الإصحَاحُ
الثَّالِثُ

 

رابعاً
– وصايا عن الحياة المسيحية العملية (٢تسالونيكي ٣: ١ –
١٥)

تنقسم
رسائل بولس الرسول عادة إلى قسمين، القسم التعليمي ثم القسم العملي. وفي الأصحاح
الثالث من الرسالة الثانية إلى تسالونيكي يقدّم الرسول بولس الجزء العملي. ويبدأه
بقوله: «أخيراً أيها الإخوة» – أي بعد أن قدّمْتُ لكم التعليم، أقدم لكم الوصايا
العملية، كنتيجة للتعليم الصحيح.

ونجد
في هذا الجزء ثلاثة أفكار رئيسية:

1.
الرسول يطلب صلاتهم من أجله (آيات ١ – ٥)

2.
الرسول يحذّرهم من الكسل (آيات ٦ – ١٣)

3.
يجب عدم مخالطة المخالف(آيتا ١٤، ١٥)

١
– الرسول يطلب صلاتهم من أجله

١
أَخِيراً أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ صَلُّوا لأَجْلِنَا، لِكَيْ تَجْرِيَ كَلِمَةُ
ٱلرَّبِّ وَتَتَمَجَّدَ، كَمَا عِنْدَكُمْ أَيْضاً، ٢ وَلِكَيْ
نُنْقَذَ مِنَ ٱلنَّاسِ ٱلأَرْدِيَاءِ ٱلأَشْرَارِ. لأَنَّ
ٱلإِيمَانَ لَيْسَ لِلْجَمِيعِ. ٣ أَمِينٌ هُوَ ٱلرَّبُّ
ٱلَّذِي سَيُثَبِّتُكُمْ وَيَحْفَظُكُمْ مِنَ ٱلشِّرِّيرِ. ٤
وَنَثِقُ بِٱلرَّبِّ مِنْ جِهَتِكُمْ أَنَّكُمْ تَفْعَلُونَ مَا نُوصِيكُمْ
بِهِ وَسَتَفْعَلُونَ أَيْضاً. ٥ وَٱلرَّبُّ يَهْدِي قُلُوبَكُمْ
إِلَى مَحَبَّةِ ٱللّٰهِ وَإِلَى صَبْرِ ٱلْمَسِيحِ
(٢تسالونيكي ٣: ١ – ٥).

فى
هذه الآيات يطلب الرسول بولس منهم أن يصلّوا من أجله ومن أجل سلوانس وتيموثاوس،
ليعطيهم الرب نعمة في خدمتهم في كورنثوس. وكان الرسول دائماً يطلب من المؤمنين أن
يصلّوا من أجله. والإنجيل يقول إن طلبة البار تقتدر كثيراً في فعلها (يعقوب
٥: ١٦)، ويطلب منا أن نوصي الله على عمل يديه (اشعياء
٤٥: ١١). ولا عجب فإن الكتاب يقول: «يَا ذَاكِرِي
ٱلرَّبِّ لا تَسْكُتُوا وَلا تَدَعُوهُ يَسْكُتُ» (اشعياء ٦٢:
٦ و٧) وعلى ذلك فإننا يجب أن نصلي من أجل الخدّام الذين يحملون كلمة
الرب لكي «تجري» بواسطتهم، فينتشر الإنجيل وينجح بسرعة، و «تتمجد الكلمة » أي يعرف
الناس قيمتها لأنها قوة الله للخلاص. وكما قبل أهل تسالونيكي كلمة الله في ضيق
كثير بفرح الروح القدس، هكذا تجري الكلمة وتنجح في كل مكان، دون أن يقيّدها أيّ
عائق.

وفي
الآية الثانية يطلب الرسول من أهل تسالونيكي أن يصلّوا من أجله لينقذه الله من
الناس الأردياء الأشرار، الذين يقاومون الإنجيل. ويقول: «لأن الإيمان ليس للجميع».
فهناك بعض الناس غير المستعدين لقبول إيمان الإنجيل، وهم يقاومون تعليمه، ولذلك
فان الرسول يطلب أن الله ينجيه من هؤلاء الذين يرفضون نعمة الايمان ونعمة الخلاص.
فلا تتعجبْ إنْ وجدتَ أناساً في بيتك يقاومون الإنجيل، فهذا أمر طبيعي.

والرسول
يدرك أن الرب أمين، بخلاف البشر، وهو الذي يثبّت المؤمنين ويحفظهم من الشرير،
فيُظِهر لهم أمانته ويحفظهم من السقوط، ويحميهم من اضطهادات المضطِهدين، فلا يوقع
بهم أحد ليؤذيهم. وهذا ما نجده في الصلاة الربانية: «نَجِّنَا مِنَ
ٱلشِّرِّيرِ» (متى ٦: ١٣). ويقول الرسول بولس لأهل
تسالونيكي إنه واثق في الرب من جهتهم أنهم سيفعلون ما أوصاهم به، ذلك أنهم متحدون
بالمسيح بالإيمان، وسوف يعمل فيهم الروح القدس ليعملوا بالوصية التي سمعوها. ويطلب
من الله أن «يهدي قلوبهم إلى محبة الله وإلى صبر المسيح». ومحبة الله فى القلب هي
أساس الأمانة والمواظبة على الطِلْبة وعلى خدمة الآخرين، ثم أن يهدي الله قلوبهم
إلى صبر المسيح – أي يصبح صبرهم مثل الصبر الذي أظهره المسيح في مواجهة الآلام.

هل تبحث عن  م المسيح المسيح هو الله فى الكنيسة الأولى 01

 

٢
– الرسول يحذّرهم من الكسل

٦
ثُمَّ نُوصِيكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ، بِٱسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ
ٱلْمَسِيحِ، أَنْ تَتَجَنَّبُوا كُلَّ أَخٍ يَسْلُكُ بِلا تَرْتِيبٍ،
وَلَيْسَ حَسَبَ ٱلتَّعْلِيمِ ٱلَّذِي أَخَذَهُ مِنَّا. ٧ إِذْ
أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ يُتَمَثَّلَ بِنَا، لأَنَّنَا لَمْ
نَسْلُكْ بِلا تَرْتِيبٍ بَيْنَكُمْ، ٨ وَلا أَكَلْنَا خُبْزاً مَجَّاناً
مِنْ أَحَدٍ، بَلْ كُنَّا نَشْتَغِلُ بِتَعَبٍ وَكَدٍّ لَيْلاً وَنَهَاراً، لِكَيْ
لا نُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ. ٩ لَيْسَ أَنْ لا سُلْطَانَ لَنَا،
بَلْ لِكَيْ نُعْطِيَكُمْ أَنْفُسَنَا قُدْوَةً حَتَّى تَتَمَثَّلُوا بِنَا.
١٠ فَإِنَّنَا أَيْضاً حِينَ كُنَّا عِنْدَكُمْ أَوْصَيْنَاكُمْ
بِهٰذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لا يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلا
يَأْكُلْ أَيْضاً. ١١ لأَنَّنَا نَسْمَعُ أَنَّ قَوْماً يَسْلُكُونَ
بَيْنَكُمْ بِلا تَرْتِيبٍ، لا يَشْتَغِلُونَ شَيْئاً بَلْ هُمْ فُضُولِيُّونَ.
١٢ فَمِثْلُ هٰؤُلاءِ نُوصِيهِمْ وَنَعِظُهُمْ بِرَبِّنَا
يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أَنْ يَشْتَغِلُوا بِهُدُوءٍ، وَيَأْكُلُوا خُبْزَ أَنْفُسِهِمْ.
١٣ أَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ فَلا تَفْشَلُوا فِي
عَمَلِ ٱلْخَيرِ (٢تسالونيكي ٣: ٦ – ١٣).

كان
فى تسالونيكي كثيرون من الكسالى الذين رفضوا العمل لأنهم كانوا ينتظرون سرعة مجيء
يوم الرب، وكانت نتيجة كسلهم أنهم صاروا فضوليين (آية ١١). والذين لا
يشتغلون يصرفون كل وقتهم فى خَلْق المشاكل للآخرين، وفي التدخُّل بدون مبرّر في
شئون العائلات الخاصة، ويوجّهون الانتقاد لإخوتهم سراً، ولا يفكرون فى مواجهتهم
صراحةً، ولا يصلّون من أجلهم. إنهم ينقلون الأخبار بين بيت وآخر ويسلكون بلا
ترتيب.

ويطلب
الرسول بولس من المؤمنين أن يتجنّبوا مثل هؤلاء. لا يطلب أن يبعدوهم عن الاجتماع،
بل أن يتجنَّبوهم ويقاطعوهم ليخجلوا من أنفسهم فيتوبوا. من المهم جداً أن جميع
المؤمنين يقدمون مثالاً صالحاً في حياتهم للترتيب والعمل اليومي ليحصلوا على
احتياجاتهم، حتى لا يطلبوا من غيرهم أن يساعدوهم، وحتى لا يكونوا عالةً على غيرهم
من المؤمنين الذين يشتغلون.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد قديم سفر المزامير 03

عزيزي
القارئ، هل ترى معي كيف تقدس المسيحية عمل الخير، وأن يكسب الانسان خبزه بعرق
جبينه، حتى لا يكون عالةً على غيره، بل أن يساعد غيره ويمدّ له يد العون؟ هناك مثل
قديم يقول: «الذى لا يعلِّم ابنه صنعة، يسلِّم ابنه للشيطان». اننا مطالَبون أن
نخدم الآخرين، لذلك يجب أن نجتهد أكثر لنخدم أنفسنا ولنخدم غيرنا – كما كان الرسول
بولس يفعل، فقد كدَّ ليلاً ونهاراً يعمل الخيام بيديه، فعَال نفسه وعال الذين
كانوا معه. وقال: «حَاجَاتِي وَحَاجَاتِ ٱلَّذِينَ مَعِي خَدَمَتْهَا
هَاتَانِ ٱلْيَدَانِ» (أعمال ٢٠: ٣٤).

كان
من حق بولس الرسول أن يأخذ معاشه وراتبه من الكنائس التى خدمها، فإن
«ٱلْفَاعِلَ مُسْتَحِقٌّ طَعَامَهُ (أجرته)» (متى ١٠:
١٠) و «ٱلَّذِينَ يُنَادُونَ بِٱلإِنْجِيلِ، مِنَ
ٱلإِنْجِيلِ يَعِيشُونَ» (١كورنثوس ٩: ١٤). ولكن
بولس لم يستعمل هذا الحق، ليعطي المؤمنين مثلاً صالحاً فى العمل اليومي، والذي لا
يشتغل لا يأكل.

ثم
يطلب الرسول بولس من المؤمنين في تسالونيكي أن لا يفشلوا في عمل الخير، فإن عمل
الخير باستمرار يجب أن يميّز الحياة المسيحية كل يوم. لقد جال المسيح يصنع خيراً،
وعلى المؤمنين أن يفعلوا ذات الشيء متمثّلين بالمسيح، ولذلك يقول الرسول بولس: «فلا
نفشل في عمل الخير». وأيضاً «فَلْنَعْمَلِ ٱلْخَيْرَ لِلْجَمِيعِ، وَلا
سِيَّمَا لأَهْلِ ٱلإِيمَانِ» (غلاطية ٦: ٩، ١٠)
فاننا مخلوقون في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدَّها لكي نسلك فيها
(أفسس ٢: ١٠).

هذه
النصيحة عن عمل الخير بروح صالحة تبيّن لنا الفرق بين سلوك الإخوة الأمناء، وسلوك
الذين لا يشتغلون، الذين يسلكون بدون ترتيب. ويقدم الرسول بولس نفسه نموذجاً، فقد
كان يشتغل بيديه لكيلا يعتمد على غيره، ولكيلا يثقل على المؤمنين. فلنخدم الرب في
عملنا اليومي ولنمجده.

 

٣
– يجب عدم مخالطة المخالِف

١٤
وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لا يُطِيعُ كَلامَنَا بِٱلرِّسَالَةِ، فَسِمُوا
هٰذَا وَلا تُخَالِطُوهُ لِكَيْ يَخْجَلَ، ١٥ وَلٰكِنْ لا
تَحْسِبُوهُ كَعَدُّوٍ، بَلْ أَنْذِرُوهُ كَأَخٍ (٢تسالونيكي ٣:
١٤، ١٥).

لابد
أن الرسول بولس كان يدرك أن بعض أعضاء الكنيسة لن يطيعوا الكلام الذي كتبه في هذه
الرسالة، ولذلك يقول لهم: «إذا كان بينكم من لا يطيع كلامنا في هذه الرسالة،
فلاحظوه وتجنَّبوه ليخجل. لا تعاملوه كعدّو بل انصحوه كأخ».

على
أنهم يجب أن يقدّموا له المحبة، فإن المقصود من عدم مخالطته هو إصلاحه. وعليهم أن
يوبّخوه على ذنبه بكل محبة، وأن يصلّوا من أجله، وأن يبيّنوا له أنهم يهتمون
بخيره، وأنهم يتأسفون على الضرر الذي يسبّبه لاسم الكنيسة ولاسم المسيح، ويبيّنون
له أن الكنيسة مستعدة أن تقبله إذا تاب ورجع عن عصيانه.

هل تبحث عن  شخصيات الكتاب المقدس عهد قديم قايين ن

آية
للحفظ

«لا
تَحْسِبُوهُ كَعَدُّوٍ، بَلْ أَنْذِرُوهُ كَأَخٍ» (٢تسالونيكي ٣:
١٥).

صلاة

ربنا
الصالح، علّمني أن أختلف مع الخطأ لكن أن أحب المخطئ، وأن لا أحسبه عدواً. ساعدني
لكي لا أكلم الآخرين عن خطئه، بل أكلمه هو عن خطئه حتى يتوب عنه وينصلح حاله، واذا
أخطأتُ أنا نبِّه قلبي الى خطئي وتّوِبني إليك.

 

خامساً
– الخاتمة

١٦
وَرَبُّ ٱلسَّلامِ نَفْسُهُ يُعْطِيكُمُ ٱلسَّلامَ دَائِماً مِنْ
كُلِّ وَجْهٍ. ٱلرَّبُّ مَعَ جَمِيعِكُمْ. ١٧ اَلسَّلامُ
بِيَدِي أَنَا بُولُسَ، ٱلَّذِي هُوَ عَلامَةٌ فِي كُلِّ رِسَالَةٍ.
هٰكَذَا أَنَا أَكْتُبُ. ١٨ نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ
ٱلْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ (٢تسالونيكي ٣:
١٦ – ١٨).

يختم
الرسول بولس هذه الرسالة بصلاة (آية ١٦) وبتحية (آية ١٧)
وبالبركة (آية ١٨).

أما
الصلاة فيطلب لهم فيها هدوء القلب والسلام، فان بولس يعلم أن الأمور التي ذكرها في
رسالته ستثير بينهم أحاديث ومجادلات، ولذلك فإنه يطلب من رب السلام أن يمنحهم
السلام في كل وقت وعلى كل حال. وهذا ممكن فقط عندما يكون الرب معهم جميعاً، فالرب
هو مصدر السلام في وسط المتاعب والاضطهادات والمشغوليات. ويختلف سلام الله عن
السلام الذي يعطيه العالم في أنه سلام دائم، في كل وقت، وسلام شامل في كل الظروف،
فانه «إنْ كان الله معنا فمن علينا؟».

وفي
الآية ١٧ يقدّم الرسول بولس تحية كتبها بخط يده هو شخصياً. لقد كان
الرسول يملي رسالته على شخص ليكتبها، لكن في النهاية أخذ هو القلم وأضاف بيده
كلمات قليلة كتحيَّة (قارن غلاطية ٦: ١١) وكانت هذه الكتابة
الشخصية علامة على صحة الرسالة حتى لا يقول أحد إنها صادرة من شخص آخر بخلاف بولس
الرسول، فقد سبق أن نشر بعض الناس رسائل وأقوالاً نسبوها إلى بولس الرسول، دون أن
يكون قد كتبها فعلاً (٢تسالونيكي ٢: ٢).

ويختم
الرسول بولس الرسالة ببركته المعتادة التي يتكلم فيها عن نعمة ربنا يسوع المسيح. لقد
افتتح الرسول رسالته بالنعمة وبالسلام ويختتمها بالسلام والنعمة… ليت سلام الله
يملك في قلوبنا ويصوغ طرقنا، وليتنا نعتمد في كل شيء على نعمة الله الكاملة التي
خلَّصتنا وقادتنا الى الله، والتى نؤمن وننتظر بكل يقين أنها ستتبعنا وترافقنا
وتقودنا إلى الوقت الذي فيه ندخل مجده.

وبّخ
الرسول بولس أهل تسالونيكي على كثير من أخطائهم، ولكنه يتمنى لهم نعمة ربنا يسوع
المسيح لتدوم في كل واحد منهم وباستمرار.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي