الجزء الثالث مسؤوليات أبناء ملكوت الله

1 – ضرورة العمل

(أ) العمل واجب – مثل العبد العامل (لوقا 17: 1-10)

(ب) الجميع يعملون – مثل السامري الصالح (لوقا 10: 25-37)

(ج) الأبناء يعملون – مثل الابنين (متى 21: 28-32)

(د) العاملون يعملون – مثل الكرامين (متى 21: 33-41)

 

(أ) العمل واجب مثَل العبد العامل

وَقَالَ لتَلامِيذِهِ: لا يُمْكِنُ إِلا أَنْ تَأْتِيَ الْعَثَرَاتُ، وَلَكِنْ وَيْلٌ لِلَّذِي تَأْتِي بِوَاسِطَتِهِ! خَيْرٌ لَهُ لَوْ طُوِّقَ عُنُقُهُ بِحَجَرِ رَحىً وَطُرِحَ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنْ يُعْثِرَ أَحَدَ هَؤُلاءِ الصِّغَارِ. اِحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ. وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَوَبِّخْهُ. وَإِنْ تَابَ فَاغْفِرْ لَهُ. وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ، وَرَجَعَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ قَائِلاً: أَنَا تَائِبٌ فَاغْفِرْ لَهُ. فَقَالَ الرُّسُلُ لِلرَّبِّ: زِدْ إِيمَانَنَا. فَقَالَ الرَّبُّ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهَذِهِ الْجُمَّيْزَةِ انْقَلِعِي وَانْغَرِسِي فِي الْبَحْرِ، فَتُطِيعُكُمْ.

وَمَنْ مِنْكُمْ لَهُ عَبْدٌ يَحْرُثُ أَوْ يَرْعَى يَقُولُ لَهُ إِذَا دَخَلَ مِنَ الْحَقْلِ: تَقَدَّمْ سَرِيعاً وَاتَّكِئْ. بَلْ أَلا يَقُولُ لَهُ: أَعْدِدْ مَا أَتَعَشَّى بِهِ، وَتَمَنْطَقْ وَاخْدِمْنِي حَتَّى آكُلَ وَأَشْرَبَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ أَنْتَ. فَهَلْ لِذَلِكَ الْعَبْدِ فَضْلٌ لأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ؟ لا أَظُنُّ. كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاً مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا: إِنَّنَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ، لأَنَّنَا إِنَّمَا عَمِلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا (لوقا 17: 1-10).

 

مناسبة رواية المثَل

حدَّث المسيح تلاميذه عن موضوعين أساسيين: أولهما التحذير من تعثير الآخرين، والعثرة تعني خُطّاف الطُّعم في الفخ «وهي أيضاً العقبات والأحجار التي تعترض طريق التقدُّم الروحي للإنسان، فيعثر ويسقط بسببها. وواضحٌ أننا نحيا في عالم شرير يعيش فيه بشر ميّالون دائماً إلى السقوط، يعرِّضون تلاميذ المسيح للتعثُّر والسقوط. كما أن تلاميذ المسيح أنفسهم يخطئون أحياناً ويعثِّرون غيرهم، فيرفض غيرهم أن يتبعوا المسيح بحُجَّة أن أتباعه يعثرون ويسقطون مثل غيرهم من الخطاة. وقد شرح المسيح عقوبة من يعثِّر غيره، وقال إنها أشد هولاً من تعليق حجر طاحون كبير في عنق شخص وإلقائه في بحر. ثم حذّر تلاميذه بالقول: احترزوا لأنفسكم» (آية 3).

 

أما الثاني فهو ضرورة الغفران لإخوتنا الذين يسيئون إلينا، وعندما يخطئون نوبِّخهم، فإن احتملوا النوبيخ واعتذروا نغفر لهم. ويؤكد المسيح أننا يجب أن نغفر لهم دائماً، حتى إن أساءوا إلينا سبع مرات في اليوم، واعتذروا سبع مرات في اليوم! وواضح أن هذا لا يعني عدم غفران الخطأ الثامن، لأن المسيح علَّم أن الغفران يكون حتى إلى سبعين مرة سبع مرات (متى 18: 21، 22).

 

ورأى التلاميذ صعوبة ما طلبه المسيح منهم، وأنه يحتاج إلى إيمان كبير، فقالوا له: زِدْ إيماننا (لوقا 17: 5)، فأجابهم إن من له إيماناً بمقدار حبة خردل يقدر أن يقتلع شجرة ضخمة ويلقيها في البحر، مشبِّهاً الكراهية حين تتأصل في القلب بشجرة ضخمة ممتدَّة الجذور. ولكن أقل إيمان بقدرة الرب ومعونته يقدر أن يقتلعها ويلقيها في بحر الغفران والنسيان. وليس السر في حجم الإيمان، بل في موضوعه، وهو قدرة الرب، كما أن السر أيضاً في أصالة الإيمان وصدقه في قلب صاحبه.

 

وقد ضرب المسيح لتلاميذه ولنا مثل العبد العامل الذي صار لنا درساً في الطاعة والتواضع لننال رضى الرب ملكنا وسيدنا، لأننا متى فعلنا كل ما أمرنا به (ولن نقدر أن نفعل)، فلنقُل إننا عبيد بطالون غير منتجين، لأننا في أحسن حالاتنا نكون قد عملنا ما كان يجب علينا.

 

أولاً – أنت عبد للرب

شرف العبودية لله: يتشرَّف المؤمنون الحقيقيون بأن يكونوا عبيداً للرب. قال النبي داود للرب: «أنا عبدك ابن أمتك» (مزمور 116: 16)، ويقول الوحي المقدس «إن موسى كليم الله عبد الرب» (تثنية 34: 5 و1أخبار 6: 49)، وهكذا وُصف يشوع (يشوع 24: 29)، والنبي إيليا (1ملوك 18: 36)، ودانيال (دانيال 6: 20)، والرسول بولس (رومية 1: 1)، والرسول بطرس (2بطرس 1: 1)، والرسول يعقوب (يعقوب 1: 1). وقد وصفت العذراء مريم نفسها بهذا اللقب عندما قالت للملاك: «هوذا أنا أمة الرب» (لوقا 1: 38). وكل الذين يحرِّرهم المسيح من خطاياهم يصبحون عبيداً للمسيح لأنه اشتراهم لله بدمه من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة (رؤيا 5: 9).

 

وكل مؤمن يستعبد نفسه للرب بكامل رغبته، ويقول له: «أنا محتاج إلى ربوبيَّتك، ولكنك لستَ محتاجاً إلى عبوديتي». وما أسعد من يقول: كنتُ عبداً للخطايا التي سلكت فيها، عاملاً مشيئات جسدي وأفكاري، وكنت ابناً للغضب. لكن الله الذي هو غني في الرحمة، من أجل محبته الكثيرة التي أحبني بها، وأنا ميت بالخطايا، افتداني واشتراني وجعلني ملكاً له. فسأقوم بخدمة سيدي الجديد، لأنه خلقني في المسيح لأعمالٍ صالحة، قد سبق فأعدَّها لكي أسلك فيها (أفسس 2: 1-10).

 

في هذا المثَل قال المسيح إن ذلك السيد كان له عبد واحد فقط يعمل خارج البيت، وسيده ينتظر منه أن يعمل داخل البيت أيضاً. وهو بهذا يعرِّفنا أن هناك خدمةً مطلوبة من كل مؤمن يحب الرب، يجب أن يقوم بها، وكأنه الإنسان الوحيد المتوافرعلى الأرض للقيام بهذه الخدمة. فيا له من شرف للمؤمن!

 

عندما يكلفك المسيح بخدمة ستتشرَّف بالقيام بها، لأنك تعرف أن هذا التكليف موجَّه لك شخصياً، فلا مجال للتراخي والكسل بحُجَّة أن غيرك يمكن أن يؤديها. وما أعظم الشرف الذي تناله لأن الله اختارك أنت لتؤدي خدمةً خاصةً له.

 

سبب العبودية لله: أنت مِلكٌ للملك الوحيد، لأسباب كثيرة نذكر منها:

 

(أ) لأنه خلقك: فقد جبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة. فصار آدم نفساً حية (تكوين 2: 7). إنه الخالق الماهر الذي صنع الإنسان وأبدعه على صورته، «فالإنسان على صورة الرحمان. والخالق يملك ما خلق. للرب الأرض وملؤها. المسكونة وكل الساكنين فيها» (مزمور 24: 1).

 

(ب) لأنه فداك: عصى آدم ربه، واختبأ منه لأنه وجد نفسه عارياً، ولكن الرب في محبته لم يتركه في عريه وخجله وهروبه، بل جاءه وفداه وستره. وهذا ما فعله المسيح الفادي ويقدمه لكل من يؤمن به. عالمين أنكم افتُديتم لا بأشياء تفني، بفضةٍ أو ذهبٍ، من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء، بل بدمٍ كريم، كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح، معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم، ولكن قد أُظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم (1بطرس 1: 18-20). «أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله، وأنكم لستم لأنفسكم، لأنكم قد اشتُريتم بثمن. فمجّدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله» (1كورنثوس 6: 19، 20).

 

ويمكن أن نشرح الفداء بصورتين:

صورة مديون عجز عن سداد دينه، فباعه المداين واشتراه السيِّد، فصار ملكاً لسيده.

صورة أسير حرب، دفع شخصٌ كريم فدية لإطلاقه حراً، فأصبح مِلكاً لمن فكَّ أسره.

وفي الحالتين اختار المديون أو الأسير بمحض إرادته أن يستمر عبداً للسيد الذي افتداه. وحتى عندما تُعرض عليه الحرية يقول: «أحب سيدي. لا أخرج حُراً» (خروج 21: 5)، لأنه يرى أن الحرية الحقيقية هي في العبودية للسيد الكريم الذي اشترى وفدى وحرَّر!

 

(ج) لأنه يعتني بك: خلقك فأنت له، واشتراك بفدائه، وهو يعتني بك دائماً، فأنت به تحيا وتتحرك وتوجد (أعمال 17: 28). لقد أعطاك الجسد ويمنحك كل ما يحفظ هذا الجسد من طعام تأكله، وماء تشربه، وهواء تتنفسه، وكساء يسترك. وينصحنا المسيح: «لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادكم بما تلبسون. أليست الحياة أفضل من الطعام، والجسد أفضل من اللباس؟.. ولماذا تهتمون باللباس؟ تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو. لا تتعب ولا تغزل. ولكن أقول لكم إنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها!» (متى 6: 25، 28، 29).

 

ويقول الرسول بولس لكل إنسان: أيُّ شيءٍ لك لم تأخذه؟ (1كورنثوس 4: 7)، فكل ما عندنا عطية كريمة من الله. وعندما يأمرك: «تمنطق واخدمني لا يظلمك، ولا يطلب منك ما لا يحقَّ له، ولا يكلفك بما لا طاقة لك به، فإن منه جميع ما عندك، ومن فضله تخدمه. وعندما يأمرك: أعدِد ما أتعشى به.. حتى آكل وأشرب»تعرف أنه ينتظر أن يتناول من يدك ما يشبع نفسه ويسر قلبه.

 

أولوية الخدمة لله: يضع العبد الصالح ربَّه أولاً، ويضع نفسه أخيراً. فسيده يأكل أولاً «وبعد ذلك تأكل وتشرب أنت». الرب أولاً، وخدمته قبل كل شيء، وسعيد هو الذي يطلب أولاً ملكوت الله وبره، فيُزيده الله من كل شيء، كما فعلت أرملة صرفة، وأطاعت طلبة إيليا: «اعملي لي منها كعكة صغيرة أولاً، واخرجي بها إليَّ، ثم اعملي لك ولابنك أخيراً» (1ملوك 17: 13). ولما أطاعت لم يفرغ كوَّار الدقيق ولم ينقص كوز الزيت (1ملوك 17: 16).

 

لا تتقاعس ولا تؤجل خدمة الرب. وكعبدٍ عامل عنده في الحقل والبيت قُل له قولة يشوع: «بماذا يكلم سيدي عبده؟» (يشوع 5: 14)، وقولة بولس: «يا رب، ماذا تريد أن أفعل؟» (أعمال 9: 6)، لأنه رسم لحياتك خطة وهدفاً، وعيَّن لك موقعاً محدداً، ومنحك مواهب ومعرفة لتأدية هذا التكليف على خير وجه.

 

فماذا يحدث عندما يقصِّر العبد في القيام بواجبه؟

 

يكلف السيد عبداً آخر ليؤدي العمل، فيخسر المتقاعس أجره، ويحرم نفسه من بركة الخدمة، بل ويعرِّض نفسه للعقاب.

 

وقد أعطانا المسيح النموذج الذي نتبعه في التواضع والخدمة عندما غسل أرجل تلاميذه، وقال: «فإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم، فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض، لأني أعطيتكم مثالاً، حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضاً. الحق الحق أقول لكم: إنه ليس عبد أعظم من سيده، ولا رسول أعظم من مرسله. إن علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه» (يوحنا 13: 14-16).

 

ثانياً – خدمة الملكوت مكلِّفة

تتطلَّب الخدمة تكريساً: محبة الله لنا عظيمة، وقد كلَّفته الكثير «لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية» (يوحنا 3: 16). ومحبتنا لله وعبوديتنا له تطالباننا بالتكريس الكامل، طاعة للأمر الإلهي: «فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية» (رومية 12: 1) فنقول: «إن عشنا فللرب نعيش، وإن متنا فللرب نموت. فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن»(رومية 14: 8). ولا يمكن أن نخدم الله ونخدم سيداً آخر معه، فالخدمة دائماً لسيد واحد، فلا نعرج بين فرقتين.

 

تتطلَّب الخدمة استمراراً: يعمل العبد في الليل والنهار، كما قال أيوب: «بخطواته استمسكت رِجْلي. حفظتُ طريقه ولم أَحِد (أيوب 23: 11)، وكما قال الرسول بولس لقسوس كنيسة أفسس: أنتم تعلمون من أول يوم دخلت أسيا كيف كنت معكم كل الزمان أخدم الرب بكل تواضع ودموع كثيرة، وبتجارب أصابتني بمكايد اليهود، كيف لم أؤخر شيئاً من الفوائد إلا وأخبرتكم وعلَّمتكم به جهراً وفي كل بيت.. لست أحتسب لشيء، ولا نفسي ثمينة عندي، حتى أتمم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع، لأشهد ببشارة نعمة الله.. احترزوا إذاً لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه.. لذلك اسهروا متذكرين أني ثلاث سنين ليلاً ونهاراً لم أفتر عن أن أنذر بدموع كل واحد» (أعمال 20: 18-20، 24، 28، 31). «لذلك نحن أيضاً إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا، لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة، ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا» (عبرانيين 12: 1).

 

تتطلَّب الخدمة إنكار ذات: ولنا في يوحنا المعمدان مثلاً عظيماً في إنكار الذات، لأنه عندما سمع من تلاميذه أن المسيح يعمد، قال: «ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص» (يوحنا 3: 30).

 

العبد الصالح هو الذي يؤجل راحته ليريح سيده. قال المسيح لأحدهم: «اتبعني. فقال: يا سيد ائذن لي أن أمضي أولاً وأدفن أبي». فقال له: «دع الموتى يدفنون موتاهم، وأما أنت فاذهب ونادِ بملكوت الله» وقال لآخر: «ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله» (لوقا 9: 57-62). وهذا ما فعله الرسول بولس فحقَّ له أن يقول: «حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع، لكي تظهر حياة يسوع أيضاً في جسدنا. لأننا نحن الأحياء نُسلَّم دائماً للموت من أجل يسوع، لكي تظهر حياة يسوع أيضاً في جسدنا المائت.. لأن خفَّة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً، ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى بل إلى التي لا تُرى. لأن التي تُرى وقتية، وأما التي لا تُرى فأبدية» (2كورنثوس 4: 10، 11، 17، 18).

 

تتطلب الخدمة اتِّساع رؤية: يطالبنا المسيح أن نعمل في بيته وفي حقله. أما بيته فهو الكنيسة، وأما حقله فهو العالم، لأن له فيه خرافاً أُخر يجب أن يُؤتى بها لتكون رعية واحدة لراعٍ واحد (يوحنا 10: 16).

 

في الكنيسة نجتهد أن نحافظ على الوحدة والسلام «لأننا أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه» (أفسس 5: 30)، استجابةً لطلبة المسيح: «أيها الآب القدوس احفظهم في اسمك الذين أعطيتني، ليكونوا واحداً كما نحن.. ليكون الجميع واحداً كما أنك أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك. ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا، ليؤمن العالم أنك أرسلتني»(يوحنا 17: 11، 21). «والمباحثات الغبية والسخيفة اجتنبها عالماً أنها تولّد خصومات، وعبد الرب لا يجب أن يخاصم، بل يكون مترفِّقاً بالجميع، صالحاً للتعليم، صبوراً على المشقات»(2تيموثاوس 2: 23، 24).

 

وفي الكنيسة يجب أن نكون قدوة حسنة لسائر العبيد عملاً بالوصية الرسولية: «كُن قدوة للمؤمنين في الكلام، في التصرف، في المحبة، في الروح، في الإيمان، في الطهارة» (1تيموثاوس 4: 12).

 

أما في العالم فدورنا هو الكرازة، طاعة للوصية: «اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر» (متى 28: 19، 20). وعند طاعة هذه الوصية تقدر أن تقول: «قد جاهدت الجهاد الحسن. أكملت السعي. حفظت الإيمان. وأخيراً قد وُضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل. وليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً» (2تيموثاوس 4: 7، 8).

 

ثالثاً – خدمة الملكوت واجب

بعد أن روى المسيح مثل العبد العامل في الحقل والبيت، قال: «متى فعلتم كل ما أُمرتم به فقولوا إننا عبيد بطالون، لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا» (آية10).

 

الخدمة واجب العبد المتواضع: ليس للعبد فضل في خدمة سيده، فمتى تمَّم كل المطلوب منه يعترف أنه لم يفعل شيئاً يستحق عليه الشكر، لأنه إنما قام فقط بالواجب عليه. فلا فضل للإنسان في أية خدمة يؤديها لله، لأن الله مصدر كل خير عند الإنسان. خدم العبد سيده بقدر طاقته ومعرفته، وقال: «عملنا ما كان يجب علينا»، لأنه تعلَّم من قول المسيح للآب السماوي: «أنا مجدتُك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملتُه» (يوحنا 17: 4).

 

عندما يتبرع محسنٌ غني ببناء مستشفى لا يعود الفضل في البناء للعمال الذين قاموا بالبناء، بل يعود كله للمتبرع، ويكتفي العمال بالقول: «إننا إنما عملنا ما كان يجب علينا». والمسيح يحذرنا من الفخر، ويعلمنا التواضع، وهذا حال الإنسان الذي سما في حياته الروحية وتقدم في الإيمان، وهو ما اختبره الرسول بولس الذي قال في بدء حياته الإيمانية إنه أصغر الرسل (1كورنثوس 15: 9) «و لم أنقص شيئا عن سائر الرسل» (2كورنثوس 12: 11)، ثم ارتقى فقال إنه «أصغر جميع القديسين» (أفسس 3: 8)، ثم ارتقى أكثر فقال: «الخطاة الذين أولهم أنا» (1تيموثاوس 1: 15). لقد تدرج في التواضع، وهكذا يجب أن نفعل نحن، كما قال القديس فرنسيس الأسيسي عندما سُئل عن رأيه في نفسه، فقال: «أنا أكبر خاطئ في العالم، وأنا أخدم الله أقل من أي شخص آخر في العالم».

 

للخدمة مجازاة عظيمة: «طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين. الحق أقول لكم: إنه يتمنطق ويتكئهم، ويتقدم ويخدمهم» (لوقا 12: 37). ما أعظم سعادة من يقوم بعمله كاملاً! إن السيد يتمنطق ويتكئهم، ويتقدم ويخدمهم، وهو أمر غير مألوف، ولا يخطر على بال العبد، لكنه من أمجد مواعيد المسيح للمؤمنين، فهو يعني أنه يمنح العبد الساهر العامل الأمين أسمى شرف ومجد، كما قال المرنم للرب: «ترتِّب قدامي مائدة تجاه مضايقيَّ. مسحت بالدهن رأسي. كأسي ريا» (مزمور 23: 5). إن رب البيت يخدم ضيوفه، فتكتمل سعادتهم لأن سيدهم يخدمهم!

 

هذا المثل يشجعنا أن نخدم الرب بكل قوتنا، وفي كل وقت، عالمين أن جزاءنا العظيم آتٍ من يدي سيدنا المبارك الأمين في مواعيده، والذي لا يمكن أن يكون مديوناً لأحد، فقد قال: «من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها.. من يقبل نبياً باسم نبي فأجر نبي يأخذ، ومن يقبل باراً باسم بار فأجر بار يأخذ. ومن سقى أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد باسم تلميذ فالحق أقول لكم إنه لا يضيع أجره» (متى 10: 39، 41، 42).

 

سؤالان

لماذا يدعو المؤمن الرب سيده، ويدعو نفسه عبده؟

اذكر ثلاثة أمور تتطلبها خدمتنا لله.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي