المعجزة الثامنة والعشرون صيد 153 سمكة

1 بَعْدَ هذَا أَظْهَرَ أَيْضاً يَسُوعُ نَفْسَهُ لِلتَّلامِيذِ عَلَى بَحْرِ طَبَرِيَّةَ. ظَهَرَ هكَذَا: 2 كَانَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ، وَتُومَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ، وَنَثَنَائِيلُ الَّذِي مِنْ قَانَا الْجَلِيلِ، وَابْنَا زَبْدِي، وَاثْنَانِ آخَرَانِ مِنْ تَلامِيذِهِ مَعَ بَعْضِهِمْ. 3 قَالَ لَهُمْ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «أَنَا أَذْهَبُ لأَتَصَيَّدَ». قَالُوا لَهُ: «نَذْهَبُ نَحْنُ أَيْضاً مَعَكَ». فَخَرَجُوا وَدَخَلُوا السَّفِينَةَ لِلْوَقْتِ. وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لَمْ يُمْسِكُوا شَيْئاً. 4 وَلَمَّا كَانَ الصُّبْحُ، وَقَفَ يَسُوعُ عَلَى الشَّاطِئِ. وَلكِنَّ التَّلامِيذَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَسُوعُ. 5 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «يَا غِلْمَانُ أَلَعَلَّ عِنْدَكُمْ إِدَاماً؟». أَجَابُوهُ: «لا!» 6 فَقَالَ لَهُمْ: «أَلْقُوا الشَّبَكَةَ إِلَى جَانِبِ السَّفِينَةِ الأَيْمَنِ فَتَجِدُوا». فَأَلْقَوْا، وَلَمْ يَعُودُوا يَقْدِرُونَ أَنْ يَجْذِبُوهَا مِنْ كَثْرَةِ السَّمَكِ. 7 فَقَالَ ذلِكَ التِّلْمِيذُ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ لِبُطْرُسَ: «هُوَ الرَّبُّ». فَلَمَّا سَمِعَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنَّهُ الرَّبُّ، اتَّزَرَ بِثَوْبِهِ، لأَنَّهُ كَانَ عُرْيَاناً، وَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ. 8 وَأَمَّا التَّلامِيذُ الآخَرُونَ فَجَاءُوا بِالسَّفِينَةِ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعِيدِينَ عَنِ الأَرْضِ إِلاَّ نَحْوَ مِئَتَيْ ذِرَاعٍ، وَهُمْ يَجُرُّونَ شَبَكَةَ السَّمَكِ. 9 فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى الأَرْضِ نَظَرُوا جَمْراً مَوْضُوعاً وَسَمَكاً مَوْضُوعاً عَلَيْهِ وَخُبْزاً. 10 قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «قَدِّمُوا مِنَ السَّمَكِ الَّذِي أَمْسَكْتُمُ الآنَ». 11 فَصَعِدَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَجَذَبَ الشَّبَكَةَ إِلَى الأَرْضِ، مُمْتَلِئَةً سَمَكاً كَبِيراً، مِئَةً وَثَلاثاً وَخَمْسِينَ. وَمَعْ هذِهِ الْكَثْرَةِ لَمْ تَتَخَرَّقِ الشَّبَكَةُ. 12 قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «هَلُمُّوا تَغَدَّوْا». وَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ مِنَ التَّلامِيذِ أَنْ يَسْأَلَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ إِذْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ الرَّبُّ. 13 ثُمَّ جَاءَ يَسُوعُ وَأَخَذَ الْخُبْزَ وَأَعْطَاهُمْ وَكَذلِكَ السَّمَكَ. 14 هذِهِ مَرَّةٌ ثَالِثَةٌ ظَهَرَ يَسُوعُ لِتَلامِيذِهِ بَعْدَمَا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ. 15 فَبَعْدَ مَا تَغَدَّوْا قَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ بُطْرُسَ: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هؤُلاءِ؟» قَالَ لَهُ: «نَعَمْ يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ: «ارْعَ خِرَافِي». 16 قَالَ لَهُ أَيْضاً ثَانِيَةً: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟» قَالَ لَهُ: «نَعَمْ يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ: «ارْعَ غَنَمِي». 17 قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟» فَحَزِنَ بُطْرُسُ لأَنَّهُ قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: «أَتُحِبُّنِي؟» فَقَالَ لَهُ: «يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ارْعَ غَنَمِي. 18 اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لَمَّا كُنْتَ أَكْثَرَ حَدَاثَةً كُنْتَ تُمَنْطِقُ ذَاتَكَ وَتَمْشِي حَيْثُ تَشَاءُ. وَلكِنْ مَتَى شِخْتَ فَإِنَّكَ تَمُدُّ يَدَيْكَ وَآخَرُ يُمَنْطِقُكَ، وَيَحْمِلُكَ حَيْثُ لا تَشَاءُ». 19 قَالَ هذَا مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يُمَجِّدَ اللهَ بِهَا. وَلَمَّا قَالَ هذَا قَالَ لَهُ: «اتْبَعْنِي». 20 فَالْتَفَتَ بُطْرُسُ وَنَظَرَ التِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ يَتْبَعُهُ، وَهُوَ أَيْضاً الَّذِي اتَّكَأَ عَلَى صَدْرِهِ وَقْتَ الْعَشَاءِ، وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، مَنْ هُوَ الَّذِي يُسَلِّمُكَ؟» 21 فَلَمَّا رَأَى بُطْرُسُ هذَا، قَالَ لِيَسُوعَ: «يَا رَبُّ، وَهذَا مَا لَهُ؟» 22 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ، فَمَاذَا لَكَ؟ اتْبَعْنِي أَنْتَ». 23 فَذَاعَ هذَا الْقَوْلُ بَيْنَ الإِخْوَةِ: إِنَّ ذلِكَ التِّلْمِيذَ لا يَمُوتُ. وَلكِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ يَسُوعُ إِنَّهُ لا يَمُوتُ، بَلْ: «إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ، فَمَاذَا لَكَ؟» (يوحنا 21: 1-23).

 

تُذكّرنا هذه المعجزة بأخرى جرت قبلها بثلاث سنوات، وردت في إنجيل لوقا 5، عندما صرف بعض التلاميذ ليلة كاملة في محاولة الصيد دون أن يصيدوا شيئاً، فطلب المسيح منهم أن يبعدوا إلى عمق البحيرة ويلقوا شباكهم للصيد، فامتلأت سفينتهم حتى استدعوا آخرين ليساعدوهم.

 

جرت المعجزة التي نتأملها الآن بعد قيامة المسيح من الموت، أثناء ظهوره السابع. وكان سبعة من التلاميذ قد قرروا العودة للصيد، بعد أن كانوا قد تفرّغوا لخدمة الله، فظهر المسيح لهم ليبارك حياتهم، وليذكّرهم باختباراتهم الروحية الماضية، وليُرجع إليهم الثقة به والثقة بنفوسهم، وليُعيد تكليفهم لخدمته وخدمة الإنجيل.

 

ظهر المسيح لتلاميذه بعد القيامة عشر مرات:

ظهر للنساء وهنّ راجعات من القبر (لوقا 24: 9-11).

ظهر لمريم المجدلية وحدها (يوحنا 20: 11-18).

ظهر لبطرس وحده (1كورنثوس 15: 5).

ظهر لتلميذين منطلقين إلى عمواس (لوقا 24: 13-35).

ظهر للرسل في غياب توما، في العلية (لوقا 24: 36-49).

 

هذه المرات الخمس ظهر فيها المسيح لتلاميذه في أورشليم، أو بالقرب منها، يوم الأحد الذي قام فيه من بين الأموات.

ظهر للتلاميذ في العلية ومعهم توما (يوحنا 20: 24-29).

ظهر لسبعة من الرسل عند بحيرة طبرية، حيث جرت المعجزة التي نتأملها الآن (يوحنا 21: 1-24).

ظهر للأحد عشر رسولاً مع خمسمئة أخ على أحد جبال الجليل (متى 28: 16-20 و1كورنثوس 15: 6).

ظهر ليعقوب (1كورنثوس 15: 7).

ظهر للأحد عشر رسولاً في أورشليم وقت صعوده (أعمال 1: 3-8).

 

وكان الظهور السابع للمسيح عند بحيرة طبرية تحقيقاً لوعد المسيح أنه سيلتقي بالتلاميذ في الجليل. ولكنه في الوقت نفسه هو الظهور الثالث لمجموعة التلاميذ، فقد كان ظهوره الأول والثاني في أورشليم، في العلية، مرة وتوما ليس معهم. ومرة أخرى وتوما معهم.

 

وتُسمى بحيرة طبرية بتسميات مختلفة، منها بحر طبرية، وبحر الجليل، وبحيرة جنيسارت. وقد أخذت اسم «طبرية» من مدينة طبرية المبنيّة على شاطئها، نسبة لطيباريوس قيصر. وما أكثر ما جرى على مياه طبرية من معجزات وذكريات:

على مائها وقف المسيح في قارب يعلّم مَثَل الزارع (متى 13: 1-9).

على ضفافها أشبع خسمة آلاف (متى 14: 14-21).

أسكت رياحها بكلمة منه (مرقس 4: 35-41).

سار على مائها وجعل بطرس يسير عليه (متى 14: 35-41).

منها صاد بطرس سمكة في فمها إستار (متى 17: 24-27).

على شواطئها شُفي اللجئون (مرقس 5: 1-20).

على ضفافها كانت مدينة كورزين وبيت صيدا وكفرناحوم التي رأت الكثير من معجزاته.

في بدء خدمته، يوم دعا أربعةً من تلاميذه، أجرى معجزة صيد سمك (لوقا 5: 1-11).

 

ولا زال المسيح اليوم يتعامل معنا حيث نحن، يسدد احتياجاتنا، بمعجزة تلو معجزة، لأنه الحي، المُقام من الأموات، الذي رفعه الله، والذي نتوقع مجيئه ثانيةً إلى أرضنا.

 

أولاً – المحتاجون والمعجزة

عاد سبعة من التلاميذ بدعوة من بطرس إلى بحيرة طبرية للصيد، لأن لكل واحد حرفته، وقد شاركهم الرسول بولس في ممارسة حرفته، وهي صُنع الخيام، وقال: «لا أَكَلْنَا خُبْزاً مَجَّاناً مِنْ أَحَدٍ، بَلْ كُنَّا نَشْتَغِلُ بِتَعَبٍ وَكَدٍّ لَيْلاً وَنَهَاراً، لِكَيْ لا نُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ» (2تسالونيكي 3: 8).

 

ولم تكن عودة التلاميذ السبعة للصيد نكسة دينية أو هروباً ورِدَّة عن الخدمة، ولكنهم لم يريدوا أن يصرفوا أيامهم بكسل، فقرروا أن يعملوا ليقتلوا الملل الذي قد يتسرّب إليهم من الانتظار، لأنهم لم يكونوا يعلمون متى يأتي المسيح لملاقاتهم، وحتى يكسبوا شيئاً من المال يتعيَّشون منه.

 

1 – قضوا ليلة صيد فاشلة:

ولكنهم لم يكونوا وحدهم، بل كانت عينا الرب عليهم. ربما نظن في ألمنا وعذابنا وفشلنا أننا وحدنا، لكن هذا ليس صحيحاً، لأن عيني حبيبنا تراقباننا، ولا بد أن يطلع الصباح. فهو يعرف ما نحن فيه، ويمينه ستمتد بالبركة في اللحظة التي يراها هو مناسبة. إنه لا يتأنّى علينا بمعنى أنه يهملنا، لكن لأن عنده توقيتاً مباركاً حكيماً.

 

2 – لم يعرفوا المسيح عندما جاءهم:

يقول القديس يوحنا: «لَمَّا كَانَ الصُّبْحُ، وَقَفَ يَسُوعُ عَلَى الشَّاطِئِ. وَلكِنَّ التَّلامِيذَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَسُوعُ» (آية 4).

 

لقد حدث تغيير في هيئة المسيح الخارجية بعد قيامته من بين الأموات، لأنه أخذ جسد المجد، وهو: «الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ» (فيلبي 3: 21). ولهذا السبب لم تعرفه مريم المجدلية عندما رأته عند القبر: «الْتَفَتَتْ إِلَى الْوَرَاءِ، فَنَظَرَتْ يَسُوعَ وَاقِفاً، وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ يَسُوعُ» (يوحنا 20: 14). وللسبب نفسه لم يعرفه تلميذا عمواس عندما سار معهما: «وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ، اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا. وَلكِنْ أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ» (لوقا 24: 15، 16).

 

3 – على كلمته ألقوا الشبكة:

عندما أصدر المسيح الأمر إليهم أطاعوه، فصادوا سمكاً كثيراً. «عِنْدَ الْمَسَاءِ يَبِيتُ الْبُكَاءُ، وَفِي الصَّبَاحِ تَرَنُّمٌ» (مزمور 30: 5) وهذا ما حدث مع التلاميذ. وفي مزمور 143: 8 يقول داود: «أَسْمِعْنِي رَحْمَتَكَ فِي الْغَدَاةِ، لأَنِّي عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ. عَرِّفْنِي الطَّرِيقَ الَّتِي أَسْلُكُ فِيهَا، لأَنِّي إِلَيْكَ رَفَعْتُ نَفْسِي». لأنه قال: «لا أُهْمِلُكَ وَلا أَتْرُكُكَ» حَتَّى إِنَّنَا نَقُولُ وَاثِقِينَ: «الرَّبُّ مُعِينٌ لِي فَلا أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُ بِي إِنْسَانٌ؟»(عبرانيين 13: 5، 6).

 

كان التلاميذ محتاجين إلى نفقات رحلة إلى أورشليم، فدبَّر المسيح احتياجهم كله من السمك الذي صادوه.

 

4 – صاد التلاميذ 153 سمكة كبيرة:

يحدد الإنجيل عدد السمك الذي صادوه، وهناك تفاسير كثيرة تشرح المقصود من عدد السمك:

 

ذكر الشاعر اليوناني «أوبيان» في إحدى قصائده، في وقت معاصر لحدوث هذه المعجزة، أن أنواع السمك المعروفة في العالم 153 نوعاً. ويقول المفسرون إن صيد السمك بهذا العدد يعني أن الرب يقول للتلاميذ: ستصيد شبكتكم الروحية كل أنواع الناس «فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ» (متى 28: 19). وهذا ما قال سفر الرؤيا إنه حدث: «بَعْدَ هذَا نَظَرْتُ وَإِذَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَالأَلْسِنَةِ، وَاقِفُونَ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الْحَمَلِ، مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ النَّخْلِ وَهُمْ يَصْرُخُونَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: الْخَلاصُ لإِلهِنَا الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ» (رؤيا 7: 9-10).

 

قدم القديس أغسطينوس تفسيراً آخر لهذا العدد فقال: «إن عدد 10 يرمز للوصايا العشر، وعدد 7 لكمال النعمة بعمل الروح القدس. فإذا جمعنا عدد الوصايا وكمال عمل نعمة الروح القدس معاً كان الرقم 17. ولو جمعنا 1+2+3 إلى 17 لكان المجموع 153». وقال أغسطينوس إن هذا يرمز إلى كل مختاري العهدين القديم والجديد، مختاري عهد الشريعة وعهد النعمة جميعاً.

 

يصوّر مثَل الشبكة المطروحة في البحر التي تحتوي على سمك جيد وسمك رديء (متى13: 47-49) الكنيسة المنظورة بمن فيها من مؤمنين وغير مؤمنين. لكن هذه الشبكة التي صادت 153 سمكة جيدة ترمز إلى الكنيسة غير المنظورة، التي كل أعضائها مقدّسون. وفي اليوم الأخير تُجذب هذه الشبكة الممتلئة بالمؤمنين ولا يضيع منهم واحد! فتكتمل الكنيسة كلها «لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لا دَنَسَ فِيهَا وَلا غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلا عَيْبٍ» (أفسس 5: 27).

 

5 – عرفوه:

عندما صاد التلاميذ الأسماك عرفوه. وكان أول من عرفه يوحنا، التلميذ الذي كان يسوع يحبه. وكان بطرس أول من ألقى بنفسه في الماء ليلتقي بالمسيح! ونلاحظ فرق المواهب بين الرسل: موهبة التعرُّف القلبي لدى يوحنا بسبب عمق معرفته بالرب، فميَّز صوت المسيح وعمله. أما بطرس فكان أسرع في العمل، فألقى بجسده ونفسه نحو المسيح سابحاً على الماء. والرب يعطي مواهب لكل واحد كما يختار هو، بحسب ما يحسن في عينيه، لأجل تكميل القديسين، لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسيح. «فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ وَلكِنَّ الرُّوحَ وَاحِدٌ» (1كورنثوس 12: 4).

 

6 – تعلَّموا:

أدرك التلاميذ في تلك الليلة أنهم بدون المسيح لا يقدرون أن يصيدوا شيئاً. ونحن نحتاج أن ندرك أنه بدون المسيح يستحيل أن نصيد نفوساً. نجرِّب أن نفعل شيئاً بقدراتنا وذكائنا وترتيباتنا وإمكانياتنا وحُسْن إدارتنا فنفشل، ونتعلم مع التلاميذ درس تلك الليلة الفاشلة وذلك الصباح الناجح: أننا بدونه لا نقدر أن نفعل شيئاً، ولكننا معه نستطيع كل شيء لأنه يقّوينا (يوحنا 15: 5 وفيلبي 4: 13).

 

يذكّرنا جرّ الشبكة إلى الشاطئ بما حدث معنا يوم جذَبَنا المسيح من مياه الضياع إلى شاطئ الأمان في الحياة الجديدة معه. هذا ما حدث مع ثلاثة آلاف نفس جذبتها شباك الإنجيل (الخبر المفرح) في يوم الخمسين، إلى الكنيسة. وهذا ما نراه في كل اجتماع تتعرَّف فيه النفوس الضالة إلى راعي النفوس العظيم، ربنا يسوع المسيح.

 

ويذكّرنا جرّ الشبكة إلى الشاطئ باليوم الأخير، عندما يجمعون السمك الجيد إلى أوعية، وأما الأردياء فيطرحونها خارجاً (متى 13: 47-50). فعلى شاطئ الأبدية يعطي كل واحد منّا حساباً عن نفسه.

فماذا سيكون حالك؟

 

ثانياً – المسيح والمعجزة

1 – المسيح يفتح باب الكلام معهم:

«يا غلمان، ألعل عندكم إداماً؟» (آية 5). والإدام هو ما يؤكل مع الخبز، والمقصود به هنا السمك. لقد أخذ المسيح زمام المبادرة في الاتصال بتلاميذه. عندما سلَّمنا حياتنا للرب واختبرنا الحياة الجديدة، كانت المبادرة منه، فمحبته هي التي امتدت من أعلى لتخلّصنا من خطيتنا، فأخذت يدنا في يده ورفعتنا، وهكذا قادنا إلى الخلاص.

 

ويد الرب ما زالت ممدودة برحمة غير محدودة، وهو ينتظر أن نمدّ يدنا لنأخذ البركة المُعدَّة لنا «كَأْسَ الْخَلاصِ أَتَنَاوَلُ، وَبِاسْمِ الرَّبِّ أَدْعُو» (مزمور 116: 13). وعندما نأخذ يقول لنا: «إِلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئاً بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً» (يوحنا 16: 24).

 

2 – المسيح العالِم بكل شيء:

«يا غلمان، ألعل عندم إداماً؟» (آية 5). إنه دائماً يضع إصبعه تماماً على نقطة احتياجنا. ومهما كانت الحاجة فهو يعرفها من قبل أن نسأله، فيسدِّد كل احتياج وينجّي من كل ضيق وفشل، ويُعطي بغنى لنتمتّع.

 

ولما أجاب التلاميذ أن لا إدام عندهم، قال: «ألقوا الشبكة إلى جانب السفينة الأيمن فتجدوا» (آية 6). لم يعرف الخبراء المتخصّصون في الصيد، الذين صرفوا عمرهم على بحيرة طبرية، أين يوجد السمك، ولكنه هو العارف بالاحتياج، وأين يوجد هذا الاحتياج! وعندما نسمع صوته ونتجاوب معه وننتظر توجيهه لنا، يرينا أين نجد البركة التي نحتاج إليها! جرِّب بنفسك أن تحصل على بركته.

 

3 – المسيح المحب الحنّان:

كان التلاميذ مُتعَبين طوال الليل، وفي الصباح كانوا جائعين، ولم يعطهم العالم شيئاً. ولكن المسيح المحب أعطاهم الصيد الوفير من البحر، ووجدوا «جمراً، وسمكاً موضوعاً عليه، وخبزاً» (آية 9). إنها لمسات محبة لإنسان مُتعَب!

 

هذا يعني أن المسيح فكّر في كل احتياجاتهم العاجلة، بكل أبعادها، وفي احتياجاتهم على المدى البعيد بكل تفاصيلها. وعندما نصل إلى المكان والوقت الذي نحتاج فيه، نجد أنه قد دبَّر كل شيء بطريقة أفضل وأحسن مما كنا نطلب أو نفتكر!

 

يتساءل المرنم: «هَلْ يَقْدِرُ اللهُ أَنْ يُرَتِّبَ مَائِدَةً فِي الْبَرِّيَّةِ؟» (مزمور 78: 19). ونحن نسأل السؤال نفسه. أليست الحياة كلها برية؟!

 

وتجيئنا الإجابة من رحمة الله وحنانه. وكنموذج لها نذكر ما فعله مع نبيّه إيليا، في موقف ضعُف فيه هذا النبي البطل أمام تهديد الملكة الشريرة إيزابل، فهرب من ميدان خدمته إلى البرية. وأشفق الله عليه فأرسل له ملاكاً يحمل طعاماً: «فَتَطَلَّعَ وَإِذَا كَعْكَةُ رَضْفٍ وَكُوزُ مَاءٍ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ رَجَعَ فَاضْطَجَعَ. ثُمَّ عَادَ مَلاكُ الرَّبِّ ثَانِيَةً فَمَسَّهُ وَقَالَ: «قُمْ وَكُلْ لأَنَّ الْمَسَافَةَ كَثِيرَةٌ عَلَيْكَ». فَقَامَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ» (1ملوك 19: 1-9). وأسندته تلك الوجبة حتى وصل إلى جبل حوريب.

 

عزيزي القارئ، يمكن أن تلمس محبة الله وحنانه معك إن سلَّمته زِمام حياتك.

 

4 – المسيح الذي يحترم مقدراتنا:

بعد أن رأى التلاميذ السمك الموضوع على الجمر والخبز قال المسيح لهم: «قَدِّمُوا مِنَ السَّمَكِ الَّذِي أَمْسَكْتُمُ الآنَ» (آية 10). ليُشعرهم بالإنجاز! يعطينا الرب عندما نعجز، ولكنه يريد أن يُشعرنا بالإنجاز والكرامة الشخصية، فيشجّعنا لنقدّم له مما سبق أن أعطانا. وقد أدرك داود هذه الحقيقة فقال للرب: «لأَنَّ مِنْكَ الْجَمِيعَ وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ» (1أخبار 29: 14). صحيح أن الرب يفعل كل شيء، لكنه يريد أن يُشركنا معه في ما يعمله هو لنحترم نفوسنا ونثق فيها.

 

وتقول آية 13: «ثُمَّ جَاءَ يَسُوعُ وَأَخَذَ الْخُبْزَ وَأَعْطَاهُمْ وَكَذلِكَ السَّمَكَ». فعندما نتردّد نحن في التقدُّم إليه يتقدم هو إلينا، ويقدم لنا ما نحتاجه، لنطمئن ونجد الأمان.

 

5 – المسيح يعلّمنا:

بدونه لا يمكن أن نجد شبعاً.

تلتهب قلوبنا حباً له كلما أدركنا محبته وعظمته.

يشبع المسيح جوعنا المادي، ويشبع جوعنا الروحي أيضاً، ويقوي إيماننا.

 

مجيء المسيح لتلاميذه على شاطئ بحر طبرية وقت الصبح يذكّرنا بمجيئه ثانية. «أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ، فَإِنَّ خَلاصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ. لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي النَّهَارِ، لا بِالْبَطَرِ وَالسُّكْرِ، لا بِالْمَضَاجِعِ وَالْعَهَرِ، لا بِالْخِصَامِ وَالْحَسَدِ» (رومية 13: 11-13).

 

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لأنك تأتي إلينا دوماً في فشلنا ويأسنا لتُلهمنا وتُعيد لنا الشجاعة والأمل. أرنا معجزةً جديدةً تعقب معجزاتك السابقة معنا، ولتكن لنا حياة الانتظار الراجي والثقة المطمئنة. باسم المسيح. آمين.

 

أسئلة

كيف نقول إن هذه المعجزة حدثت وقت الظهور السابع للمسيح، ووقت الظهور الثالث؟

اذكر ثلاث حوادث هامة جرت عند بحيرة طبرية.

لماذا عاد التلاميذ السبعة للصيد؟

لماذا لم يعرف التلاميذ المسيح لما وقف على الشاطئ؟

اذكر درساً نتعلمه من صيد 153 سكمة.

يعلّمنا جرّ الشبكة للشاطئ درسين، ما هما؟

«هل يقدر الله أن يرتّب مائدة في البرية؟» – اشرح إجابتك

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي