الإصحَاحُ
الْخَامِسُ

 

سابعاً
– تعليم عن يوم الرب (١تسالونيكي ٥: ١ – ١١)

كان
المؤمنون في تسالونيكي مشغولين بشأن المؤمنين الذين ماتوا قبل مجيء المسيح ثانية،
كما كانوا مشغولين بسؤال آخر وهو: متى سيجيء المسيح ثانية؟ وكان تلاميذ المسيح قد
سألوا عن الموعد (مرقس ١٣: ٣، ٤) ولكن المسيح قال لهم :
«لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا ٱلأَزْمِنَةَ وَٱلأَوْقَاتَ
ٱلَّتِي جَعَلَهَا ٱلآبُ فِي سُلْطَانِهِ» (أعمال ١: ٧)
والرسول بولس في هذا الجزء يطلب من المؤمنين أن ينتظروا بصبر موعد يوم الرب، دون
تحديد لذلك الموعد. ويحاول الرسول في هذه الآيات أن يوضح للمؤمنين أن الاستعداد
لمجىء يوم الرب هو أكثر أهمية من معرفة موعد مجيء يوم الرب. وفي هذا الجزء نجد
فكرتين:

1.
موعد يوم الرب غير معروف (آيات ١-٣)

2.
ضرورة السهر انتظاراً ليوم الرب (آيات ٤-١١)

١
– موعد يوم الرب غير معروف

١
وَأَمَّا ٱلأَزْمِنَةُ وَٱلأَوْقَاتُ فَلا حَاجَةَ لَكُمْ أَيُّهَا
ٱلإِخْوَةُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، ٢ لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ
تَعْلَمُونَ بِٱلتَّحْقِيقِ أَنَّ يَوْمَ ٱلرَّبِّ كَلِصٍّ فِي
ٱللَّيْلِ هٰكَذَا يَجِيءُ. ٣ لأَنَّهُ حِينَمَا يَقُولُونَ:
«سَلامٌ وَأَمَانٌ» حِينَئِذٍ يُفَاجِئُهُمْ هَلاكٌ بَغْتَةً، كَٱلْمَخَاضِ
لِلْحُبْلَى، فَلا يَنْجُونَ (١تسالونيكي ٥: ١ – ٣).

يبدأ
الرسول بالقول إنه لا يوجد ما يدعو أن يكتب لهم عن موعد مجيء يوم الرب، فقد سبق أن
قال لهم عندما زارهم إن هذا الموعد غير معروف. وهو هنا يقدم تشبيهاً أن يوم الرب
يشبه مجيء لص في الليل، لا يعرف صاحب البيت متى يجيء. وقد ذكر المسيح هذا التشبيه
(متى ٢٤: ٤٣).

ويوم
الرب هو مجيء المسيح الذي أشار اليه بطرس في موعظته يوم الخمسين (أعمال ٢:
٢٠). وهو يوم يجيء بغتةً بلا تنبيه ولا انتظار، وسيندهش العالم كله
لأن أهله غير مستعدين لهذا اليوم العظيم، فإذا بهم يقولون: «سلام وأمان». بمعنى لا
داعي للخوف فلا يُوجَد ما يدلّ على سرعة مجيء المسيح، وإذا بذلك اليوم يفاجئهم
بغتة، تماماً كما فاجأ الطوفان قوم نوح غير المؤمنين، وكما فاجأت النار أهل سدوم
وعمورة. يشبه يوم الرب وقت المخاض للحبلى، واذا بهؤلاء البشر غير المستعدين لا
ينجون. ويقول الرسول إنه بالرغم من عدم معرفتنا لموعد المجيء، إلا أننا يجب أن
نكون مستعدين له حتى لا نُؤخذ على غِرّة، الأمر الذي سيحدث مع الأشرار الذين
يقولون: «أَيْنَ هُوَ مَوْعِدُ مَجِيئِهِ؟ لأَنَّهُ مِنْ حِينَ رَقَدَ
ٱلآبَاءُ كُلُّ شَيْءٍ بَاقٍ هٰكَذَا مِنْ بَدْءِ ٱلْخَلِيقَة!»
(٢بطرس ٣: ٤).

يُسمِّي
الرسول اليوم الأخير «يوم الرب» وليس «يوم الدِّين» – لأن يوم الرب مصدر سعادة
للمؤمنين، لأنه «لا شَيْءَ مِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ ٱلآنَ عَلَى
ٱلَّذِينَ هُمْ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، ٱلسَّالِكِينَ لَيْسَ
حَسَبَ ٱلْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ ٱلرُّوحِ» (رومية ٨: ١)

 

٢
– الحاجة للسهر

٤
وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ فَلَسْتُمْ فِي ظُلْمَةٍ حَتَّى
يُدْرِكَكُمْ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ كَلَِصٍّ. ٥ جَمِيعُكُمْ
أَبْنَاءُ نُورٍ وَأَبْنَاءُ نَهَارٍ. لَسْنَا مِنْ لَيْلٍ وَلا ظُلْمَةٍ. ٦
فَلا نَنَمْ إِذاً كَٱلْبَاقِينَ، بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ، ٧ لأَنَّ
ٱلَّذِينَ يَنَامُونَ فَبِاللَّيْلِ يَنَامُونَ، وَٱلَّذِينَ
يَسْكَرُونَ فَبِاللَّيْلِ يَسْكَرُونَ. ٨ وَأَمَّا نَحْنُ ٱلَّذِينَ
مِنْ نَهَارٍ، فَلْنَصْحُ لابِسِينَ دِرْعَ ٱلإِيمَانِ
وَٱلْمَحَبَّةِ، وَخُوذَةً هِيَ رَجَاءُ ٱلْخَلاصِ. ٩ لأَنَّ
ٱللّٰهَ لَمْ يَجْعَلْنَا لِلْغَضَبِ، بَلْ لٱقْتِنَاءِ
ٱلْخَلاصِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ١٠
ٱلَّذِي مَاتَ لأَجْلِنَا، حَتَّى إِذَا سَهِرْنَا أَوْ نِمْنَا نَحْيَا
جَمِيعاً مَعَهُ. ١١ لِذٰلِكَ عَّزُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً
وَٱبْنُوا أَحَدُكُمُ ٱلآخَرَ، كَمَا تَفْعَلُونَ أَيْضاً
(١تسالونيكي ٥: ٤ – ١١).

يوم
الرب رعب للأشرار، ويوم سعادة للمؤمنين. سيكون كمجيء لصٍ لأشخاص غير مستعدين، لكنه
سيجيء للمنتظرين كسعادة حقيقية لأنهم كانوا ينادون المسيح قائلين: «تعال أيها الرب
يسوع».

وفي
هذه الآيات يوضّح الرسول بولس ضرورة السهر والاستعداد لمجئ يوم الرب. ونجد في هذه
الآيات ثلاثة أفكار:

مجيء
يوم الرب مجيء فاحص، مثل الامتحان (آيتا ٤، ٥)

مجيء
يوم الرب يحضُّنا على اليقظة (آيات ٦ – ٨)

وهذا
المجيء يشجّعنا (آيات ٩ – ١١)

(أ)
يوم الرب يوم امتحان، يفصل بين أبناء النور وأبناء الظلمة (آيتا ٤، ٥)

وعلينا
أن نفحص أنفسنا لنعرف لأي فريق ننتمي. لقد كانوا في الظلمة قبل التعرُّف على
المسيح، أما الآن فإنهم نور في الرب (أفسس ٥: ٨) وعليهم أن يسلكوا كأبناء
نور، ساهرين وصاحين منتظرين مجيء الرب بانتباه، كما يقول لنا الرسول بطرس:
«نِهَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ قَدِ ٱقْتَرَبَتْ، فَتَعَقَّلُوا وَٱصْحُوا
لِلصَّلَوَاتِ» (١بطرس ٤: ٧). وكما يقول المسيح: «اِسْهَرُوا
وَصَلُّوا لِئَلا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ» (متى ٢٦: ٤١).
وكما قال: «ٱحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ لِئَلا تَثْقُلَ قُلُوبُكُمْ فِي
خُمَارٍ وَسُكْرٍ وَهُمُومِ ٱلْحَيَاةِ، فَيُصَادِفَكُمْ ذٰلِكَ
ٱلْيَوْمُ بَغْتَةً. لأَنَّهُ كَٱلْفَخِّ يَأْتِي عَلَى جَمِيعِ
ٱلْجَالِسِينَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ ٱلأَرْضِ. اِسْهَرُوا إِذاً
وَتَضَرَّعُوا فِي كُلِّ حِينٍ، لِكَيْ تُحْسَبُوا أَهْلاً لِلنَّجَاةِ مِنْ
جَمِيعِ هٰذَا ٱلْمُزْمِعِ أَنْ يَكُونَ، وَتَقِفُوا قُدَّامَ
ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ» (لوقا ٢١: ٣٤ –
٣٦).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ح حارث 1

(ب)
ويوم الرب يحضُّنا على السهر (آيات ٦ – ٨)

علينا
أن نسهر وعلينا أن نكون صاحين، فالذين ينامون هم الذين لا يهتمّون، لأنهم يسلكون
في ظلمة الليل، ويشتركون مع المتسيّبين الذين يسكرون. ويؤكّد الرسول لأهل
تسالونيكي أنهم أبناء نهار، ولذلك فعليهم أن يكونوا صاحين، وأن يلبسوا درع الإيمان
ودرع المحبة.

والدرع
ثوب معدني يلبسونه على الصدر ليحمي الشخص الذي يلبسه من ضربات السهام. وهناك شيئان
يحميان صدر المسيحي: (١) الإيمان الذي هو الثقة بالله وعنايته. (٢)
المحبة من نحو الله والناس. ويطالبنا الرسول أن نلبس خوذة هي رجاء الخلاص. والخوذة
هي ما يلبسه الجندي على رإسه ليحميه من الخطر. والخوذة هنا هي رجاء المؤمن في أن
الله يخلّصه من الخطية ومن الهلاك. وهكذا نجد الفضائل المسيحية الثلاث: الايمان
والمحبة والرجاء.

عزيزي
القارئ، هل امتلأ قلبك بهذه الفضائل الثلاث؟ ان الرسول يحضُّك على أن تصحو وأن
تسهر وأن تلبس سلاحك الكامل.

(ج)
ويوم الرب يوم يشِّجع المؤمنين (آيات ٩ – ١١)

لم
يعيّن الله المؤمنين منذ الازل لاحتمال نتائج غضبه، لأن نتائج الغضب تحلّ بأبناء
المعصية. لكن الله عيَّن المؤمنين لاقتناء الخلاص، كما يقول: «تَمِّمُوا
خَلاصَكُمْ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ» (فيلبي ٢: ١٢). وهذا الخلاص هو
بربنا يسوع المسيح، الوسيط الوحيد لخلاص الخطاة، الذي دفع أجرة خطيتهم في فدائه،
والذي يقول لهم: «بِدُونِي لا تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً» (يوحنا
١٥: ٥).

هذا
المسيح الذي مات لأجلنا فدفع أجرة خطيتنا، هو الذي يضمن لنا خلاصنا، سواء «سهرنا
أو نِمْنا» أي سواء كنّا أحياء أو أمواتاً عند مجيئه ثانية، لأننا «إِنْ عِشْنَا
فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ، وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ. فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ
مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ» (رومية ١٤: ٨).

والأحياء
والأموات عند مجيء المسيح ثانية سيحيون جميعهم معه، لأنهم متحدون بالمسيح الذي
قال: «إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ» (يوحنا ١٤:
١٩).

ويختم
الرسول حديثه عن يوم الرب بقوله: «عّزُوا بعضكم بعضاً» بمعنى: شجعوا بعضكم بعضاً
بالكلام عن هذه الأمور، لتكون واسطة لتثبيت إيمانكم، وزيادة طاعتكم للرب. ويطلب
منهم أن يبنوا بعضهم بعضاً، الأمر الذي يفعلونه فعلاً.

عزيزي
القارئ، سيكون يوم الرب يوم رعب على الخطاة، وسيكون يوم بركة للمؤمنين. ونسألك
الآن: مِن أيّ فريق أنت، الى أية جماعة تنتمي؟ إنْ كنتَ بعيداً عن الرب نطالبك
باسم الرب أن تفتح قلبك للمسيح لتنتمي لفريقه، فتنتظر مجيئه بفرح وتمتلئ نفسك
بالتعزية والرجاء.

 

ثامناً
– وصايا عن الحياة المسيحية العملية

١٢
ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنْ تَعْرِفُوا ٱلَّذِينَ
يَتْعَبُونَ بَيْنَكُمْ وَيُدَبِّرُونَكُمْ فِي ٱلرَّبِّ وَيُنْذِرُونَكُمْ،
١٣ وَأَنْ تَعْتَبِرُوهُمْ كَثِيراً جِدّاً فِي ٱلْمَحَبَّةِ
مِنْ أَجْلِ عَمَلِهِمْ. سَالِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً. ١٤ وَنَطْلُبُ
إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ: أَنْذِرُوا ٱلَّذِينَ بِلا
تَرْتِيبٍ. شَجِّعُوا صِغَارَ ٱلنُّفُوسِ، أَسْنِدُوا ٱلضُّعَفَاءَ.
تَأَنَّوْا عَلَى ٱلْجَمِيعِ. ١٥ ٱنْظُرُوا أَنْ لا
يُجَازِيَ أَحَدٌ أَحَداً عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ، بَلْ كُلَّ حِينٍ ٱتَّبِعُوا
ٱلْخَيْرَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيعِ. ١٦
ٱفْرَحُوا كُلَّ حِينٍ. ١٧ صَلُّوا بِلا ٱنْقِطَاعٍ.
١٨ ٱشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هٰذِهِ هِيَ
مَشِيئَةُ ٱللّٰهِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ.
١٩ لا تُطْفِئُوا ٱلرُّوحَ. ٢٠ لا تَحْتَقِرُوا
ٱلنُّبُّوَاتِ. ٢١ ٱمْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا
بِٱلْحَسَنِ. ٢٢ ٱمْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَرٍّ.
٢٣ وَإِلٰهُ ٱلسَّلامِ نَفْسُهُ يُقَدِّسُكُمْ
بِٱلتَّمَامِ. وَلْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ وَنَفْسُكُمْ وَجَسَدُكُمْ كَامِلَةً
بِلا لَوْمٍ عِنْدَ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. ٢٤
أَمِينٌ هُوَ ٱلَّذِي يَدْعُوكُمُ ٱلَّذِي سَيَفْعَلُ أَيْضاً
(١تسالونيكي ٥: ١٢ – ٢٤).

في
الجزء الأخير من هذه الرسالة يقدّم الرسول بولس مجموعة نصائح عن الحياة المسيحية
العملية في سلوك كل يوم:

١
– نصيحة بخصوص القادة (آيتا ١٢، ١٣)

هل تبحث عن  م الكتاب المقدس الإنجيل كيف كتب وكيف وصل إلينا 03

لا شك
أن قادة الكنيسة في تسالونيكي وبّخوا المؤمنين الكسالى الذين لم يشتغلوا لأنهم
كانوا ينتظرون مجيء المسيح ثانية. ويضمُّ الرسول بولس صوته مع أولئك مطالباً مؤمني
تسالونيكي بالغيرة والعمل. ويبدو أن أعضاء الكنيسة نظروا إلى القادة نظرة عدم
توقير، لأنهم جميعاً حديثون في الإيمان، فكيف يصبح بعضهم قادة بينما عمرهم الروحي
متقارب؟

والرسول
هنا يطلب من أولئك المؤمنين أن يخضعوا للقادة، وأن يعتبروهم كثيراً جداً في المحبة
من أجل عملهم. والرسول يطالب المؤمنين بثلاثة أشياء من نحو قادتهم:

أن
يعرفوا قادتهم، بمعنى أنهم يُظهرون بأعمالهم أنهم يعرفون قيمة الشخص الذي يخدمهم
ويقوم بواجبه من نحوهم، لأنهم يتعبون بينهم ويدبّرون أمورهم وينذرونهم من الأخطار
التي تحيط بهم.

أن
يعتبروهم كثيراً، أي أن يكرموهم ويخضعوا لهم ويحبّوهم بسبب العمل الذي يقومون به.
ولقد قال الانجيل: «اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ ٱلَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ
بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ. ٱنْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ
فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ. أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَٱخْضَعُوا، لأَنَّهُمْ
يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَاباً، لِكَيْ
يَفْعَلُوا ذٰلِكَ بِفَرَحٍ، لا آنِّينَ، لأَنَّ هٰذَا غَيْرُ نَافِعٍ
لَكُمْ» (عبرانيين ١٣: ٧، ١٧).

أن
يعيشوا في سلام معهم، فبسبب حداثة إيمانهم، وتقصيرهم في أداء واجباتهم المسيحية،
وقعوا في اختلافات ومخاصمات. والرسول يطالبهم أن يسالموا بعضهم بعضاً.

٢
– نصائح بخصوص جماعة المؤمنين (آيتا ١٤، ١٥)

هذه
النصائح يقدّمها الرسول لكل المؤمنين إذْ يفكرون في بعضهم البعض. ويبدأها بقوله:
«انذروا الذين بلا ترتيب». فهناك جماعة غير مرتَّبين، مثل الجنود الذين لا يسيرون
في صفوف الجنود. ولابد أن بعض المؤمنين في تسالونيكي لم يطيعوا كلمة الله ولا
مرشديهم ولا نظام الكنيسة. والرسول يطلب من غيرهم من المؤمنين أن ينذروهم وأن
يحذروهم من الخطأ الذي وقعوا فيه.

ويطلب
منهم أن «يشجّعوا صغار النفوس» الذين خافوا من الاضطهاد، أو الذين حزنوا على موت
أصحابهم، فضعُف إيمانهم ونقصت شجاعتهم وهاجمتهم الشكوك. والرسول يطلب أن نعامل
أمثال هؤلاء معاملة رقيقة لطيفة وأن نشجعهم.

ثم
يطلب أن «نسند الضعفاء» في الروحيات لقِلّة معرفتهم، ولضعف إيمانهم، ولقلّة
صلواتهم. نسندهم بأن نصلي من أجلهم ونساعدهم أن يصلوا من أجل بعضهم البعض.

ثم
يطلب أن «يتأنّوا على الجميع» من الذين داخل الكنيسة وخارج الكنيسة. وكثيراً ما
نسمع من شخص أن أناته قد وصلت الى منتهاها، ولكن ما أعظم حاجتنا أن ندرّب أنفسنا
باستمرار على أن نطيل أناتنا على الإخوة، بأن لا نجازي أحداً عن شر بشر، وأن لا
نقاوم الشر بالشر (متى ٥: ٣٩ – ٤٢) كما قال الرسول
بطرس: «غَيْرَ مُجَازِينَ عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ أَوْ عَنْ شَتِيمَةٍ بِشَتِيمَةٍ،
بَلْ بِٱلْعَكْسِ مُبَارِكِينَ» (١بطرس ٣: ٩) ونتأنى على
الجميع بأن نتبع الخير بعضنا لبعض وللجميع، فنعمل الصالح اللائق أمام الله منكرين
نفوسنا. كما قال الرسول: «كُونُوا كَارِهِينَ ٱلشَّرَّ مُلْتَصِقِينَ
بِٱلْخَيْرِ. لا يَغْلِبَنَّكَ ٱلشَّرُّ بَلِ ٱغْلِبِ
ٱلشَّرَّ بِٱلْخَيْرِ» (رومية ١٢: ٩، ٢١)
وعلينا أن نكون في أناة صانعين الخير لإخوتنا من المؤمنين، ولجميع الذين هم من
خارج جماعة المؤمنين أيضاً.

٣
– نصائح من جهة الحياة الشخصية (آيات ١٦ – ٢٤)

بعد
أن تحدث الرسول بولس عن واجب المؤمن من نحو قادته الروحيين، ومن نحو إخوته
المؤمنين، يبدأ في الحديث عن واجبات المؤمن الشخصية فيقول:

افرحوا.
لنفرح ونحن نذكر مغفرة خطايانا، ونحن نذكر أن الله دائماً معنا، ونحن نعلم أن كل
الاشياء تعمل للخير للذين يحبون الله.

وقد
يقول قائل: كيف أفرح وعندي خسائر ومصاعب وأحزان؟ الاجابة: أنظر الى المسيح مثالك
في كل شيء، الذي في وسط أحزانه قال لتلاميذه: «كَلَّمْتُكُمْ بِهٰذَا لِكَيْ
يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ» (يوحنا ١٥:
١١) هذا الفرح لا يستطيع أحد أن ينزعه من المؤمن (يوحنا
١٦: ٢٢). فإن إلهنا إله الفرح.

صلَّوا
بلا انقطاع. بمعنى اتّجه إلى الله دائماً بقلبك وبفكرك. لا يلزم أن تدخل مخدعك
وتغلق بابك وتنفصل عن العالم. لكن يلزم أن تكون على صلة يومية بالرب، تكلمه دائماً
عن كل مشكلة تعترض سبيلك، وتشكره على كل بركة صغيرة أو كبيرة يمنحها لك.

اشكروا
في كل شيء. فهكذا يريد الله لك أن تفعل. عندك أشياء كثيرة يمكن أن تشكر الله
عليها، فحّوِلْ نظرك إلى الأشياء المنيرة. لا تنْسَ فضل الله عليك، إن المرنم يقول
لنفسه: «باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته». ما أكثر ما ننسى حسنات الله، وما
أكثر ما نتذمر. ولكن لا تنْسَ أن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتك،
والمسيح هو الذي يعطيك القدرة على أن تكون شاكراً في كل شيء.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس بولسية عهد جديد إنجيل مرقس 08

لا
تطفئوا الروح. لأن عمل الروح القدس يشبه عمل النار في التنقية. والمؤمن يطفئ روح
الله عندما لا يستخدم الموهبة التى أعطاها له الروح القدس. علينا أن نضرم الموهبة
التي أعطاها لنا روح الله.

لا
تحتقروا النبوات. والنبّوَة هي الوعظ، لأن مَنْ يتنبأ يكلّم الناس ببُنيان ووعظ
وتسلية (١كورنثوس ١٤: ٣) ويقول الرسول إن النبوة أو الوعظ
هي أفضل من غيرها من المواهب (١كورنثوس ١٤: ٥،
٣٩). لذلك عندما نسمع الوعظ يجب أن نصغي اليه باحترام، وأن ندعو
أصدقاءنا ليستمعوا الى كلمة الله. وعندما يكلّمنا روح الله القدوس في الوعظ علينا
أن ننتبه – «اليوم إنْ سمعتُم صوته فلا تقسّوا قلوبكم» مزمور ٩٥:
٧، ٨ وعبرانيين ٣: ٧، ٨).

عيشوا
حياة القداسة. (آيات ٢١ – ٢٤) في هذه الآيات يحضُّنا
الرسول بولس على ضرورة الحياة النقية، فعلينا أن نمتحن كل شيء لنتمسك بالحسن، كما
قال الرسول يوحنا: «لا تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ ٱمْتَحِنُوا
ٱلأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ ٱللّٰهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ
كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ» (١يوحنا
٤: ١) وآلة الامتحان الصحيحة هي كلمة الله كما قال النبي اشعياء
«إِلَى ٱلشَّرِيعَةِ وَإِلَى ٱلشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا
مِثْلَ هَذَا ٱلْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ!» (إشعياء ٨:
٢٠) وعلينا أن نمتحن الذين يكلّموننا من ثمارهم، لأنه من «ثِمَارِهِمْ
تَعْرِفُونَهُمْ» (متى ٧: ٢٠) وعلينا أن نطلب الروح القدس
ليرشدنا (يوحنا ١٦: ١٣) وبعد أن نفحص كل شيء نتمسك بالحسن
ونمتنع عن كل شبه شر.

وشبْهُ
الشر هو الشيء الذى لا لون واضح له، فنحن لسنا متأكّدين أنه خير، ولسنا متأكدين
أنه شر.

وشبه
الشر هو الشيء الذى يقودنا الى الوقوع في الشر.

ثم
يقول الرسول إن إله السلام الذي صالحنا معه، والذي يوجِدُ السلام بين المؤمنين، هو
الذي يقدّسنا بالتمام حتى لا نكون ناقصين في شيء، وهو الذي يحفظ روحنا ونفسنا
وجسدنا كاملة، بمعنى أنه يحفظ الانسان كله، حتى عندما يجيء المسيح ثانية للفحص
والامتحان النهائي يجد أننا بلا لوم. ويختم الرسول هذا الجزء بقوله إننا نبني
قداستنا على أمانة الله الذي يدعونا لحياة التقوى، الذي سيفعل أيضاً باستمرار،
لأنه مكتوب «ٱلَّذِينَ دَعَاهُمْ فَهٰؤُلاءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضاً.
وَٱلَّذِينَ بَرَّرَهُمْ فَهٰؤُلاءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضاً» (رومية
٨: ٣٠).

 

تاسعاً
– خاتمة الرسالة

٢٥
أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ صَلُّوا لأَجْلِنَا. ٢٦ سَلِّمُوا عَلَى
ٱلإِخْوَةِ جَمِيعاً بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ. ٢٧ أُنَاشِدُكُمْ
بِٱلرَّبِّ أَنْ تُقْرَأَ هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةُ عَلَى جَمِيعِ
ٱلإِخْوَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ. ٢٨ نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ
ٱلْمَسِيحِ مَعَكُمْ. آمِينَ (١تسالونيكي ٥: ٢٥ –
٢٨).

يختم
الرسول بولس هذه الرسالة بأن يطلب من المؤمنين أن يصلّوا من أجله، فقد كانت عليه
مسئوليات كبيرة، وكان يواجه مقاومة شديدة، وكان معرَّضاً للخطر والفقر. كان
محتاجاً للصلاة ليجد التشجيع والقوة والشجاعة في الخدمة. إنْ كان الرسول بولس قد
طلب من الإخوة أن يصلّوا من أجله، فكم يحتاج خادم كنيستك أن تصلي من أجله! صلّ من
أجل المسئولين. صلّ من أجل إخوتك. ودعونا نرفع بعضنا بعضاً أمام عرش النعمة في
الصلاة.

ويطلب
الرسول بولس منهم أن يسلّموا بعضهم على بعض بقبلة مقدسة، فقد كانت العادة في
الكنيسة الأولى أنهم بعد صلاة يوم الأحد يقبّل الرجال بعضهم وتقبّل السيدات
بعضهنّ، علامة على المحبة الشديدة، من قلبٍ طاهر، بلا رياء.

ويختم
الرسول الرسالة بأن يناشد الأخوة أن يقرأوا ما كتبه لهم على جميع القديسين، حتى
يعرف كل المؤمنين في كل مكان ما كتبه. وما يقوله الرسول هنا ينطبق عليك أنت يا
عزيزي القارئ، فعليك أن تقرأ الكلمة المقدسة ليسمعها غيرك، وأن تشارك الآخرين
فيها. أنت تقرأ لتجد البركة، وتشارك غيرك في هذه البركة.

وتختم
الرسالة بالقول: «ونعمة ربنا يسوع المسيح معكم». فقد طلب لهم نعمة الله الكاملة
لتسندهم، ولتمنحهم كل غنى البركات الإلهية.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي