مثل الخروف الضال
المسيح يبحث عن الضال
تذمر الفريسيون والكتبة في أحد الأيام على المسيح وقالوا عنه: «هذا يقبل خطاة ويأكل معهم». فقدَّم لهم ثلاثة أمثال تبيّن أن شر الأشرار لا يمنع المحبة الإلهية الأبوية عنهم، لأنه عند وقوع البنين في أشراك إبليس يشتعل الحبُّ الأبوي مضاعفاً أسفاً على تعاستهم، ورغبة في تخليصهم منها. وهذا ما نراه في الأب الذي له ولد قاصر أو مريض أو معتوه أو شارد. فتوبة الشرير عزيزة جداً عند الله، وعند جميع البشر الصالحين.
«وَكَانَ جَمِيعُ ٱلْعَشَّارِينَ وَٱلْخُطَاةِ يَدْنُونَ مِنْهُ لِيَسْمَعُوهُ. فَتَذَمَّرَ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ وَٱلْكَتَبَةُ قَائِلِينَ: «هٰذَا يَقْبَلُ خُطَاةً وَيَأْكُلُ مَعَهُمْ». فَكَلَّمَهُمْ بِهٰذَا ٱلْمَثَلِ: «أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ لَهُ مِئَةُ خَرُوفٍ، وَأَضَاعَ وَاحِداً مِنْهَا، أَلا يَتْرُكُ ٱلتِّسْعَةَ وَٱلتِّسْعِينَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ، وَيَذْهَبَ لأَجْلِ ٱلضَّالِّ حَتَّى يَجِدَهُ؟ وَإِذَا وَجَدَهُ يَضَعُهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَرِحاً، وَيَأْتِي إِلَى بَيْتِهِ وَيَدْعُو ٱلأَصْدِقَاءَ وَٱلْجِيرَانَ قَائِلاً لَهُمُ: ٱفْرَحُوا مَعِي، لأَنِّي وَجَدْتُ خَرُوفِي ٱلضَّالَّ. أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ هٰكَذَا يَكُونُ فَرَحٌ فِي ٱلسَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارّاً لا يَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَة» (لوقا 15: 1-7).
صاغ المسيح أول الأمثال الثلاثة في قالب الاستفهام، عندما سأل سامعيه: من منكم له مئة خروف وأضاع واحداً منها؟». فكأنه في هذا السؤال يبكّتهم كرعاة الشعب على أنهم أهملوا الضالين، واكتفوا بالتسعة والتسعين التي يعتبرونها غير ضالة، وحسبوا أن الضال يستحق ما هو فيه من العذاب والخطر والهلاك.
يقدم المسيح نفسه كالراعي الصالح الأمين المحب، الذي يبذل كل جهد في تفتيشه عن كل نفس ضالة بمفردها، بل يرثي لضعفها ويحنّ لشفائها ويحملها على كتفيه فرحاً، ويأتي بها إلى بيته، وبهذا يميّزها عن التي لم تضل، ثم يدعو للاشتراك معه في فرحه الملائكة والقديسين في السماء، الذين يفرحون بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلى توبة.
فمَنْ يتجاسر أن يصف حوادث السماء، وكيفية أفراح أهلها؟ لا حقَّ لأحد في ذلك إلا المسيح الذي كان منذ الأزل في حضن الآب، وقد نزل من السماء. ومن هُم الذين يصفهم بالتسعة والتسعين باراً الذين لا يحتاجون إلى توبة؟ ليسوا ملائكة. لأنه يقول إن الملائكة لا تفرح بهم كفرحها بالضال التائب. وليسوا بشراً صالحين، لأن الرسول بولس يقول: «لَيْسَ بَارٌّ وَلا وَاحِدٌ. ٱلْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً» (رومية 3: 10، 12). إذاً هم الذين يتوهّمون ويدَّعون خطأً أنهم أبرار. وهذا ما كان يفعله سامعو المسيح من الفريسيين، ويفعله خلفاؤهم في كل جيل.
لكن على فرض أن هؤلاء كانوا أبراراً ولم يضلُّوا، واعتُبرت قيمتهم مئة ضعف العشارين والخطاة والضالين، فإن الراعي السماوي لا يكتفي بهم ويترك المحتقرين والمرفوضين منهم، بل إنه يُسَرُّ بتوبة خاطئ واحد أكثر من الفرائض المقدسة التي يمارسها الرؤساء في الهيكل في صلوات وأصوام وتقدمات، لأنه جاء من السماء ليخلِّص الخطاة. ثم أنه لا ينتظر الخطاة ليأتوا إليه أولاً، بل هو يقصدهم ويجدهم ويحثُّهم على الرجوع إلى الله وإلى بيت أبيهم الأصلي الحقيقي. فلو كان الفريسيون مثل أهل السماء لفرحوا بما فرح له أهل السماء. والخاطئ الذي يعرف أن توبته تجعل أجراس السماء تقرع فرحاً، يجد دافعاً قوياً وشريفاً يسرع به إلى المخلِّص.