(ه) عظمة قيمة الملكوت مثلا الكنز المخفى واللؤلؤة الثمينة

44أَيْضاً يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ كَنْزاً مُخْفىً فِي حَقْلٍ، وَجَدَهُ إِنْسَانٌ فَأَخْفَاهُ. وَمِنْ فَرَحِهِ مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَاشْتَرَى ذلِكَ الْحَقْلَ. 45أَيْضاً يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَاناً تَاجِراً يَطْلُبُ لآلِئَ حَسَنَةً، 46فَلَمَّا وَجَدَ لُؤْلُؤَةً وَاحِدَةً كَثِيرَةَ الثَّمَنِ، مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَاشْتَرَاهَا (متى 13: 44-46)

يوضِّح مثلا الكنز واللؤلؤة طبيعة ملكوت الله في أنه ثمين ومفرح، مثل حقل يحوي كنزاً، ولؤلؤة رائعة يخطف بريقها الأبصار. وكل من يجد هذا الكنز وهذه اللؤلؤة لا يملك إلا أن يترك كل ما معه، ويتنازل عن كل ما يملكه في سبيل الحصول عليهما. وفي المثلين نرى أن الذي اشترى الحقل واللؤلؤة هو الخاطئ، وأن الحقل هو العالم، وأن الكنز واللؤلؤة هما المسيح، وأن الثمن المدفوع في الشراء هو ترك الإنسان لحياته القديمة بالتوبة، واتِّباع المسيح بكل القلب.

 

ومن هذين المثلين نتعلم أن البعض يجدون ملكوت الله بدون أن يبحثوا عنه، كما وجد الفلاح الكنز في الحقل، بينما يجده البعض الآخر بعد بحث وتفتيش، كما وجد التاجر اللؤلؤة. ولكن سواء كان العثور عليه بغير بحث، أو بعد بحث كبير، فإن الفضل في العثور عليه يرجع إلى الرب الصالح الذي يفتش عن الواحد الضال حتى يجده (لوقا 15: 4)، «لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللّهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ» (أفسس 2: 8 و9). وفي كل حال يستحق ملكوت الله أن نضحي بكل شيء لنحصل عليه.

 

وقد يرمز الكنز واللؤلؤة إلى المسيح المخلِّص نفسه «الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ» (كولوسي 2: 3)، أو قد يشيران إلى عطاياه: وهي الحياة الأبدية، وغفران الخطايا، وسماء المجد التي تلمع كحجر يشب بلوري (رؤيا 21: 11). فعندما تكون لنا علاقة شخصية بالمسيح تُكتب أسماؤنا في سفر الحياة، وننال غفران خطايانا، ونصبح ورثة السماء، ونسمع القول: «تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ» (متى 25: 34)

 

ويعلِّمنا المثلان أن الملكوت أمر شخصي، يجب أن يبيع الإنسان كل ما عنده ليحصل عليه، فيصير الملكوت له «كَمَخْبَأٍ مِنَ الرِّيحِ وَسِتَارَةٍ مِنَ السَّيْلِ، كَسَوَاقِي مَاءٍ فِي مَكَانٍ يَابِسٍ، كَظِلِّ صَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ فِي أَرْضٍ مُعْيِيَةٍ» (إشعياء 32: 2). ونحن لا ننتمي إلى الملكوت لأننا ننتمي إلى كنيسة معيَّنة، ولا لأننا وُلدنا في عائلة مؤمنة، لكن لأن الواحد منّا اتَّخذ قراراً شخصياً بتسليم حياته للمسيح، فيختبر الرب لنفسه. صحيحٌ أن تربيتنا الأولى في بيتٍ مؤمن تساعدنا أن نجد المسيح بسبب قدوة أبوينا وصلواتهما لأجلنا وتعليمهما الديني لنا، لكن العثور على الكنز مسؤولية فردية.

 

وليس المقصود بالمثلين أننا نشتري ملكوت الله، فهو لا يُشتَرى بمال، لذلك يهبه الله لنا مجاناً، فإن هبة الله هي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا (رومية 6: 23).

 

وليس المقصود بمثل كنز الحقل أن نخفي ثروة يملكها غيرنا لنأخذها نحن، فقد أوضح العلاّمة «إدارشايم» أن القانون اليهودي كان يقول إن من يجد عملات في وسط قمح اشتراه، تكون العملات له، وإن من وجد كنزاً في حقل يكون الكنز له، إن هو اشترى الحقل. ولكن المقصود بالمثلين هو قيمة الملكوت العظيمة وتكلفته الكبيرة، فهو ثمين جداً، يستحق أن نضحي بكل شيء لنحصل عليه. وهو كنز ثمين لأن فيه رضى الله، وفيه الحياة الأبدية، وهو الميراث الذي لا يفني ولا يتدنس ولا يضمحل (1بطرس 1: 4)، والذي وحده يملأ احتياج كل إنسان.. ولذلك يضحي الإنسان بكل شيء في سبيل امتلاكه، كما حسب موسى عار المسيح غنى أفضل من خزائن مصر (عبرانيين 11: 26)، وكما ترك الرسول بولس كل شيء ليحصل على الكنز واللؤلؤة، وقال: «لكِنْ مَا كَانَ لِي رِبْحاً فَهذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ خَسَارَةً. بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضاً خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ وَأُوجَدَ فِيهِ» (فيلبي 3: 7-9). وقال القديس أغسطينوس في اعترافاته: «الذي كنتُ أخاف من مفارقته صار تسليمُه موضوعَ فرحي، لأنك يا رب، يا صاحبَ الحلاوة المطلَقة الحقيقية طردتَه من داخلي، وحللتَ بنفسك مكانه، يا أحلى مِن كل لذَّة!».

 

وكل من يتأكَّد من بركات المسيح يترك خطاياه، ولا يعنيه حُكم الناس عليه، ويضع كل خير دنيوي في المرتبة الثانية، وينكر نفسه ليتبع المسيح.. بل إنه يترك أغلى ما عنده حتى لا يتعطل عن الحصول على بركات الإنجيل، فيترك محبُّ المال بُخله، ويهجر الكسلان خموله، ويتخلى الشهواني عن شهواته، لأنه يفهم قول المسيح: «مَنْ أَحَبَّ أَباً أَوْ أُمّاً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْناً أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ لاَ يَأْخُذُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُنِي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي. مَنْ وَجَدَ حَيَاتَهُ يُضِيعُهَا، وَمَنْ أَضَاعَ حَيَاتَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا» (متى 10: 37-39).

 

وسنتأمل في مثل الكنز المخفى الذي يرمز للذين يلتقي المسيح بهم دون أن يطلبوه، فهؤلاء يطلبهم المسيح. ثم نتأمل مثل اللؤلؤة الثمينة الذي يرمز للذين يلتقون بالمسيح بعد أن يكونوا قد طلبوه وفتَّشوا عليه.

 

أولاً – الذين يطلبهم المسيح

يصوِّر لنا مثَل الكنز المخفى في حقل حالة الإنسان الذي يجد المسيح بما يصفه البعض أنه «محض الصدفة» ولو أن الحقيقة هي أن الله يكشف هذا الكنز للإنسان دون طلب من ذلك الإنسان.

 

وفي زمن رواية المثَل لم تكن هناك بنوك، وكان الغزاة واللصوص يهاجمون البيوت والقرى والمدن وينهبون كل شيء، فكان الناس يحتفظون بكنوزهم في أوانٍ فخارية يدفنونها في الحقول، ليستردُّوها بعد جلاء الغزاة. وكان بعض أصحاب الكنوز يموتون تاركين كنوزهم وراءهم فتظل مدفونة إلى أن يعثر أحدهم عليها بالصدفة. ويقول مثَل الكنز المخفى في حقل إن فلاحاً كان يعمل في حقل عندما اصطدم فأسه بآنية فخارية تحوي كنزاً، فأخفى ما وجده، ومضى وباع كل ما يملكه واشترى الحقل ليكون الكنز له.

 

وفي عالمنا حقول كثيرة فيها كنوز، منها الأسرة، والعلم، والفن، والمال، والصداقة، والأدب، والرياضة، والسياسة، والمركز الاجتماعي.. لكنها كلها كنوز مؤقتة وفانية، ولا تُشبع إلا حاجات الجسد الفاني. لكن الحاجة الحقيقية الأبدية التي تُشبع النفس والروح هي إلى الكنز الواحد الذي هو المسيح، الذي يستحق أن نترك كل شيء في سبيل اتِّباعه، فنكون مثل مريم التي تركت كل شيء وجلست عند قدمي المسيح تسمع كلامه، بينما أختها مرثا (التي كانت أيضاً تحب المسيح) مهتمَّة بأمور أخرى كثيرة إلى جانب اهتمامها بالمسيح! وعندما اشتكت مرثا من أختها مريم، قال المسيح: «مَرْثَا، أَنْتِ تَهْتَمِّينَ وَتَضْطَرِبِينَ لأَجْلِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَلكِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ. فَاخْتَارَتْ مَرْيَمُ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا» (لوقا 10: 41، 42). ويقول المرنم: «نَظَرُوا إِلَيْهِ وَاسْتَنَارُوا وَوُجُوهُهُمْ لَمْ تَخْجَلْ… ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ! طُوبَى لِلرَّجُلِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَيْهِ. اتَّقُوا الرَّبَّ يَا قِدِّيسِيهِ لأَنَّهُ لَيْسَ عَوَزٌ لِمُتَّقِيهِ. الأَشْبَالُ احْتَاجَتْ وَجَاعَتْ، وَأَمَّا طَالِبُو الرَّبِّ فَلاَ يُعْوِزُهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ» (مزمور 34: 5 و8-10)، فيحتلُّ الله المكانة الأولى في عواطفنا وإرادتنا وعقلنا، ويجيء كل شيء في حياتنا بعده.

 

ومن المؤسف أن كثيرين في هذا العالم عندما يسمعون عن هذا الكنز السماوي لا يفهمون قيمته، لأنهم يظنون أنفسهم أغنياء وحكماء وأبراراً، أو لأنهم لامبالين، أو ساخرين. ويقول الوحي: «الإِنْسَانُ الطَّبِيعِيُّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللّهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ، وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيّاً» (1كورنثوس 2: 14)، ولأن «إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِين» (2كورنثوس 4: 4)

 

ولكن كم نشكر الله الذي يفتح عيوننا لنرى كنزه. وما أجمل قول «ذو النون» الصوفي المصري: «عرفت ربي بربي. ولولا ربي ما عرفت ربي». ويقول المسيح: «لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ» (يوحنا 15: 16). وعندما نحصل على الكنز الإلهي تُسدَّد كل ديون ماضينا، وتتوفَّر لنا حياة سعيدة هانئة بدون هموم ولا احتياجات، ويكون الكنز بركة لمستقبلنا ومستقبل أولادنا «الذُّرِّيَّةُ تَتَعَبَّدُ لَهُ. يُخَبَّرُ عَنِ الرَّبِّ الْجِيلُ الآتِي. يَأْتُونَ وَيُخْبِرُونَ بِبِرِّهِ شَعْباً سَيُولَدُ بِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ» (مزمور 22: 30، 31).

 

ونحن نجد كنز الغِنى الأبدي في الكتاب المقدس الذي هو «أَشْهَى مِنَ الذَّهَبِ وَالإِبْرِيزِ الْكَثِيرِ» (مزمور 19: 10)، وقد أوصانا المسيح: «فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي» (يوحنا 5: 39).. كما نجده في ممارسة وسائط النعمة من صلاة وتعبُّد.. ونجده في صُحبة المؤمنين الذين نشتهي أن نكون مثلهم، لأننا نرى أعمالهم الحسنة فنمجد الآب السماوي (متى 5: 16). وعندما نجد الكنز نغتني، ونكون قد أطعنا وصية المسيح: «أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَباً مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَاباً بِيضاً لِكَيْ تَلْبَسَ» (رؤيا 3: 18)، فنضع قلوبنا على هذا الغِنى الروحي و «حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضاً» (متى 6: 21).. وفي غِنانا نقدر أن نُغني غيرنا كما قال الحكيم: «شَفَتَا الصِّدِّيقِ تَهْدِيَانِ كَثِيرِينَ» (أمثال 10: 21). ولا خوف من نفاد الكنز وانتهائه، فلنشارك غيرنا فيه، لأنه يكفي الجميع.

 

وكما وجد الفلاح الكنز في الحقل دون أن يفتش عنه، وجد كثيرون المسيح دون أن يطلبوه، بحسب القول: «وُجِدْتُ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي، وَصِرْتُ ظَاهِراً لِلَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا عَنِّي» (رومية 10: 20 مقتبسة من إشعياء 65: 1).. ومن هؤلاء: الرعاة الذين ظهرت لهم الملائكة وبشَّرتهم بولادة المسيح، فتركوا قطعانهم ليروا الأمر الواقع الذي أعلمهم الرب به، وزاروا الطفل في المذود (لوقا 2: 15، 16)، ومنهم لاوي الذي دعاه المسيح ليتبعه، فترك وظيفته وتبع المسيح (متى 9: 9)، ومنهم السامرية التي عرض المسيح عليها الماء الحي فارتوت، ومضت تخبر أهل بلدها سوخار عن المسيح (يوحنا 4: 28)، ومنهم زكا الذي طلب المسيح أن يحلَّ ضيفاً في بيته، فرحَّب زكا به، ثم أعلن المسيح أن زكا وأهل منزله قد نالوا الخلاص (لوقا 19: 1-10). ومنهم شاول الطرسوسي الذي صار بولس الرسول (أعمال 9: 1-22). ومنهم الأسقف الميثودستي جون سبحان من حيدرأباد، الذي قرأ نسخة من الإنجيل أهداها له صديق يظن أن الإنجيل محرَّف. ولكنه لم يجد فيه أثراً لزندقة، ولا ما يدفع أصحابه لتحريفه، ولا سبباً يجعلهم يلفِّقون قصة الصلب بما فيها من عار على مؤسس المسيحية، وأذهلته المبادئ السامية في الموعظة على الجبل، فقبل خلاص المسيح.. وما أكثر من يجدون اليوم رسالة الخلاص وهم يتنقلون بين إذاعات الراديو أو قنوات التلفزيون، بدون قصد منهم.

 

ثانياً – الذين يطلبون المسيح

يقدِّم لنا مثل التاجر الذي كان يطلب اللآلئ الحسنة، فوجد لؤلؤة فريدة جعلته يبيع كل ما عنده ليشتريها، صورةً للذين يفتشون على ملكوت الله فيجدونه، وينطبق عليهم القول: «إِنْ دَعَوْتَ الْمَعْرِفَةَ وَرَفَعْتَ صَوْتَكَ إِلَى الْفَهْمِ، إِنْ طَلَبْتَهَا كَالْفِضَّةِ وَبَحَثْتَ عَنْهَا كَالْكُنُوزِ، فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُ مَخَافَةَ الرَّبِّ وَتَجِدُ مَعْرِفَةَ اللّه»ِ (أمثال 2: 3-5). فإن الحكمة «أَثْمَنُ مِنَ اللآلِئِ وَكُلُّ جَوَاهِرِكَ لاَ تُسَاوِيهَا» (أمثال 3: 15). ويشجعنا المسيح على طلب ملكوت الله بقوله: «اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ» (متى 7: 7).

 

لقد خرج هذا التاجر وهو يطلب شيئاً غير عادي، لا يطلبه معظم الناس، فوجد كل ما يرجوه في لؤلؤة واحدة بهرت عينيه وجذبت قلبه، فقرر أن يحصل عليها ولو كلفه هذا كل ما يملك.. وهو يعلمنا أننا نجد في المسيح الغِنى كله، فنبيع أحقادنا وكراهيتنا وشهواتنا وأحلامنا الجسدية، ونتبع المسيح بغير إبطاء، وبعزم القلب، وبفرح حقيقي. وهي صفقة لا نندم عليها أبداً، وكلما مضت الأيام بنا نكتشف روعة ما وجدناه، ونقول مع الرسول بولس: «كَحَزَانَى وَنَحْنُ دَائِماً فَرِحُونَ. كَفُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ. كَأَنْ لاَ شَيْءَ لَنَا وَنَحْنُ نَمْلِكُ كُلَّ شَيْ» (2كورنثوس 6: 10).

 

ومن المفرح أن هناك رجاءً لكل من يطلب وجه الله، لأنه يقدر أن يقول: «لَمْ تَتْرُكْ طَالِبِيكَ يَا رَبُّ… لَكَ قَالَ قَلْبِي: قُلْتَ اطْلُبُوا وَجْهِي. وَجْهَكَ يَا رَبُّ أَطْلُبُ» (مزمور 9: 10 و27: 8).

 

ومن الذين فتشوا على الملكوت فوجدوه: المجوس، الذين قالوا إنهم رأوا نجم ملكٍ يولد لبني إسرائيل، فجاءوا إلى أورشليم ليسجدوا له، ثم مضوا إلى بيت لحم حيث وجدوه وسجدوا له، وقدموا له هدايا: ذهباً ولباناً ومُراً (متى 2: 1-12)، ومنهم وزير المالية الحبشي الذي سافر من الحبشة إلى أورشليم، واشترى مخطوطة سفر النبي إشعياء، وجعل يقرأ «مثل شاة سيق إلى الذبح، ومثل خروف صامت أمام الذي يجزُّه..» وهو يتساءل: عن من يقول النبي هذا؟ فأرسل الله له فيلبس المبشر ليشرح له نبوات التوراة، ويقوده لمعرفة المسيح، ويعمدّه، فيمضي في طريقه عائداً إلى الحبشة بكل الفرح (أعمال 8: 26-40).

 

ويُشبِّه المثل المسيح بلؤلؤة لأنه صلب قوي لا يتغير في إعلان الحق وفي خدمة البشر، وقد ظهرت صلابته يوم «ثَبَّتَ وَجْهَهُ لِيَنْطَلِقَ إِلَى أُورُشَلِيمَ» (لوقا 9: 51)، وهو يعلم أنها ستصلبه، ولكنه «مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِيناً بِالْخِزْيِ» (عبرانيين 12: 2).

 

واللؤلؤة ذات بريق رائع. وبريق المسيح هو نور حياته، ونور تعليمه، ونور خلاصه، وهو القائل: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ» (يوحنا 8: 12).

 

واللؤلؤة لا يطرأ عليها تغيير ولا تصدأ. والمسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد (عبرانيين 13: 8).

 

واللؤلؤة تبقى ثروة للعائلة جيلاً بعد جيل. والمسيح هو الغني الذي يُغني، وهو الذي من أجلنا افتقر وهو غني، لنستغني نحن بفقره (2كورنثوس 8: 9).

 

واللؤلؤة تُجمِّل. والمسيح «يُجَمِّلُ الْوُدَعَاءَ بِالْخَلاَصِ» (مزمور 149: 4)

 

واللؤلؤة تترك تأثيرها الذي لا يُمحى في كل من وما تحتكُّ به. والمسيح يشفي منكسري القلوب، وينادي للمأسورين بالإطلاق، وللعمي بالبصر، ويرسل المنسحقين في الحرية (لوقا 4: 18).

 

لقد وُجد الكنز بعد حفر، ووُجدت اللؤلؤة بعد طول طلب. وفي الحالتين اعتُبر الكنز واللؤلؤة فوق كل شيء، ويستحق التضحية بكل شيء في سبيل الحصول عليه. فماذا ستفعل ليكون ملكوت الله لك؟.. الكنز قيِّم تعتمد عليه وحده لضمان مستقبلك. ولكنك قد تجد كنزاً تظنه ذا قيمة، وهو في الواقع لا قيمة له، فتضحي لأجله بلا فائدة. وهناك معادن زائفة، وقد قال الحكيم: «تُوجَدُ طَرِيقٌ تَظْهَرُ لِلإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةً، وَعَاقِبَتُهَا طُرُقُ الْمَوْتِ» (أمثال 14: 12)! فابحث عن القيِّم، ولا تنسَ أننا لن نحصل على اللؤلؤة إلا في هذه الحياة، فلنغتنم الفرصة السانحة الآن «لأَنَّهُ يَقُولُ: فِي وَقْتٍ مَقْبُولٍ سَمِعْتُكَ، وَفِي يَوْمِ خَلاَصٍ أَعَنْتُكَ. هُوَذَا الآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ» (2كورنثوس 6: 2).

 

سؤالان

استخرِج مِن مثَلَي الكنز المخفى واللؤلؤة الثمينة كيف يجد الناس ملكوت الله؟

ما هي أوجه الشَّبه بين المسيح واللؤلؤة الثمينة؟

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي