كاملاً
™gè e„mi
“أنا الكائن بذاتي” أو “أنا الكائن”، ثم يعلن ما صار إليه
الراعي
وتُفهم هكذا “أنا الكائن بذاتي صرت راعياً”، وهو المعنى الحرفي في اليونانية لقوله “أنا هو الراعي

” وهكذا كل ما نطق المسيح بذكره “أنا هو”، فهو باليونانية “أنا الكائن
™gè e„mi
”.

من هنا تنجلي أمام أعيننا قوة التعبير الإلهي في وصف المسيح لنفسه أنه الكائن
بذاته الأزلي،وهو بذلك ليس راعياً لخراف حيوانية خرساء؛ بل راعياً
صالحاً“لماذا تدعوني
صالحاً،ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله

” (مر 18: 10)، بمعنى “راعياً إلهياً” لحياة الخراف الناطقة. لذلك يقول أيضاً “أنا الكرمة
الحقيقية

” وترجمتها العربية الصحيحة: ”
أنا هوالكرمة الحقيقية

” حيث “الحقيقية
“هنا ترفع عن الكرمة كيانها المنظور المادي وصلتها بالأرض، لأن الحقيقي هو السمائي
والأزلي،وهو غير الظاهري المادي الفاني والزائل. فصفة
الحقيقيةللكرمة يقابلها في الضمير “أنا” بوضعه
الأزلي= “أنا هو” أو “أنا الكائن بذاتي” أو “أنا الله صرت كرمة حقيقية بتجسدي، وأنتم فيَّ من “لحمي وعظامي”” (أف 30: 5).

لذلك ننبِّه القارئ لاسم “أنا هو”، فهو يعطي للإنجيل كله فهماً جديداً فائقاً متعالياً يليق بالمسيح الذي يقول “أنا والآب واحد

فأنا هو

™gè e„mi


“اسم واحد”

لجوهر الآب والابن، وهو اسم الألوهة ببيان ووضوح وتأكيد مفرح.


(أغسطس 1993)



(





[1]





)
من هنا كانت حتمية الأُبوَّة والبنوَّة في الله حتى تتكمل الذات الإلهية بالكمال المطلق بأن يكون الله محباً حباً كليًّا، وهذه صفة الأُبوَّة؛ وأن يكون الله محبوباً حباً كليًّا، وهذه صفة البنوة. وبهذا يصير الله في ذاته محباً ومحبوباً على وجه الإطلاق، وهذا منتهى كمال الذات.


(






[2]






) ويشترك عدد من الآباء مع القديس أثناسيوس في هذه الفكرة، أي أن لقب “الكلمة” يُخرج بنوة المسيح تماماً عن مفهوم الولودة المادية (انظر القديس كيرلس الكبير – الكنز في الثالوث 5؛ والقديس يوحنا ذهبي الفم في شرح إنجيل يوحنا 2 فقرة 4؛ والقديس غريغوريوس النيسي ضد أونوميوس – الكتاب الثالث ص 107).


(






[3]






) راجع: “المدخل لشرح إنجيل القديس يوحنا”، ص 218-246.


(





[4]





)
الترجمة الصحيحة عن اليونانية “الذي” وليس “الذين”.


(






[5]






) راجع القائمة الكاملة في كتاب: “المدخل لشرح إنجيل القديس يوحنا”، ص 244 – 246.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي