ثالثاً: “إفخارستية” عشاء الرب المسائية في مصر
والتطوُّرات التي مرَّت بها حتى استقرت كما هي ضمن الليتورجيا الصباحية
(
[1]
)
توطُّن “إفخارستية” عشاء الرب في مصر حتى القرن الخامس:
بمجيء نهاية القرن الأول كانت قد توقَّفت الكنيسة
في كل العالم عن إقامة الأغابي (العشاء)
التي تتبعها إفخارستية الرب. وتوقفت بذلك إفخارستيةالعشاء نفسها وحلَّ محلها إفخارستية الخدمة الصباحية.
ولكن ظلَّت كنيسة مصر متمسِّكة بطقس “عشاء الرب” حيث يشمل عشاء الرب “وليمة المحبة” ثمَّ يتبعها “الإفخارستيا” كالتسليم الرسولي، وظلَّت الكنيسة في مصر فترة طويلة تقيم الأغابي قبل الإفخارستيا حسب تقليد عشاء الرب الأخير. وقد وصلنا هذا التقليد ثابتاً ومسجَّلاً في إفخارستية
“الديداخي” سنة 100م
(
[2]
)
.
ولكن يكشف لنا هذه الحقيقة بصورة أوضح كلٌّ من المؤرِّخين سوزومين وسقراط، فذكر كلٌّ منهما
أن المصريين ظلُّوا حتى القرن الخامس يقيمون الأغابي مع الإفخارستيا في كثير من الكنائس في الصعيد (طيبة) وكل مصر، حيث بقوا محافظين على طقس العشاء كما استلموه من مار مرقس، فكانت الإفخارستيا تُقام في المساء
(
[3]
)
. كذلك ظلُّوا محتفظين بالتقويم اليهودي التقليدي القديم معتبرين أن مساء السبت (أي السبت ليلاً) وليس صباح الأحد هو بداية أول الأسبوع
ومبدأ يوم الرب “كيرياكي” (وهذا التقليد اليهودي لا يزال هو الساري حتى اليوم في الكنيسة القبطية والكنيسة الأثيوبية والكنيسة الأرمنية).
وقد كان اللاهوتيون والمؤرِّخون يدركون أن وضع كنيسة مصر في هذا الأمر فريد من نوعه، فقد علَّق على ذلك ليس فقط المؤرِّخان سوزومين وسقراط، بل والقديس أغسطينوس أيضاً معتبراً أن هذا استثناء خاص دون كنائس العالم كله
(
[4]
)
. وهذا هو السبب في بقاء طقس “إفخارستية” عشاء الرب حيًّا ومسجَّلاً وممارساً في الكنيسة القبطية حتى اليوم.
ولكن توجد وثيقتان توضِّحان أن وليمة الأغابي العامة في مصر بدأت تنتقل لتكون بعد الإفخارستيا، وذلك في الكنائس، منذ حوالي منتصف القرن الثاني.
الوثيقة الأُولى:
من تسجيلات كليمندس الإسكندري، ننقلها هنا مرَّة أخرى
:
[وفي حالة الأغابي
العامة(أي التي كانت تُقام في الكنائس) كان الشمامسة يقومون أولاً بتوزيع الخبز المقدَّس والخمر المقدَّس (الإفخارستيا)، ثمَّ بعد ذلك العشاء (أي الأغابي) أيضاً كذلك، فالعشاء في هذه الحالة كان في مجمله
إفخارستيا ثمَّ أغابي
–
فالذي كان يأكل كان يأكل للرب صانعاً إفخارستيا مع الرب، لأن الطعام الذي يؤكل بتقوى هو إفخارستيا]
(
[5]
)
.
والوثيقة الثانية:
هي “الرسالة الرسولية” (140
–
170م)
(
[6]
)
وفيها يصف الكاتب الإفخارستيا قبل الأغابي. ولكن في بلاد الحبشة ظلَّت الإفخارستيا فيها تأتي بعد الأغابي كما استلمتها من مصر منذ العصور الأُولى.
“إفخارستية” عشاء الرب “المسائية” في البيوت في مصر كان يصاحبها ليتورجية خدمة إلهية خاصة:
يعطينا كليمندس الإسكندري صورة فريدة للأغابي المنزلية الخاصة المرافقة للإفخارستيا المسائية في مصر في منتصف القرن الثاني، مما يزيح الستار أمامنا عن شكل الليتورجيا الأُولى لإفخارستية عشاء الرب المنزلية قبل أن تتطوَّر وتصير خدمة جمهورية عامة داخل الكنيسة:
[وكانت الأغابي العائلية في البيوت تتقدَّس بقراءة الأسفار والتضرُّعات والمزامير والتسابيح كصلوات عائلية، وهي التي كانت تجعل الطعام للشكر “إفخارستيا”.]
(
[7]
)
وواضح أن هذه صورة لوليمة عشاء الرب تنتهي بإفخارستيتها حسب تسليم الرسل في كنيسة مصر كاستمرار أو كامتداد لعشاء الخميس السرِّي بكل تقليده القديم، ولكنها كانت وليمة خاصة داخل البيوت لها طابعها الخاص.
وكانت في عرف كليمندس الإسكندري أن الإفخارستيا المقامة مع الأغابي في الكنيسة ينبغي أن يكون لها وقارها الفائق كطقس أعلى
(
[8]
)
.
1
–
ومن كلام كليمندس الإسكندري: [وكانت الأغابي العائلية في البيوت
تتقدَّسبقراءة الأسفار … إلخ]، نفهم أن الأكل، وبالتالي الخبز والخمر، يكونان موضوعين على المائدة قبل البدء بقراءة الأسفار والتضرُّعات والمزامير والتسابيح حتى يتقدَّسا بالقراءة والصلاة.
هنا يُلاحَظ أن
تقديم القرابين (بالمفهوم الكنسي) كان يسبق خدمة القراءة والصلاة والتسبيح بالمزامير، وهذا هو التقليد القائم حتى الآن في الكنيسة القبطية.وهو مختلف عن طقس يوستين الشهيد الذي يجعل تقديم القرابين بعد القراءة والصلوات.
2
–
يقصد كليمندس الإسكندري بقراءة الأسفار: أسفار موسى الخمسة (الناموس)، ثمَّ الأنبياء، ثمَّ الرسائل، ثمَّ أعمال الرسل، ثمَّ الإنجيل. وهذا الترتيب ورد ضمن قوانين الرسل الكتاب الثامن (ليتورجية كليمندس).
ويعطينا العلاَّمة ترتليان تأكيداً بأن القراءات في الأسفار المقدَّسة وشرحها كانت جزءًا هاماً من الليتورجيا وتعتبر كمقدِّمة لها، ويسميها خدمة الكلمة
(
[9]
)
. ولكن القديس يوستين يعتبر القراءات والعظة جزءًا من خدمة الليتورجيا
(
[10]
)
.
ولكن كليمندس الإسكندري يكشف لنا أكثر عن نوع الأهمية أو نوع العمل الذي يتم بقراءة الكلمة على الخبز والخمر في الإفخارستيا عندما يقول إن
[بالقراءة والصلاة يتقدَّس الطعام]!! هذا في الواقع يحتِّم وجود الخبز والخمر على المائدة قبل بدء القراءة والصلاة.
إذن يمكننا أن نتصوَّر
في القرن الأول، وبالذات في حضرة الرسل، كيف يبدأ المترئِّس على الوليمة في اختيار ووضع الخبز والخمر اللذين سيجري عليهما القراءات والصلوات على المائدة قبل أن يبدأ القراءة والصلاة والتسبيح،حيث هذا التسبيح ليس إلاَّ
تسبحة الشاروبيم وما يتبعها من ترديد المجد لله، كما هو حادث الآن تماماً في الكنيسة القبطيةفي كافة الليتورجيات كترتيب عام وثابت، مما يؤكِّد أنه مأخوذ أصلاً من طقس العشاء التقليدي الرسولي الأول
(
[11]
)
.
الصورة المحدَّدة “لإفخارستية” عشاء الرب وكيف بقيت في مصر منذ أيام الرسل:
من الأمور الملفتة للنظر أنه بالرغم من وجود عدة صور للأغابي منفردة كما سجَّلناها بنصوصها
(
[12]
)
، إلاَّ أنه لم يسجَّل لنا أي شيء بالمرة عن نصوص الإفخارستيا نفسها، أي كيف كان المترئِّس على الوليمة يقدِّس الخبز والخمر وماذا كان يقول أو يفعل؟
قد يتبادر إلى الذهن أن هذا بسبب سريَّة التعاليم الخاصة بالأسرار نفسها. أمَّا الأغابي فلأنها ليست تابعة للأسرار سجِّلت بكلماتها، ولكن الإفخارستيا بقيت في حيز التسليم السرِّي للكهنة فقط. هذا صحيح، ولكن أين هذا التسليم السري نفسه عملياً بالنسبة لهذه الإفخارستية العزيزة جدًّا والثمينة جدًّا التي هي التقليد الأول المسلَّم من المسيح والرسل؟
لم تجهل الكنيسة القبطية أهمية “تقليد إفخارستية” عشاء الرب أو تفرِّط فيها، كما لم تجهل أبداً أو تفرِّط أبداً في أي تقليد رسولي آخر؛ بل وأي كلمة رسولية تسلَّمتها.
ولكن حدث أنه بعد أن أكمل الرسل صياغة الإفخارستيا التي تصلح لعامة الشعب لتضاف على الخدمة الجمهورية، وذلك على أساس شكل إفخارستية العشاء إنما بمقولات وأوصاف وشرح بدلاً من وضعها الصامت، وذلك في كل حركة، أصبح لدى الرسل إفخارستيتان: إفخارستية أصيلة هي إفخارستية عشاء الرب الخاصة، وإفخارستية مشروحة هي إفخارستية ليتورجية الخدمة الجمهورية في الكنيسة (سواء بالمساء أو بالصباح).
ولكن لم يشأ الرسل أن يحذفوا الإفخارستيا الأُولى أو يستغنوا عنها، بل احتفظوا بها كاملة في الوضع الجديد في داخل ليتورجية الخدمة الجمهورية، احتفظوا بها بكل بركاتها المختصرة وحركاتها الصامتة وتسابيحها المحدودة جدًّا، ولكن في أضيق حيِّز ممكن من الإجراءات ومن الوقت أيضاً، وأدخلوها ضمن الليتورجية الصباحية وجعلوها بمثابة تقديم القرابين (الحمل) قبل البدء بالقراءات والوعظ والصلوات، فاعتبرت كأنها مجرَّد
“وضع القرابين” على المذبح، ولكنها في الحقيقة هي الطقس الكامل للصعيدة المرفوعة في العشاء الأخير بكل مستلزماتها ونصوصها
الليتورجية، وهي التي نسميها الآن في الكنيسة القبطية “تقديم الحمل”.
وهذا الإجراء تمَّ مبكِّراً جدًّا وعلى أيدي الرسل أنفسهم، فقد وردت إشارات مبكِّرة جدًّا في الليتورجيات الوصفية الأُولى المعتقد أن أصولها الأُولى من وضع الرسل مثل ليتورجية القديس مرقس الرسول وليتورجية سيرابيون.
وقد اعتبروا أن إفخارستية عشاء الرب المبدوء بها في أول الخدمة قبل القراءات هي أساس لليتورجيا التي تجيء بعدها. والمقصود من كلمة “أساس” هو أنها جزء من التقديس الفعلي للقرابين، وهذا سيجيء شرحه بعد ذلك بالتفصيل.
“تقديم الحمل” في الكنيسة القبطية الآن هو
جوهر النص السرِّي لإفخارستية عشاء الرب
والآن لكي يتحقَّق أمامنا أن ما يُسمَّى في الكنيسة القبطية الآن ب“تقديم الحمل” هو طقس عملي كامل لإفخارستية كاملة في ذاتها، نضع أمام القارئ هذا الجدول، وهو مقارنة دقيقة بين ما يتم في تقديم الحمل الآن وبين ما يتم في إفخارستية القديس مرقس الرسول (القداس الكيرلسي)، حيث يظهر مقدار التطابق الكامل بينهما. ومنه سيتضح بصورة قاطعة أن طقس
“تقديم الحمل”الآن ما هو إلاَّ
“إفخارستيا كاملة في حد ذاتها”، ولا تقل في شيء في تركيبها الأساسي عن ليتورجية مرقس الرسول، ولكن احتُفظ بها داخل الليتورجيا الكبرى التي بدأ الرسل بوضعها لتكون إفخارستية عامة للشعب كشرح تفصيلي لإفخارستية عشاء الرب.
والجدول المذكور عبارة عن إفخارستيا مرقس الرسول (المعروفة بالقداس الكيرلسي) الموجودة في الخولاجي المطبوع، وأمامها وضعنا ما هو معروف الآن
ب“تقديم الحمل” وهو الجزء الطقسي الذي يأتي في الخولاجي المطبوع قبل الثلاثة قداسات باعتباره جزءًا يُضاف على كل ليتورجية بمعنى “تقديم الحمل”، وهو في الحقيقة
–
كما سيتحقَّق أمامنا
–
إفخارستية كاملة وهي الجزء السرِّي من عشاء الرب التي كانت تُجرى في العصر الرسولي الأول،
ولم يمكن الاستغناء عنها بعد تطوير الإفخارستيا وجعلها وصفية لتشرح حوادث ليلة العشاء،
وقد جعلها الرسل أنفسهم في البدء
–
قبل خدمة القراءة
–
كتقديس فعلي للقرابين كما أجراه المسيح تماماً:
مقارنة بين إفخارستية مار مرقس (القداس الكيرلسي) وبين صلوات تقديم الحمل
|
|
تقدَّموا تقدَّموا كالترتيب … ارفعوا أعينكم إلى ناحية المشارق لتنظروا المذبح وجسد ودم عمانوئيل إلهنا موضوعين عليه (إشارة إلى ما تمَّ في طقس تقديم الحمل السابق). |
|
|
|
(أ) مستحق وعادل … أن (ب) نقرِّب لك معه ومع الروح القدس: هذه الذبيحة الناطقة (ج) نقدِّم بخوراً على هذه الذبيحة وهذا القربان [أرقام ب، ج السابقة إشارة إلى طقس تقديم الحمل] |
(أ) (ب، ج) عملية تقديم فعلي بدون وصف أو كلام
|
|
|
||||||||
(أ)
(ب)
(ج)
(د)
(ه) الأوشية
(و) (ز) البطريرك والأساقفة والكهنوت |
(أ)
(ب)
(ج)
(ه)
+
(و)
|
||||||||
(ح) الموضع + القيام هنا +
(ط)
(ي)
(ك)
(ل) |
(ط)
(ي)
(ك)
(ل) |
||||||||
(أصلاً تتبع تسبحة خدمة الصباح)
(أ)
(ب) التسبحة الشاروبيمية: [قدوس. قدوس. قدوس] (ج) وصلة التسبحة الشاروبيمية ببداية التقديس:
[
(د) [قرابينك هذه |
(أصلاً تتبع تسبحة بداية يوم الفصح مساءً)
+
وهو المزمور الذي كان يُقال في
على أن |
||||||||
هنا شرح ما عمله الرب بصورة تاريخية وصفية
يقول الكاهن: [لأنه |
هنا تكرار ما عمله الرب بصورة واقعية عملية بدون وصف. الوقت هنا أصلاً هو في المساء. طقس “عشاء” فهو تطبيق عملي بدون وصف |
||||||||
|
دعاء للتقديس باسم الثالوث: |
||||||||
|
{ | |
في الفعل الماضي بصيغة الغائب للوصف |
مبارك ابنه وحيد الجنس يسوع المسيح ربنا مبارك الروح القدس الباراكليت] |
{ | |
تبريك عملي فعلي للثالوث في صميم الحاضر |
|
|||
الاعتراف بالثالوث مؤجَّل حتى إلى ما بعد الحلول. لا يُقال هنا [القدسات للقديسين] بل تؤجَّل إلى ما بعد تقديس الكأس |
هنا البركة المثلثة تعتبر وهنا يؤكِّد الطقس على أنه تمَّ الآن تقديس الجسد، وذلك من مرد الشماس: |
||||||||
|
الشماس: [واحد هو الآب القدوس واحد هو الابن القدوس واحد هو الروح القدس] |
{ |
|
هذا المرد يُقال في القداس الوصفي عندما يُقال [القدسات للقديسين] |
||||||
مرد الشعب بالذوكصا المثلثة مؤجَّل لما بعد اعتراف الكاهن |
الشعب: [المجد للآب والابن والروح القدس] |
||||||||
(ب)
[هكذا الكأس أيضاً بعد هنا لا يوجد عشاء بالمرَّة وهذه الإشارة توضِّح أن تقديس الكأس جاء بعد مدَّة طويلة من تقديس الخبز |
(ب)
هنا تبدأ صلاة الشكر الأخيرة على كأس البركة، في نهاية العشاء. يبدأها الكاهن |
||||
+ |
الكاهن |
||||
|
{ | |
أفعالها كلها في الماضي (دون ذكر ماذا قال في هذا الشكر) – وبصيغة الغائب تشرح تقديساً تمَّ سابقاً |
تبدأ |
|
|
[كل مرَّة تأكلون من هذا الخبز وتشربون من هذه الكأس تبشِّرون بموتي وتعترفون بقيامتي … إلخ] فالتذكار هنا يقوم على شرح ما تمَّ في العشاء الأخير. على أساس ما عمله المسيح على الصليب والقبر والقيامة (لذكري) |
الطقس هنا ليس تذكارياً بل هو نفسه أي كل ما عمله الرب في عشاء يوم الخميس بدون شرح ولا تعليق ولا نسبته إلى ما تمَّ على الصليب والقبر والقيامة (هو نفس عشاء الرب) |
||||
(أ) [ |
(أ)
|
||||
(ب) وعلى هذه القرابين التي لك المكرَّمة |
(ب) |
(ج) لكي |
(ج) باركهما + قدسهما + |
(د) هذا |
(د) |
(ه) وهذه |
(ه) |
(و) |
(و) |
(ز) |
(ز) ارتقاءً وشفاءً وخلاصاً |
(ح) وتجديداً |
(ح) |
(ط) |
(ط) لأنك أنت هو إلهنا يليق بك |
(ي) ومشاركة سعادة الحياة الأبدية وعدم فساد |
(ي) جاءت في مرد سابق هكذا: يقول الشماس:
[اطلبوا لكي يرحمنا الله ويجعلنا مستحقين أن |
[هو أيضاً فلنسأله أن يجعلنا مستحقين |
|
للجسد والدم – |
الكاهن والشماس والشعب (سقط من الخولاجي ذكر السبب) |
|
10 – (رُفعت تماماً ووضعت في القداس الوصفي) |
لا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير |
ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير |
لقبول الحل
(أ)
(ب)
(ج) |
(أ)
(ب)
(ج) |
السلام والآباء والاجتماعات (بعد التحليل) |
|
|
|
|
|
16 واحد هو الآب القدوس واحد هو الابن القدوس واحد هو الروح القدس |
16 واحد هو الآب القدوس واحد هو الابن القدوس واحد هو الروح القدس |
بالنسبة للاهوت المسيح وناسوته |
بالنسبة للإيمان كله (قانون الإيمان) |
الشعب يتقدَّم للتناول كل واحد في دوره |
بروسفارين بروسفارين [تقدَّموا تقدَّموا حسب الترتيب] (للتناول أصلاً) |
19 |
19 |
20 |
20 |
من هذه المقارنة يتبيَّن لنا عدة أمور هامة:
أولاً:
أن
“تقديم الحمل”هو ليتورجية إفخارستية بمعنى الكلمة لا ينقصها أي عامل من عوامل
الإفخارستيا، وأهمها في الأساس تقديس الخبز والخمر والاستدعاء للتحويل.
ثانياً:
أنها إفخارستيا عملية وليست وصفية، فليس فيها أية إشارة إلى إفخارستية عشاء الرب، والسبب في ذلك هو أنها هي إفخارستية عشاء الرب.
ثالثاً:
ليس فيها التذكار (الأنامنيسس) أي
»
اصنعوا هذا
لذكري
«
لسبب بسيط وهو أنها عملية وتقيم التذكار عملياً وليس وصفياً. فإن إقامتها في المساء وفي أول ساعات يوم الأحد (مساء السبت بعد الساعة السادسة مساءً) يعطيها تلقائياً صفتها الفصحية كذبيحة قيامة،
هذا بجوار اسمها التقليدي “عشاء الرب” كيرياكون
kuriakÕn de‹pnon
(1كو 20: 11) أي وليمة الرب في يوم الرب
kuriakÍ ¹mšrv
(رؤ 10: 1) كما تصفها
“الديداخي” إمعاناً في حصرها في معنى التذكار:
kat¦ kuriak¾n d
e
kur…ou sunacqšntej
“حينما تجتمعون في
كل
يوم للرب (أي كل يوم أحد) الذي للرب”
رابعاً:
ليس بها
“قسمة”،والسبب بسيط وهو أن القسمة والأكل والشرب رفعت منها لتضاف
إلى الإفخارستيا الوصفية التي تأتي بعدها لتكمِّل ما تأجَّل من الأُولى ليكونا معاً إفخارستياواحدة.
خامساً:
لا يوجد فيها أوشية للملك ولا للبطريرك ولا للأساقفة. والسبب في ذلك هو أنها في عشاء الخميس كانت تخلو من ذلك. كما أنها في وضعها البدائي كانت خاصة تُقام داخل منزل لجماعة أحباء لم تلتزم إلاَّ بالصلوات المحلية من أجل أصحاب القرابين والذين لهم من أحياء وأموات ومرضى
ومسافرين ومن كانوا في شدة.
سادساً:
لا يدخلها أي ذكر للبخور. وهذا يكشف عن قدمها السحيق قبل أن يدخل البخور الكنيسة في الخدمة (وذلك ابتدأ تقريباً منذ القرن الرابع حسب تحقيق العلماء وعلى أقصى تقدير أيام البابا بطرس خاتم
الشهداء
–السابع عشر في عداد البطاركة).
سابعاً:
واضح أمامنا أن
إفخارستيا مرقس الرسول تشير دائماً أبداً إلى أنه قد سبقها “وضع” للقرابين على المائدة، ولكنه ليس مجرَّد وضع بل هو “وضع تقديسي”.فقبل أن يبدأ الكاهن بالصلاة أصلاً وقبل أن يقول [الرب مع جميعكم]، كذلك في رقم 2ب، 4د، 7ب، يشير الكاهن إلى الخبز والخمر أنهما جسد ودم المسيح، بل وتعتبرهما الإفخارستيا المشروحة
أنهما “هذه الذبيحة الناطقة”.علماً بأن إفخارستيا مرقس الرسول تقول هذا في مقدِّمة الليتورجيا قبل أن تدخل على التقديس (أو بالحري
“وصف”التقديس). وهذا قد حيَّر العلماء الذين درسوا الليتورجية القبطية مما جعلهم يظنون أن مجرَّد وضع القرابين على المذبح يعتبر ذبيحة تلقائياً عند الأقباط. وقد وقعوا في هذا الخطأ بسبب عدم اكتشافهم للإفخارستيا المختفية في طقس
وضع القرابين.
ولكن هذه الإشارات المتتالية تؤكِّد لنا
أن إفخارستيا مرقس الرسول تدري تماماً أنه قد سبقها تقديس فعلي، وأنها تعتمد على هذا التقديس السابق،وأصبح دورها الأساسي بعدئذ هو وصف هذا التقديس الذي تمَّ وتكميله بالقسمة ثمَّ التناول (الشركة). وهذا يكشف لنا أن
تركيب إفخارستية مرقس الرسول هو مبني أساساً على أن تصبح مع “تقديم الحمل” “إفخارستية واحدة كبرى”تحوي التقليد السرِّي الأصيل لإفخارستية عشاء الرب وشرحها معاً. ولهذا يصف الآباء الأوائل الإفخارستيا بوضعها الحالي أي الطقس الأصلي لسر العشاء مضافاً إليه طقس شرح الإفخارستيا أنها
“الإفخارستيا الكبرى”
(
[14]
)
،
مما يوحي بكل تأكيد أنه يوجد في ذهنهم صلاة إفخارستيا أصغر أو أقل حجماً داخل الإفخارستيا الكبرى.
ولكن ليست إفخارستيا مرقس الرسول (القداس الكيرلسي) وحدها هي التي بنيت على هذا الأساس، لأننا نجد نفس الوضع في إفخارستيا سيرابيون التي سيأتي الحديث عنها، وهي إفخارستيا قبطية صميمة، إذ تقول
قبل التقديس وقبل الحلولوهي تشير إلى الخبز والخمر اللذين وضعا على المذبح (بعد تقديم الحمل بكل تأكيد) تقول هكذا: [يا رب القوات
املأ هذه الذبيحةبقوتك وشركتك،
لأننا قدَّمنا هذه الذبيحة الحية، والصعيدة غير الدموية]. و[قدَّمنا لك هذا الخبز مثيلاً لجسد الوحيد، مثيلاً للجسد المقدَّس، نحن نصنع مثال موته، نقدِّم لك هذا الخبز ونتضرَّع إليك أن
بهذه الذبيحة “تتصالح”معنا جميعاً وتكون رحيماً].
وهذا مما جعل العالِم الليتورجي ليتزمان
(
[15]
)
يقول إنه في كنيسة القرون الثلاثة الأُولى كان يوجد ثلاثة أنواع من الذبائح:
النوع الأول:
ذبيحة الصلوات (أي الأواشي)،
النوع
الثاني:
ذبيحة مجرَّد
وضعالخبز والخمر على المذبح،
النوع الثالث:
ا
لفعل السري على المذبح على مستوى موت المسيح ومثاله (كما يقول سيرابيون).
وكذلك العالِم جون ماسون نيل، فقد استرعى انتباهه ليس فقط الإشارة إلى الخبز والخمر بصفتهما
“ذبيحة”قبل التقديس، بل وطلب استدعاء حلول الروح القدس على
“الذبيحة”،بدل أن يكون الاستدعاء للحلول على
“الخبز والخمر”؟وخرج من ذلك بقوله: [إن عائلة الليتورجية الإسكندرانية سواء كانت لمار مرقس أو القديس كيرلس لها صفة خاصة في صلاة استدعاء حلول الروح القدس. والنظرية التي تقوم عليها يبدو لي كما هو الحادث في جميع الليتورجيات أنه يوجد فيها ازدواج في الصعيدة، أي صعيدتان (في الليتورجيا الواحدة):
الأُولى:
بالخبز والخمر،
والثانية:بجسد
ودم المسيح.
ومن أجل هذا وُجد أنه من المناسب أن يكون هناك ازدواج أيضاً في الاستدعاء
–
أي استدعاءان:
الأول:على الخبز والخمر،
والثاني:على الجسد والدم.
بهذا التصوُّر تكون كل قوة التحول قد تركَّزت على كلمات التأسيس
Institution
، وحينئذ تكون ليتورجية الإسكندرية بهذا الوضع قد تقاربت من طقس روما. وهذا ما كنا نتوقَّعه دائماً.]
(
[16]
)
وبهذا يكون هذا العالِم المدقِّق قد تقارب جدًّا مع الحقيقة دون أن يضع يده على سرِّ هذا الازدواج ومكانه، أي لم يعثر على الصعيدة الأُولى الأساسية
–
صعيدة التقديس على الخبز والخمر التي بدونها لا يمكن أن تفهم الليتورجيا.
والذي جعل هؤلاء العلماء يظنون خطأ أن
بمجرَّد وضعالخبز والخمر على المذبح يصيران
“ذبيحة” هو أن إفخارستيا قوانين الرسل “الكتاب الثامن” تقدِّم الخبز والخمر على المذبح في صمت وبدون صلوات خاصة بالتقديم، كما أن الطقس الروماني جعلها أيضاً في صمت. أمَّا قدَّاس
القديس باسيليوس وقدَّاس القديس يوحنا ذهبي الفم عند الروم فقد جمع لصلاة
“التقديم”عدة
صلواتمن مواضع مختلفة من الإفخارستيا نفسها. فصار تقديم القرابين ليس له الصفة التقديسية المميِّزة
(
[17]
)
.
ولكن أي دارس مدقِّق لو أعاد النظر في موضوع التقديم
offertory
في كل من الطقس السرياني أو البيزنطي، فإنه حتماً سيجد آثاراً واضحة جدًّا لليتورجيا كاملة تحمل طقس التقديم الأصيل الذي كان على مستوى “إفخارستية” عشاء الرب، التي كانت بدون صلوات وصفية جانبية، والتي كانت تقوم أساساً على حركات شبه صامتة حسب التقليد القديم.
ولكن الاكتشاف الأعظم أهمية من كل ما عداه في هذه المقارنة التي قدَّمناها في الجدول السابق، هو أن إفخارستية مرقس الرسول تتبع طقس
“تقديم الحمل”،أي تتبع
“إفخارستية”عشاء الرب في كل ترتيبها من الوجهة العملية والتنسيقية المحضة. ثمَّ من الواضح أيضاً أن الصلوات التي جاءت في إفخارستية عشاء الرب البسيطة البدائية هي التي أوحت بكل الصلوات المطوَّلة التي جاءت في إفخارستية مرقس الرسول، وسيأتي شرح ذلك بالتفصيل. ولكن نركِّز الآن على أن
“تقديم الحمل”أو “إفخارستية” عشاء الرب هي في الحقيقة والواقع النواة الأُولى الكاملة التي تركَّبت منها ثمَّ تركَّبت عليها ليتورجية مرقس الرسول، أو على وجه الأصح جميع ليتورجيات العالم الوصفية بدون استثناء قط.
ف“تقديم الحمل أو إفخارستية عشاء الرب” في الطقس القبطي تقف وحدها كنموذج أول وفريدللإفخارستية. وفي مقابلها تقف جميع ليتورجيات العالم كنموذج آخر، أي تأتي لإفخارستية أخرى متطوِّرة عنها وعلى أساسها.
(
[6]
)
Epistula Apostolorum,
Coptic and Ethiopic Texts with a German transl. by H.
Duening,
Bonn
, 1925; English transl. in G. Horner,
The Statutes of the Apostles,
London
, 1904.
(
[11]
)
أمَّا بخصوص طقس المائدة فقد ابتدأ منذ الأيام الأُولى العظيمة للمسيحية
“بكسر الخبز”
بعد الحضور في الهيكل مباشرة، وكان يراعى في
“كسر الخبز”
في البيوت أن يكون في ميعاد تقدمة ذبيحة المساء في الهيكل … أمَّا الاجتماع الأسبوعي (مساء السبت)
فأصبح يتطلب بالضرورة ليتورجيا كاملة بدأت تتشكَّل على نمط طقس عشاء السبت،
وهكذا بدأت تتشكَّل الوليمة على أساس
“كسر الخبز” مع “كأس التذكار”
أي تذكار يوم السبت، وظل هذا الطقس (بالرغم من وجود كأس الخمر) يسمَّى في الكنيسة طقس كسر الخبز وذلك لمدة طويلة (
Richardson,
op.
cit.,pp. 315-317
).
(
[12]
)
انظر كتاب الإفخارستيا الباب الرابع صفحة 276
–
345 من الطبعة الأُولى وصفحة 294-366 من الطبعة الثانية.
1 – صلواتها يتخلَّلها البخور. 2 – كل الأواشي جاءت بصورتها العمومية. مما يدل على أنها داخل كنيسة عامة. 3 – ذكر فيها الملك لأن الصلوات عامة للشعب وعلنية.
4 – 5 – الأواشي مطوَّلة جدًّا لتشمل عموم ظروف المسيحيين.
6 – |
1 – كل هذه الصلوات لا يتخلَّلها بخور إطلاقاً. 2 – كل الأواشي جاءت بصورتها الخصوصية. مما يدل على أنها كانت أصلاً داخل بيت خاص. 3 – لم يُذكر فيها الملك لأنها خاصة وغير عامة.
4 5 – الأواشي مختصرة ومحدَّدة لأنها تشمل عدداً قليلاً جداً. |