الفصل الرابع


مجمع نقية أسباب


إ


نعاقده


وما دار فيه حول عقيدة المسيح

 


1 – الأحداث التي أدت إلى عقد مجمع نيقية:

 كان تعليم أريوس الذي نادى به والتعبيرات التي استخدمها، والتي لا مثيل لها في الكتاب المقدس ولم يستخدمها أحد من آباء الكنيسة من قبل، مطلقا، سبب صدمة شديدة لمعاصريه من آباء الكنيسة في الشرق والغرب. ونظرا لخطورة هرطقته، فقد حاول البابا الكسندروس بطريرك الإسكندرية التاسع عشر (312 – 328م) إقناعه بخطأ تعليمه المضاد لما جاء في الكتاب المقدس وما تسلمته الكنيسة الجامعة عن رسل المسيح ”
الإيمان المسلم مرة للقديسين” (يه1: 3)، ولكنه أصر على هرطقته فجرده من كهنوته، وعقد مجمع في الإسكندرية سنة 321م، حضره حوالي 100 أسقف من مصر وليبيا، وناقش تعاليمه الهرطوقية فأيد حرمه وتجريده من الكهنوت. لكن أريوس لم يقبل بحكم هذا المجمع وأرسل خطابات إلى بعض الأساقفة خاصة الذين ينتمون إلى مدرسة لوسيان وعلى رأسهم يوسابيوس أسقف نيقوميديا، والذي كان صديقه وأحد زملائه في مدرسة لوسيان بإنطاكية ومؤيدا له، والذي كتب يقول له ” نحن نضطهد لأننا

نقول أن للابن بداية
، وأن الله بلا بداية، هذا هو سبب اضطهادنا، وأيضا لأننا

نقول أنه من العدم
(اللاوجود –

ex nihilo
)، ونقول هذا لأنه ليس جزءًا من الله، ولا من كيان جوهر ”

(1)
.

 وأرسل البابا ألكسندروس خطابات لكثيرين من الأساقفة ليشرح لهم فيها أفكار أريوس الهرطوقية وكيف أنه حاد عن العقيدة الرسولية وأنه لم يظلمه بتجريده من الكهنوت

(2)
. وفي إحدى رسائله التي شرح فيها فكر أريوس الهرطوقي بالتفصيل لأليكساندر أسقف القسطنطينية، شرح إيمانه هو كما تسلمته الكنيسة من الرسل ”

ونؤمن كما علمتنا الكنيسة الرسولية

بآب غير مولود، ليس له مُوجد ثابت وغير متغير، الموجود دائما في حالة واحدة من الوجود، غير قابل للزيادة أو النقصان، الذي أعطى الناموس والأنبياء والإنجيل 000
وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد، مولود، ليس مما لم يكن (من اللاوجود)، بل من الآب
“. وهذا هو جوهر قوانين الإيمان التي علم بها الرسل وآباء الكنيسة مع التأكيد على أن الابن مولود من الآب وليس مما لم يكن (من العدم) كما علم أريوس وأتباعه.

 ثم عقُد مجمع في بيثينيا
Bithynia
فأيد هذا المجمع أريوس، نتيجة لنفوذ وتأثير يوسابيوس أسقف نيقوميديا وأتباع مدرسة لوسيان. ولكن البابا ألكسندروس رفض قرار المجمع. ونظرا لأن ذلك سبب الكثير من المشاكل الدينية والسياسية، فخشي الملك قسطنطين، الذي وحّد الإمبراطورية الرومانية سنة 324م بضم القسم الشرقي منها، بعد سلسلة من الحروب والقلاقل والاضطرابات، من حدوث اضطرابات أكثر ضراوة فأرسل مستشاره الكنسي الأسقف هوسيوس، أسقف قرطبة بأسبانيا، والذي كان لاهوتيا معروفا، ليعرف الحقيقة وقد حمل رسالتين لكل من للبابا الكسندروس وأريوس. ولما وصل إلى الإسكندرية وشاهد مدى الصراع والاضطرابات، وبعد دراسته للموضوع وتعرفه على ما نادى به أريوس وكشفه لحقيقته رفض فكر أريوس باعتباره هرطقة مخالفة لتعليم الكنيسة وما تسلمته عن رسل المسيح واتفق تماما مع البطريرك.

 وعقد مجمع جديد في إنطاكية، مقر تلاميذ لوسيان ومؤيدي أريوس، في بداية سنة 325م، ومع ذلك أدان كل الذين حضروا هذا المجمع أريوس، عدا ثلاثة فقط. ولكن الأمور لم تحسم والمشاكل لم تنتهي، فتقرر عقد مجمع مسكوني في أنقيرا. وعاد الأسقف هوسيوس وقدم تقريره للإمبراطور الذي أرسل خطابا إلى جميع الأساقفة وتقرر عقد مجمع مسكوني في نيقية القريبة من القصر الإمبراطوري في نيقوميديا بآسيا الصغرى ولأنها ميناء يسهل الوصول إليه ولقربها النسبي لأساقفة الغرب، يحضره ممثلون عن كل الكنائس في العالم المسيحي شرقا وغربا.


 


2- انعقاد مجمع نيقية:

 أنعقد مجمع نيقية، المجمع المسكوني الأول للكنسية الجامعة الرسولية، في مدينة نيقية بآسيا الصغرى، تركيا حالياً، في 19 يونية من سنة 325م واستمر انعقاده حوالي شهرين
شهرين

(3)
، وحضره 318 أسقفا

(4)
، كممثلين لكنائسهم في الشرق والغرب، يشكلون حوالي سدس أساقفة العالم المسيحي في ذلك الوقت، كانت غالبيتهم من الشرق الذي خرجت منه هذه الهرطقة أما الغرب فكان بعيد عنها وعن تأثيرها لذا فقد كان أساقفة الغرب هم أول من أيدوا البطريرك ألكسندروس وحرموا تعاليم أريوس، كما حضر أيضا عدد من القسوس والشمامسة

(5)
.

(6)

 وكان من بين الذين حضروا المجمع، ومن أشهرهم في ذلك الوقت مكاريوس أسقف أورشليم وأسطاسيوس أسقف إنطاكية وهباثيوس أسقف غنغرة والبابا أليكساندروس بطريرك الإسكندرية ومعه عدد من الأساقفة، وكان أبرز من حضروا معه، أيضا، شماسه أثناسيوس، الذي خلفه على كرسي مار مرقس والذي كان في التاسعة والعشرين من عمره، والذي يصفه أغريغوريوس النيزنزي بأنه كان أعظم المرافقين للأساقفة، وكان له الدور الأكبر في المناقشات التي دارت في المجمع، وفي الرد على ما ادعاه أريوس من بدع وهرطقات وتقديم الإيمان الرسولي كما سلمه الرسل للكنيسة، سواء في المجمع أو بعد ذلك، لذا دعي بأثناسيوس الرسولي. يقول عنه هنري نيومان ”
هذا الرجل الفائق 000 هو أداة رئيسية بعد الرسل، سلمت الحقائق المسيحية القدسية وأمّنت بالكلمة

(7)
.

 كما حضر أريوس ومعه مجموعة من مؤيديه وكان من أهمهم مينوفانتوس أسقف أفسس وباتروفيلوس أسقف تيسوبوليس وثيوجانيس أسقف نيقية ونارسيسوس أسقف نيرونياس وثيوناس أسقف مارمريكا وسكندوس أسقف بطلومايس بمصر، ثم يوسابيوس أسقف نيقوميدية الذي كان أكثرهم جدالا ومراوغة وتلاعبا بالألفاظ، كما كان دائم التظاهر بالموافقة على اعتقاد الأساقفة المستقيمي الرأي في حين أنه يبطن غير ذلك. ولذا فقد أضطر أن يوافق على اعتراف أو قانون إيمان نيقية في الظاهر فقط ولكنه سبب الكثير من الصراعات والمشاكل في الكنيسة بعد ذلك.

 وطلب الملك قسطنطين من الحضور، كما يقول ثيودوريت، أن يناقشوا هذه الأمور اللاهوتية بسلام قائلا: ”
لأن الأناجيل والكتابات الرسولية وأقوال الأنبياء الإلهية تعلمنا بوضوح ما يجب أن نؤمن به فيما يختص بالطبيعة الإلهية، فلننبذ كل الخلافات المثيرة للمشاكل، ولنبحث في كلمة الله الموحى بها عن حل لهذه الأسئلة في هذه المسألة

(8)
.

 كان هم الإمبراطور هو استتباب السلام والأمن في الإمبراطورية وعودة الانسجام إلى الكنيسة، وكان هم الأساقفة إلى جانب ذلك، هو توضيح الحقائق اللاهوتية.

 وبدأ الحاضرون في دراسة ومناقشة أفكار وتعاليم أريوس في ضوء الكتاب المقدس وما تسلمته الكنيسة عن رسل المسيح، ”
الإيمان المسلم مرة للقديسين“، وكان فكرهم مركزا على حقيقة جوهرية هي ما جاء في التسليم الرسولي ومقارنة أفكار وتعاليم أريوس به، كما يقول أحد الدارسين ”

كان همهم الدائم التفتيش عن أمر واحد لا غير وهو ما الذي تسلموه؟
“، وكان واجبهم هو ”

أن يسلموا للمؤمنين ما تسلمته الكنيسة بأمر الرب


(9)
. يقول القديس أثناسيوس الرسولي في مقدمة رده على الأريوسية: ”

ولذلك فنحن أيضا الذين اتخذنا تعاليمنا من الرسل المغبوطين الذين خدموا إنجيل المخلص


(10)
.

 وأعطيت الفرصة كاملة لأريوس ومؤيديه لشرح أفكارهم وعقيدتهم، يقول المؤرخ روفينوس أن الأساقفة كانوا يجتمعون يوميا ويتداولون بكل صبر وإسهاب، حتى أنهم نادوا أريوس مرارا وطالبوه أن يوضح معتقده بكل صراحة، كما استمعوا لأتباعه والمقتنعين برأيه والذين كان أشرهم يوسابيوس النيقوميدي الذي حاول أن يخفي نفسه متظاهرا بالموافقة على اعتقاد الأساقفة المستقيمي الرأي

(13)
.

 كان المؤيدون لأريوس قليلين في المجمع، وقد جلسوا بجواره، وصاغوا هرطقتهم في صيغ محددة وقدموها مكتوبة للمجمع. ويبدو أن المشكلة الحقيقية التي أنعقد من اجلها المجمع لم تكن واضحة في أذهان الغالبية الكبرى من أعضائه، ولم تكن هرطقة أريوس واضحة لهم لأن الأريوسيين كانوا يقولون:

أن المسيح إله وابن الله وأنهم يعبدونه ويسجدون له
وكانوا يؤيدون أفكارهم، والتي لم يكن قد وضح معناها أمام أعضاء المجمع، بآيات من الكتاب المقدس

(14)
. لذا فبمجرد قراءة هذه الصيغ الأريوسية ومعرفة الآباء لحقيقة محتواها هاجوا هياجا شديداً، يقول المؤرخ ثيودوريت: ”
وبمجرد قراءة الأعضاء لها مزقوها إلى قطع وأعلنوا أنها كاذبة وفاسدة. وهاج الجميع ضدهم هياجا عظيما، ووبخهم البعض بشدة على خيانتهم للإيمان، لدرجة أن كل أتباع أريوس، فيما عدا سكوندوس وثيوناس، تحولوا ضده ”

(15)
.

 ويقول القديس أثناسيوس الرسولي، في دفاعه عن تحديدات مجمع نيقية “
Defence of The Nicene Definition
” كانت التعبيرات التي استخدموها مليئة بالفجور، إلا أن الأساقفة المجتمعين، والذين كانوا نحو ثلاثمائة، طلبوا منهم بلطف ومحبة أن يشرحوا ويدافعوا عن أنفسهم على أسس تقية، وبصعوبة بدءوا يتكلمون، وعندئذ أختلف الواحد منهم عن الآخر، وإذ أدركوا ساعتها الشدة والضيقة التي وقعت فيها بدعتهم، ظلوا خُرْساً، وبسكوتهم اعترفوا بالعار والخزي الذي حل على هرطقتهم. وبناء على ذلك، فأن الأساقفة، بعد أن رفضوا التعبيرات التي كانوا قد اخترعوها (الأريوسيين) أعلنوا الإيمان الصحيح والكنسي ضدهم، وإذ أقره المجمع، أقره يوسابيوس وأتباعه بهذه الكلمات عينها ”

(16)

 كان اتجاه المجمع في البداية أن يضع صيغة إيمان ترفض الفكر الأريوسي والصيغ التي أستخدمها أريوس وأتباعه، خاصة تعبيرات مثل ”
الابن مخلوق من العدم” و ”
لم يكن موجودا قبل ميلاده“، أي من الآب، و ”
متغير” 00 الخ، وتوضيح الإيمان المستقيم الذي للكنيسة الجامعة أن لا يستخدموا فيها إلا آيات الكتاب المقدس فقط، إلا أنهم وجدوا أن هذه يمكن أن يفسرها الأريوسيون بغير معناها. ” وقد وصف أثناسيوس بكثير من الحذق ما قرأه من أفكار البعض إذ كان يراهم يشيرون برؤوسهم ويغمزون بعيونهم كلما أقترح الأرثوذكسيين عبارات كانوا يرون أن لهم فيها مخرجا من قيود معناها. وبعد محاولات عديدة من هذا النوع تبين لهم أنه لا غنى لهم عن إيجاد عبارات أوضح وأدق دلالة وخالية من كل غموض فيثبتها المجمع إذا كان القصد الوصول إلى وحدة حقيقة الإيمان ”

(17)
.

 ويقول القديس أثناسيوس الرسولي: ” إذ كان المجمع يريد أن يدحض تعبيرات المروق التي للأريوسيين، ويستخدم بدلا منها
الكلمات المعترف بها والتي للأسفار الإلهية،أي أن الابن ليس من العدم بل ”
من الله” وأنه هو ”
كلمة” و ”
حكمة” وليس خلقة أو صنعة، بل هو ابن حقيقي للآب، وإذ يوسابيوس وأتباعه منقادين ببدعتهم العنيدة، يفهمون عبارة ”
ابن الله” كأنها تخصنا نحن، كما لو كان كلمة الله لا يختلف عنا في أي شيء 000

لذلك لأن الآباء كانوا يفهمون خداعهم ومراوغتهم ومكرهم وفجورهم، كانوا مرغمين على أن يعبّروا بتمييز ووضوح أكثر عن معنى الكلمات ” من الله “. وبالتالي كتبوا ” من جوهر الله “، لكي لا تعتبر عبارة ” من الله ” كأنها مشتركة ومتساوية في الابن وفي الأشياء المخلوقة، بل يعترف بأن كل الأشياء الأخرى هي مخلوقات وأن الكلمة وحده هو من الآب.
إذ بالرغم من أنه قيل أن جميع الأشياء من الله، إلا أن ليس هذا بالمعنى الذي به الابن من الآب. إذ فيما يخص المخلوقات، قيلت عنهم عبارة ”
من الله” في هذا الصدد بمعنى أنهم لم يوجدوا عشوائيا أو تلقائيا، ولا جاءوا إلى الوجود بالصدفة 000 بل بمعنى أنه (بينما الله كائن وموجود) به جُلبت كل الأشياء إلى الوجود – والتي لم تكن موجودة قبلا –
بكلمته.
أما بالنسبة للكلمة، فإذ هو ليس مخلوقاً، لذلك هو الوحيد الذي يسمى – وهو فعلا كذلك – ” من الآب“، ومن الهام بهذا المعنى أن نقول أن الابن هو ”
من جوهر الآب” إذ لا ينطبق هذا على أي شيء مخلوق. وحقا عندما يقول بولس ”
من الله جميع الأشياء” يضيف على الفور ”

ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء
” (1كو6: 8) لكي يظهر لجميع الناس أن الابن مختلف عن جميع الأشياء التي وجدت من الله (لأن الأشياء التي وُجدت من الله وجُدت بابنه) 000

إذ لا الأشياء الأخرى مثل الابن ولا الكلمة واحد ضمن آخرين، لأنه رب وخالق الكل. وبناء على هذا، أعلن المجمع المقدس بوضوح أنه من جوهر الآب


(18)
.

 ويضيف ” أيضا عندما قال الأساقفة أن الكلمة لابد أن يُصف بأنه القوة والصورة الحقيقية للآب، وأنه في جميع الأمور مماثل للآب، وأنه غير متغير، وأنه موجود دائما، وأنه فيه (في الآب) بدون انقسام (لأن الابن لم يكن قط غير موجود، بل كان موجودا دائما، كائنا أزليا مع الآب كمثل شعاع النور)، عندما قال الأساقفة ذلك، أحتمل يوسابيوس وأتباعه فعلا – لأنهم لم يجرؤا على أن يخالفوا – أن تخزيهم الحجج التي قدمت ضدهم، لكن بالرغم من ذلك، ضبطوا وهم يهمسون لبعضهم البعض ويغمزون بعيونهم أن (التعبيرات) ” شبه ” و ” دائما ” و ” قوة ” و” فيه ” – كما كانت قبلا – مشتركة بيننا وبين الابن، وأنه ليس صعبا أن يوافقوا عليها 000 لذلك اضطروا (الآباء) ثانية من جانبهم أن يجمعوا من الأسفار الإلهية، وأن يقولوا ثانية ويكتبوا ثانية، بوضوح وتحديد أكثر، ما كانوا قد قالوه قبلا، أي أن الابن هو ” مساو في الجوهر ” للآب، موضحين أن الابن هو من الآب، وليس مجرد شبه بل هو مثل الآب تمام، مظهرين أن شبه الابن وعدم تغيره يختلف عن شبهنا نحن لله والذي نناله من الفضيلة على أساس حفظ الوصايا 000 لكن ميلاد الابن ليس بحسب طبيعة الناس، وهو ليس فقط مثل الآب، بل وأيضا غير منفصل عن جوهره، وهو والآب واحد، كما قال هو نفسه، ولأن الكلمة هو دوما في الآب والآب في الكلمة، كما الشعاع بالنسبة للضوء (لأن التعبير نفسه يوضح ذلك)، لذلك فإن المجمع إذ وعى وفهم ذلك، كتب بطريقة مناسبة تعبير ” مساو في الجوهر ” لكي يهدموا ضلال الهراطقة،
ولكي يظهروا أن الكلمة مختلف عن الأشياء المخلوقة. لأنهم بعد أن كتبوا هذا أضافوا على الفور ”
أما هؤلاء الذين يقولون أن ابن الله هو من العدم، أو مخلوق، أو متغير، أو صنعة، أو من جوهر آخر، فهؤلاء تحرمهم الكنيسةالجامعة “. وبقولهم هذا أعلنوا بوضوح وتحديد أن التعبيرات ”
من جوهر” و ”
مساو في الجوهر” تدحض شعارات الفجور مثل ” مخلوق ” و ” صنعة ” و ” مبتدئ ” و ” متغير ” و “لم يكن موجودا قبل ميلاده


(19)
.

 

3 –
قوانين الإيمان السابقة لمجمع نيقية وقانون إيمان أريوس:

 كان الإيمان المسيحي بوحدانية الله الجامعة، الآب والابن والروح القدس، كما سلمه الرسل لخلفائهم ولكل المؤمنين في الكنيسة الأولى مصاغ في قوانين للإيمان يعترف بها المؤمن عند عماده. وهذه القوانين لم تختلف كثيرا، كما سنرى، عن القانون الذي وُضع في مجمع نيقية إلا في تحديد بعض الأمور والكلمات والألفاظ التي كان يعترف بها أريوس وأتباعه، كما سنرى في قانون إيمان أريوس نفسه، ولكن يفسرونها بحسب فكرهم وهرطقتهم!! لذا كان على الكنيسة أن تستخدم بعض العبارات التي تتطابق مع فكر الكتاب المقدس وآياته وتكون في تعبيرها عن العقيدة ومعناها غير قابل للتأويل الهرطوقي. وفيما يلي هذه القوانين التي كانت مستخدمة في جميع الكنائس في الشرق والغرب:

 


(1) قانون إيمان الرسل (القرن الأول):

” 1 – أؤمن بالله الآب ضابط الكل (خالق السماء والأرض)؛ 2 – وبيسوع المسيح،

أبنه الوحيد، ربنا
، 3 – الذي (حبل) به بالروح القدس، وُلد من العذراء مريم؛ 4 – (تألم) في عهد بيلاطس البنطي، وصُلب (ومات) ودُفن؛ 5 – (ونزل إلى الجحيم)، وفي اليوم الثالث قام من الأموات؛ 6 – صعد إلى السموات وجلس عن يمين (الله) الآب (ضابط الكل)؛ 7 – من ثم يأتي ليدين الأحياء والأموات. 8 – و(أومن) بالروح القدس؛ 9 – والكنيسة المقدسة (الجامعة)، (وشركة القديسين)؛ 10 – وغفران الخطايا؛ 11 – وقيامة الجسد؛ 12 – (والحياة الأبدية).


 


(2) قانون إيمان القديس إيريناؤس

بلاد الغال، فرنسا حاليا، (عام 170م):

1 – نؤمن 000 بإله واحد الآب ضابط الكل، خالق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها؛ 2 –

وبيسوع المسيح، الواحد، ابن الله (ربنا)
، 3 – الذي صار جسداً (من العذراء) لأجل خلاصنا؛ 4 – وآلامه (في عهد بيلاطس البنطي)، 5 – وقيامته من الأموات؛ 6 – وصعوده إلى السموات جسديا؛ 7 – ومجيئه من السموات في مجد الآب لكي يضم كل الأشياء في رأس واحد 00 ويجري حكما عادلاً على الجميع. 8 – وبالروح القدس 000؛ 11 – وأن المسيح سيأتي من السموات ليقيم كل جسد 000 وليدين الأشرار والظالمين في نار الأبدية، 12 – ويعطي المستقيمين والقديسين خلودا ومجداً أبدياً.


 


(3) العلامة ترتليان،

من شمال أفريقيا (200م):

” 1 – نؤمن بإله واحد، خالق العالم، الذي أوجد الكل من عدم 000؛ 2 –
وبالكلمة أبنه يسوع المسيح؛ 3 – الذي نزل إلى العذراء من خلال روح الله الآب وقوته، وصار جسدا في أحشائها وولد منها؛ 4 – ثُبّت على الصليب (في عهد بيلاطس البنطي)، مات ودُفن؛ 5 – قام في اليوم الثالث؛ 6 – رُفع إلى السموات وجلس عن يمين الله الآب؛ 7 – سيأتي ليدين الأحياء والأموات. 11 – وأن المسيح سيتقبل قديسيه بعد استعادة الجسد؛ 12 – في متعة الحياة الأبدية، ومواعيد السماء، ويدين الأشرار بنار أبدية.


 


(4) القديس كبريانوس

، من قرطاجنة (250م):

1 – نؤمن بالله الآب، 2 – وبابنه المسيح، 8 – بالروح القدس، 9 – أومن بغفران الخطايا، 12 – والحياة الأبدية خلال الكنيسة المقدسة.


 


(5) نوفاتيان، من روما

(250م):

1 – نؤمن بالله الآب والرب ضابط الكل. 2 – بابن الله، يسوع المسيح، الله ربنا، 8 – بالروح القدس (الموعود به منذ القديم للكنيسة، وأعطي في الوقت المعين والمناسب).


 


(6) العلامة أوريجانوس،

من الإسكندرية (230م):

نؤمن بإله واحد، الذي خلق وأوجد كل شيء. الذي في آخر الأيام أرسل 2 – ربنا يسوع المسيح. مولودا من الآب قبل كل الخليقة. 3 – مولودا من العذراء ومن الروح القدس. تجسد وهو لا يزال الله. 4 – تألم حقا، ومات، 5 – قام من الأموات 6 – ورُفع 00 8 – الروح القدس، متحدا في كرامة وجلال الآب والابن.


 


(7) – أغريغوريوس أسقف قيصرية الجديدة

:

 1 – نؤمن بالله الآب، 2 – برب واحد. إله من إله، صورة وشكل اللاهوت. الحكمة والقدرة التي أوجدت كل الخليقة، الابن الحقيقي للآب الحقيقي. 8 – بروح قدس واحد، خادم التقديس، فيه يعلن الله الآب، الذي فوق كل الأشياء، ويعلن الله الابن الذي هو خلال كل الأشياء. ثالوث كامل، غير منقسم ولا مختلف في المجد، والأبدية والسلطان.


 


(8) لوقيانوس، أو لوسيان

(مُعلم أريوس)، إنطاكية (300م):

 1 – نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل، خالق كل شيء، والمعتني بكل شيء؛ 2 –

وبرب واحد يسوع المسيح أبنه، المولود من الآب قبل كل الدهور، إله من إله،الحكمة، الحياة، النور.
3 – الذي وُلد من عذراء حسب الكتب، وتأنس؛ 4 – الذي تألم من أجلنا، 5 – وقام من أجلنا في اليوم الثالث؛ 6 – وصعد إلى السموات، وجلس عن يمين الله الآب؛ 7 – وسيأتي أيضا بقوة ومجد ليدين الأحياء والأموات. 8 – وبالروح القدس، المعطى للتعزية والتقديس والكمال للذين يؤمنون.


 


(9) يوسابيوس، أسقف قيصرية (325م):


 

1 – نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل، خالق كل شيء، ما يرى وما لا يرى؛ 2 –

وبرب واحد يسوع المسيح، كلمة الله، إله من إله، نور من نور، حياة من حياة، الابن الوحيد، بكر كل الخليقة، مولود من الآب قبل كل الدهور، به كان كل شيء
. 3 – الذي من أجل خلاصنا صار جسدا بين البشر؛ 4 – وتألم، 5 – وقام في اليوم الثالث؛ 6 – وصعد إلى الآب؛ 7 – وسيأتي بمجد ليدين الأحياء والأموات. 8 – نؤمن أيضا بالروح القدس.


 


(10) أقرار الإيمان كما قدمه أريوس للملك قسطنطين

(20)
:


 

1 – نؤمن بإله واحد، الآب القدير؛ 2 –

وبالرب يسوع المسيح ابنه، المولود منه قبل كل الدهور، الله الكلمة الذي به صنع كل شيء، ما في السموات وما على الأرض.
3 – الذي من نزل وصار متجسدا؛ 4 – وتألم، 5 – وقام ثانية؛ 6 – وصعد إلى السموات؛ 7 – وسيأتي ثانية ليدين الأحياء والأموات. 8 – [ونؤمن] أيضا بالروح القدس. 9 – وبقيامة الجسد وحياة الدهر الآتي، وبملكوت السموات، 10 – وبكنيسة الله الواحدة الجامعة، الممتدة من أقصى الأرض إلى أقصاها.

 الإيمان الذي استلمناه من الأناجيل المقدسة، حيث يقول الرب لتلاميذه – ” اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس “. وإذا كنا لا نؤمن هكذا ونقبل حقا الآب والابن والروح القدس، مثل كل الكنيسة الجامعة وكما تعلم الأسفار المقدسة (التي نؤمن بها ونوقرها جدا)، فالله دياننا الآن وفي الدينونة الآتية “.


 


(11) كيرلس الأورشليمي (350م):


 

1 – نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل، خالق السماء والأرض، ما يرى وما لا يرى؛ 2 – وبرب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، مولود من الآب قبل كل الدهور، إله حق، به كان كل شيء. 3 – تجسد وتأنس؛ 4 – صلب ودفن. 5 – قام في اليوم الثالث؛ 6 – وصعد إلى السموات وجلس عن يمين الآب؛ 7 – وسيأتي في مجد، ليدين الأحياء والأموات، ليس لملكه انقضاء. 8 – وبروح قدس واحد، البارقليط الناطق في الأنبياء. 9 – وبمعمودية واحدة للتوبة لمغفرة الخطايا، 10 – وبكنيسة واحدة مقدسة جامعة، 11 – وبقيامة الجسد، 12 – وبالحياة الأبدية.

 

 ونلاحظ في قوانين الإيمان التي للوقيانوس معلم أريوس ويوسابيوس أسقف قيصرية وأريوس نفسه تأكيد على كون المسيح، الابن، ابن الله، المولود من الآب قبل كل الدهور، وأنه إله من إله ونور من نور وأنه الله الكلمة!! فيقول لوسيان: ”

وبرب واحد يسوع المسيح أبنه، المولود من الآب قبل كل الدهور، إله من إله،الحكمة، الحياة، النور“.
ويقول يوسابيوس:

وبرب واحد يسوع المسيح، كلمة الله، إله من إله، نور من نور، حياة من حياة، الابن الوحيد، بكر كل الخليقة، مولود من الآب قبل كل الدهور، به كان كل شيء
“. ويقول أريوس: ”

وبالرب يسوع المسيح ابنه، المولود منه قبل كل الدهور، الله الكلمة الذي به صنع كل شيء، ما في السموات وما على الأرض“.

 ومن ثم تبدو هذه الصيغ الإحدى عشرة للإيمان متشابهة ومتماثلة في جوهرها، بما فيها، بل وعلى رأسها، إقرارات إيمان لوسيان ويوسابيوس أسقف قيصرية وأريوس، إلى حد كبير، والفروق بينها طفيفة جدا وغير جوهرية. وجميعها مأخوذة من آيات الكتاب المقدس، أو مبنية على أساس آياته الإلهية.

 فما هي المشكلة إذا، وكيف ظهرت هرطقة أريوس إذا كان إقرار إيمانه مماثل لإقرار إيمان جميع آباء الكنيسة السابقين عليه؟!!

 والإجابة هي أن الكنيسة ظلت تبشر بالمسيح في العالم أجمع لكل الأمم بهذا الإيمان مع بساطته، وكانت مشغولة بالكرازة المصحوبة باضطهادات عنيفة وقاسية ومريرة للدرجة التي حاول فيها أباطرة الرومان في القرون الثلاثة الأولي القضاء على المسيحية وإبادة المسيحيين نهائيا من على وجه الأرض، ولم تسمح لها الظروف لشرح عقيدتها في المسيح ووضعها في صيغ لاهوتية محددة. وكان المؤمنون يكفيهم ما يسمعونه أو يقرءونه للرسل لثقتهم بأن الرسل يتكلمون ويكتبون بالروح القدس، وفي الأجيال التالية كان يكفيهم أنهم تسلموا هذا الإيمان، سواء المكتوب في الأسفار المقدسة أو المنقول إليهم شفويا، عن طريق تلاميذ الرسل وخلفائهم. ولكن مع ظهور بعض الهرطقات كان آباء الكنيسة خاصة المدافعين منهم عن الإيمان يردون على أصحاب هذه الهرطقات بالتركيز على آيات محددة في الكتاب المقدس تبرز لاهوت المسيح وناسوته أو حقيقة التجسد، مع استخدام بعض الصيغ اللاهوتية القليلة مثل عبارة التجسد.

 ولكن الأمور ظلت تسير في بساطة الإيمان حتى ظهر أريوس وفجر، بهرطقته وتلاعبه بالألفاظ وتفسيره لآيات الكتاب المقدس بما يتناسب مع فكره والمنهج الفلسفي الذي أتبعه والذي أخضع آيات الكتاب المقدس له بدلا من يخضع هو للإعلان الإلهي وروح الله القدوس ويثق في التسليم الرسولي ” الإيمان المسلم مرة للقدسيين “، قضية ضرورة بحث الإيمان ووضعه في صيغ لاهوتية محددة تأخذ من جوهر ومضمون آيات الكتاب المقدس والتسليم الرسولي، الإيمان المسلم مرة للقديسين.

 وكان أريوس، يقر بنفس إقرارات الإيمان المذكورة أعلاه ولكنه انحرف في تفسيره لها وفسرها بغير معناها لتؤدي إلى نتائج ليست في مضمونها ولا محتواها ولا جوهرها!! إذا المشكلة ليست في هذه النصوص والإقرارات الإيمانية، إنما في تفسيره هو وزملائه من تلاميذ لوسيان لبعض عباراتها، ففسروا عبارة؛ ”

المولود منه (الآب) قبل كل الدهور
” بمعنى ”

المخلوق منه قبل كل الدهور
“!! وفي سبيل تفسيرهم الهرطوقي هذا أضافوا عبارات أخرى لم تأت لا في الكتاب المقدس ولا في التسليم الرسولي أو أقوال الآباء، مثل ”

الكلمة مخلوق من العدم، اللاوجود
“، ”

الكلمة كان ولم يكن
“، ”

كان هناك وقت لم يكن فيه ابن الله
” 00الخ

 وهنا كان على للكنيسة أن تأخذ موقفا حازما وتضع الأمور في نصابها وتضع الإيمان المسلم مرة للقديسين، سواء ما تسلمته مكتوبا بالروح القدس أو ما تسلمته عن طريق كتابات الآباء الرسوليين وتلاميذهم، خلفاء الرسل وتلاميذهم، في القرنين الأول والثاني أو ما حفظته شفويا، في صيغ لغوية لاهوتية محددة لا تقبل التأويل أو التفسير بأكثر من معناها. فالكنيسة لها إيمان واحد ورب واحد ومعمودية واحدة وتستخدم كتاب مقدس واحد وتحفظ تقليد واحد، أو كما يقول الكتاب ”

رب واحد إيمان واحد معمودية واحدة
” (أف5: 4).


 


4 – قانون إيمان يوسابيوس أسقف قيصرية:

 وقف يوسابيوس القيصري المؤرخ الكنسي المعروف، أسقف قيصرية، والذي كان أحد الذين كانوا في موقف وسط بين الأريوسية والأرثوذكسية، وقدم للمجمع وثيقة إيمان تستخدم في كنيسة قيصرية كإقرار إيمان عند التقدم للمعمودية، قال عنها انه تسلمها من الأساقفة الذين كانوا قبله وتعلم ما جاء فيها من الكتاب المقدس وهي كالآتي: ” نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل، خالق كل شيء، ما يرى وما لا يرى؛

وبرب واحد يسوع المسيح، كلمة الله، إله من إله، نور من نور، حياة من حياة، الابن الوحيد، بكر كل الخليقة، مولود من الآب قبل كل الدهور، الذي به كان كل شيء.
الذي من أجل خلاصنا صار جسدا بين البشر؛ وتألم، وقام في اليوم الثالث؛ وصعد إلى الآب؛ وسيأتي بمجد ليدين الأحياء والأموات. نؤمن أيضا بالروح القدس “.

 ”

ونؤمن بالوجود الكائن والمستمر لكل منهم، فالآب هو الآب حقا والابن هو الابن حقا والروح القدس هو الروح القدس حقا
، كما قال ربنا عندما أرسل تلاميذه للبشارة بالإنجيل ” فأذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس “. ونقر أن هذا الإيمان هو ما أمنا به دائما وندافع عنه حتى الموت ونحرم كل الهرطقات الشريرة ”

(21)
.

 وقد قبل المجمع هذه الوثيقة مع اقتراح بعض التعديلات وإضافة بعض الصيغ التي تكون حاسمة في تحديد الإيمان كما جاء في الكتاب المقدس وما تسلمته الكنيسة الجامعة الرسولية من الرسل والرد على فكر الهرطقة الأريوسية. ثم أنتدب المجمع ثلاثة من الأعضاء لوضع قانون الإيمان في صيغته النهائية،
وهم البابا الكسندروس بطريرك الإسكندرية وشماسه أثناسيوس وليونتيوس أسقف قيصرية الكبادوك. وأقر المجمع قانون الإيمان التالي:

 ” نؤمن بإله واحد، الآب، ضابط الكل، خالق كل شيء، ما يرى وما لا يرى، وبرب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد المولود من الآب،

ومن جوهر الآب
، إله من إله، نور من نور،

إله حق من إله حق
،

مولود غير مخلوق
،

مساو للآب في الجوهر،
الذي به كان كل شيء ما في السماء وما على الأرض، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد وتأنّس، وتألم وقام من الأموات في اليوم الثالث وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين الآب، وسيأتي ثانية ليدين الأحياء والأموات، الذي ليس لملكه انقضاء، و(نؤمن) بالروح القدس.

وكل من يقول أنه كان وقت لم يكن فيه ابن الله، أو أنه قبل أن يولد لم يكن، أو أنه خُلق من العدم، أو أنه من جوهر يختلف عن جوهر الآب أو طبيعته، أو أنه مخلوق أو عرضة للتغير أو التبديل فالكنيسة الجامعة الرسولية تحرم كل من يقول هذه الأقوال


(22)
.

 وقد ركز المجمع في هذا القانون على أربع نقاط جوهرية وهي:

(1) ”

ومن جوهر الآب
“، التي وُضعت لتوضح معنى عبارة ”
مولود من الآب” والتي وضعها أريوس في قانونه ولكنه فسرها بمعنى الخلق، وقد وضع الآباء عبارة ”

ومن جوهر الآب
“، للتأكيد على أن الولادة، هنا، ليست من خارج الذات الإلهية، كما زعم أريوس، بل أنها ولادة في الذات الإلهية، من الآب وفي الآب بدون انفصال كولادة النور من النور ” الابن الوحيد الذي

هو في حضن الآب
” (يو18: 1) و ”

في
” هنا تعني الاستمرار عدم الانفصال. وهذا التعبير تكرر كثيرا في أقوال الآباء قبل مجمع نيقية بعشرات بل ومئات السنين، كما قال هيبوليتوس: ”
الكلمة (اللوغوس) وحده هو الذي من الله (الآب) نفسه. لهذا أيضًا هو إله،
لكونه من نفس جوهر الله(الآب)
“. وقال ثيؤغناسطس الإسكندري: ”
جوهر الابن ليس جوهرًا غريبًا من صُنع أحد. ولا وُجِدَ من العدم. بل وُلِدَ من جوهر الآب مثل الشعاع من الشمس“.

(2) ”

مولود غير مخلوق
” للتأكيد على أن الولادة شيء والخلق شيء آخر، ونفي لقول أريوس أنه مولود بمعنى مخلوق. وهذا ما سبق أن علم به الآباء قبل مجمع نيقية بكثير، مثل يوستينوس الذي قال: ”
أنه مولود من الآب بقوته وإرادته
ولكن دون انفصال
“، كما قال أيضاً أنه ”
غير مُنقسِم وغير مُنفصِل عن الآب، كما أن شعاع الشمس الذي يصل إلى الأرض هو غير مُنقسِم وغير مُنفصِل عن الشمس“. وقال تاتيان: “


لكن اللوجوس أتى إلى الوجود بالشركة وليس بالانفصال

000
اللوجوس إذ خرج من القوة العقلية التي للوالد الذي ولده “.

وقال أثيناغوراس: ”
الابن، مولود منه. ونحن نعي أن الابن غير مُنفصِل عن الآب “.وقال إيريناؤس: ”
فالآب إذًا رب والابن رب، الآب إله والابن هو إله
، لأن الذي يُولد من إله هو إله“.
وقال أكليمندس الأسكندري: ”
هو ابن الله، الذي لكونه مساوي للآب وواحد معه في الجوهر، هو أبدي وغير مخلوق“. وقال أوريجانوس: ”
الآب يلد
الابن غير المخلوقويأتي بالروح القدس.
ليس كما لو كان الابن لم يكن له وجود سابق(ثم وَلَدَه الآب)، لكن لأن الآب هو الأصل والمصدر للابن وللروح القدس
“. وقال ترتليان: ”
تعلَّمنا أن الابن خرج من الله الآب، وبخروجه هذا قد وُلِدَ من الآب. إذن فهو ابن الله، ويُدعى الله لأجل
وحدته مع الآب في الجوهر
“.

(3) ”
إله حق من إله حق“، لتأكيد المساواة بين الآب والابن في جوهر اللاهوت، لأن أريوس زعم أن الآب هو وحده الإله الحق وأن الابن غير ذلك!! مستشهدا بما جاء في (يو3: 17) ” أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته “، متجاهلا قول الكتاب عن الابن أنه الحق ” القدوس الحق ” (رؤ7: 3)، و ” ابنه يسوع المسيح هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية ” (1يو20: 5).

(4) ”
مساو للآب في الجوهر

homoousius –
όμοούσιος
“، لتعني كمال اللاهوت في شخص المسيح، الابن، وهي ترجع إلى ما جاء في (يو18: 5) ” قال أيضا أن

الله أبوه معادلا (مساوياً) نفسه بالله
“، ” الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون

معادلا (مساوياً) لله
” (في5: 2). وقوله ”

أنا والآب واحد
” (يو30: 10)، ”

أنا في الآب والآب فيّ
” (يو11: 14). وهذا ما سبق أن قال به أوريجانوس: ”

الابن لا يختلف عن الآب في الجوهر


(23)
. ”
الابن مُشترِك مع الآب في الجوهر، لأن ما ينبثق (أو يُولَد) من الجوهر هو
مساوٍ له وواحد معه ” هوموأُوسيوس ” بكل تأكيد


(24)
.

 وهذه الصيغ الأربع تؤكد على حقيقة الإيمان الرسولي كما جاء في الكتاب المقدس والإيمان المسلم مرة للقديسين، وتنفي مزاعم أريوس، وتؤكد على وجود المسيح، الابن، منذ الأزل، بلا بداية، وأنه كان وهو كائن دائما وسيكون أبدا، بلا بداية وبلا نهاية، وأنه ليس مخلوقاً من العدم ولا من أي مادة مخلوقة كما زعم أريوس وأتباعه، أو أنه جاء من أي مصدر آخر غير الآب الذي هو في حضنه. وأن الابن غير متغير أو متبدل ” يسوع المسيح هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد ” (عب 8: 13)، ” الكائن والذي كان والذي يأتي ” (رؤ8: 1).

 كما أن في عبارتي ”
تجسد وتأنس” تأكيدا على أنه أتخذ الإنسانية الكاملة، روحا ونفسا وجسدا

(25)
.

 وأمر الإمبراطور قسطنطين بنفي أريوس وأتباعه الذين لم يوقعوا على قانون الإيمان هذا. وأمر بإحراق كتب أريوس، ظنا منه أن المسألة انتهت عند هذا الحد. ولكن يوسابيوس النيقوميدي والأساقفة الأريوسيين الذين وقعوا على هذا القانون خوفا من الحرمان والنفي، أخذوا يعلمون بنفس الفكر الأريوسي بطرق مختلفة، وبعد سبع سنوات من انعقاد مجمع نيقية مات الملك قسطنطين وخلفه أباطرة مؤمنون ومؤيدون للأريوسية لمدة 49 سنة متواصلة فاضطهدوا المؤمنين الأرثوذكس وعزلوا الكثيرين منهم من رتبهم الكهنوتية ونفوا القديس أثناسيوس الرسولي، الذي جلس على كرسي مار مرقس الرسول وصار البطريرك العشرين للإسكندرية، بعد مجمع نيقية بقليل، واستمرت الاضطهادات العنيفة من الأريوسيين للمؤمنين حتى سنة 381م عندما أوقف الإمبراطور ثيؤدوسيوس هذه الاضطهادات وصارت عقيدة الكنيسة التي تسلمتها من رسل المسيح هي العقيدة الرسمية للإمبراطورية.


 


4 – الإمبراطور قسطنطين ودوره في مجمع نيقية:

 يزعم البعض من غير المؤمنين ونقاد العقيدة المسيحية، بناء على ما يزعمه شهود يهوه أن الملك قسطنطين هو الذي فرض عقيدة لاهوت المسيح بالتالي عقيدة الثالوث، بل ويزيدون في زعمهم أنه لم يكن مسيحيا خالصا إنما استخدم المسيحية لأغراض سياسية!! وهذا الكلام مجرد إدعاء كاذب ولا أساس له من الصحة. فالملك قسطنطين كان له إلمام واسع بالعقيدة المسيحية الأرثوذكسية الجامعة الرسولية وهذا واضح مما سجله مؤرخو الكنيسة في عصره، مثل يوسابيوس القيصري وثيؤدوريت وسقراط. وتقول دائرة المعارف البريطانية الجديدة ” نشأ لاهوت قسطنطين الشخصي من سلسلة خطابات امتدت من سنة 313 إلى بداية ال 320 ”

(26)
. ويزعم شهود يهوه أن ” قسطنطين نفسه أشرف موجها المناقشة بفاعلية وأقترح شخصيا 000 الصيغة الحاسمة التي أظهرت علاقة المسيح بالله في الدستور الذي أصدره المجمع ” من جوهر واحد مع الآب ” 000 وإذ كانوا يرتاعون من الإمبراطور فأن الأساقفة، باستثناء أثنين فقط وقعوا الدستور، وكثيرين منهم ضد رغبتهم ”

(27)
.

 وما يزعمه شهود يهوه ونقاد العقيدة المسيحية هذا، لا أساس له من الصحة، فما فعله الملك قسطنطين هو تشجيع الأساقفة وتسهيل حضورهم للمجمع بأقرب ما يمكن، حتى يستتب الأمر في الإمبراطورية، فوفر لهم كل السبل المناسبة لذلك، وبعد إقرار المجمع لقانون الإيمان الذي وافقت عليه الأغلبية العظمى من الحاضرين، استخدم نفوذه السياسي لينفذ قرار المجمع بعزل أريوس والذين أصروا معه على تمسكهم بفكرهم الأريوسي.

 كما كان الملك قسطنطين محاطا بمجموعة من المستشارين الكنسيين وعلى رأسهم هوسيوس العالم اللاهوتي وأسقف قرطبة والذي كان من البداية رافضا لفكر أريوس ومؤيدا للبابا ألكسندروس. ومن الطبيعي أن يكون هوسيوس هذا والبابا ألكسندروس اللذان اقترحا صيغة ”
من جوهر واحد مع الآب“. كما أن البابا أليكساندروس وشماسه القديس أثناسيوس ومعهما ليونتيوس أسقف قيصرية الكبادوك هم الذين وضعوا الصيغة النهائية لقانون الإيمان، ولذا فمن الطبيعي أن يكونوا هم ومعهم الأسقف هوسيوس الذين اقترحوا هذه الصيغة التي دار حولها نقاش كثير حتى استقروا عليها.

 ولم تستخدم عبارة ”
من جوهر واحد مع الآب” أو ”
مساو للآب في الجوهر” في مجمع نيقية للمرة الأولى إنما كانت مستخدمة من قبل مجمع نيقية بكثير فقد أستخدمها القديس إيريناؤس أسقف ليون أربع مرات، كما استخدمها العلامة أوريجانوس بنفس المعنى الذي أستخدمها به مجمع نيقية، وأستخدم ترتليان عبارة ”
من جوهر واحد” في موضعين، كما كانت الكلمة شائعة عند الأرثوذكس في فترة الخمسين سنة السابقة على مجمع نيقية

(28)
. ويقول القديس أثناسيوس الرسولي، مستشهدا بأربعة من آباء الكنيسة المشهورين بعلمهم اللاهوتي، وهم؛ ثيؤغنسطس وديونسيوس بطريرك الإسكندرية وديونسيوس أسقف روما والعلامة أوريجانوس؛ أن آباء مجمع نيقية لم يخترعوا أية تعبيرات من أنفسهم ”

بل ما قد تسلموه من سابقيهم
000 فلتعلموا أيها الأريوسيون أعداء المسيح أن ثيؤغنسطس، وهو إنسان عالم، لم يرفض عبارة ”
مساو في الجوهر” لأن في الكتاب الثاني من مؤلفه “

hypotyposes
” يكتب عن الابن هكذا: ”
أن جوهر الابن ليس مكتسبا من الخارج، ولا هو جاء من العدم، بل ينبع من جوهر الآب كمثل الشعاع من الضوء

(29)
. ثم يؤكد أن ديونسيوس بطريرك الإسكندرية كتب في رسالة لديونسيوس أسقف روما مؤكدا له حقيقة
مساواة المسيح للآب في الجوهر

(30)
.

 وهذا يؤكد لنا أن هذه الصيغة، لم تكن من اختراع أيا من الذين حضروا مجمع نيقية وعلى رأسهم الملك قسطنطين، وإنما كانت صيغة موجودة ومتداولة، ولكن المجمع وجد فيها تعبيرا كافيا لشرح بعض آيات الكتاب المقدس بصورة محددة لا يمكن للأريوسيين أو غيرهم التلاعب بألفاظها. ومن الطبيعي أن يكون الذي اقترحها في المجمع هو أحد أو بعض آباء الكنيسة.

 وهناك نقطة أخيرة هي؛ هل كان الأساقفة الأرثوذكس مجبرين على التوقيع على قانون المجمع؟ والإجابة هي بالطبع مستحيل لأن معظم الذين حضروا المجمع من الأصل وهم 318 أسقفا غير الذين حضروا معهم من قسوس وشمامسة، والذين كانوا يمثلون كنائسهم وكانوا، الذين حضروا، يشكلون حوالي سدس أساقفة العالم، كانوا ضد هرطقة أريوس، وكان أنصار أريوس في المجمع قليلين جدا بشهادة كل المؤرخين المعاصرين للمجمع، وكان على رأسهم يوسابيوس أسقف نيقوميديا، وهؤلاء هم الذين وقعوا على قانون المجمع ظاهريا خوفا من النفي والتجريد من الكهنوت وحتى يتسنى لهم البقاء بين رعاياهم لينشروا بينهم هرطقتهم بطرق عديدة. وهذا ما حدث حيث يسجل لنا المؤرخون الدور الذي لعبه هؤلاء في نشر الهرطقة الأريوسية ومحاربة رجال الكنيسة بكل الوسائل، خاصة بعد وفاة الملك قسطنطين، بعد المجمع بسبع سنين، وتولي أباطرة أريوسيون اضطهدوا الأرثوذكس لمدة تسع وأربعين سنة متواصلة أسالوا فيها بحورا من الدم، ومع هذا أنتصر المؤمنون المضطهدون على الذين اضطهدوهم برغم كل آلات التعذيب وقسوة الاضطهاد!!

 لم يجبر المؤمنون أبناء الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة الرسولية على أن يؤمنوا بما كانوا يؤمنون به فعلا وما تسلموه من آباء الكنيسة عن رسل المسيح، وهم والذين لم يهابوا الموت بل وكانوا، مثل القديس بولس يعتبرون أن الموت في سبيل المسيح هو ربح لهم، وصمدوا أمام جبروت وصلابة المضطهدين من أمثال دقلديانوس الذي ظن في نفسه أن يستطيع أن يستأصل المسيحية من الوجود، ومن أمثال الأباطرة الأريوسيين الذي نفوا وعذبوا وقتلوا الكثيرين من قادة الكنيسة ومع ذلك لم يفلحوا في نشر هرطقتهم!!


(1)Theodoret, Church History 1:4.

(2)Socrates Church History 1:6.

 

(4)Athanasius , To The Bishops 2 ; Socrates Church History 1:8 ; Theodoret, Church History 1:6,10.

(5)Athanasius , To The Bishops 2 ; Socrates Church History 1:8 ; Theodoret, Church History 1:6,10

(8)Theodoret, Church History 1:6.


(9)

مجموعة الشرع الكنسي ص 40.


(10)

مقالة 1: 2.



(13)


دفاع عن قانون إيمان مجمع نيقية ص 9 و 10.

 



(14)


الأريوسية ص14.

(15)Theodoret, Church History 1:6.



(16)


دفاع 3.

 



(17)


مجموعة الشرع ص 44 أنظر أيضاAthanasius , To Bishops 5f
.


(18)

دفاع 19.


(19)

السابق.

 

(20)Socrates Church History 1:26.

 

(21)Theodoret, Church History 1 :10.



(22)


مجموعة الشرع 43 وDecrees, 5.
Cf. NPNF 14:3 – 7.
.

 


(23)

ANF, Vol. X, p. 336.



(25)


الأريوسية للأنبا غريغوريوس ص 27.                

 


(26)
New Enc. Britannica Vol. 16 p. 730.



(27)


كراستهم ؛ هل يجب أن تؤمنوا بالثالوث ص 7.

 



(28)


مجموعة الشرع الكنسي ص 45.



(29)


دفاع 25.



(30)


السابق 27.

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي