المعجزة الثالثة والعشرون إقامة لعازر

1 «كَانَ إِنْسَانٌ مَرِيضاً وَهُوَ لِعَازَرُ، مِنْ بَيْتِ عَنْيَا مِنْ قَرْيَةِ مَرْيَمَ وَمَرْثَا أُخْتِهَا. 2 وَكَانَتْ مَرْيَمُ، الَّتِي كَانَ لِعَازَرُ أَخُوهَا مَرِيضاً، هِيَ الَّتِي دَهَنَتِ الرَّبَّ بِطِيبٍ، وَمَسَحَتْ رِجْلَيْهِ بِشَعْرِهَا. 3 فَأَرْسَلَتِ الأُخْتَانِ إِلَيْهِ قَائِلَتَيْنِ: يَا سَيِّدُ، هُوَذَا الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ». 4 فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ، قَالَ: «هذَا الْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ، بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ اللّهِ، لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ اللّهِ بِهِ». 5 وَكَانَ يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا وَلِعَازَرَ. 6 فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مَرِيضٌ مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ يَوْمَيْنِ. 7 ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ قَالَ لِتَلامِيذِهِ: «لِنَذْهَبْ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ أَيْضاً». 8 قَالَ لَهُ التَّلامِيذُ: «يَا مُعَلِّمُ، الآنَ كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَرْجُمُوكَ، وَتَذْهَبُ أَيْضاً إِلَى هُنَاكَ». 9 أَجَابَ يَسُوعُ: «أَلَيْسَتْ سَاعَاتُ النَّهَارِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي النَّهَارِ لا يَعْثُرُ لأَنَّهُ يَنْظُرُ نُورَ هذَا الْعَالَمِ، 10 وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي اللَّيْلِ يَعْثُرُ، لأَنَّ النُّورَ لَيْسَ فِيهِ». 11 قَالَ هذَا وَبَعْدَ ذلِكَ قَالَ لَهُمْ: «لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ. لكِنِّي أَذْهَبُ لأُوقِظَهُ». 12 فَقَالَ تَلامِيذُهُ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كَانَ قَدْ نَامَ فَهُوَ يُشْفَى». 13 وَكَانَ يَسُوعُ يَقُولُ عَنْ مَوْتِهِ، وَهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَقُولُ عَنْ رُقَادِ النَّوْمِ. 14 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ حِينَئِذٍ عَلانِيَةً: «لِعَازَرُ مَاتَ. 15 وَأَنَا أَفْرَحُ لأَجْلِكُمْ إِنِّي لَمْ أَكُنْ هُنَاكَ، لِتُؤْمِنُوا. وَلكِنْ لِنَذْهَبْ إِلَيْهِ». 16 فَقَالَ تُومَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ لِلتَّلامِيذِ رُفَقَائِهِ: «لِنَذْهَبْ نَحْنُ أَيْضاً لِكَيْ نَمُوتَ مَعَهُ». 17 فَلَمَّا أَتَى يَسُوعُ وَجَدَ أَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فِي الْقَبْرِ. 18 وَكَانَتْ بَيْتُ عَنْيَا قَرِيبَةً مِنْ أُورُشَلِيمَ نَحْوَ خَمْسَ عَشْرَةَ غَلْوَةً. 19 وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ قَدْ جَاءُوا إِلَى مَرْثَا وَمَرْيَمَ لِيُعَزُّوهُمَا عَنْ أَخِيهِمَا. 20 فَلَمَّا سَمِعَتْ مَرْثَا أَنَّ يَسُوعَ آتٍ لاقَتْهُ، وَأَمَّا مَرْيَمُ فَاسْتَمَرَّتْ جَالِسَةً فِي الْبَيْتِ. 21 فَقَالَتْ مَرْثَا لِيَسُوعَ: «يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ ههُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي. 22 لكِنِّي الآنَ أَيْضاً أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَطْلُبُ مِنَ اللّهِ يُعْطِيكَ اللهُ إِيَّاهُ». 23 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «سَيَقُومُ أَخُوكِ». 24 قَالَتْ لَهُ مَرْثَا: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي الْقِيَامَةِ، فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ». 25 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، 26 وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهذَا؟» 27 قَالَتْ لَهُ: «نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ، الآتِي إِلَى الْعَالَمِ». 28 وَلَمَّا قَالَتْ هذَا مَضَتْ وَدَعَتْ مَرْيَمَ أُخْتَهَا سِرّاً، قَائِلَةً: «الْمُعَلِّمُ قَدْ حَضَرَ، وَهُوَ يَدْعُوكِ». 29 أَمَّا تِلْكَ فَلَمَّا سَمِعَتْ قَامَتْ سَرِيعاً وَجَاءَتْ إِلَيْهِ. 30 وَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ قَدْ جَاءَ إِلَى الْقَرْيَةِ، بَلْ كَانَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي لاقَتْهُ فِيهِ مَرْثَا. 31 ثُمَّ إِنَّ الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهَا فِي الْبَيْتِ يُعَزُّونَهَا، لَمَّا رَأَوْا مَرْيَمَ قَامَتْ عَاجِلاً وَخَرَجَتْ، تَبِعُوهَا قَائِلِينَ: «إِنَّهَا تَذْهَبُ إِلَى الْقَبْرِ لِتَبْكِيَ هُنَاكَ». 32 فَمَرْيَمُ لَمَّا أَتَتْ إِلَى حَيْثُ كَانَ يَسُوعُ وَرَأَتْهُ، خَرَّتْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَائِلَةً لَهُ: «يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ ههُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي». 33 فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي، وَالْيَهُودُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ، انْزَعَجَ بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ، 34 وَقَالَ: «أَيْنَ وَضَعْتُمُوهُ؟» قَالُوا لَهُ: «يَا سَيِّدُ، تَعَالَ وَانْظُرْ». 35 بَكَى يَسُوعُ. 36 فَقَالَ الْيَهُودُ: «انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ يُحِبُّهُ». 37 وَقَالَ بَعْضٌ مِنْهُمْ: «أَلَمْ يَقْدِرْ هذَا الَّذِي فَتَحَ عَيْنَيِ الأَعْمَى أَنْ يَجْعَلَ هذَا أَيْضاً لا يَمُوتُ؟». 38 فَانْزَعَجَ يَسُوعُ أَيْضاً فِي نَفْسِهِ وَجَاءَ إِلَى الْقَبْرِ، وَكَانَ مَغَارَةً وَقَدْ وُضِعَ عَلَيْهِ حَجَرٌ. 39 قَالَ يَسُوعُ: «ارْفَعُوا الْحَجَرَ». قَالَتْ لَهُ مَرْثَا، أُخْتُ الْمَيْتِ: «يَا سَيِّدُ، قَدْ أَنْتَنَ لأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ». 40 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ اللّهِ؟». 41 فَرَفَعُوا الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ مَوْضُوعاً، وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، 42 وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي». 43 وَلَمَّا قَالَ هذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجاً» 44 فَخَرَجَ الْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيلٍ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ». «45 فَكَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى مَرْيَمَ، وَنَظَرُوا مَا فَعَلَ يَسُوعُ، آمَنُوا بِهِ. 46 وَأَمَّا قَوْمٌ مِنْهُمْ فَمَضَوْا إِلَى الْفَرِّيسِيِّينَ وَقَالُوا لَهُمْ عَمَّا فَعَلَ يَسُوعُ. 47 فَجَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ مَجْمَعاً وَقَالُوا: مَاذَا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ هذَا الإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةً. 48 إِنْ تَرَكْنَاهُ هكَذَا يُؤْمِنُ الْجَمِيعُ بِهِ، فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا». 49 فَقَالَ لَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَيَافَا، كَانَ رَئِيساً لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ: «أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئاً، 50 وَلا تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلا تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا». 51 وَلَمْ يَقُلْ هذَا مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ إِذْ كَانَ رَئِيساً لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ، 52 وَلَيْسَ عَنِ الأُمَّةِ فَقَطْ، بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللّهِ الْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ. «53 فَمِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوهُ. 54 فَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ أَيْضاً يَمْشِي بَيْنَ الْيَهُودِ عَلانِيَةً، بَلْ مَضَى مِنْ هُنَاكَ إِلَى الْكُورَةِ الْقَرِيبَةِ مِنَ الْبَرِّيَّةِ، إِلَى مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا أَفْرَايِمُ، وَمَكَثَ هُنَاكَ مَعَ تَلامِيذِهِ» (يوحنا 11: 1-54).

 

جرت هذه المعجزة في قرية «بيت عنيا» على بعد ثلاثة كليومترات من أورشليم، والتي تغيَّر اسمها إلى قرية «اللعازرية» بسبب المعجزة التي جرت فيها.

 

حدثت هذه المعجزة مع أسرة تحب المسيح وأحبها هو أيضاً. كان لعازر الأخ الأكبر لهذه العائلة، والذي معنى اسمه «الله عون» وكان الله في عونه حقاً يوم عرَّفه به وأعطاه الحياة الجديدة، ثم لما أعاد له الحياة الجسدية بإقامته من الموت، ثم يوم أقام ضيفاً في بيته. ومرثا هي الأخت الكبرى، واسمها سرياني معناه «سيدة». وهو نفس الاسم «كيرية» في اللغة اليونانية، وقد كانت سيدة البيت المسئولة عنه، وطالما استضافت المسيح (لوقا 10: 40). ومريم الأخت الصغرى ومعنى اسمها «مُرَّة» وهي التي دهنت الرب بالطيب ومسحت رجليه بشعرها (متى 26: 6-13 ويوحنا 12: 3). وهي ليست المرأة الخاطئة التي كانت تسكن الجليل، وفعلت مع المسيح الشيء نفسه (لوقا 7: 37). كما أن مريم أخت لعازر ليست هي مريم المجدلية المذكورة في لوقا 8: 2، 3.

 

أولاً – المحتاجون والمعجزة

1 – لعازر:

يبدو أن لعازر هو المحتاج إلى المعجزة، ولكن هذا ليس صحيحاً لأنه بموته انتقل إلى السماء في حضرة الآب وكان مستمتعاً به، بعد أن دخل إلى فرح سيده، وتحققت له شهوة الرسول بولس: «لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. ذَاكَ أَفْضَلُ جِدّاً» (فيلبي 1: 23). كان لعازر يقول مع بولس: «جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ، وَأَخِيراً قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضاً» (2تيموثاوس 4: 6-8).

 

فمصلحة لعازر أن يكون مع المسيح، لأنه قد جاء وقت فكّه من مسئولياته ليدخل راحته الأبدية.

 

فليس لعازر هو المحتاج للمعجزة، ولكن الاحتياج الحقيقي كان لأختيه مرثا ومريم.

 

2 – الأختان:

أختان تحبّان الرب: فمريم إحدى الأختين هي التي دهنت الرب بطيب ومسحت رجليه بشعرها (آية 2) ومرثا هي التي كانت تقوم بواجب الضيافة للمسيح (لوقا 10: 38-42).

 

تعلمان حبّ الرب لهما: كان المسيح يحب تلك الأسرة وهي تعلم بهذا الحب، كما شهد يوحنا بذلك «فَأَرْسَلَتِ الأُخْتَانِ إِلَيْهِ قَائِلَتَيْنِ: «يَا سَيِّدُ، هُوَذَا الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ». وَكَانَ يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا وَلِعَازَرَ» (آيتا 3، 5)، وقال المسيح: «لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ. لكِنِّي أَذْهَبُ لأُوقِظَهُ» (آية 11) وبكى عند قبر لعازر عندما سمع عن موت حبيبه (آية 35). وشهد اليهود لهذا الحب وقالوا: «انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ يُحِبُّهُ» (آية 36).

 

(ج) تعاتبان الرب: المحبة تتوقّع كثيراً، وعندما لا يتحقّق ما تتوقعه تبدأ في العتاب. وكانت معاتبة الأختين للمسيح لأنهما أرسلتا إليه رسولاً تقولان: «الذي تحبه مريض». ولكنه لم يستجب لرسالة الرسول، فمات لعازر. وقالت له مرثا: «يا سيد، لو كنت ههنا لم يمت أخي» وكررت مريم نفس كلماتها (آيتا 21، 32).

 

ويعكس العتاب الحب والجهل. فالأبناء يحبون أباهم ولكن لا يدركون مقدار محبته هو لهم، فيعاتبونه لأنه لم يعطهم طلبهم، ولكنه دائماً يعطي أفضل مما يطلبون. والمسيح يسمح لنا بأن نعاتبه، ويوضح لنا أحياناً الحكمة التي جعلته يتصرف بطريقته التي تختلف عن توقّعاتنا وتوقيتنا حتى تطمئن نفوسنا وتستريح ضمائرنا.

 

(د) تؤمنان بالرب: وكان لإيمان الأختين بالرب ماضٍ وحاضر قوي، وله مستقبل أقوى. لقد دخل المسيح بيت الأختين وكان لعازر يستقبله مرحّباً، ومرثا كانت تجهز الطعام، أما مريم فقد جلست عند رجليه تستمع له. وعاتبته مرثا لأنه سمح لأختها أن تجلس عند قدميه وتتركها تخدم وحدها. وقبل المسيح عتاب مرثا، وشرح لها الموقف بقوله: «تَهْتَمِّينَ وَتَضْطَرِبِينَ لأَجْلِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَلكِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ. فَاخْتَارَتْ مَرْيَمُ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا» (لوقا 10: 41، 42). فهذه أسرة تؤمن وتحب وتستمر في حبها للرب، واختار المسيح بيت لعازر ليستريح فيه في أحد أيام أسبوع الآلام.

 

إن إيمان الأسرة، الذي كان له تاريخ وعمق هو إيمانٌ واثق، فقالت مرثا: «لكِنِّي الآنَ أَيْضاً أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَطْلُبُ مِنَ اللّهِ يُعْطِيكَ اللهُ إِيَّاهُ» (آية 22). ولهذا الإيمان مستقبل عظيم أيضاً، فقد قالت له مرثا عن أخيها: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي الْقِيَامَةِ، فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ» (آية 24). وعندما قال لها الرب: «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهذَا؟» قَالَتْ لَهُ: «نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ، الآتِي إِلَى الْعَالَمِ» (آيات 25-27).

 

ثانياً – المشاهدون والمعجزة

1 – التلاميذ:

يحبون المسيح، فعندما قال لهم: «لِنَذْهَبْ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ أَيْضاً» (آية 7) قالوا له: «يَا مُعَلِّمُ، الآنَ كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَرْجُمُوكَ، وَتَذْهَبُ أَيْضاً إِلَى هُنَاكَ؟!» (آية 8). ولهذا القول خلفية: «فَتَنَاوَلَ الْيَهُودُ أَيْضاً حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ.. فَطَلَبُوا أَيْضاً أَنْ يُمْسِكُوهُ فَخَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ» (يوحنا 10: 31، 39). فخاف التلاميذ على المسيح وطلبوا سلامته. ولكن عندما وجدوا أنه مُصِرٌّ على الذهاب لمكان الخطر، قال توما: «لِنَذْهَبْ نَحْنُ أَيْضاً لِكَيْ نَمُوتَ مَعَهُ» (آية 16) فاختاروا بذلك أن يكون مصيرهم هو مصيره واهتماماتهم اهتماماته، فكان فيهم فكر المسيح.

 

2 – المعزُّون

«وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ قَدْ جَاءُوا إِلَى مَرْثَا وَمَرْيَمَ لِيُعَّزُوهُمَا عَنْ أَخِيهِمَا» (آية 19) والمعزُّون كثيراً ما يكونون مُتعِبِين، كما قال أيوب لأصحابه: «مُعَّزُونَ مُتْعِبُونَ كُلُّكُمْ» (أيوب 16: 2).

 

وكان شك اليهود الحاضرين أكثر من إيمانهم. كانت قد مضت أربعة شهور على معجزة فتح عيني المولود أعمى، فتساءلوا: «أَلَمْ يَقْدِرْ هذَا الَّذِي فَتَحَ عَيْنَيِ الأَعْمَى أَنْ يَجْعَلَ هذَا أَيْضاً لا يَمُوتُ؟» (آية 37). ويعود شكهم إلى أنهم تعاملوا مع المسيح معاملة سطحية. فبالرغم من معرفتهم أنه سبق أن أقام موتى، لكنهم كانوا غير متأكدين إن كان يقدر على عمل معجزة مع لعازر الذي مات.

 

3 – القادة

كان ضمن المشاهدين رجال من السنهدريم الذين جمعوا مجمعاً وقالوا: «مَاذَا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ هذَا الإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةً. إِنْ تَرَكْنَاهُ هكَذَا يُؤْمِنُ الْجَمِيعُ بِهِ، فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا» (آيتا 47، 48). فقد فاق اهتمامُهم السياسي اهتمامَهم الروحي، وكانوا يخافون أن يُنصِّب الشعبُ المسيحَ ملكاً، لأنه المسيا المنتظر ملك إسرائيل، فيقمع الرومان ثورتهم، ويدمرون بلادهم ويقتلونهم. فقال قيافا رئيس كهنتهم: «خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلا تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا» (آية 50).

 

وتنبأ قيافا بغير أن يقصد أن المسيح يجب أن يموت، ليس عن الأمة فقط، بل ليجمع أبناء الله المتفرّقين إلى واحد. ونبوَّة قيافا هذه (من جانبه) رؤية سياسية خالية من المعنى الروحي، لكنها (في نظرنا الآن) تحتوي على معنى روحي عميق. وكلمات قيافا تشبه كلمات بلعام، عندما قال عن المسيح: «أُبْصِرُهُ وَلكِنْ لَيْسَ قَرِيباً» (العدد 24: 17). ولما سمع قادة اليهود الدينيون كلمات قيافا السياسية تشاوروا ليقتلوا المسيح، ثم أخذوا يخططون أيضاً لقتل لعازر، لأن قيامة لعازر برهان على إرسالية ومسياوية المسيح، ولهذا «تَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ لِيَقْتُلُوا لِعَازَرَ أَيْضاً، لأَنَّ كَثِيرِينَ مِنَ الْيَهُودِ كَانُوا بِسَبَبِهِ يَذْهَبُونَ وَيُؤْمِنُونَ بِيَسُوعَ» (يوحنا 12: 10 و11).

 

فليحفظنا الرب من أن يكون موقفنا من المسيح موقف العارف عنه، وليس العارف به، موقف الذي يملك قنطاراً من المعلومات ولا يملك درهماً من الاختبار!

 

ثالثاً – المسيح والمعجزة

1 – يرى المسيح ما وراء متاعب الحياة:

لما سمع المسيح عن مرض لعازر قال: «هذَا الْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ، بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ اللّهِ، لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ اللّهِ بِهِ» (آية 4) لقد عرف أن الأختين تعبتا وتتألمان، ولا أحد يلومهما على انزعاجهما. وبالرغم من ذلك لم يستجب دعوتهما لمعرفته أن مرض لعازر ليس للموت، ولكن لليقظة (آية 11): يقظة الأختين لقوة المسيح المحيية، ويقظة لعازر من قبره، ويقظتنا نحن لنعرف من هو المسيح.

 

فالمسيح يعلم ما وراء كل أزمة نمرّ بها، ويسمح بها لأنه يريد أن يتمجد فينا ويمجدنا ويصفّينا لنصير كالذهب، وينقّينا كالفضة، الممحوصة سبع مرات. فهناك حكمة في عمله، فإن كانت ريح الأزمة أقوى منّا، فهو يوقف الريح، أو يعطي قوة أكبر لنقاوم قوتها، لتصبح المقاومة بقوته هو.

 

عزيزي القارئ، إن كنت تمرّ بمصاعب، فليس هذا دليلاً على عقاب الله لك، لكن هدف المصاعب أن نستيقظ من غفوتنا ونسهر منتظرين مجيئه.

 

2 – يؤجّل المسيح الإجابة أحياناً:

يستجيب الرب أحياناً قبل أن نطلب، لأن أبانا السماوي يعلم ما نحتاج إليه قبل أن نسأله (متى 7: 8). ولكن في أحيان أخرى تتأجل الإجابة: «فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مَرِيضٌ مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ يَوْمَيْنِ» (آية 6). وكان المسيح وقتها في بيرية، فلا بد أن فيها أشخاصاً محتاجين لخدمته. نحن نرى حاجتنا فقط، ولكن المسيح يرى حاجتنا وحاجة غيرنا، فهو يعتني ويعطي ويخطط للجميع في نفس الوقت، لذا لم يغادر بيرية فور علمه بما أصاب حبيبه لعازر، لأن خدمته في بيرية لم تكن قد اكتملت بعد.

 

ولقد كان هذا التأجيل بركة لعائلة لعازر، ولنا نحن أيضاً. فلو كان المسيح وصل أثناء مرض لعازر لأجرى معجزة شفاءٍ من مرضٍ، مثل مئات المعجزات التي سبق أن أجراها. أما وقد مات لعازر، فكان لا بد من إجراء معجزة إقامة من الموت. فما أسعد أسرة لعازر! لقد دفعت ثمناً مؤقَّتاً لتنال ربحاً يدوم، ربحاً لها وربحاً للكنيسة كلها على مدى الأجيال، بعد أن سمعت إعلان المسيح: «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ» (آية 25).

 

3 – أسند المسيح قوله بأفعاله:

النبي الكذاب يقول ولا يفعل، ولكن النبي الصادق يُسند ما يقول بما يفعل. قال المسيح: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلا يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ» (يوحنا 8: 12). وبرهن صدق قوله هذا بفتح عيني المولود أعمى، وجعله يقول: «كُنْتُ أَعْمَى وَالآنَ أُبْصِرُ» (يوحنا 9: 25). وقال المسيح: «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ»(آيتا 25، 26). وأسند قوله العظيم هذا بأمره العظيم: «لِعَازَرُ هَلُمَّ خَارِجاً فَخَرَجَ الْمَيْتُ»(آيتا 43 و44). هذا هو الذي يُسند دعواه بما يفعل.

 

لم يكن هناك فارق بين سلوك المسيح وتعاليمه، ولم يأمر أتباعه بما لم ينفّذه، ولم يستَثْنِ نفسه من شيء من المبادئ التي نادى بها.

 

4 – المسيح الإنسان الكامل:

انزعج واضطرب: «فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي، وَالْيَهُودُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ، انْزَعَجَ بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ» (آية 33) و «انْزَعَجَ يَسُوعُ أَيْضاً فِي نَفْسِهِ وَجَاءَ إِلَى الْقَبْرِ» (آية 38).

 

لكلمة «انزعج» معنيان في اللغة اليونانية: بمعنى حزن، لأن الموت دخل إلى العالم واجتاز إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع. وهو جاء ليخلِّصهم.. وبمعنى غضب من نفاق ورياء المعزّين وقادة اليهود الذين لم يكن يعنيهم أمر لعازر ولا أمر الأختين، بدليل أنهم كانوا يريدون قتل لعازر بعد أن قام من الموت.

 

أمر برفع الحجر: ونرى إنسانيته أيضاً في الآية 39 عندما قال: «ارْفَعُوا الْحَجَرَ». فرغم أنه يقدر أن يقول كلمة يزحزحه بها، ولكنه يحتاج للبشر لرفع الحجر ليُظهر: صدق المعجزة، في أن لعازر لم يكن مغمى عليه، لكنه كان قد مات فعلاً.. ثم ليرى الجمع كله المعجزة ويؤمنون، فلا يقول أحد إن هناك مؤامرة أو اتفاقاً مع عائلة لعازر لاختلاق معجزة يخدع بها الناس.

 

صلّى: نرى المسيح المصلي يقول: «أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، 42 وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي» (آيتا 41، 42). وهذه هي العلاقة الجميلة بين الابن وأبيه السماوي، فالابن يكرم الآب، والآب يكرم الابن. وللابن شركة وأُنسٌ مع أبيه في صلة لا تنقطع.

 

5 – المسيح الإله الكامل:

قال: «لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجاً» (آية 43) فخرج الميت فوراً. قال أحد الأتقياء: «لو كان المسيح قال: هلم خارجاً (دون تحديد اسم) لخرج كل موتى القبور! ولكنه حدَّد لعازر بالاسم، فقام لعازر وحده».

 

كان سلطان المسيح واضحاً على الأرواح، في عودة روح لعازر من الفردوس إلى الجسد، بعد أن غادرته أربعة أيام. وكان سلطان المسيح واضحاً على الأجساد في قيامة الجسد سليماً بعدما أنتن! «وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ» (يوحنا 1: 4، 5).

 

من ذا الذي يأمر عالم السماء وعالم الأرض، إلا الذي قال عن نفسه: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ» (متى 28: 18).

 

وبهذا السلطان السماوي يدعوك المسيح الآن لتقوم من موت خطاياك إلى حياة جديدة معه، فهو القائل: «مَنْ يَسْمَعُ كَلامِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلا يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ» (يوحنا 5: 24).

 

صلاة

أبانا السماوي، أتت ساعةٌ وهي الآن، حين يسمع الأموات صوت المسيح العظيم، والسامعون يحيون. أعطنا أن نكون ضمن هؤلاء الذين يسمعون، فتبعثهم من موت الخطية إلى الحياة الحقيقية، المتجددة دوماً، فالمسيح هو القيامة وهو الحياة. باسم المسيح. آمين.

 

أسئلة

ما معنى اسم «لعازر»؟وكيف حقَّق المسيح للعازر معنى اسمه؟

ما معنى اسم «مرثا»؟وكيف تحقق لها معنى اسمها؟

لماذا لم يكن لعازر محتاجاً للمعجزة؟

كيف بيَّن التلاميذ محبتهم للمسيح؟

هل كان قيافا نبياً؟ وكيف تحقق قوله عن موت واحدٍ عن الشعب؟

لماذا تأخر المسيح عن تلبية دعوة مريم ومرثا؟

لماذا طلب المسيح أن يرفعوا الحجر عن القبر؟

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي